نص كلمة بعنوان:مكتسبات شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعداءهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
﴿اِنَّما يَخشَى اللهَ مِن عِبادِهِ﴾[2]
من شهر رمضان الى شهر رمضان؛ الآثار والانعكاسات
شهرٌ فضيلٌ تصرمت أيامه تقلبنا بين جنبات لياليه وأيامه، بين صيام وقيام، ركوع وسجود، دعاء وتلاوة، رياضةٌ روحيةٌ في أعلى الجودة والمقاييس، ثم انصرفنا عن الشهر الفضيل، لنستقبل ما بعده من الشهور، مسيرةٌ تصلنا حتى نعود إلى الضيافة من جديد، تقوم بأحد عشر شهرا، فاصلةٌ ليست بالقصيرة لكنها على الأحياء سرعان ما تتقضى ونكون وجهاً لوجه مع شهر رمضاني جديد، نحن وانتم وعموم المسلمين ان شاء الله في أحسن حال، لكن الأهم ما الذي استفدناه من هذا الشهر الفضيل في سلوكنا القولي وفي سلوكنا العملي؟ هل تغيرت طبائعنا؟ هل سددنا الأخطاء؟ هي قومنا الاعوجاج؟ هل دفعنا الخلل في الاستقامة؟ هل وصلنا ما قطعنا من الأرحام؟ هل بررنا بوالدينا؟ هل انصهرنا في بوتقة مجتمع نحن من أفراده؟ شعورنا مع الله، شعورنا مع أهل بيت النبوة، شعورنا مع الناس من حولنا الشركاء في أكثر من عنوان وعنوان، ما هو حالنا وحال هذه العناوين؟ هل كانت كما هي عليه أم أنها تحركت من مكانها ولو لخطوات معدودة حتى نقول خرجنا من الضيافة الرحمانية الرمضانية ولها انعكاسها، لم نكتفي في التمظهر بحالة العبادة والتدين المكتسبة من هذا الشهر الفضيل وإنما المردود الطيب آثاره واضحة وبينة يمكن للواحد منا ان يستكشف ذلك في بيته، فما هو حاله مع زوجته، هل هي أحسن مما كانت عليه أم أنها أسوأ مما كانت عليه أم أنها ترواح مكانها؟ مع أبنائه مع بناته.. إذا تقدم خطوات في جانب الانسجام التواد، التراحم، التعاون، إشاعة روح المحبة بين جميع أفراد الأسرة إذا كانت العجلة تقدمت للأمام فقد خرج من الشهر الفضيل بما أرادت السماء له ان يكون من مردود بعد الضيافة، أما إذا كان العكس من ذلك لا قدر الله فالإنسان هو الخاسر في هذه المرحلة الفترة الزمنية ربما لا يكون قد تسلح بسلاح يساعده على ان يكون الأفضل فيها.
العيد والانتقال من مساحة التمظهر الى الجوهر
بالنتيجة العيد من العود، الحمد لله الذي جعل هذا اليوم للمسلمين عيدا ولمحمد وآل محمد ذخرا وشرفا وكرامةً ومزيدا أي ذخر أي شرف أي كرامة أي مزيد ذلك الذي اقتبسناه من معينهم الصافي هذه كرامتهم وهم أرادوها ان تكون متجسدة في السائرين على نهجهم والملتزمين بولائهم والذائبين فيهم أهل البيت عليهم السلام يأخذوننا صوب الجوهر ولا يكتفون لنا ان نتقل في مساحات التمظهر، لان التمظهر سرعان ما يزول وينمحي كالنقش على الأثر الترابي تسحقه الأقدام وينمحي بسهولة، ما نعيشه تمظهرا تطويه الأيام، فكأن شيئا لم يكن، لكن اذا كان جوهرا جذرناه في أعماقنا، كرسناه في سلوكياتنا من باب التأكيد عليه الشيء بعد الشيء وقتها يكون له انعكاسا بحيث يمثل حالةً من السليقية في التعاطي الايجابي مع كل الأحداث من حولنا، أيامنا ما عادت كما كانت، تختلف تماما، فما الذي أعددناه لها من الأجندة بحيث نتخطى هذه المرحلة لنسعد ويسعد الآخرون من حولنا؟
معرفة الانسان قدر نفسه
أهم شيء هو ان يعرف الانسان قدر نفسه رحم الله من عرف قدر نفسه، علينا ان لا نتجاوز أيها الأحبة قدر أنفسنا، علينا ان نعرف ما نحن عليه من نقاط القوة ومن نقاط الضعف وعلى أساس منها نتعامل مع كل حادث يسود الساحة، سواءٌ كان على مقربة منا او على مسافات بعيدة كل شيء اليوم إذا ما حدث يعنينا بالضرورة لأننا أبناء قرية واحدة العالم كله اليوم يمثل قرية واحدة بمقدوري ان اسعد الآخر وبمقدوري ان اجعل الشقاء نصيبه، بمقدوري ان اخذ بالساحة إلى ما هو الأجمل وبمقدوري ان أعكر صفاءها حتى بشق كلمة واحدة، فالكلمة الطيبة لها نتاجها وانعكاسها الايجابي على العكس من ذلك الكلمة الخبيثة، أيها الأحبة إذا أردنا العيد ان يعود علينا فإنما نأمل ان يعود علينا بالأحسن وانتم أهلٌ ان تزرعوا ذلك حصدنا أو لم نحصد ثمة أجيال تأتي بعدنا من حقها أيضا ان تحصد وان تأكل، كما زرع آباؤنا وأجدادنا واكلنا، كذلك هو حال الدنيا، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يعيد المناسبة والشهر الفضيل علينا وعليكم والجميع في أحسن حال.
وصل العلاقة بالقرآن وأهل البيت عليهم السلام وعدم قطعها طول السنة
مما لا شك فيه أننا فقدنا أحبة كُثر خلال العام المنصرم وهم اعزة على الجميع، هؤلاء أيضا كما لم تنسوهم ولم ننساهم ان شاء الله في شهر الرحمة من القرآن علينا ان لا نقطع العلاقة معهم بعد ان تصرمت تلك الأيام الفضيلة، وإنما علينا ان نبقي العلقة مع القرآن ولو في ضمن حدود هذه الدائرة الضيقة وهذه المسافة القصيرة، البعض يُجهد نفسه في شهر رمضان ويختم القرآن أكثر من مرة لكن بعد ذلك يقطع العلاقة تماما فلا عهد له إلا في شهر رمضان قادم وهنا تكمن الكارثة والمصيبة والطامة، لان الانسان إذا رفع يده عن القرآن يعني تخلى عن المصباح الذي يستضيء به في ظلمات هذه الدنيا، في شهر رمضان تعبدنا واقتربنا من الله، علينا ان نحافظ على مسار العبادة وذوق العبادة في داخلنا حتى تكون العلاقة قريبة من الله سبحانه وتعالى، عشنا المجتبى في مولده والمرتضى في استشهاده، اخذوا منا الكثير فهل نحافظ على ذلك العطاء أيها الأحبة هم في غنى عما نقدم نحن الفقراء إلى الله والى محمد وآل محمد، نسال من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من القريبين منهم وان ينفعنا بنورانيتهم الدائمة انه ولي ذلك لنريح أرواح من مضى علينا في هذه القرية وعلى المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين، من أجل شفاء المرضى، أيضا والجرحى والمعلولين، من اجل حفظ العتبات العاليات والحرمين الشريفين، من اجل حفظ البلاد والعباد ونسال من الله سبحانه وتعالى ان يعجل لولي الأمر الفرج بفضل الفاتحة مع الصلوات على محمد وآل محمد.