نص كلمة بعنوان: ميلاد أقمار بني هاشم عليهم السلام

نص كلمة بعنوان: ميلاد أقمار بني هاشم عليهم السلام

عدد الزوار: 463

2013-06-16

قال (ص): «حسين مني وأنا من حسين»([1])، وهذه أنشودة خالدة، صدرت من نبي الإنسانية الأعظم محمد (ص) قاطعةً مفاصل الزمن، موقِدةً للكثير من المستوجبات في ذهنية الأمة المتطلعة إلى غدها الأفضل.

مناسبات ثلاث، لأقمارٍ ثلاثة سطعت في سماء الإنسانية: الحسين بن علي، والعباس بن علي، وعلي بن الحسين بن علي، عليهم السلام. لنا معهم وقفات، ولهم معنا انتظار، وبين الأمرين مسافة طويلة، يمكننا أن نقصرها، أو أن نعطيها امتداداً.

بمحمد (ص) شرف بيت هاشم، وبه (ص) شرفت قريش، وبه كذلك شرفت أمة العرب، وأمة الإسلام، والإنسانية جمعاء عندما أرادت لنفسها أن تتشرف بأنوار النبي محمد (ص). فبيتهم بيت كمال، لا يقاس به بيتٌ فيما تقدم أو لحق، لأن عظمة البيت بمن فيه، ومن عسى أن نفتش عنه لنجعل منه بديلاً لمحمد (ص)، أو لشذرة من شذرات آل محمد (ع) .

هذا البيت الذي أعطى، ولا زال يعطي، ولا يُحدُّ عطاؤه في دار الدنيا، إنما هو امتداد، وفيضه استمرارٌ، وعطيتهم عطية السماء، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ﴿إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ([2])، ولا سلامة إلا بالحب والولاء الخالص الثابت لمحمد وآل محمد (ع).

لقد تشكلت حيثيات البيت، وارتفعت أعمدته، وترامت أنواره في كل الآفاق، فهم من أصل واحد، أولهم محمد، وأوسطهم محمد، وآخرهم محمد([3])، بل كلهم محمد([4]). ولكن ثمة افتراق واحد فيما بينهم، وهو تعدد الأدوار، وإن كان يُفضي إلى نتيجة واحدة، فلكل معصوم دوره وبطاقة عمله التي تلقاها مباشرة من السماء، كما هو الحال مع النبي (ص) أو بالواسطة، كما هو الحال مع علي (ع) وما انحلّ عن علي من إمام معصوم، إلا أن النتيجة واحدة، ولكن لا يتم الخلوص إليها، والانتهاء عند حدودها حتى يأذن الله سبحانه وتعالى للخلف الباقي من آل محمد (عج) أن يبسط العدل ويقوم بما كانت ولا زالت تنتظره الأمة. ويحق لنا أن نسأل سؤالاً ثم نجيب عنه: من منا ينتظر الآخر؟ هل نحن الذين ننتظر؟ أو هو الذي ينتظرنا؟ لا شك أننا ننتظر الفرج، وهو كذلك ينتظره.

إن الهدف واحد، وهو سعادة البشرية، والسعادة المرادة هنا هي السعادة الحقيقية، وإلا فإن السعادة النسبية يمكن أن ينفرد بها شخص هنا أو مجتمع هناك، وربما أوسع من مجتمع، إلا أنها تبقى في حدود النسبية، فلا سعادة حقيقية إلا مع عدالة حقيقية، والعدالة الحقيقية مرهونة بصاحبها، وهو الخلف الباقي من آل محمد (عج).

إذن، لكل معصوم بطاقة عمله، ولكن مما لا شك فيه أن للزمان أثراً، وللمكان أثراً، وللقضية المنادى بها أثراً، فنورهم وهدفهم واحد، بدءاً وانتهاءً، إلا أن الوسائل تختلف فيما بينها.

لقد ابتسم الزمان للرسول فترة من الزمن، ثم ما لبث أن عبس في وجهه، ثم تعقبه حتى بعد وفاته. وكذلك الحال مع علي (ع) ثم الحسن (ع) ثم الحسين (ع).

والإمام الحسين (ع) هو الذي يبين لنا حدود الصورة، وعظم القضية من خلال ما قدم من تضحيات كبرى.

فالأمة تقهقرت إلى الوراء كثيراً، في فترة زمنية محدودة، إذا ما قيست بالليالي والأيام، لكنها على قصرها كانت تؤمّن ظرفاً كافياً لمن أراد للقافلة أن تعود إلى منطلقها الأول. يقول الإمام الحسين (ع): «لم أخرج أشِراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي».

فالوسيلة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو اللواء الذي حمله واشترك بحمله أصحاب المناسبة، لذلك بمقدورنا أن نجعل منه قاسماً مشتركاً بين هذا الثالوث المقدس.

فلهذه المناسبة أهميتها، ولا شك أن الجهود التي تبذل في إحيائها هي في ميزان الحسنات، فذكرى المناسبة تبدأ ثم تنتهي، ويتفرق الجمع، بعد أن يلبي النداء في الاجتماع والتذاكر وإحياء الأمر، ورحم الله من أحيا أمرهم (ع) حيث رود عنهم (ع): «رحم الله من أحيا أمرنا»([5]). لكن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هو: عندما ينفضّ الجمع، ويتجه كل واحد منا إلى حيث الوجهة التي اختارها، هل نطرح على أنفسنا سؤالاً، هو: ما الذي استفدناه من حضورنا واستقطاع فترة زمنية من أعمارنا؟

لا شك أن الناس يتعددون في قراءاتهم، فمنهم من يكتفي بالبركة، فحركته وسكناته وانطلاقته من البركة، وآماله ونجاته معلقة على البركة. ولا شك في هذا الأمر، ولعن الله من شك أو أشرك. ولكن، هل أن البركة هي الغاية والهدف التام من هذا الحضور وغيره؟ أو أن أمراً آخر يُفترض أن يكون سيد الموقف؟.

وهناك آخرون يجتمعون ويحتفلون، يشتركون في رفع الأصوات بالصلاة على محمد وآل محمد (ص) ويضعون في ميزان أعمالهم أثقل الأعمال، وهي ممحفوظة لهم في عالم الآخرة، لأنها في حساب المعنى، والمعنى لا يُحَسُّ ولا يُجَسُّ، إنما تستشرفه الروح المتألقة المرتبطة بالمصدر، ولكن عندما يُكشف عن أبصارنا هناك لتكون حديداً، سوف نحس ونجسّ ذلك الثمن المترتب على هذا العمل، وهو الصلاة على محمد وآل محمد (ع).

وتتلى القصائد والأناشيد، لكن بعضها مصوَّب باتجاه الهدف، والبعض الآخر لا يتعدى حدود القالب اللفظي الخالي من المعنى، لأن المعنى لا يلتقي ولا يتفق ولا يتحد مع ذات من اجتمعنا لأجله، وقد بات هذا الجو ـ مع شديد الأسف ـ يجد له أنصاراً في أكثر من موقع وموقع، على قاعدة أن الأدب للأدب، والشعر للشعر.

وهناك آخرون وجدوا في حضورهم تلك المناسبات فرصةً ليجددوا ميثاقاً، ويؤكدوا عهداً مع أصحاب المناسبات المشرفة لآل محمد (ع). ولتجديد العهد صورتان: الأولى هي التمظهر بما يحكيه الواقع المعاش، والثانية أن نأتي من أجل زادٍ نحمله معنا على أن يكون الزاد من صاحب المناسبة. وما هو ذلكم الزاد الذي ننتظره في مثل هذه المجالس؟ إنه الْهَدْيُ الْمُهدَى من أهل الهدى من آل محمد (ع).

يقول أهل البيت (ع): «كونوا لنا زَيناً، ولا تكونوا علينا شيناً»([6]). وقد قدم الإمام الحسين (ع) للأمة أنموذجاً رائعاً في استنطاق هذا النص بالتجسيد الخارجي، وحريٌّ بالأمة أن تقتبس من هديه كي تعيشه في مناسبتيه، الفرح، كما نعيشه اليوم، والحزن إذا ما رجعنا إلى الوراء وعشنا عاشوراء وكربلاء.

أما العباس (ع) فهو الآخر على ذات الطريق، ونفس المسار، والبوصلة هي البوصلة والهدف هو الهدف.

وهنا نسأل أنفسنا: ما الذي نريده من سيدنا ومولانا أبي الفضل العباس (ع) ؟ هل نجعل منه معقِداً لنذورنا كي نستشفي به بشأن مريض هنا أو هناك؟ أو نجتاز عقبة امتحان تعترضنا هنا أو هناك؟ أو نذلل صعوبه ربما اعترضت مسيرة جيل بأكمله. نعم، العباس أحد الوسائط والوسائل بيننا وبين المطلق، ولا شك ولا ريب ولا شبهة في ذلك، لكنها ليست النهاية، إنما هي واحدة من عدة حلقات متصلة، فالعباس يعني الأخوّة بما تعنيه من معنى، والإباء بما يعنيه من معنى، والتضحية بما تحمله من معنى. فالعباس صلب الإيمان، نافذ البصيرة، وحريٌّ بنا أن نكون كما كان.

أما خاتمة المطاف، فهو زين العباد، سيد الساجدين، وقدوة العارفين. أدوار حياته متعددة. هناك دور في مساحة العلم، فقهاً وتفسيراً وتاريخاً وعرفاناً، فلو فتشنا عن واضع الحجر الأساس في مسيرة علوم العرفان، فسوف نضع يدنا على هذه الشذرة.

أيها الأحبة: بيننا وبين موروثنا الأصيل قطيعة، ويفترض أن نجدد العهد معه، ونحركه، ونتحرك من خلال حركته في وجداننا. فالانفتاح على الموروث أمر مطلوب ومؤكد عليه، لكن أيُّ انفتاح؟ إنه الانفتاح الواعي الذي أُسِّست قواعده، وأحكم الربط بينها، كي لا تزلّ بنا القدم وتأخذنا إلى مشارب شتى.

الإمام زين العابدين (ع) رمز جهاد، فالطف لم تطوَ صفحتها بمقتل إمام الثائرين الحسين الشهيد (ع) إنما كانت ثمة صفحات بعد استشهاد السبط، كان الإمام السجاد (ع) يسطّرها بمداد من نور، وهي عبارة عن معانٍ دقيقة في قوالب لفظية مختصرة، وهكذا كان له في كربلاء موقف، وفي الكوفة موقف، وفي الشام موقف، وفي المدينة موقف، لو جُمعت معطياتها، وسارت الأمة وفق هديها لما وصلت بها الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم، بحيث يسفِّه أحدنا الآخر، ويقتله بدم بارد، كما نقرأ ونسمع ونشاهد في أكثر من مكان.

ولن تخرج الأمة مما هي فيه من واقع مرير ما لم تعُد إلى محتدها ومنبعها الأصيل، ألا وهو محمد وآل محمد (ص).

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.