نص كلمة بعنوان:محطات من حياة جابر بن عبدالله الانصاري

نص كلمة بعنوان:محطات من حياة جابر بن عبدالله الانصاري

عدد الزوار: 574

2013-11-19

 

محطات من حياة جابر بن عبدالله الانصاري

بين جابر الصحابي الجليل والمحب المخلص لعلي وآل علي والامام الحسين سيد الشهداء علاقة خاصة علاقة في الحياة وعلاقة بعد الاستشهاد.

كثير هم اولئك الذين رأوا الرسول (ص) وجماعة منهم سمعوا من الرسول وجماعة اقل من ذلك رووا عن الرسول (ص) الاحاديث وعلى هذا فالصحابة يتفاوتون فيما بينهم من حيث الطبقات كل بحسبه من خلال استعداداته الذاتية وما اضاف اليها من تمرس وتعاط مع مجموعة من الآليات ساعدته على ان يكون من الطبقة الاولى.

جابر بن عبدالله الانصاري له خصوصية وهو من الصحابة الاستثنائيين ومن الصحابة الذين لم يسلط الضوء على سيرتهم النورانىة بالقدر الكافي، ذلك ان حياة هذا الرجل العظيم تدلل عليها مجموعة من النصوص على انها تحمل ضرباً من التميز، بل والتفرد في بعض محطاتها.

قدم جابر النموذج الرائع في مسألة الولاء لاهل بيت النبوة والبراء ممن تقدم عليهم لذلك حظي بحظوة خاصة.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم، اردف جابراً على ناقته العظباء ثم صار جابر يسال من النبي (ص): يا رسول الله سلمان منكم اهل البيت؟ قال: بلى. قال: ومقداد قال: بلى. قال: وعمار؟ قال بلى. وهكذا صار يستعرض مجموعة من الشموس المشرقة والبدور الساطعة من كوكبة الصحابة الذين نعتقد فيهم الشيء الكثير لانهم صدقوا الله ما وعدوه عليه واتموا الميثاق مع علي عليه السلام بعد بيعته. لذلك نقدسهم ونعظمهم ونخضع برؤوسنا اجلالاً لسيرة كل واحد منهم ثبت على المعتقد.

عندها امسك جابر ما ابتدأه رسول الله (ص)، مالك امسكت يا جابر؟ أأخذك الحياء يا جابر؟

فيا أيها الاحبة من اجمل ما يرتديه الانسان، لباس الحياء اذا ما منَّ الله سبحانه وتعالى على عبد فهي الكرامة الكبرى، وهناك الكثير من الروايات تشير الى هذا المعنى [راجع: اصول الكافي، ج 2، ص 106، باب الحياء]. بالنتيجة النبي قال لجابر: يا جابر وانت منا يا جابر، فكم من وسام رفيع ان يبتدئ به الرسول (ص) ويقول له وانت منا يا جابر. [راجع: الاختصاص، ص 223]

جابر بن عبدالله الانصاري (رضوان الله تعالى عليه) بعد ان انقلب من انقلب على علي عليه السلام وحينما لم يجرؤ احد أن يرفع راسه وينطق ببنت شفة، كان هو مصرحاً بما لعلي من حق ورافضا لاولئك الذين ابتزوا حق امير المؤمنين علي عليه السلام.

جابر كان يطرق شوارع المدينة بالتظاهر في حالة اشبه ما يكون في اصطلاحنا اليوم بالمظاهرة، وكان يقول رضوان الله تعالى عليه: «علي سيد البشر من رضي فقد شكر ومن ابى فقد كفر» [راجع منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة للشيخ الخوئي، ج15، ص367]

مظاهرة كاملة لشخص، بعد اربعة عشرة قرناً من الزمن شعارها لم يخفت، حركتها لم تتوقف، حتى بتنّ النسوة في المدينة يناغين اطفالهن وهم في المهد يحركون الطفل في مهده ويقولون ويرددون هذه الأنشودة هذا الاهزوجة: «علي سيد البشر من رضي فقد شكر ومن ابى فقد كفر» يعني استطاع جابر ان يتسلل بمظاهرته الى حجور الامهات ويفرغ تلك الانشودة في آذان الصبية والبنات.

كان النبي (ص) يصطحب معه الامام الحسن والامام الحسين عليهما السلام، الى المسجد ويجلسهما الى جنبه، الحسن عن يمينه والحسين عن شماله فاذا ما جاء جابر نهض الامام الحسين عليه السلام من عند جده وتخطى صفوف الصحابة الملتفين حول النبي وجلس في حجر جابر، جابر يقول أي حسين فداك روح جابر هذه كلمة كان جابر قد رددها في المدينة.

الثبات على المبدأ؛ امتن الله على جابر الصحابي الجليل بعمره فسحة من اجل هذه الفسحة مع الاجل مع ما صاحبها من التوقف والانقلاب بصريح القرآن اقصي من اقصي، قتل من قتل، شرد من شرد حتى استؤصل علي عليه السلام ووئد مشروع الحسن وجابر هو جابر.

وحتى بعد الطامة الكبرى والداهية العظمى في مجزرة كربلاء ايضا بقي جابر ذلك الرقم الصعب المستصعب على الحل والفك، ثبات استقرار واستقامة على نهج الولاء، جابر في مثل هذا اليوم على ما تذكر بعض كتب التاريخ صادف وصوله الى كربلاء ليسجل بذلك رقما في الاوائل اول من زار قبر الحسين بن علي عليه السلام. [راجع المجالس الفاخرة، للسيد شرف الدين، ص274]

لزيارة جابر عناية خاصة انا اقول من اراد ان يقرأ اخلاص جابر في زيارته، فما عليه الا ان يقرأ المشاهد المنقولة من خلال التلفزة.

هذه الحشود الميليونية كلها جاءت على نهج جابر تلبية لنداء الحسين هل من ناصر ومستجيب، لكن الطريقة والمنهج والاسلوب كان من مدرسة جابر بن عبدالله الانصاري.

جابر بن عبدالله الانصاري يصل الى كربلاء ومعه عطية الاوفي وهو غلامه؛ جابر رضوان الله تعالى عليه صادف ايضا وصوله وصول سيد الساجدين الامام زين العابدين عليه السلام في تلك اللحظة، الخطباء قدموا المشهد بما لا زيادة عليه لكن ما يستدعيه المطلب في هذا الجانب ايها الاحبة بما يسعفني التعبير وانا لست بخطيب.

جابر عندما وصل الى كربلاء اغتسل، اغتسل ليجري رسوم الزيارة، زيارة الاربعين ونثر على بدنه شيء من السدر يعني اغتسل بالسدر تحقيقا للاستحباب ثم لمس شيء من الطين اصطحبه معه، أيضاً هذا مستحب ان يغتسل مستحب، ان يلبس نظيف من الثياب مستحب، ان يلبس من الطيب، مستحب حتى يدخل على المعصوم عليه السلام، ثم خرج من الفرات قاصدا لقبر الامام الحسين عليه السلام جابر في تلك الفترة كفّ بصره يعني لم يكن مبصرا وانما كان مكفوف البصر.

ايمانه، حبه، اخلاصه، صدقه، ثباته، استقراره على مبدأه يحركه وفي هذا ايضا حجة على ابناء الامة رجل متقدم به السن، وطبيعي ان الامراض تاخذ منه نصيبها، هذا هو حكم الجسد البشري وطبيعة الجسد، ثم بعد ذلك مكفوف البصر ثم هو لم ينتقل بالطائرة هذه الواسطة النقل السريعة ولا بالسيارة واسطة النقل المتوسطة، وانما في احسن الظروف جاء جابر على بعير على جمل على ناقة من الحجاز الى كربلاء.

بالنتيجة جابر مع عطية الاوفي والغلام قال له: يا عطية المسني قبر الحسين، القبور طبعا موزعة كما رسمها الامام زين العابدين عليه السلام. أما بنو امية قد دفنوا جيفهم خارج صحن المعركة وهذا ايضا كان حتى لا يكون لهم بركة حتى وطأة اقدام الزائرين.

إنّ وطأة اقدام الزائرين بركة، فالواحد عندما يسير، فهو يهيئ له ان يدفن في صحن الضريح فيما بين الحضرتين، ويوطأ بأقدام الزائرين، فأي ثواب هذا؟ إن هذه المقامات نحن نبحث عنها.

بالنتيجة قال له المسني قبر الحسين، ولكن لا توجد علامات تبين أنّ هذا قبر الامام الحسين عليه السلام، ولكن الذين اطلعوا على الامر، هم جيران المشهد يعني من بني اسد.

بعض الروايات تقول انه كتبوا عليهم لا نصب، وهذا لا يتوافق مع شدة احكام العرفية من قبل الامويين في تلك الفترة فبالنتيجة جابر صار يمشي عطية الى جانبه الغلام بين يديه فصار يقعده عند قبر، يأخذ منه تراباً ثم يلقيه، فيقول: ليس هذا. ثم يأتي الى قبر ثان.

هنا تتفتح البصيرة البصر غير موجود البصيرة تتحرك، أي الحاسة الثالثة حسب اصطلاحنا. نحن اليوم كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد يرى بالمعنى لا يرى بالظاهر والحسابات المادية.

تحسسوا القبر حتى اجلسه على قبر شمه يعني ادنى التراب من انفه فشم التراب ثم القاه على القبر وترنم بهذه ارادوا ان يخفوا قبر الحبيب عن حبيبه لكن طيب تراب القبر دل على القبر ثم نادى الامام الحسين ثلاث حسين حسين حسين ولما لم يجبه الامام الحسين اعتذر له قال:

سيدي وأنّى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك (ما بين الكاهل الى الظهر)، ثم اغمي عليه. [راجع بحار الانوار، ج 65، ص 130]

في هذه الحالة جابر لما اغمي عليه، جيء بماء اريق علىه او سفك على وجهه ثم انتبه من الغشوة التي كان فيها.

في هذه الاثناء، هناك سيناريو طويل عريض لكن الذي يهمني في المطلب، ان جابر ناداه حبيب لا يجيب حبيبه هناك عندما كان في المدينة ماذا كان يقول في مسجد الرسول حينما قال الامام الحسين عليه السلام فداك جابر. المحبة هناك هي المحبة هنا.

 ثم جاء سيناريو موضوعنا وهي: انه لاحت سواده من بعيد، فقال للغلام ان كان سيدي زين العابدين فانت حر لوجه الله وان لم يكن هو فلنتخفى في بعض الحفر و... مشهد وصول الامام زين العابدين الى كربلاء في منتهى المأساة، لماذا؟

لأن ما نزل على اهل البيت عليهم السلام طوال هذه الفترة اربعين يوم من يوم العاشر الى السير نحو الكوفة ومآسي الكوفة مع ابن مرجانة ـ عليه ما يستحق ـ الى الشام والتصرف المبتذل من يزيد ـ عليه ما يستحق وعلى اتباعه مثل ذلك ـ ثم خروجهم من الشام وقد خلفوا وراءهم صبية هي رقية عليها السلام، ثم رجوعهم هذا الطريق الصعب المرّ، فهو ليس بالشيء البسيط. يعني تصوروا لو ان احد ذهب ليشاهد ويحضر عملية إقامة الحد على آخر، وهو لا يعرفه ولا يدري فيه، ثم يرى الراس في صوب والبدن في صوب آخر، وبعد عدة ايام وليالي وأسابيع وشهور وهو رجل.

بينما هناك امرأة تشاهد وتحضر سبعة عشرة كل واحد اكثر اشراقة من القمر في بدر في ليل كماله. زينب (سلام الله عليها) لا تسحبهم خلال دقائق وانما من كربلاء الى الكوفة من الكوفة الى الشام اربعين يوم وجوه الاقمار هي معروضة بين يدي زينب (سلام الله عليها) حتما هي امرأة وهي انسانة، على ما هي عليه حاكية عالمة غير معلمة والمحدَثة ايضا والمحدِثة في نفس الوقت وهي التي شاطرت الحسين والتي حافظت على ثورة الحسين.

لكن زينب (سلام الله عليها) لما وصلت الى كربلاء، هنا انتهى الامر، بعد أن أخذ الجهد منها مأخذه، بحيث في بعض الروايات غشي على بصرها يعني صارت ما تبصر طريقها.

لذلك التفتت الى زين العابدين وقالت له يا بن اخي دلني على قبر الحسين، أين قبر الحسين حتى اصلي كان جابر موجود، وحينها تعانق جابر مع زين العابدين عليه السلام وصار السيناريو الطويل العريض.

الدروس المنتزعة من حياة جابر الانصاري

أيها الاحبة درسنا الذي ننتزعه من هذه القضية، هو أن الايمان يصبح أحياناً إعارة. الانسان مسؤول عن المحافظة على هذه الاعارة، الايمان هذا الايمان ان الله سبحانه وتعالى انعم الله به علينا من محبة محمد وآل محمد والولاء والاعتقاد بهم، هذه امانة، وامانة كبيرة.

فهي أغلى من ابنائنا واغلى من زوجاتنا واغلى من ممتلكاتنا واغلى من ارواحنا، فكم منا من ينزعج عندما يحدث مساس لواحد من عياله او بثروته او بعرضه او بشرفه او بناموس كرامته او بشخصيته، لذلك فان أهل البيت عليهم السلام، اثمن من هذا بكثير، إذا ما تشخصنا عنوان الامانة.

جابر يصر عليهم اكثر من مائة وعشرين سنة عمره مائة وعشرين سنة يحمل الايمان الذي لا يتزعزع هذا الايمان رغم المصائب التي اعترضت طريقه.

نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يثبتنا على محبتهم وان يرزقنا الشفاعة على ايديهم وهمسة أختم بها قصيدة في هذه الليلة. وهذا لطف من الله سبحانه أرجو قبول ما سأقول:

أيها الابناء والاخوات، إن الامتحانات سوف تبدأ غداً، وفي هذه الفترة الزمنية فأن دورة الخليج الفارسي سوف تبدأ أيضاً، وهنا أريد أن أقول أن الفشل في أداء الامتحانات سوف لا تشفع لها دورة الخليج. بل نحن في أيامنا هذه بأمس الحاجة للوقت وحتى للدقائق لانه ينبغي علينا أن نجتاز بابناءنا مرحلة بعد مرحلة من رسوب الى نجاح. نحن ما عدنا نراهن على نجاح في مادة فقط، لأن اليوم المسألة مسألة التفوق.

اليوم مسألة التفوق مسألة مهمة جداً والذي يريد أن يشق طريقه في الحياة، ويريد ان يفرض وجوده يجب أن يكون متفوق، متفوق في كل الاوقات؛ إذن لنحرص عليه حرص شديد، حتى مراجعنا ما صاروا مراجع، إلا بعد أن ذهب نور العينين منهم، من شدة المطالعة والتعب.

البعض منهم احدودب ظهره، مثل الشيخ الآغا بزرگ الطهراني، لماذا يصبح آغا بزرگ الطهراني كهيئة راكدة؟ اصبح هكذا من كثرة المطالعة والكتابة والجهد.

يا شبابنا لا تحاولوا أن تشتتوا جهودكم، فهدفكم التعليمي يفترض أن يكون في المقدمة ويترتب عليه رسم ابتسامة يعني كل واحد منكم لابد ان يلاحظ بان ابوه، عندما يخرج الي العمل من قبل طلوع الفجر ويعود لوقت متأخر لماذا؟ حتى يأتي بلقمة عيش طيبة طاهرة تقتات منها أنت الطالب وتتفوق على اساس منه. أيها الاحبة لابد ان نلتفت الى هذه القيمة نسال من الله سبحانه وتعالى ان يوفق ابناءنا بان يرسموا البسمة على وجوه كل اب وكل ام. انه ولي ذلك، وأن ياخذ بايدينا وايديكم الى الصلاح، وفقنا الله واياكم.