نص كلمة بعنوان : من سيرة الإمام الحسن (ع): الاتزان بين الدنيا والآخرة
سيرة عطرة يجب أن نقتدي بها
قال النبي الأكرم (ص) : {الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة}([1])، وقال: {الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا}([2])، وقال أيضاً: {الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا}([3]) وقائمة تطول، أولها معلوم أما آخرها فأمر يحتاج الى الشيء الكثير. بارك الله لكم ايها الشباب الطيب المبارك ذكرى ميلاد سيدكم السبط الاول لعلي وفاطمة، وسبط النبي.
الامام الحسن (ع) سيد شباب اهل الجنة بالنص المتواتر عند الفريقين فهو سيد لنا، وسيد لكم، وسيد لكل شباب رسالي يتلمس سيرة الحسن (ع) في قول صدر منه او فعل قام به او سكوت اجراه في موطن الامضاء.
ايها الشباب الطيب الرسالي لا نكتفي في ان نجتمع في مكان واحد وفي زمان واحد ثم نتفرق ولا نأخذ من الحفل الا بضع اصداء، ربما يرتب عليه الاجر والثواب بأحسن التقادير وانما الغاية والهدف الاسمى ان نقتبس جذوة نستضيء من خلالها معالم طريق بعيد.
ايها الشباب في كل عام تجدد الذكرى ونتجدد معها بطبيعة الحال فمن كان في فصل دراسي معين بات يتحفز ليحجز مكاناً له في مرحلة متقدمة ومن انهى تقدمه التعليمي بات يطرق باباً يلتمس من خلاله مساراً صحيحاً للاسترزاق لنفسه وحيات قادمة.
يوجد في حيات الامام الحسن (ع) ـ الامام المظلوم بامتياز من الخاصة والعامة ـ كثير من الدروس والعبر لو تمسكنا بطرف منها لرشدت حياتنا ولتفتحت الآفاق من حولنا ولكان للأبواب منافذ من خلالها نلج الى عوالم هنا وهناك.
من سيرة الإمام الحسن (ع): الاتزان بين الدنيا والآخرة
الامام الحسن (ع) كان يوازن بين مقولتين: مقولة الدنيا ومقولة الآخرة ولو اننا سرنا على نهجه واستطعنا ان نقترب من هديه ولو في ضمن حدود هذه الدائرة والمفردة لكفانا في ان نتلمس طريقاً سالكة الى ما هو المراد والمبتغى.
الامام الحسن (ع) كثيراً ما كان يردد في دائرة اصحابه: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)([4]) هنا لو توقفنا عند هذا النص الشريف الصادر عن صاحب المناسبة (ع) ثم حملناه شعاراً نقرأه عند دخولنا الى بيوتنا وحينما نستعد لمغادرة المنزل مستطلعين آفاق من حولنا وكان لهذا الحديث ما له من المباشرة بالباصرة التي سرعان ما تتحول الى بصيرة ان شاء الله تعالى لو توازنت هذه المقولة بهذه المقولة ما عسى ان يكون افراد المجتمع ثم الاسر التي يتشكل منها المجتمع ثم المجتمع الذي تشكل من اسر فأمم؟
ايها الاحبة! من اراد هدياً ومن اراد استقامة ومن اراد رشداً ومن اراد نجاحاً فالباب حصراً وليس سواه، النبي الاعظم يقول في حق والد صاحب المناسبة (أنا مدينة العلم وعلي بابها ولن تدخل المدينة إلا من بابها)([5]) فالمدينة تتمثل في الرسول’ والعظمة في علمه وفي صبره واستقامته وحكمته ورحمته التي تعنينا
ايها الاحبة! الباب الموصل هو علي (ع) وهو ارفع باب معنوي عرفه الوجود لأن المكتنز في مدينة النبي هو المعنى والجوهر واللباب والحكمة المصفاة وهذه المدينة تحتاج باباً ولابد ان يكون الباب من عين السنخية في ارتفاع يطاول السماء ارتفاعاً، علي هو علي ايها الشباب الطيب يا من تحتفلون بسيدكم، الباب لابد وان يفضي اليه طريق موصل، فحينما يريد منا الباب أن نقف على معالمه المرشدة إليه فالمعلم الاول يتمثل في صاحب المناسبة الامام الثاني من كوكبة الامامة المفترضة الطاعة على جميع بني البشر وهو الحسن بن علي، هو الحسن بن فاطمة بنت النبي محمد، الامام الحسن (ع) اخذ بالاُمة من خلال منعطفات مرت بها اخفقت واجتازت وترددت ثم بعد ذلك عادت الى حيث المنطلق الاول.
اقتربت من تقريب معالم شخصية الامام الحسن بن علي (ع) اقلام أساء قسم منها ولم يحسن، واراد قسم منها ان يحسن فأساء، وقلة هي تلك الاقلام التي ارادت ان تحسن فأصابت الحسن فيما اراد الحسن ان يكون عليه.
المظلومية تتجدّد وعلى أكثر من صعيد
ايها الاحبة! ايها الشباب! ان الامام الحسن (ع) في سيرته وفي هديه وفي عطاءه وفي هدنته وفي صلحه وفي سلمه وفي حربه هي صفحات مغيبة من تاريخه× تستحثنا وتبعث فينا نفساً خاصاً بأن نعيد قراءتها من جديد.
الامام الحسن(ع) ظلم في اكثر من دور ودور، ولو وضعت يدي على مفردة من تلك ربما تكون فيها كفاية لأنها تستوجب لأن تحدث ما يراد من ورائها ان شاء الله تعالى، تصوروا ان الامام الحسن الذي يمثل الكمال على وجه الارض بعد الامام علي وبطبيعة الحال الرسول الاعظم محمد’ لأنه الامام المفترض الطاعة، وفي عقيدتنا ان الامام (ع) حينما تؤول اليه الامامة يفترض ان يكون الاكمل وهو الاكمل ورواياتنا تدل على هذا المعنى، لكن تصوروا ايها الاحبة ان تأتي بعض الاقلام لتغمز في جانب من جوانب شخصيته يقولون ان الامام الحسن ميال للدعة يعني يرغب في الحياة ذات الطابع المرفّه!
الامام الحسن (ع) يقسون عليه اكثر وينعتونه بالجبان مع شديد الاسف ونستعيذ بالله من هذه المفردة لكنها مدونة في الكثير من الكتب التي تطرقت لحياته، وليت شعري! متى جبن الامام الحسن (ع) حتى تلحقه هذه السبة، فالامام الحسن (ع) وقف الى جانب ابيه في حروبه الثلاث كافح فيها عن يمين والده مع وجود الفرسان والابطال ووقتها كان الحسن (ع) شاباً يافعاً جندل ابطالاً ونكس فرساناً وادرك رجالاً، هكذا كان الحسن في كنف ابيه‘، وحينما آلت اليه الخلافة والامامة على الامة في مظهرها دس اليه خليفة الشام او ملك الشام ـ بعبارة ادق ـ يهدده ويتوعده، وجاء الجواب من الامام الحسن (ع): (أما بعد فإنك دسست إلي الرجال كأنك تحب اللقاء لا أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله)([6]) لكن الظروف لم تكن لتساعد الحسن (ع) ان يقف على الصفحة الأخيرة من صفحات الحدث وانما اجبر واكره حينما طعن في فخذه بخنجر في احد السراديب الموجودة في اطراف الكوفة وكانت رسالة واضحة ومباشرة في ان عملية اغتيال سوف تنهي حيات الامام الحسن، وبنهايتها لما تستكمل الامة دورها الكامل بحيث تبرز مشهد الطف يعني ذلك ان صفحة اهل البيت (ع) قد طويت او مزقت او ما شئت فعبر.
فاضطر الامام الحسن (ع) لأن يدخل في مهادنة مع الطرف الآخر بغية ان تلتقط الامة انفاسها وتستعيد مقولتها لكن الامة ابت الا ان تقرع على نفسها ندباً مبكراً لكن الحسن يبقى هو الحسن.
ايها الاحبة! الحسن كريم اهل البيت وعالم من علمائهم ورمز في ميدان الشجاعة والبطولة، وله الادب الجم، وهو الذي يقول:
نحن أناس نوالنا خضل يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا خوفاً على ماء وجه من يسل ([7])
تصوروا لو ان هذه المقولة وجدت تجسيداً خارجياً بين الفقير والغني، أو بين من بيده ومن هو يعيش عوزاً، فما عسى ان تعيش الامة.
وفقنا الله واياكم لكل خير وأخذ بأيديكم ايها الشباب الرسالي الطيب المبارك الحسني الى ما هو الافضل في القادم من ايامنا.
الاخ ابو حسن وبقية الشباب الذين يقفون الى جانبه ومن وراءه وبين يديه لإبراز المشهد كما ينبغي، اقول له من الاعماق: ان كلمات الشكر لا تفي بحقك يا ابا حسن والكوكبة الطيبة النيرة من حولك فانتم من اعطيتم للإمام كريم اهل البيت عهداً على ان تحافظوا على هذه الاشراقة اخذ الله بأيديكم وسدد الله خطاكم وجعل ذلك في ميزان اعمالكم ولن ابخل عليكم في جانب مادي او معنوي فما شئت يا ابا حسن فأنا في خدمتكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.