نص كلمة بعنوان :مسؤولية حمل الأمانة

نص كلمة بعنوان :مسؤولية حمل الأمانة

عدد الزوار: 1138

2016-11-02

ليلة الثلاثاء 1438/1/23 في مسجد العباس بالمطيرفي

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

﴿اِنّا عَرَضنَا الاَمانَةَ عَلَى السَّمـٰوٰتِ و الاَرضِ و الجِبالِ فَاَبَينَ اَن يَحمِلنَها و اَشفَقنَ مِنها و حَمَلَهَا الاِنسـٰنُ اِنَّه كانَ ظَلومًا جَهولا﴾[2]

الأمانة وما قيل في معناها

تضاربت الأقوال بين العلماء في معنى الأمانة المذكورة في هذه الآية الشريفة؛ فمن قائل يقول بأن المقصود منها هي الشريعة بما هي هي، ومن قائل يقول: هو التكليف ـ اي أمانة التكليف ـ

التكليف وأنواعه

أ. التكليف مع الله

والتكليف يأتي على ضروب عدة؛ تارة يكون التكليف مع الله سبحانه وتعالى اي أن نؤدي الأمانة في تكليفنا مع الله سبحانه وتعالى، وأداء الأمانة في هذا الجانب على نحو التكليف مع الله هو أن نخلص لله في العبودية وأن نقرّ له بالوحدانية دون شريك، ومن المعلوم أن الإنسان عندما جاء إلى هذه الأرض جاء ومعه شرعة السماء، وهي عبارة عن مطوية من الصحف تسيّر حيات الإنسان الأول وهو آدم (ع) الذي أدى الأمانة واجتاز الامتحان، ثم جاء الجيل الأول من الأولاد، وقد وقع الصراع والجدال والتخلي عن التكليف في دائرة الأداء على نحو الوفاء بالأمانة، فقتل أحد الأخوين أخاه، ليكتب على وجه الأرض صفحة إراقة الدماء التي لها مبتدى وإلى الله يرجع الأمر كيف تكون النهاية، من ذلك اليوم والدم يجري غدراناً بل ربما انهاراً على وجه هذه الأرض، قد تتغير الأماكن، تتغير الأزمنة، تتغير الآليات ولكن محور الارتكاز هو هذا الإنسان، القاتل هو إنسان والمقتول هو إنسان، ومسالة الظلم مفهومٌ له قابلية أن يكون في دائرة الشدة والضعف.

ب. التكليف مع النبي الأعظم محمد (ص)

أما التكليف الثاني فهو التكليف مع النبي الأعظم محمد (ص) الذي جاء بالرسالة الخاتمة وجعل عهدة التكليف فيها في ذمة الإنسان المسلم الذي اقرّ لله بالربوبية ولمحمد بالرسالة، وهذه المنظومة من التكاليف الشرعية وإن كان يجمعها هذا العنوان الذي اشتق من الكلفة، إلا أنها تتماشى وطبيعة الانسان، وما من شيء، وما من عمل إلا وفيه كلفة غاية ما في الأمر تحسب بحسب ما تضاف إليه، والناس فيما بينهم يتفاوتون أيضاً في القيام بعهدة التكليف، والتكليف مع النبي (ص) قد يكون في دائرة المحبة وإظهار المودة، وقد يتجاوز ذلك ويكون بمعنى السير والمحاكاة لما كان عليه النبي (ص) تلبيةً لنداء القرآن الكريم الذي يقول: ﴿لَقَد كانَ لَكُم فى رَسولِ الله اُسوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[3] وهذا أمرٌ مهم أيضاً الناس يختلفون في ذلك، منهم الامام عليٌ (ع) في أدائه للتكليف مع النبي (ص)، ومنهم من دحرج الدباب في وجه النبي (ص) كي تنفر به ناقته ويتردى في الوادي! الكل أدى الشهادة إقراراً لله بالربوبية ولمحمد بالرسالة ولكن عنصر العمل، النهوض بالتكليف، التخلص من اعباء الامانة لم يكن متوفرا، لذلك لا يقاس بعلي (ع) احد الا من تقدمه وهو سيد البشر (ص) لان علي (ع) منه كنفسه، واما سائر الناس فهم دون علي (ع) بمراتب.

ج. التكليف مع النفس

ثم هناك تكليف آخر بخصوص التعاطي مع الامانة التي سوف نسأل عنها يوم القيامة عندما نقف ونسأل عن اداء التكليف مع الله سبحانه وتعالى ومع النبي (ص) وهو التكليف مع النفس، هنالك مجموعة من التكاليف شرعت من اجل تنظيم حياتي وحياتك فيما يعود الينا اولا وبالذات، لابد للإنسان ان يسأل من نفسه هذه التشريعات، هذه القوانين، هذه الاحكام كم لها من النصيب في الحياة؟ وكم تحظى من العناية؟ كم لها من التجسيد في العالم الخارجي؟ بمعنى هل خرج من عهدتها؟ ان لا يكون الانسان ظالماً لنفسه، ومن الظلم بالنفس هو عدم اداء الأمانة، عدم اداء الامانة على نحو الكلمة، عدم اداء الامانة في المستحقات المالية، عدم اداء الامانة في الامور الزوجية أو فيما يخص الأسرة التي يعيش فيها بما فيها الاولاد من أين والى أين وما الى ذلك من الامور التي هي مناطة به اولا وبالذات، أو هكذا في باقي المقامات الكثيرة ... من هنا البعض ربما يذهب الى بعض المظاهر التي يرى انها هي البداية والنهاية في الخروج من عهدة التكليف والتخلي من تبعات الامانة، حال ان ذلك ليس في مساحة الصحة بشيء.

د. تكليف حفظ غيبة الإنسان المؤمن

ثم ثمة تكليف من نوع آخر يصدق عليه عنوان الأمانة مع الناس وهذا أمر مهم اليوم، وهو ان لا تضيع الحقوق فيما بيننا ومن الحقوق هو حفظ غيبة الإنسان المؤمن، غيبة الإنسان أمانة في عنقي وأمانة في عنقك مادام في المجلس فهو مسؤول عن الذب عن نفسه، ولكن عندما يغيب وتكون انت شاهدا يتوجه التكليف إليك وتصبح الأمانة في عنقك، لابد وان تنهض بها، مع شديد الأسف الذي يحصل اليوم هو العكس من ذلك تماماً، ننتظر اللحظة التي يغادر الشخص منا المكان حتى تتاح لنا الفرصة لنُعمل معاول الهدم ونحرّك مقاص التقطيع دون وازعاً من دين ولا رادع من ضمير، هذا الشيء اليوم موجود والناس فيه شركاء، يعني ما عاد اليوم ان تستثني طبقة من طبقات المجتمع فيها، بعض الافراد يمارسون هذا، الزي، اللون، العنوان لا يقدّم ولا يؤخّر كثيراً، الذي يقدّم ويؤخّر هي هذه المضغة التي في داخلي وفي داخلك وهو عبارة عن القلب، بقدر ما يحمل من الصفاء، بقدر ما يحمل من الايمان والتقى والاخلاص، بقدر ما ينعكس على سلوكه، إذا وجدت شخصاً في مجلس يتحين الفرص كي يمد البساط من هنا إلى هناك للنيل من شخص ما، فهي واحدة من اثنتين إما تقول له حسبك هذا وتكون ممن حمل الأمانة وأداها، وأما إذا ساعدته على مد البساط فأعلم انك الشريك وكلنا يعلم أن بعض الذنوب يحاسب عليها المتلقي قبل الملقي، على كل حال، هذا أمر طويل عريض، نوكل بسط الحديث فيه الى وقت آخر.

هـ التكليف في نقل الكلمة

هنالك أمانة اخرى الا وهي الأمانة في نقل الكلمة، وقيل ان الامانة ايضا هي عبارة عن القرآن الذي انزل على النبي (ص) وهذا القرآن أخذ حركته في عالم النظم المعصوم بما يتناسب مع مقاماتهم ولا داعي للغوص في هذا الجانب، ولا يعجزني الغوص فيه بطبيعة الحال فهي من الأمور التي مرت علينا في الحوزات العلمية، لكن لا أرى ما يستوجب الذهاب لأبعد من هذا، مسألة الكلمة ﴿كَلّا اِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها و مِن وَرائِهِم بَرزَخٌ اِلىٰ يَومِ يُبعَثون﴾[4] لا يعرف اي واحد منا كم يبقى في قبره؛ هل يبقى سنة، أو مئة سنة، أو الف سنة، أو أكثر نحن لا ندري متى الدنيا تنتهي ومتى تقوم القيامة، لكن نعرف ان هناك برزخ بين العالمين، حال الانسان ما هو، تقلبات الانسان كيف ستكون أو ... لا ندري، نعم هناك روايات فيها إيماءات وفيها اضاءات وتوجيهات لكن ما وراء هذا ما هو؟ نحن لا نعلم، صحيح ان الموت صعب، لكن ما وراءه أصعب وأصعب في هذا هو هذا الصندوق المظلم المغلق اي القبر، إلا ما كشفت جوانبه بنور الايمان، اليوم قد يحدث اصطفاف مع زيد وخالد من الناس في اتجاه عمر، لكن في القبر لا ندري من الذي يدخل معنا للاصطفاف يوم القيامة كي يحمل عني جزء من تبعات الأعمال، اليوم في الدنيا وفي علاقتنا، صحبتنا، صدقاتنا يوجد ضحك ومكاشرة وقضاء فترة من الوقت، لكن في ساعة الجد وعندما تنزل النازلة حتى في الدنيا ترى اقرب الناس يرفع اليد عنك واذا كانت المشكلة ذات بعد معين اصلا يتبرى من علاقته تماما، في يوم القيامة الامر سكون اشد: ﴿يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن اَخيه * و اُمِّهِ و اَبيه * و صـٰحِبَتِهِ و بَنيه﴾[5] يعني طبقة من اقرب الطبقات واقرب القرابة للإنسان مثل الاب والام والزوجة والاولاد والاخوان يفر منها، اليوم في الدنيا قد نضحك ونستأنس عندما نتحدث عن شخص ما لكن في الآخرة هذا الشيء غير موجود بل ان هناك مقامع من النار والعياذ بالله، فأداء الامانة شيء مهم لابد للإنسان أن يلتفت إليه وعلى رجل الدين بالدرجة الأولى ان يكون أميناً في أدائه للتكليف ولا يضره ان يكون الناس حوله او يفرون عنه.

اتباع الهوى يحول دون اداء التكليف

 في زمن الامام علي (ع) من الذي بقي معه؟ الإمام علي (ع) بعد قضية الدار لم يبقى من اصحابه الخلص إلا أربعة! عندما طلب منهم ان يغدوا عليه محلقين رؤوسهم، لماذا؟ هل كان من عدم قناعة والعياذ بالله بالإمام علي (ع) الم يسمعوا ما قال النبي (ص) في حق الامام علي (ع) بان الحق مع علي وعلي مع الحق، لكن ليس هناك سبب الا سبب واحد وهو أتباع الهوى فقط لا غير، أنا لا أتكلم عن السواد الأعظم في المدينة آنذاك من مهاجرين وأنصار بل أتكلم عن النخبة، فقط أربعة أشخاص تسللوا وجاؤوا إلى الإمام علي (ع) محلقين حتى ان الرواية تقول بان عمار حاص حيصة[6] لانه ما كان يصدق بالذي يجري، هل صحيح ان هذا هو الإمام علي (ع) هذا الإمام الذي يقول: «والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها»[7]، علي (ع) الذي يجندل مرحب، علي (ع) الذي يبارز عمر بن عبد ود، عليٌ (ع) الذي ما حسمت حرب ولا غزوة إلا بسيفه، وإذا به يقاد كما يقاد الجمل المخشوش.. هنا الكارثة.. لذلك النبي (ص) يقول للإمام علي (ع) يا علي بن أبي طالب أنت أول القوم إسلاماً، أكثرهم جهادا، أعلمهم، أقضاهم، أورعهم، اعبدهم... بل الله يزكيه ويقول في كتابه المنزل: ﴿و اَنفُسَنا و اَنفُسَكُم﴾[8] يعني أن الامام علي (ع) مثل رسول الله (ص)، لكن لماذا الناس ابتعدوا عنه؟ لان الحق لم يبقي للإمام علي (ع) من صديق، نسال الله سبحانه وتعالى أن يهدينا السبيل، الشريف من شرُفت كلمته، وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.