نص كلمة بعنوان:في رحاب الإمام الصادق (ع)

نص كلمة بعنوان:في رحاب الإمام الصادق (ع)

عدد الزوار: 1077

2016-12-31

ليلة الثلاثاء 1438/3/20 في مسجد العباس بالمطيرفي

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمَاً﴾([1]).

غفر الله لنا ولكم، وبارك علينا وعليكم أنوار الحبيب المصطفى وحفيده جعفر بن محمد وأعاد الله علينا وعليكم الذكرى بالخير والبركة.

بعض صفات الشيعة:

في حديث شريف عن إمام مذهبنا الصادق (ع) يخاطب شيعته: «معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً. قولوا للناس حسناً. احفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول»([2]).

وفي حديث آخر عنه (ع): «رحم الله عبداً حببنا إلى الناس ولم يبغِّضنا إليهم»([3]).

يتشرف الإنسان عندما يضاف إلى الإمام الصادق (ع) اعتقاداً، ولكن مجرد الإضافة لا تؤمّن لنا أكثر من مساحة الثواب وتصحيح العمل. فالذي يأخذنا إلى الأمام هو أن نتمثل أقواله أفعالاً، وأن نطابق بين أفعالنا وأفعاله، فقد انتدبنا (ع) أن نكون زيناً بين الناس لأنهم (ع) منتهى الكمال في الزين، وحذرنا أن نكون شيناً عليه، لأنهم لا يصدر عنهم من ذلك شيء.

فأهل البيت (ع) هم المنار وهم المصابيح التي تضيء للإنسان طريقه إذا ما أراد الحق والحقيقة، أما أولئك الذي لا يرغبون بذلك، واختاروا لأنفسهم مساحة الظلام والضبابية فهم وما أرادوا، وليس بالضرورة أن يكونوا ممن لا ينتمون إليه، بل قد يكونون ممن ينتمي إليه، فلا يكفي أن أكون جعفرياً وأنا أمارس الكذب، أو أحمل الحقد والغل على المؤمنين، ولا أحب الخير للآخرين، ولا أضع الأشياء في مواضعها، وأتتبع عثرات المؤمنين، وأسترق الأسماع والأنظار، وأتعقب كل شيء.

تحبيب أهل البيت للناس:

كما أن الإمام الصادق (ع) يحذرنا من طاحونة اللسان وما يترتب عليه مضمناً كلامه قوله تعالى: ﴿وَقُوْلُوْا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾([4]). فإذا أردنا مخاطبة الآخرين فلا بد أن نخاطب بلسان محمد وآل محمد. وأن نقربهم إلى الناس بأفعالنا لا بأقوالنا، وهذا هو الأمر المهم، وإلا فإن كثرة التسبيح قد لا تتجاوز لقلقة اللسان، ودعوى الفهم والمعرفة ربما لا تتعدى حدود ذلك، وعلى ذلك فقس ما سواه، لكن العمدة أن يكون هناك مطابقة في العالم الخارجي، وتجسيد للقول في ميدان العمل.  

يقول (ع): احفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول، أي فضول الكلام. فمع شديد الأسف، تجد أن البعض يدعي الانتماء لجعفر ولآل جعفر، والولاية لعلي ولآل علي، لكنه لا يحمل من هديهم شيئاً، ولا يجسد من قولهم حرفاً، ولا يسير وفق معطيات هديهم الأقدس، الذي هو عبارة عن إشراقة عما فتح الله عليهم من فوق عرشه، فقد اصطفاهم وقربهم وكمّلهم، ثم قدمهم للأمة أنموذجاً كاملاً، وطوبى لمن سار على هديهم، وتمثل نهجهم.

يقول (ع) في موطن آخر: «رحم الله عبداً حببنا للناس» فالأسلوب المنتهج اليوم من بعض القنوات الفضائية، هل يحبب محمداً وآل محمد للناس؟ أو أنه يوجد الفجوة والفاصلة ويبعد هؤلاء عن الناس؟ فعندما نُقدِّم الأئمة (ع) من خلال الأحلام المفتعلة، والخيالات الممنهجة، والكرامات المصنّعة، فإننا نبعدهم عن الناس ولا نقربهم، على العكس من ذلك إذا ما نقلنا أحاديثهم وحاولنا أن نوجد لها تطبيقاً في أكثر من مساحة ومساحة بحيث يُلتمس ذلك في أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا ومعاشرتنا وأدائنا للأعمال والوظائف المناط مسؤوليتها بأعناقنا.

ففي الزمن السابق إذا ما كان الموالي لجعفر الصادق (ع) وآل جعفر في مكان يكون مضرب المثل فيه، في الوفاء وتحمل الأمانة والقيام بالمسؤولية كما ينبغي، وعلينا اليوم أن نراجع بعض الحسابات قليلاً.

في الزمن السابق عندما يكون الموالي في رحلة أو سفرة مع بعض الإخوة من أتباع المذاهب الأخرى الكريمة تجد أنه القمر المنير فيما بينهم، لأنه يتمثل الهدي ويجسده واقعاً خارجياً. وعلى هذه فقس ما سواها.

إن بعض القنوات اليوم تسهم إسهاماً مباشراً في تغييب أهل البيت (ع)  وتشويه مسيرتهم والإساءة لمدرستهم، وإن لُفت العمائم على رؤوسهم، فليس كل عمامة عمامة، فالعمامة التي لا تمثل محمداً وآل محمد لا خير فيها، أما العمامة التي تسافر بفكر محمد وآل محمد الصحيح النقي المشذب عن كل دخيل، هي العمامة التي تحترم وتقدر وتقدس ويطبع عليها ملايين القبلات. أما ما كان منها على العكس من ذلك، ولا تروج إلا لمسلك البغضاء بين المؤمنين والتفريق بينهم والإساءة لفكر علي وآل علي، علينا أن نضع عليها الكثير من علامات الاستفهام.

فشتم الطرف الآخر ولعنه والدخول معه في صراع، فيه إساءة مباشرة لأهل البيت (ع) وإن توهم من توهم أنه يحقق شيئاً ما. فأهل البيت (ع) كمال وصفاء ونقاء.

تجنب لقمة الحرام:  

ذكرت في الأسبوع الماضي ما للقمة الحرام من الأثر، وكم حذرنا أهل البيت (ع) من لقمة الحرام، فيما نجد أن بعض الناس يرى أن الحلال ما حل في يده، عن أي طريق كان، سواء كان مال يتيم، أم سرقة، أم عدم أداء أمانة أم شهادة زور. كل ذلك لا يقدم لديه شيئاً ولا يؤخر، ما دامت الأموال وقعت بين يديه.

أحد المؤمنين من سكنة بغداد أيام العهد الملكي في العراق، طلب منه أحد المطلوبين أن يشهد له زوراً في قضية من القضايا على أن يدفع له ديناراً، وكان للدينار قيمته آنذاك، فقال له: علام أشهد؟ قال: أحملك الشهادة وألقنك إياها مقابل هذا الدينار. فاعتذر منه أولاً، فأصرّ، فضعف الرجل. وفقد يضعف الرجل أحياناً بسبب الزوجة وكثرة طلباتها، أو بسبب أبنائه أو بناته، وأحياناً يجد أن أمواله إذا زادت أصبح له شأن. فرضي أن يتحمل الشهادة، وهي شهادة زور.

ونام تلك الليلة يتقلب يمنة ويسرة، حتى حان الوقت، فمر به صاحبه وطرق بابه، فخرج معه وهو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى. والمعروف أن إبليس يسرع بالخطى، ولكن لا باتجاه المسجد مثلاً، ولا إصلاحاً لذات البين، ولا لعيادة المريض، أو إغاثة الملهوف، إنما بالاتجاه الآخر.

فذهب معه إلى المحكمة، واستنطقه القاضي، فأدى الشهادة زوراً، وأخذ الدينار، فابتاع شيئاً من السوق وأكل منه. ولا شك أن النطفة تنعقد من هذا الطعام، فمرت الليالي والأيام، ووضعت المرأة حملها، ومرت السنون.

بعد ردح من الزمن اجتاز العلامة المقدس الدمستاني (رحمه الله) في أحد أزقة بغداد، وكان منزل الرجل هناك، وإذا بغلامين صغيرين على الباب، أحدهما يشتم علياً والآخر يمنعه، يقول له: ما لك ولعلي! إمامٌ ولد على الفطرة، فلا يزداد الآخر إلا نيلاً من علي (ع)، فصار العلامة الدمستاني يردد مع نفسه: صدقت يا مولاي، لا يبغضك إلا ابن زنا، أو متولد من لقمة حرام.

فسمعته أم الولد فقالت: ما وراءك يا شيخ تتمتم مع نفسك، قال: لا شيء، قول عابر. قالت: أقسمت عليك بولاية علي (ع) إلا ما أفصحت عما يجول في خاطرك، ويتلجلج على لسانك. فقال: استوقفني هذا الموقف الرهيب، فهذان طفلان من بيت واحد، أحدهما يشتم علياً والآخر يصده، فتذكرت حديثاً. قالت: حسبك يا شيخ، والله إنني امرأة حرة شريفة ومن بيت شريف، لم يطأ فراشي إلا زوجي، ولكن زوجي شهد شهادة زور تقاضى عليها مبلغاً من المال، فأكل منه، وهذا الولد تولد من ذلك المال.

أيها الأحبة: أحذركم ونفسي لقمة الحرام، فأثرها خطير، ودمارها كبير، واحذروا إبليس الذي يعبّد الطريق إلى لقمة الحرام. ولكن لقمة الحلال من عرق الجبين مقدسة ولها أثرها.

لذا نجد أن النبي (ص) يقبل يد ذلك المسلم عند مقام إبراهيم عندما وجد يده خشنة. وقد سأله عما بها من مجل فأجابه: إن ذلك من كدي على عيالي. فقال النبي (ص): هذه يد يحبها الله ورسوله.  فلا بد أن نراقب أنفسنا في لقمة الحلال.

نسأله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.