نص كلمة بعنوان :مسؤوليات المعصومين وكيف نقتدي بهم

نص كلمة بعنوان :مسؤوليات المعصومين وكيف نقتدي بهم

عدد الزوار: 634

2013-05-25

قال الحكيم في كتابه الكريم: ﴿الَّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَهُ([2]).

بارك الله لنا ولكم ذكرى المولدين السعيدين، ميلاد الإمام الباقر والإمام الهادي (ع)، ورزقنا الله وإياكم شرف المثول عند أعتابهم الطاهرة في الدنيا، والشفاعة في الآخرة.

نظرة في دور المعصوم وحركته:

إن للمعصوم دوراً يُناط به في واقع الأمة، يتماشى وما عليه من الكمال.

ومن حقنا أن نسأل: من هو المعصوم الذي قدمته السماء ليكون القدوة التي تسير البشرية على نهجها، وفقاً لمعطيات هديها؟.

إنه النبي (ص) ووصيه الإمام المعصوم (ع). فما من نبي إلا وهو يحمل هذا المشعل، وما من وصي إلا ويستتبع مسيرة النبي (ص).

وثمة عامل آخر يتدخل في تلك المحطات، فمسؤولية الأنبياء (ع) ورسالتهم هي هداية البشر. والإنسان بطبعه الأول جُبل على الحب. والحب من النعم الكبرى على الإنسان، فبالحب يعشق الوجود فيتعلق به. وبالحب يجنح للمكاسب الدنيوية فيندفع وراءها، تحقيقاً لرغبة السماء في قوله تعالى: ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيْبَكَ مِنَ الدُّنْيَا([3]).

وبالحب ينشد المرء الحقيقة، وطريقها العلم، فالإنسان الراشد يُجهد نفسه أن يمسك بأسباب العلم والمعارف، ليستكشف ما هو مستتر من الحقائق. وبالحب تسعد الأسرة والمجتمع والأمة.

والنعم المعنوية كثيرة، بل هي أكثر من أن تعدَّ وتحصى، لكن الإنسان لا يستشعر منها إلا النعمة المادية ذات التجسد الخارجي، حال أن النعم المعنوية أكثر أهمية، وأشد خطراً من النعم المادية إذا ما سُلبت. فمن السهل على الإنسان أن يجمع الكثير من حطام الدنيا، ثم يذهب منه، فيعيد الكرة ثانية فيسترجع ما ذهب من يده. فربما يفقد المرء شريكة عمره، وقد يستطيع أن يعوض، وأن يستبدله الله تعالى خيراً منها. وكذلك الأولاد، وهي نعمة كبرى على الإنسان، لكنه قد يبتلى بفقد أحد أبنائه لا قدر الله، فينجب غيرهم إذا ما أعطي فسحة في الأجل، وربما كان الأبناء الجدد على درجة من القابلية بدرجة أكبر ممن اختار الله لهم دار المقامة عنده.

كل هذا في مجال النعم المادية، أما النعم التي يكسوها طابع المعنى، فهي تلك التي تتحرك معنا حيثما كنا، من حيث نلتفت أو لا نلتفت.

ومن تلك النعم التي لا نستشعرها في كثير من الأحايين، أن يولد الإنسان على الفطرة مسلماً مؤمناً، فتلك نعمة كبرى، كان الأساس فيها عاملاً مادياً، لكنها كثمرة نهائية لطف إلهي، ونعمة معنوية. يقول الشاعر:

لا عذَّبَ اللهُ أمي إنها شربت   حبَّ الوصيِّ وغذتنيه باللبنِ

وكان لي والدٌ يهوى أبا حسنٍ  فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسنِ

فالولاء لمحمد وآل محمد (ع) والتزام نهج الإسلام الذي جاؤوا به خالصاً نقياً، من النعم الكبرى التي قد لا نستشعر إلا بعض جوانبها، حال أنها المرافقة لنا في هذه الدار التي نعيشها، وبها نمتاز على غيرنا، بأنّا من أتباع هذه الرسالة الحقة الخاتمة للرسالات.

وكذلك في الآخرة عندما نفدُ على الله تعالى، وتُطرح الموازين القسط للناس، فتأتي الأمم بما تأتي به، ويأتي أتباع دين النبي (ص) بما امتثلوا من معطيات تلك الرسالة من جهة، وما حملوا في داخلهم وما احتضنوا من الحب لمحمد وآل محمد (ص).

وظائف ومسؤوليات المعصومين:

لقد أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل، وأردفهم بالأولياء والأوصياء، ثم جعل من العلماء حراساً في فترة الغيبة الكبرى على مقدرات الأمة في جانبها المعنوي. فحركة الأنبياء والرسل والأولياء موجهة باتجاه هدف سامٍ جداً، ومنه:

1 ـ حفظ العهد والوفاء به: فبعد أن يُحفَظ للإنسان المعتقد الذي التزم به، وبما يترتب عليه، تكفل أن يكون معه في ذلك الموطن، فما وُجد إنسان على وجه الأرض، إلا وقد أُخذ العهد عليه من قبل السماء، في عوالم تتقدم هذا العالم الحسي المادي، أي عالم الشهود الخارجي. وما من إنسان إلا ويتقلب في عوالم حتى يصل إلى هذا العالم الذي تتجسد فيه الأعمال، وفق الحركة التي تصدر منا بسبب الباعث والمحرك الذي لا يعدو واحدة من دوائر خمس، فإما أن يكون واجباً مُلزِماً، وإما محرماً، وإما مستحباً أو مكروهاً أو في دائرة الإباحة المطلقة.

أما العهد الذي أُخذ على الإنسان في اليوم الأول، فهو أن يؤمن بالله سبحانه وتعالى رباً، وبالنبي محمد (ص) وبالمعصومين أئمة وقادة. وهذا العهد يصحب الإنسان منذ تكوينه الأول قبل هذا العالم عندما يولد، ثم يتقدم في طي السنين حتى يصل مرحلة التكليف، وبذلك يدخل في مرحلة المسؤولية عن الوفاء بذلك العهد. وقد أرسل الله تعالى الأنبياء ليذكروا الناس بالعهد، من خلال ما انطوت عليه رسالاتهم، بأن هناك عهداً أُخذ على بني آدم، لا بد من الوفاء به.

إن الشريعة الإسلامية تُقَنِّن التكاليف الشرعية، فإن التزم بها المكلف وفى بالعهد، وإن تخلف عنها ضيع العهد.

فالمطلب الأول للأنبياء والرسل والأولياء، هو أن يفي الناس بعهدهم، وتارة يكون هذا من خلال الرسالة كتاباً، كالتوراة والإنجيل والزبور والصحف، ثم خاتمة الكتب وأفضلها، القرآن الكريم، المنزل على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص)، وأخرى يكون بغير ذلك.

ثم يتقدم الأنبياء والرسل وتُطوى صفحاتهم، لتأتي صفحة الولاية، التي تمثل العصمة، فالمعصوم (ع) معصوم في نفسه، وعاصم لمن سار على نهجه.

ويدل على عصمتهم الآيات الكثيرة في هذا المجال، ومنها: ﴿إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْرَاً([4]). وكذلك الروايات والأحاديث الشريفة، وهي أكثر من أن تعدَّ وتحصى، ومنها: «علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي»([5]). ولو لم يكن علي (ع) بمثابة النبي (ص) إلا فيما استُثني، لما كان من النبي (ص) وهو منه. ومما هو متمثل في ذات علي (ع) ويتفق مع ما هو متمثل في ذات النبي (ص) العصمة، فلو كان النبي معصوماً، وعلي لا يتمتع بهذه الصفة، لما جاز للنبي (ص) أن يقول ذلك.

لقد أغدق الأئمة (ع) على البشرية سيلاً من النصوص النورانية التي تأخذ بالإنسان صوب النجاح الأكبر والفلاح الأعظم، وقد تكفلت هذه النصوص بالربط بين الإنسان والمطلق، وهو الله سبحانه وتعالى من جهة، كما تكفلت بتشديد الميثاق والعهد مع أهل الميثاق والعهد، وهم الأنبياء والرسل، ثم ركزت بشكل لا يقبل التردد والتوقف والتأمل فيما ينبغي أن يكون بين الإنسان بما هو إنسان، وبين الإنسان المعصوم، المتمثل بالإمام، وهم علي والحسن والحسين والمعصومون من ذرية الحسين حتى الخلف الباقي من آل محمد (ع). 

2 ـ تذكير الناس بالنعم: فإن الأنبياء والرسل جاؤوا ليذكّروا الناس بالنعم التي أفاضها الله تعالى على البشر، ما تمظهر منها بالجانب المادي الظاهري، أو ما أخذ شكلاً معنوياً. فحتى النعم المادية لا نستشعر أهميتها في الكثير من الأحايين، إلى أن تذهب من بين أيدينا، وأسأله تعالى أن لا يسلب أحداً نعمةً أنعمها عليه، وإن لم يؤدِّ شكرها، أو وظفها في غير ما أراد الله سبحانه وتعالى أن توظف فيه.

فنعمة البصر مثلاً من النعم العظيمة، ومن يمتلك البصر يقضي جميع حوائجه ومآربه، ويصل حيث يريد، فلو أنه فقد هذه النعمة بشكل مفاجئ، تلمّس ما لها من قيمة وأثر في حياته، وهكذا سائر النعم.

إلا أن الإنسان مهما فقد من النعم المادية فذلك دون فقدان النعمة المعنوية، لأن فقدانها خسارة كبرى في الدنيا والآخرة، إذ إنه يمكن أن يفد على الله سبحانه وتعالى وهو فاقد لإحدى النعم الظاهرة، كالسمع أو البصر أو غيرهما، ولا يقدم ذلك ولا يؤخر في ثقل الميزان يوم القيامة، لكنه عندما يخرج من الدنيا، وقد سُلب سيدة النعم، وهي الاعتقاد بمحمد وآل محمد (ع) فذلك هو الخسران المبين.

فمن الأحاديث الشريفة التي تدلنا على ما للولاية من أثر وتأثير، في جانب مختصر من ذلك، قول النبي (ص): «أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وعلى أهل بيته»([6]). هذا أثر من آثار الولاية، فكيف بالولاية العظمى المتمثلة في علي وآل علي (ع)؟ 

3 ـ إتمام الحجة على البشر: بمعنى أن الله سبحانه تعالى لم يدع البشر وشأنهم، لعلمه السابق أن الإنسان مهما أوتي من المدركات والقوى العقلية يبقى في دائرة النقص، لذلك يحتاج إلى مرشد، وإلى علاقة بالمرشد، وهي الحب.

فالحب نعمة أيضاً، ولكن يكتنفها في الكثير من الأحايين جانبان من النقمة، إذا ما وُظفت في غير ما وضعت له: الأول التقصير والتفريط، وهذه رذيلة، والثاني هو الإفراط، فقد قالت العرب: ومن الحب ما قتل، فقد لا يرى المحب إلا من أحب، ولا يستمع إلا إليه، ولا يترك مجالاً إلا لمن يتصف بحب المحبوب.

4 ـ تفجير طاقات الإنسان الكامنة: إن الإنسان فيه مستودع ضخم من المعادن والجواهر الخاصة المكتنزة في داخله، وقد بُعث الأنبياء والرسل، ومن بعدهم الأولياء، لاستكشاف هذه المكنونات. يقول الشاعر:

أتحسب أنك جرم صغير           وفيك انطوى العالم الأكبرُ

أي لا تنظر إلى حيثياتك بلحاظ الكون من حولك، إنما عليك أن تقلب وجه المرآة، لتنظر إلى الكون من خلال نفسك، وسوف تجد أنك مظهر لجوانب هذا الكون بأجمعه. لذا يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيْ آدَمَ([7])، وكان تكريمنا بأن منَّ الله سبحانه وتعالى علينا بالنعمة الكبرى، وهي الهداية، ولولا هذه المسيرة الطويلة من عطاء الرسل والأنبياء والأولياء، لما تحققت لنا، كما أن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود أمامهم، إنما اكتنفته الكثير من المصاعب والمشاقّ. وتتفاوت المراتب بين الأنبياء، فبقدر ما قدموا كانت المصاعب والأذى، حتى قال النبي الأعظم محمد (ص): «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت»([8]). ذلك أن جميع الأنبياء تعرضوا للأذى في حياتهم فقط، فمنهم من نشر بالمناشير، ومنهم من صُلب، ومنهم من قُطِّع، ثم انتهى كل شيء، بل إن بعض الأنبياء تدخلت السماء لرفعه من الأرض وتخليصه مما هو فيه، كما هو الحال مع السيد المسيح (ع)، أما النبي الأعظم (ص) فلم يقف الأذى الشخصي في حدود حياته فقط، إنما تعقّبه حتى بعد وفاته، فنحن نعتقد أن الأنبياء والرسل أحياء عند ربهم يرزقون، فما من حدث مروِّع جرى على أحد من أهل بيت النبوة، إلا وهو لون من ألوان الأذى الموجّه لقلب النبي (ص) وروحه الطاهرة، وهو في ذلك العالم، بل لا زالت الكثير من ألوان الأذى توجه اليوم إلى النبي الأعظم (ص) وهذا هو معتقدنا، فالنبي (ص) يرقب حركة الأمة ويتابع جميع الأقوال والأفعال، فالحسن منها يُدخل على قلبه السرور، والسيّئ يدخل عليه الحزن. وهنا تكمن المفارقة بين من يحمل السرور لقلب من أحب، ومن يحمل له الأذى.

5 ـ تبليغ رسالات الله: تعد مهمة التبليغ واحدة من أخطر مهام الإنسان على وجه الأرض، ولم يكن طريقها سهلاً، إنما كان في منتهى التعقيد، وقد قام الأنبياء والأئمة (ع) بأداء مسؤولية التبليغ، ومن هؤلاء الإمامان اللذان نحيي ذكراهما الليلة، فرغم الظروف الصعبة المعقدة الحساسة التي عاشها الأئمة (ع)، إلا أنهم لم يتخلوا عن دور التبليغ وبيان الأحكام. لذلك نقف اليوم أمام رصيد كبير، وسيل من السنة المطهرة الصادرة عن آل بيت النبوة على لسان الإمام الباقر (ع) ودوّنها الخلّص من أصحابه، وكان لها الأثر في تأسيس مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، ولا يمكن أن نتصور مذهباً جعفرياً إذا ما انتزعنا مفردة الإمام الباقر (ع) في التأسيس. ففي زمنه وضعت قواعد البناء، فيما رفع الإمام الصادق (ع) تلك القواعد، ثم بنى سقفها فاستقرت.

وكذلك الإمام الهادي (ع) الذي قام بدور في منتهى الكمال، على أن الخطورة كانت تلفه من جميع الجوانب. فمع أن المدارس الأخرى كانت تعترف بعلو كعبه وتقدمه في المعارف، وأنه صحيفة بيضاء ليس فيها نكتة سوداء، إلا أنه تحمّل ما تحمل.

تصوروا أنه يستدعى في منتصف الليل، ولكن بأية حالة؟! وكيف نتصور حال الظالم وهو يرسل لأحد معارضيه؟ هل يستقدمه ويستقبله بالحفاوة والتكريم؟

لقد أُشخص من بيته بأسوأ حال، حيث داهمه رجال الشرطة، فأخذوه على الحال الذي هو عليه، حاسر الرأس، حافي القدمين! وكان يُسحب في بعض الحالات سحباً، وفي بعض النصوص أنه كان يُدفع دفعاً.

كيف نقتدي بأئمتنا؟

إن أئمتنا (ع) لم يجلسوا كما يجلس غيرهم على فراش الفتوى والقضاء، تجبى لهم الطيبات من هنا وهناك، إنما تحملوا الكثير من الأذى والحيف، لكنهم صبروا من أجلنا نحنُ، وضحوا من أجلنا ليخرجونا من ظلمات الجهل إلى نور الهدى، فمن حقهم علينا أن لا نهدر أوقاتنا إلا في محبتهم والسير على طريقهم، وتهجي المفردات الصادرة عنهم؛ لتمثل مشاعل نور نستضيء بها في عالم الظلمة الذي نعيشه هذه الأيام، فهناك مشاريع خطيرة جداً لاختطاف أبنائنا من حظيرتنا، وهم أيتام آل محمد (ع) فهل نقف موقف المتفرج؟

أليس من الواجب علينا أن نتابع أبناءنا؟ وأن نعيد النظر مرة تلو الأخرى، وأن نعيش معهم إذا ما تقدم بهم العمر قليلاً كأصدقاء، فنكون قريبين منهم؟ فالولد لا يفتش عن الصديق خارج البيت إلا إذا فقد الصديق داخله، فإن كان الأب لا يعيش الأبناء كما يرغبون أن يعيشهم، فلا شك أنهم سوف يبحثون عن البديل. فعلى الأب أن يستشعر المسؤولية.

في الحديث الشريف: «من كان عنده صبيٌّ فَلْيَتَصَابَ له»([9]). وكان نبي الرحمة، الرسول الأعظم (ع) يتعامل مع الحسن والحسين (ع) بهذه الروحية.

فعلينا ـ أيها الأحبة ـ أن نعيش أبناءنا كأصدقاء، لنصل بهم إلى ما وصلنا إليه، ونقدم لهم المساعدة ليصلوا إلى أفضل مما نحن فيه.

ومن مظاهر التبليغ سيراً على خطى المعصومين اتباع العلماء، فمن مسؤولية العلماء الحفاظ على هذا الموروث، فإن نهض العالم بمسؤولياته وقام بدوره أخذ المجتمع معه إلى حيث الكمال، وإن تخلى عن مسؤولياته وأسقط دوره فقد أسقط المجتمع من ورائه. فالعلماء أمناء على الأمة.

وربما يقع العالم في خطأ، إلا أنه لن يقف في حدود دائرة الخطأ، وقد سمعتم وسمعنا، وقرأتم وقرأنا الحديث: «زلة العالم تفسد العوالم»([10]). فزلة غير العالم تبقى في حدود زلته، لكن أن يقع العالم في الزلل والخطأ، فهذا يعني أن مجتمعاً كاملاً سوف يقع معه.

ولنا أن نسأل: هل من حقنا أن ننبه ونستوضح ونستدرك ونعقب ونسأل، أو ليس من حقنا ذلك لأنهم علماء؟

الجواب: إن العلم لا يعني العصمة، وهذا المبدأ من عدم الرد والاعتراض لا يكون إلا مع المعصومين (ع) أما العالم، أياً كان، فما دامت الرؤية غير واضحة، والعبارة غير بينة، فمن الأمانة والنهوض بالتكليف أن نسأل العالم: لماذا حصل ما حصل، وجرى ما جرى، ووقع ما وقع؟ فالسؤال سبيل النجاة، والتخلي عنه مرداة.

يقول لقمان الحكيم لابنه: يا بني، زاحم العلماء بركبتيك([11]). وهذه كناية عن كثرة المجالسة والسؤال.

وبطبيعة الحال أن هؤلاء العلماء إذا ما نهضوا تركوا آثاراً بيِّنة واضحة أختصرها بما يلي:

1 ـ بيان أقصر الطرق إلى الله سبحانه وتعالى، وهي معرفة محمد وآل محمد (ع) بعد أن نعرف كيف نسير على هديهم، فقد نهض أئمتنا بالتكليف وعلينا أن ننهض به أيضاً. وهو على قسمين، عباديّ ومعاملي، فعلينا أن نحكي فعل المعصومين في العبادة والمعاملة.

2 ـ بيان التكاليف الشرعية، فبعض الناس قد لا يعرف التكليف، ثم يلتفت بعد عشر سنوات أنه لا يعرف، فيبدأ بالتصحيح. فالخسارة تقع على المكلف في نهاية المطاف، لأنه لم يستخدم المفتاح، وهو السؤال. فلا بد إذن من الإفادة قدر الإمكان من رجل الدين، بالإلحاح عليه بالسؤال، واغتنام الفرصة، فرجال الدين اليوم بحمد الله كثيرون، ولا تكاد مدينة في المملكة تخلو من هذه الطلائع المؤمنة الرسالية المحبة التي هيأت مثل هذه المجالس، وهي نعمة كبيرة علينا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود الرغبة الجادة في السير على منهج أهل البيت (ع).

لاحظوا أن الأئمة (ع) لما أُشخصوا من المدينة إلى الكوفة أصبحت حوزة كبرى، ولما أشخصوا إلى بغداد تحولت إلى منارة علم، ولما أشخصوا إلى سر من رأى تسيدت المدينة مدارس العلم والحكمة، وأشخصوا الإمام الرضا إلى أبعد الأقطار آنذاك، فتحولت تلك البقعة المشرفة إلى منارة علم ومعرفة وبحث وتحقيق وتخرج منها كبار العلماء.

فأنتم ـ أيها الأحبة ـ مشاريع صغيرة يمكن أن نصيرها مشاريع كبرى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤمِّن لنا من خلال رصف معالم الطريق الموصل إلى النهاية المطلوبة، فأئمتنا (ع) عظماء، قدَّموا الكثير ولم يبخلوا بشيء، وعلينا أن لا نبخل أن نتعرف حقائق ذواتهم.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لي ولكم التوفيق أن نتعرف عليهم ونتمسك بهم ونسير على هديهم أكثر فأكثر، وأن يجمعنا وإياكم في القادم من الأيام على مثل هذا وأفضل إن شاء الله، وأن يرزقنا وإياكم في الآخرة شرف النظر إلى وجه النبي الأعظم محمد (ص) والمعصومين (ع) ومنهم الخاتم الإمام المهدي (عج).

والحمد لله رب العالمين.