نص كلمة بين مناسبة ذكرى ميلاد السيدة زينب و استشهاد السيدة الزهراء عليهما السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف أنبيائه ورسله محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم على اعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يفْقَهُوا قوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) انه قال: «ان فاطمة بضعة منى وانا منها»[2]
مناسبات أهل البيت عليهم السلام؛ دروس وعبر وعطاء
نعيش هذه الليلة بين مناسبتين عظيمتين جليلتين كبيرتين، ذكرى ميلاد الحوراء زينب سلام الله عليها التي مر ذكرى مولدها الشريف في ليلة الجمعة الماضية، وذكرى شهادة سيدة نساء العالمين الحوراء الزهراء بنت النبي الحبيب المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والتي تصادف ليلة السبت القادمة ان شاء الله.
كل مناسبات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام تجود بالعطاء الوفير وتدعونا كي نأخذ حصتنا وافيةً منها، سواءٌ كانت المناسبة تتصف بصفة الحزن كما في شهادة الزهراء مثلا أو اتصفت بصفة الفرح كذكرى ميلاد ابنتها زينب سلام الله عليها، حياتهم أصل العطاء وما رشح عن حياتهم هو عبارة عن دروس وعبر يستفيد منها الإنسان الذي يبحث عن الخير لنفسه، البعض يتصور ان الذي يستفيد من عطاء المرأة وصفاتها هي المرأة فقط، نعم هي أولى بذلك لكن أيضا للرجال نصيب في حيات النساء الفاضلات كالزهراء سلام الله عليها، لان الزهراء سلام الله عليها مضرب المثل في الكثير من جوانب الحيات المشرقة.
مثلا عبادتها؛ فالكل يعلم بان العبادة أصل التشريع: ﴿و ما خَلَقتُ الجِنَّ و الاِنسَ اِلّا لِيَعبُدون﴾[3]، الزهراء سلام الله عليها في هذا الجانب قدمت للبشرية عامة وللمسلمين خاصة دروس ومشاهد خارجية تؤصل للارتباط المباشر بين الإنسان وربه، بين المخلوق وخالقه من خلال هذا المسار اي مسار العبادة.
الصلاة ودورها المحوري بين العبادات
العبادة أيها الأحبة لم تشرّع إلا لأهداف ولابد وان تكون هذه الأهداف في أعلى درجات السمو، اي لا تكون سامية فقط وإنما في أعلى درجات السمو، القرآن الكريم يقول: ﴿اِنَّ الصَّلوٰةَ تَنهىٰ عَنِ الفَحشاءِ و المُنكَرِ﴾[4] هذا من جهة ومن جهة أخرى يقول الإمام الحسين (ع): «وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»[5]؛ إذن الصلاة هي الطريق المختصر، لو ان الصلاة عملت في داخلنا وأثرت في وجداننا وتركت أثرها فينا لكفينا مؤونة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفروع، لكن لان الصلاة لا تتعدى في الكثير من الاحايين الظرف الخارجي، القول المركب الخارجي من قيام وقعود وركوع وسجود لذلك فهي لا تترك الاثر الكامل عندنا، هذه الصلاة قد تكون مقبولة عند الله سبحانه وتعالى ومسقطة للتكليف لكن هل هي ذات اثر فيما ينسجم واصل التشريع؟ الصلاة عندما تتحول إلى حركة في داخل نفس الإنسان حينها ستدفعه في اتجاه الخير وتقبض يده ان يبسطها في جانب الشر والعياذ بالله، فلا يمكن ان يتصف الإنسان المجرم بشتى أنواع الاجرام مثل الظلم الذي هو جريمة، او القتل الذي هو جريمة، او سرقة المال الذي هو جريمة، أو التعدي على الناس الذي هو جريمة وهكذا متى ما وجدت واتصف الإنسان في واحدة من هذه الصفات فهو انسان غير مصلي وان أداها شكلاً، اما مضمونا لم تؤدى الصلاة، لأنها لم تعطي فاعليتها، في الاتجاه الآخر، الصلاة تدفع في اتجاه تحصيل الخيرات ﴿اِنَّ الصَّلوٰةَ تَنهىٰ عَنِ الفَحشاءِ و المُنكَرِ﴾ لاحظوا الآية لم تقل ان الصلاة تدعو إلى الصيام والحج والعمرة وما... لأن هذه الامور ضمنا تصل إلينا من خلال النهي عنه، فهي دافعة إلى مساحة الخير، واساسا يفترض ان تكون مساحة الخير هي الأساس الأولى التي يشغلها الإنسان بكل وجدانه ووجوده.
الزهراء سلام الله عليها ترسم لنا طريق العبادة
الزهراء سلام الله عليها في هذا الجانب ترسم لنا طريق، فهي حتى في آخر لحظة من حياتها اغتسلت ثم آوت إلى غرفتها قالت لخادمتها إذا انقطع صوتي ناديني فان أجبت والا فاعلمي اني مرتحلة إلى جوار ربي، يعني اذا انقطعت المسافة اي مساحة القرب الأولى، مساحة القرب المعنوي اي العبادة، أصبح الان انتقال من عالم إلى عالم، الإمام الحسن (ع) كان يسمع من أمه بعد كل فرض ونفل الدعاء منها لشيعتها ان لا يدخلوا في النار، الزهراء تدعو لجيرانها ان تكون حياتهم الأفضل، الزهراء مشغولة بالدعاء، الإمام (ع) يقول دخلت عليها وإذا بها تردد اي الهي شيعتي شيعتي شيعتي حتى انقطع صوتها! فاذا كانت أم بهذه الدرجة من الحنان والعاطفة والخوف علينا فكيف نجازيها! هل نجازيها إلا بطيب الأفعال التي كانت تدعو ان يكون لنا وحسن السيرة التي تتمناها لنا والقرب من الله سبحانه وتعالى الذي أجهدت نفسها ترويضاً لنستفيد منه درسا ونقدح منه قبساً نضيء طريقنا من خلاله، الزهراء عالم لكن عالم خاص، الزهراء خصوصياتها يعرفها الأقرب فالأقرب منها يعرفها النبي محمد وعليٌ والحسن والحسين والكوكبة الطاهرة من الأئمة المعصومين من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وحيث يتعذر علينا التعرف على جميع جوانبها منحنا الله فرصة من نوع آخر قريبة هي عبارة عن زهراء مصغرة هي السيدة زينب سلام الله عليها.
قراءة السيدة الزهراء من خلال قراءة السيدة زينب سلام الله عليهما
زينب التي حق لأحدهم ان يقول:
فلو كان النساء كمثل هذي *** لفضلت النساء على الرجال
كم من الرجال نفضوا أيديهم من الإمام الحسين (ع) في كربلاء وبقيت زينب، هؤلاء ولوا الدبر، لاذوا بالفرار وثبتت السيدة زينب سلام الله عليها، الذي يريد ان يقترب ويقرأ الزهراء سلام الله عليها قراءة صحيحة لا يقبل منه ان يتعذر ويقول بان الزهراء سلام الله عليها لا يعرفها إلا المعصوم، بل عليه ان يقرء زينب سلام الله عليها لان زينب الصورة المصغرة لامها في عبادتها، في علمها، في عملها، في صبرها، في تضحيتها، في جهادها... هذه هي زينب سلام الله عليها، زينب سلام الله عليها أم الشهداء في كربلاء قدمت الكثير من الشهداء، زينب حاملة لواء كربلاء بعد استشهاد الإمام الحسين سلام الله عليه، زينب انموذج الصبر الأكبر، عندما غادر النبي الاعظم (ص) هذه الدنيا كانت زينب طفلة صغيرة، زينب سلام الله عليها تستقبل الحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام وهم يحملون اباهم عليا (ع) مضرج بدماء الشهادة، من مسجد الكوفة إلى بيته.
السيدة زينب سلام الله عليها شموخ واباء
هذه هي زينب لا كما يصورها البعض! زينب سلام الله عليها عندما تدخل على الإمام أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام تدخل وهي في تلك الحالة التي انتم اعرف بها أما مع أمها الزهراء، لاحظوا التاريخ لا يعطينا شيء، يقول جاء الإمام الحسن والإمام الحسين من مسجد رسول الله (ص) ودخلا إلى بيت فاطمة سألا من فضة أين أمنا؟ قالت في الغرفة هي نائمة، من حقي أنا وأنت ان نسال في تلك اللحظات اين كانت زينب! قد يكون عندما دخل الإمام الحسن والحسين كانت زينب عند رأس أمها، او لأنها كانت طفلة صغيرة كانت في حضن أمها، هذا ايضا احتمال وارد، وهناك احتمال آخر وهو ان فضة غيّبت زينب كي لا ترى مشهد رحيل الزهراء سلام الله عليها حتى يأتي الحسن والحسين، زينب جبل الصمود، جبل الصبر، لما أصبح المشهد في كربلاء بهذا الشكل واندارت الأمور بهذه الطريقة العجيبة الغربية التي لا تتأتي الا من أوتي مدداً من السماء وليد تنقلات، السيدة زينب سلام الله عليها رأت جميع المشاهد المأساوية من رحيل النبي الاعظم (ص) وكذلك الزهراء والامام علي والامام الحسن عليهم السلام وآخر شيء الإمام الحسين (ع) وأصعب موقف على زينب سلام الله عليها ان ترى الخيل تطأ صدر الحسين سلام الله عليه رغم ذلك ما ضعفت وما انهارت واشتغلت بلم العيال والاطفال جمعتهم لتحافظ عليهم ثم انحدرت في الميدان.. لكن يأتي شخص ويخدعنا ويلتف علينا ويصور لنا زينب في صورة المرأة التي تعيش الضعف والذل والمسكنة وتستعطف بني أمية! لا نحن نرفض هذا، زينب التي رباها الامام علي (ع) وفاطمة سلام الله، وزينب التي ظلل عليها رسول الله (ص) وزينب التي اكتنف مسيرتها ينبوع العصمة في الحسن والحسين عليهما السلام لا يمكن الا ان تكون زهراء صغيرة، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يفتح على بناتنا وأخواتنا وأهلينا، ان يتبصروا سيرة زينب سلام الله عليها، في عزتها، في شرفها، في كرامتها، في علمها، في عطائها، في تضحياتها، في قوة منطقها وشدة منطقها وقوة حجتها وبرهانها، نسال من الله سبحانه وتعالى ذلك، رزقنا الله وإياكم زيارة الزهراء سلام الله عليها وزيارة زينب سلام الله عليها وجمع مراقد الائمة الاطهار عليهم السلام، انه ولي ذلك وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.