نص كلمة بعنوان:معرفة أهل البيت أساس الإيمان

نص كلمة بعنوان:معرفة أهل البيت أساس الإيمان

عدد الزوار: 1022

2016-12-26

 ليلة الثلاثاء 1438/2/15 في مسجد العباس بالمطيرفي

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

قيل لي أنت أوحد طرا *** في فنون من الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح امام *** كان جبرئيل خادما لأبيه[2]

جاء في الحديث عن ثامن الحجج الإمام الرضا (ع) انه قال: «من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدما»[3]

كلام اهل البيت عليهم السلام النور الذي تنجلي به الظلمة

ذكرى شهادة الإمام الثامن الضامن على الأبواب، بيننا وبينها أيام قليلة، طوبى لمن وُفق ان يكون عند عتبته الطاهرة وأشركنا الله في صالح أعماله، الإمام الرضا (ع) بابٌ من أبواب الجنة، والإمام الرضا (ع) واحدٌ من الكوكبة النيرة الأدلاء للأمة إلى حيث الهدف، مدرسته متعددة الجوانب لا يكاد الإنسان يطرق باباً منها إلا وتفتحت له من خلاله أبواب عدة، كيف لا وكلامهم الذي يصدر منهم عليهم الصلاة والسلام هو من ذلك المنبع الأصيل حيث ان كلامهم أو حديثهم كما يقول الامام الصادق (ع) «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل»[4]، بعبارة اخرى كلامهم نور وبالنور تُجلى الظلمات مهما تراكمت ومهما اشتدّت بمقدور النور ان يخترقها وان يبددها، النور هو نور المعنى، نور الحقيقة، وهذا النور هو من الفيض الإلهي على محمد وآل محمد وهم الأدلاء على مرضات الله، ورضوان الله إذا ما تحقق عند إنسان يعني ان ذلك الانسان حظي بالسهم الأوفى وبالقدح المعلى وبالكفة الأثقل من كفتي الميزان.

عوامل استقطاب النور المحمدي (ص)

 لكن بطبيعة الحال ليس من الأمر السهل ان يحصل الواحد منا على هذه المراتب وعلى هذه الانجازات وإنما يحتاج إلى من يأخذ بيده إلى حيث الهدف والغاية، أهل البيت (عليهم السلام) مدوا وقدموا لنا أيديهم وجعلوها مبسوطةً، نحن الذين بمقدورنا ان نضع ايدينا في ايديهم، ونحن من يوجد حالة السحب والانكماش عنهم، السبب في ذلك هو ما نقدمه من وسائل الوصل والاتصال بهم عليهم الصلاة والسلام، لأنهم الطيبون، لأنهم الطاهرون، لأنهم المصطفون، لأنهم الكمل بين بني البشر، فهم لا يقبلون الا من يكون على مقربة منهم هيأ نفسه للاقتراب، وتهيئة النفس تحتاج الى عوامل كثيرة تتداخل فيما بينها حتى تنتج أو تعطي هذا المنتج، من هذه العوامل الأسرة الطيبة، المجتمع الطيب، الواعظ الطيب والأذن التي فتح عليها لتستقبل، ثم الاعضاء التي فتح عليها ايضا كي تتفاعل هذه العوامل الاربعة اذا تفاعلت فيما بينها حينها يصبح الانسان في دائرة التهيؤ والاستعداد لاستقطاب الفيض المحمدي وهذا هدف سامي ورفيع، الإمام الرضا (ع) في حديث شريف يقول: «لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقه في الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر على الرزايا»[5]، الإيمان مراتب هناك من يبلغ المرتبة العاشرة من الإيمان كسلمان وعمار وابو ذر والمقداد هؤلاء عنونوا، شخصوا، أبروزا، قدموا للامة كنماذج في أعلى مراتب الإيمان، جماعة آخرون دون ذلك بقليل وهكذا وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، لكن ليس الذي يثقل الميزان ويرجح الكفة هو كثرة العبادة وانما العبادة مع المعرفة العبادة المنحلة عن المعرفة وعن الوعي هذه هي التي تكون ثقيلةٌ في الميزان، حتى الصلاة على محمد وآل محمد مع المعرفة ثقلها اكبر وان كان الصلاة على محمد وآل محمد من مرجحات الميزان وهذا امر بديهي ولا يقف عنده متوقف، لكن إذا أضيف معها الوعي، أي ان يؤديها الانسان من داخله على أساس من المعرفة بحقائقهم بقدر امكانه ما استطاع، حينها ستكون لها قيمتها المضاعفة.

استكمال حقيقة الايمان من خلال ثلاث خصال

فالإمام (ع) يقول: لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث، إذا تمت هذه الخصال فيما بينها، فان حقيقة الإيمان، جوهر الإيمان، كنه الإيمان الذي يشكّل عصمة للإنسان سيستكمل، لان الإيمان قيد الفتك كما يقول رسول الله (ص)[6] إذا وجدت حالة من التعدي، حالة من الجور، حالة من الفتك، حالة من الظلم فاعلم ان ما يوازيها في الطرف الآخر هو قلة في الإيمان وضعف في الإيمان واليقين، لذلك لاحظ مثلا قوة الإيمان عند مسلم بن عقيل فهو كان بمقدوره ان ينهي الامور مع ابن زياد في الكوفة في بيت هاني بن عروة الا انه ابى ذلك وعندما سئل مسلم ابن عقيل عن سبب عدم قتله للرجل الذي كان بين يديه قال بان الإيمان قيد الفتك، وقال لا استطيع ان افتك بابن زياد قبل ان يرتكب الجناية، هذا خلاف معطيات الإيمان وثوابت اليقين، حتى يصل مسلم ابن عقيل الى هذا المقام لابد ان تكتمل لديه هذه الامور الثلاثة أو الاضلاع الثلاثة اذا تخلف ضلع من هذه الاضلاع لا يصل الى المرتبة الكاملة من الايمان والمعرفة بحقيقة الإيمان.

الامر الاول التفقه في الدين؛ لذلك الإمام علي (ع) يقول: «قصم ظهري عالم متهتك وجاهل متنسك»[7] هو عابدٌ لكن ليس لديه معرفة، يصلي لكن لا يدري من اين والى اين، لا يعرف شروط الصلاة ولا واجبات الصلاة ولا منافيات الصلاة ولا... وعلى هذا فقس ما سواها من الامور العبادية والمعاملاتية اصلا هو بعيد كل البعد عن هذه الأمور، فالتفقه في الدين أمر مهم، لذلك يقول الامام الصادق (ع): «ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام»[8]، التفقه والمعرفة مطلب مهم جداً وكلٌ بحسبه حتى أنت عندما تتعلم مسألة واحدة تصبح فقيه في هذه المسألة، لأنك تعرفتها في حد التعريف اللغوي، فقهت شيء أي عرفته.

الامر الثاني وحسن التقدير في المعيشة؛ يقول الإمام علي (ع): «التقدير نصف المعيشة»[9] في يوم من الأيام جرت الأودية والشعاب كما يحب الاهل والاصحاب، لكن التقدير في التعامل مع النعمة كان غائب ولم يكن موجودا اصلا هو لا يسأل من اين تأتي والى اين تذهب جراء وفرة المادة في يد الانسان، لكن اليوم الامر يختلف فهو يريد ان يرتب اموره، يرتب لانه مضطر لذلك والظروف ألجأته لحسن التقدير على فرض ان الآلية اليوم مكتملة.

الامر الثالث: والصبر على الرزايا؛ وهو امر مهم جداً، الصبر على الرزايا له انواع، والمقصود من الرزايا هي المشاكل التي تعترض الطريق والنوائب التي تحل بالإنسان من قبيل الامراض، الفقر، الحوادث الطبيعية، الحوادث الغير معلومة او كما يعبر عنها غير مترقبة، السلاح الأمضى فيها هو سلاح الصبر، سأصبر حتى يعلم الصبر انني صبرت على شيء امرّ من الصبر، وخير من تمثل هذا الواقع هو محمد وآل محمد، النوائب والنوازل والمصائب والمشاكل التي صبت على رؤوسهم لا تقاس بشيء: صبت عليّ مصائب لو انها صبت على الايام صرن لياليا[10]

فالإنسان في حياته معرضٌ للخطر، معرضٌ للمشاكل والنوازل والبلايا، فبقدر ما يكون عنده من ايمان متكامل ومن قوة صبر على اساس منها يذلل الصعاب، ونحن عندما نقول فلان صابر لا يعني هذا انه لا يدفع ضريبة، هو يدفع ضريبة الا انه يصبر تسليما على قضاء الله وقدره ما الذي يفعل هذه الخاصية؟ التوكل على الله، من كبر الله في عينه صغر في عينه ما دون ذلك، اصلا لا يهتم بشيء أهم شيء عنده هو الله، فالصبر ركيزة مهمة.

بعض ما جرى‌ على الامام الرضا (ع)

الإمام الذي نحن على مقربة من ذكرى شهادته الإمام الثامن الضامن من الائمة الذين ابتلوا كثيرا فتش بيته في المدينة اكثر من مرة، تم تفتيشه اكثر من مرة، مداهمته اكثر من مرة، بعض النصوص تقول في بعض المرات أرعبنا بنات الرسالة في بيت علي بن موسى الرضا (ع) حتى استعادوا ذكريات كربلاء! إلى هذا الحد، في إحدى المرات أضرمت النار في بيت علي بن موسى الرضا (ع) في المدينة المنورة، رئيس الشرطة عيسى الجلودي كان وراء ذلك، لكن حتى بعد قضية ولاية العهد ما ازداد عنه الامام الرضا (ع) إلا عفوا عن ذلك، بالنتيجة الإمام الرضا (ع) صبر، حتى عندما أرادوا ان يسندوا مهمة ولاية العهد للإمام الرضا (ع) فان خروج الإمام الرضا (ع) لم يكن عن طيب خاطر وإنما كان تحت وطأة القسوة، وذهب الإمام الرضا (ع) حتى وصل إلى خراسان وحصل الذي حصل، وحيكت على الإمام الرضا (ع) المؤامرات حتى بعد ذلك المهرجان الكبير الذي اقاموه من أجله وقرئت فيه الاشعار في مدحه كالأبيات التي قرأتها في أول حديثي، لكن بالنتيجة يدس للإمام الرضا (ع) السم بعدما يستدعى لمجلس المأمون، المأمون يقدم له طبق من العنب زرّق السمّ فيه، الإمام الرضا (ع) يمتنع، والمأمون يقول له أتتهمنا يا ابن العم بشيء؟! قيل فاخذ منه ثلاث حبات ثم قال: حسبك فقد بلغت مرادك وخرج الإمام الرضا (ع) بتلك الحالة التي يصفها ابا الصلت الغروي على فراش العلة صابر محتسب إلى ان عرجت روحه المقدسة. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يسقط الحواجز وان يرفع الموانع ويحسن الأحوال ويصحح الأوضاع وان نكون تحت قبته الشريفة عاجلا ان شاء الله، وفقنا الله وإياكم لكل خير والحمد لله رب العالمين.