نص كلمة بعنوان: مبادئ النبي (ص) في التعامل مع الأمة

نص كلمة بعنوان: مبادئ النبي (ص) في التعامل مع الأمة

عدد الزوار: 1302

2016-12-18

ليلة الثلاثاء 1438/3/6هـ

مبادئ النبي (ص) في التعامل مع الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

بلغ العلى بكماله *** كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله

أهمية التسلح بسلاح الاخلاق

مع الربيع الأول، أيام محمديةٌ جعفريةٌ مباركة، مدرسةٌ مشرعة الأبواب طوبى لمن ولج اليها من احد ابوابها، ميلاد النبي الاعظم محمد (ص) وميلاد حفيده الامام جعفر الصادق عليهم الصلاة والسلام، مدارس فيها الفيض الذي مبتداه منهما ونهايته بيد الله والناس فيما يتزودون شرعٌ واحد، يستزيد الانسان لنفسه واذا ما قصر فعليها، النبي الأعظم (ص) المدينة الكبرى وقد ارشدنا الى الباب المفضي اليها حيث قال: «إنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها»[2] أي من خلال علي وآل علي، النبي الأعظم (ص) تحرك في وسط الامة من خلال محورين: المحور الأول؛ الخطاب السماوي، أي الوحي المنزل على قلبه (ص)، المحور الثاني؛ السنة المطهرة المبينة لما جاء في آيات الوحي الكريم، القرآن فيه الأصول وفيه القواعد، والسنة المطهرة فيها التفريع وقامت ببيان كل ذلك، لذلك الحديث الشريف يرشدنا إلى هذا الجانب «وعليٌ بابها»، لان الامام علي (ع) كان يمثل الاذن الواعية للنبي (ص) وهو الذي يقول كنت لرسول الله الزم من ظله، ما كان النبي (ص) يرفع قدما ويضع أخرى الا والامام عليٌ (ع) يتتبع اثره، لكن علي (ع) المنفتح على كل ما يفضي به الرسول (ص)، لانه يقرأ فيه التشريع ويقرأ فيه وضع العلامات الموصلة الى الهدف في النشأتين سواء كان في حياتنا الدنيا وما احوجنا اليه، أو ما هو المتعلق بالآخرة وما نحن فيه من شديد الحاجة، القرآن يقدم لنا النبي (ص) على انه صاحب الخلق العظيم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[3]، وما احرانا ايها المؤمنون في هذه الفترة الزمنية ومفصلها الحاد ان نتسلح بهذا السلاح الماضي القادر على حلحلت الكثير من المشاكل والعقبات التي ربما اعترضت المسيرة هنا او هناك، النبي (ص) في مكة لم يقارعهم بسيف، وانما كان على أساس الحكمة والموعظة الحسنة، وعندما انصرف الى المدينة مهاجرا ووضع رحله فيها، رفع القواعد لثاني بيت في الإسلام ألا وهو مسجد الرسول الأعظم محمد (ص)، كان من اللبن والطوب والطين ومن جذوع النخل لم يشيد من بهرجة في بنيان ولكن كان مع كل حجر تثبيت قاعدة اخلاقية وسلوك عملي وآية محكمة ورواية صحيحة وصريحة وحركة من النبي (ص) وفعل من النبي (ص) وصمت من النبي (ص) يفيد تقريراً كان المسلمون من حول النبي (ص) يتلقفون كل شيء يصدر عنه (ص) سواء كان من قول او فعل أو حتى سكوت، بل كانوا يحسبون الف حساب لغمضة عين، وحتى عندما يرشف بطرفه اقصى القوم كان يعطي الدلائل والاشارات، كانوا يمتثلون للنبي (ص) قبل ان يتكلم، لانهم يقرؤون ما هو مرتسم على محياه الشريف ووجه الاقدس الانور بنور السماء.

تأصيل وتثبيت الأخلاق في المجتمع العربي

النبي (ص) لأنه في تلك الامة العربية التي تعيش جانبا من جوانب الاخلاق السامية والرفيعة قبل الاسلام، جاء الاسلام ليؤكد ما كان موجودا منها وليوسع من دائرتها ويفرع ثم يؤصل الاخلاق التي ارادتها السماء على ان تجري على يدي النبي (ص) من هذه ان الإنسان العربي كان كريماً وكان شجاعاً وكان يعيش الغيرة في أعلى درجاتها كان يذب عن عرضه حتى لو أودى ذلك بحياته، الانسان العربي عندما كان يعطي الكلمة كان صدوقاً، عندما يدخل في بيع لا يفسخ يده من بيعة، هكذا كان العربي، كان العربي لا ينظر إلى حريم جاره ويسترق النظر، العربي يقول:

مـا ضر جـارٌ ان يجاورني أن لا يكون لبابه سترٌ

أعمى إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارت الخدر[4]

هذه نخوة الانسان العربي الاصيل الشريف الذي كرمه الله بالرسالة وكرمه ان يكون افضل الامم، لما شرفت به تلك الامة العربية من كون النبي وآل النبي صلوات الله عليهم من هذا البيت العربي، هذا شأن الانسان العربي قبل الاسلام! فكيف به وقد جاء الاسلام ليثبت المبادئ والحرمة والشرف والغيرة والنبل.

أسباب تأثير وفاعلية الاخلاق النبوية في المجتمع العربي

النبي (ص) يتحرك في هذا الاتجاه، خلق النبي (ص) وكثير من ممارساته السلوكية تربعت في تلك الصدور لسببين: الاول إما ان تكون تلك القلوب لم يصبها وابلٌ فطل، يعني كأن تكون من بيوتات العرب ذات الشأن والتحرك في مساحات الاخلاق والتجسيد لها، فما جاء عن النبي (ص) هو ما يؤكد ذلك، أو تكون جافة بعيدة عن هذه المسالك فجاء النبي (ص) بالخلق العظيم فأقرت له، وبطبيعة الحال الأرض التي ينقطع عنها المدد من السماء، ويمنع عنها غيث السماء ويحكمها الجذب ويستفحل فيها حينها ستكون اشوق ما تكون لقطرات السماء، وتخرج الارض نبتها العشب كما نعبر عنه في الربيع، هذا في الجانب المادي، في الجانب المعنوي قلب الانسان كالصحراء القاحلة التي لم ترى الغيث لفترة من الزمن، فجاء النبي (ص) على حين فترة من الرسل، لذلك تصحرت بعض النفوس، وعندما جاء النبي (ص) بالصدق كمبدء، بالأمانة كمبدء، بالأخوة كمبدء، بالتعاون كمبدء، ونبذ الاخلاق الرذيلة مثل الكذب، الافتراء، الحقد، النميمة، الغيبة، التكبر ... وجد الانسان العربي حتى وان كان في قلب الصحراء ان رغبته قد تحققت، وان غايته باتت على مقربة منها، وان من يقدم هذه الرغبة وهذه الامنية وهذه الانشودة السامية هو النبي محمد (ص).

مكارم الأخلاق في مدرسة النبي (ص) ومحاورها الثلاث

مكارم الأخلاق في مدرسة النبي (ص) تتحرك في ثلاثة محاور: اذكرها باختصار وعلى سبيل العجلة لضيق الوقت:

المحور الاول: ان تعفوا عمن ظلمك

 من هو منا اليوم لا يعيش حالة من المظلومية، واليوم تتعدد الوان الظلم، في الزمن القديم الظلم كان محصور من الحاكم على المحكوم، كثير من الدول سادت وبادت في الشرق، في الغرب، في الوسط، وفي كل مكان، بنيت الاسطوانات على اناس احياء! و... اليوم اصبح للظلم شكل ثاني، قد يصدر الظلم اليوم من اقرب القرابة والاشد لحمة، لكن التكليف ما هو؟ هل هو ان تعطي نفس ردت الفعل؟ يعني تتحرك بناءا على ردت الفعل؟ هذا غلط، وستكون انت الخاسر، لابد ان تلقن درس من العيار الثقيل لكن في حدود دائرة الدين وضوابطه تصل من خلال اقصر الطرق الى الهدف وهو العفو والصفح وقلب الصفحة وادارة الظهر في قالب لفظ جميل، القرآن الكريم والسنة المطهرة تؤكد على هذا الجانب، فمثلا نرى كيفية تعامل الامام السجاد (ع) مع جاريته التي ارتكبت الاخطاء معه (ع) في القصة المشهورة[5] قد يحصل ظلم في السوق أو في البيت أو في العمل أو في المدرسة بل احيانا قد يحصل الظلم حتى في دار العبادة! فلا ينبغي ان يقابل الظلم بالظلم.

المحور الثاني: وتصل من قطعك

لابد ان يراجع الانسان نفسه ويرى كيف يتعامل مع أهله وأقربائه هل يتفقدهم ويصلهم ام ان القطيعة هي التي تتسيد الموقف بينهم، القطيعة مرة يجب ان يدرس الاسباب ويسعى لحلها، ودائما وابدا وكما قال رسول الله (ص): «اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى»[6] صحيح احيانا هذا الشيء قد يكلف، وقد تدفع الشيء الكثير، لكن هذا لا يضيع عند الله قد يضيع عند بعض الناس اصحاب النفوس المريضة الذي لم تقبل الرسالة ولم تقرأها بشكل صحيح، لكن عند الله لا يضيع شيء ونحن اليوم من الجميل ان نتعامل مع الله في كل اعمالنا، الشيء الحسن بعد فترة مثلا سنة أو سنتين ينسى، لكن الذي لا ينسى الشيء الشين فترى يتعير الانسان فيه الى يوم القيامة، لكن مع الله كل شيء ان شاء الله سيكون امر طيب.

المحور الثالث: وتحلم على من جهل عليك

في حياتنا اليوم نشاهد الكثير ممن يصدر منهم التعامل الجاهل، أحيانا يجهل الجاهل جهله، فكيف ينبغي التعامل مع هذه الظاهرة،‌ القرآن الكريم والسنة المطهرة يرشدان الى الطريق الأمثل في التعاطي مع هذه الظاهرة، فنرى مثلا كيف يتعامل نبي الرحمة محمد (ص) مع ذلك الاعرابي الجاف الذي يقف على الرسول الاعظم (ص) ويقول له: «اعدل يا محمد»! لكن كيف تعامل معه الرسول (ص) اعطاه شيء من بيت المال لكي يقطع لسان التعدي منه،[7] أحياناً لا لم يكن عن جهل وانما عن علم وعن ترصد وعن خبث سريرة والعياذ بالله، فكيف يتعامل مع هذا؟ واحدة من اثنين اما ان يتركه ويسلمه لله كي يكفيه ويتولى أمره ويقول حسبنا الله ونعم الوكيل، فحينها سوف يتلقاها في نفسه أو في اهله أو في ماله ولو بعد حين، لانه لا يضيع شيء عند الله نهائيا، وتارة لا اعيش حالة من التوازن ومن مبدأ اتاحة الفرصة، مبدأ اتاحة الفرصة شيء حسن، انت لم تتنازل عن حق لكن اعطيت حق مع الاحتفاظ بالرد في القادم هذا شيء جميل، لذلك النبي (ص)لم يجرؤ احدٌ على التطاول عليه بعدما قال لعتاة قريش بعد ان دخلها: «اذهبوا فانتم الطلقاء»[8] لكن خيار المبادرة كان بيد النبي (ص) والا هل تتصور ان ابا سفيان فعل قليلا مع النبي (ص) يكفي ما قام به في بدر وخندق ومصائبه في زمن الاسلام، بالنتيجة ماذا فعل النبي (ص) مع ابي سفيان هل قام بجلده؟ ام بسجنه ام بضربه أو طرده أو ذبحه؟ كلا بل قال: «من دخل دار ابي سفيان فهو آمن»[9] اعطاه شيء من الامتياز حتى يمسك بزمام المبادرة وهذه الكلمة تدل على سمو ورفعة خُلق النبي (ص) وهو كذلك بل هو منبع الاخلاق الكريمة (ص) ومن ناحية اخرى قدم لنا وثيقة يجب علينا ان نقرأها ونتصفحها ونطبقها قدر الامكان. جمعنا الله واياكم على نور الهدى، نور محمد وآل محمد، وفقنا الله واياكم لكل خير، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.