نص كلمة: بمناسبة تكريم طلاب الدورة الخامسة للقرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي قاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف عن أبي عبد الله الصادق (ع) انه قال: «من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عز وجل مع السفرة الكرام البررة وكان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة»[2]
أهمية حضور القرآن في وسط الأمة
شرفٌ عظيم ان أمثل بين أيديكم للمرة الثانية خلال فترة زمنية قصيرة، في المرة الأولى كنا نحاول معالجة مفردة طارئة على مجتمعنا المؤمن، وفي هذه الليلة ها نحن في محفل قرآني نوراني نسجت خيوط معالمه بكم، وعلى أساس من أنفاسكم الطاهرة أيها النشء الطيب بات الجميع يتنفس عبق القرآن، لأنه بنص الحديث الذي تلوته قد مازج دمكم ولحمكم ومن الطبيعي ان تنتعش وتتفاعل النفس مع هذا الجو، أهمية حضور القرآن في وسط الأمة خصوصاً في هذا العصر المتشابك الخطوط والمتقاطع الطرق، القرآن نورٌ لمن استضاء به وهدي لمن سار على منهاجه، الوجود من غير اشراقة القرآن لا يعيش إلا الظلام، بالقرآن تحل الكثير من المعضلات، بالقرآن تكشف عوالم الغيب التي لها نفوذها وأثرها في حياتنا، حضوره من خلال حضورنا، فاعليته من خلال تفاعلنا، نحن الأمناء على هذا الكتاب في هذا الزمن وسنسأل عنه يوم القيامة عندما يأتي القرآن محاججاً عن نفسه، فهل تعاطيناه وتعاهدناه كما ينبغي؟ أم أننا أبينا إلا ان نجعل بيننا وبينه حاجزاً ونصعد ذلك الحاجز، بحضوركم أيها الأبناء ومن ورائكم أولياء الأمور يمكن وضع حجر أساس على أساس منه نقرأ في كل واحد منكم مشروعا قرآني ناجحاً ان شاء الله.
دور الجهات الناهضة في المشاريع القرآنية في الامة
الجهة الثانية هي الجهات الناهضة في المشاريع القرآنية في وسط الأمة وهم كوكبةٌ من المؤمنين نذروا أنفسهم من أجل القرآن ولو لم يتربع القرآن في صدورهم ويأخذ مساحته من قلوبهم لما نهضوا بهذا المشروع وأكثر من ذلك لما استطاعوا ان يحرجوا دوائر التقدم والنجاح في سعيهم، العمل مع الله من خلال كتابه عملٌ طيب، العمل مع الله من خلال كتابه عملٌ ناجح، البضاعة ناجحة، العمل مع الله سبحانه وتعالى من خلال كتابه الكريم يفتح الآفاق أمامنا وإذا فُتحت أصّل للرؤى، وإذا تم تأسيسها وبناؤها تفتحت أمامنا كل المغالق وأسقطت جميع الأقفال، الأحبة الناهضون بالقرآن وهم القرآنيون في وسط الأمة ربما تعددت دوائر تحركهم، ربما امتاز كلُ فريق عن فريق بطريقة سعيه ومنهاجه لكنها مدعاة للتكامل إذا ما انصهرت في بوتقة واحدة لم تتجاوز حدودها ألا وهي بوتقة القرآن، هؤلاء الأحبة القرآنيون الذين يصلون ليليهم بنهارهم ويتحملون الكثير من المصاعب في جانبيها المادي والمعنوي إنما يسعون من أجل ان يحدثوا حالةً من الرضا عن النفس في ساحة القرب مع المطلق جلت قدرته، لذلك اختاروا لأنفسهم أكثر الحلقات قدرة على الربط ألا وهو القرآن الكريم المنزل على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص)، قبل عقود يسيرة لم تكن للقرآن دورٌ تحتضن رواده وهواته اما اليوم فهي من الكثرة بمكان حيث بات من المتاح والمتاح جدا ان يدخل هؤلاء القرآنيون في مساحة التنافس، بالأمس كان القراء يعدون على أصابع اليد الواحدة، أما اليوم فالقراء قد تجاوز عددهم الكثير الكثير، نعم نحن أبناء بلدة ولود هي «الاحساء» الأم القادرة على إنجاب الفطاحل في كل مكان، في كل مساحة، التاريخ يشهد لهم بذلك، فتاريخهم قدم نماذج في شتى العلوم والفنون والمعارف وفي مقدمتها القرآن الكريم، فأنا لا استطيع ان أقرء التابعي الجليل «رشيد الهجري» حامل علم البلايا والمنايا إلا من خلال قربه من القرآن وتفاعله معه، إذن نحن أمام نقلة نوعية، لهؤلاء الذين ارتبطوا بالقرآن ولهم اليد الطولى بعد ان أسسوا وأصّلوا وفرعّوا ان يذهبوا إلى ما هو ابعد من ذلك.
العلاقة المطلوبة مع القرآن الكريم
أما اللجنة القائمة على هذا المسار وعلى هذا الحفل المبارك فأقول لهم كما ان القرآن أمانة نذرتم أنفسكم من أجلها فهؤلاء الحملة لكتاب الله أيضاً هم أمانةٌ في أيديكم من المفترض ان لا نفترق عنهم ولا يفترقوا عنا لأن الحبل الذي يربطنا بهم متين ألا وهو القرآن العظيم، في كل واحد من هذه النخبة المصطفاة القرآنية مشروعٌ كبير، عظماء التاريخ لم يكونوا عظماء من يوم ان ولدوا وإنما ولدوا يحملون نواة العظمة في داخلهم وربما الناس في ذلك شرع سواء غاية ما في الأمر هناك روافد مساعدة مثل الحمل الطيب من قبل الأم، الرعاية المباركة من قبل الأب، الحضن الواسع الواعي الصالح من قبل المجتمع، إسقاطٌ للنخبة على المشهد من أناس لهم الصدارة في الأخذ بالمجتمع والتجنيح به في أكثر من مساحة ومساحة، الطفل عندما تباشر أسماعه الاصوات الملائكية التي تتغنى بالقرآن لابد وان يتربى على جنس وقعها الموسيقي الملائكي الطفل التي تباشره من ثغر أبيه وأمه نغمات القرآن لابد وان ينفعل ويتفاعل معها أما إذا كان ـ البعيد ـ لا يباشر سمعه إلا ما هو على الخلاف من ذلك فما عسى ان نرجوا ونتأمل، لذلك طلاب الحفظ قلة ومن يحافظ على هذه القلة هم الأقل ومن يبقى إلى نهاية المشوار هم أولئك الذين شددوا العهد والميثاق مع الله سبحانه وتعالى، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: جعلت فداك إني أحفظ القرآن على ظهر قلبي فأقرأه على ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف؟ قال: فقال: لي: بل أقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل، أما علمت أن النظر في المصحف عبادة.[3] فكم نحن اليوم في مسيس الحاجة كي نتعاهد القرآن الكريم ونستظهره كما ينبغي.
السعي في طريق النجاح وعدم الالتفات للوراء
أقول للأخوة والاحبة القائمين على هذا المركز ومن صميم القلب: لقد تحملتم الامانة وهي ثقيلة وفي القادم من الأيام سوف تصبح أكثر ثقلا من حيث الكم ولا شك ان شاء الله من حيث الكيف أيضا فأعدوا العدة لذلك، شدوا حيازيمكم، وكل نجاح ـ خصوصاً الإيماني ـ في مجتمع غير واعي وغير مثقف سوف تثار امامه الزوابع من اكثر من جهة وجهة، فالإنسان الناجح والذي يقرأ نجاحه ويشخّص نجاحه عليه ان لا يلتفت الى الوراء، احد عمالقة الفكر العربي الاستاذ محمد العلي كان يقول بانه لا يلتفت الى الوراء.. فأنتم عليكم ان تضعوا مثل هذه الحكمة نصب اعينكم لا يضر ان يشكك البعض ويحاكم النوايا ولا يضر ايضا ان نتعثر في موطن على ان نجعل من تلك العثرة جذوة نقبس منها جذوةً على أساس منها نحقق النجاح ربما يكون النجاح سهلا وهو كذلك اذا كانت الهمم ناهضة وإذا كان الناهضون بها على درجة المسؤولية لكن الأهم ان نحافظ على النجاح وان نتقدم به إلى الأمام قدر الإمكان والمستطاع وانتم أهل لذلك.
أهمية تقبل النقد والتعاطي المنطقي مع الأمور
الصعوبة بادئ ذي بدء يمكن ان نتخطاها ولكن اذا ما عرضت لنا بعد الاندفاع في طريق النجاح ربما نحتاج إلى شيء مهم علينا ان لا نغفله ألا وهي ان نترك المساحة لأنفسنا، ان لا نستعجل للعلاج حتى لا يكون وليد ردة فعل لا تحدث لنا الا الضوضاء ولا توصلنا الى الهدف وانما علينا ان نجلس مع انفسنا ونتقبل النقد بكل اريحية ورحابة صدر ثم نجمع ونطرح ونفكك ونركب ثم نصل إلى نتيجة ونتخذ قرار ونسعى من أجل التنفيذ هنا يكون الفعل قابله الفعل لا ردة الفعل ومما يؤسف له أننا في الكثير من الموارد إنما نتحرك على أساس من ردود الافعال لذلك تفشل المشاريع، تنهار، تتداعى، تنتهي إلى لا حيث رجعة، لكن اذا ما كانت امورنا مبنية على اساس من الفعل وتحسب الامر، المسيرة تسير بهدوء تام، الهدوء لا يأتي الا معلولاً للحكمة والوعي من القائمين على المشاريع سواءٌ أخذت بعداً دينيا إيمانيا مدنيا، او اخذت بعداً اجتماعيا واسرياً، او اخذت ابعاد وراء ذلك كالفن والادب والمسرح وما الى ذلك.. لكن بالنتيجة، الحكمة هي المفتاح الذي على اساس منه نفتح المغاليق من الامور، الحكمة، الوعي، الانفتاح، التقبل ... علينا ان لا ننزعج من عبارة ربما نسمعها من هنا أو هناك، علينا ان لا ننزعج عندما ترسل لنا رسالة لا تحمل الا نفس التثبيط، علينا ان نكون على ثقة تامة بأنفسنا اننا الأهل في تحمل المسؤولية، في الختام أشكر الاخ الاستاذ عبدالله والكوكبة الطيبة من حوله الذين سعوا للنهوض بهذا البرنامج وهذا المشروع وهذا المركز واشد على سواعدهم أنا في خدمتهم في اي مساحة كانت وما ذلك الا لأني اقرء فيهم وفي مشروعهم ما يحقق حلما طالما نشدناه ـ في رجوع الى المحاضرة السابقة ـ اقول لاننا لا نربط بين الماضي والحاضر لتحصل الاخفاقة، لاننا لا نسترجع شيئا من ماضينا يحدث الخلل فاذا تم ذلك ولم نقم بسد ثلمته بدا مشروعنا يتأرجح بين الاستمرار والا استمرار، لكن الاحبة قرأوا، الاحبة جمعوا، الاحبة طرحوا، الاحبة جمعوا وركبوا وفككوا وخلصوا الى نتيجة، اسال من الله سبحانه وتعالى ان يتغمد ارواح الذين هم سبب لهذا المشروع وهذا المركز خاصة المرحوم الحاج عبد الله، والمرحوم الحاج عيسى، والمرحوم حاج احمد وان يأخذ بأيدي الذين تحملوا المسؤولية في هذا المكان نشد على ايديهم هذا النشء الطيب ان شاء الله نقرأ في اكثر من واحد منهم مشروع حياة وسوف ينقش اسم كل واحد منهم إن شاء الله على صحائف اسماء الاصوات الملائكية التي نسمعها من النيل الى الفرات الى المحيط الاطلسي اصوات وحناجر طيبة تتغنى بآيات الله يسمع غناؤها، انتم اهلٌ لذلك، وفقنا الله واياكم جميعا بفضل الصلاة على محمد وآل محمد.