نص كلمة بعنوان:عوامل التلاعب بالسنة المطهرة
بلغ العلى بكماله * * * كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله ** * صلوا عليه وآله
ذكراك نورٌ كلها بركاتُ فيها الوجودُ تسوده البسماتُ
يوم به كل النبوة بشرت وتباشر الإنجيلُ والتوراةُ
ولد النبي المصطفى يا سادتي حباً له فلترفع الصلواتُ
الشيعة يفرحون لفرح اهل البيت عليهم السلام ويحزنون لحزنهم
بارك الله لنا ولكم المولد السعيد ذكراً واستدامةً ملاك النور الأقدس نور النبوة الخالدة ونور الإمامة الحقة بارك الله لنا ولكم وأعاد المناسبة علينا وعليكم، الحديث عن النبي له قيمته وقيمة الحديث عن الإمام الصادق لا تقل عن ذلك لأنهم نورٌ واحد كما تقول الرواية عنهم: «أولنا محمد أوسطنا محمدٌ آخرنا محمدٌ بل كلنا محمد»[2] سيرةٌ نوراء طافحة بالخير والعطاء عاشها وجودا ووجدانا طائفةٌ من الناس ولما التحق النبي الى الرفيق الأعلى وعرجت روح إمام مذهبنا الى مبدئها عاشته الإمة وجدانا ونحن في ضمن هذا الطريق نسير وصوب ذلكم الهدف نتجه، لم تنحرف بنا بوصلة ولم تزلّ بنا قدم، لأن ما اسس لنا من بناء ارادته السماء ان يكون ثابتا مستقرا غذاه اهل بيت النبوة بنور حقيقتهم المطلقة لذلك نحن منهم لأننا خلقنا من فاضل طينتهم اذا ما حلت مناسبة فرح وجدنا انفسنا منجذبين لها واذا ما خيمت علينا ذكرى شهادة احدهم خيم الحزن والاسى علينا، لأننا من ذلك الأصل فرع، والفرع يحنّ الى اصله ويتبع، هنيئأً لنا، هنيئأً لكم، أننا نتصف بهذا الفرع الذي فيه، خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا[3] هذا ونحن ايها الأحبة لم يكتب لنا شرف الحضور في محضرهم الخارجي لا في مكة ولا في المدينة ولا في المواقع التي شرفتها اقدامهم ونحن نعيش حبا وولاءاً ثابتاً راسخاً لم تنل منه فواصل الزمن ومنعطفاته وانما تجذّره فينا وتثبته في وجداننا هينئا لنا ايها الاحبة ان تحدرنا من اصلاب آباء اتقياء ومن ارحام أمهات طيبات، الطيبة لها مصدرها، مصدرنا ذلكم المنبع الثرو الذي ما زال يغذي وعلى أساس منه تعجن طينة الولاء، نحن كرمنا بالكثير من النعم لكن صدقوني ايها الآباء والأخوة والأبناء والأخوات ان كنا يسمعن لا كرامة فوق الانتماء لمحمد وآل محمد (ص) السنة المطهرة لم تصل الينا كما وصل الينا القرآن محفوظا لأن السماء لم تتدخل في مسألة الحفظ للسنة على العكس من ذلك بالنسبة للقرآن الكريم: ﴿اِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ واِنّا لَهُ لَحـٰفِظون﴾[4] اذن مسؤولية الحفظ لم تكن مناطة بالافراد وانما بقيت موكولةً بالمنزل، بالله سبحانه وتعالى السماء تكفلت بحفظ القرآن من التحريف لذلك وصل الينا سالم، اما السنة المطهرة ايها الاحبة فلم يكتب لها هذا النصيب وانما تلاعبت فيها الايدي حتى في زمن الرسول (ص) عندما كان بين ظهرانيهم كانت حركة الوضع وحركة التقطيع وحركة التصحيف تفرض نفسها في الكثير من المساحات، ايها الاحبة النبي يؤكد على ان شيئا من هذا القبيل قد وقع من خلال الحديث الشريف المروي عنه (ص): «فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار»[5] ما الذي يعني التهديد والوعيد بالنار؟ يعني ان جماعةً ترنوا وان جماعةً تترصد وان جماعةً ان انتظرت ولن تنتظر طويلاً حتى تضع يدها على بعض مفاصل السنة لتحرف المسار وتشوه المنهج، ورب سائل يسأل؟ هل تحقق ذلك؟ نقول نعم ومع شديد الاسف والحقيقة المرة انما حصل لم يكن محدودا في دائرةٌ ضيقة وانما كان له من السعة بحيث اعطا لنفسه مجالا في الاتساع بقدر ما تتوافر له من العوامل:
عوامل التلاعب بالسنة المطهرة
منع التدوين
الأمر الأول منع التدوين وقد خلف وراءه آثارا مروعة، لأن المنع لم يكن مطلقا وانما كان منعا موجها ما يعني التنزيل في مواطنه واسبابه، اغلق بابه وشفر حتى لا يتسم شخص الامام علي (ع) عند كل آية، اما له او على مناوئيه، مات من مات ممن يحملون الحديث عن النبي وضاع الكثير من الموروث صدورٌ حوت بالمباشرة دون واسطة حوتها الأرض وتخلص منها من لم يرغب ان يصل بواسطتهم شيء الى الأمة.
حركة الوضع وما خلفتها من ضياع للسنة
تلتها حركة الوضع وهي حركةٌ ايها الاحبة في منتهى الوضاعة والانحطاط ان يعطي الانسان لنفسه مسوغا في ان يكذب على النبي متعمدا هذه كارثة وطامة كبرى اسست لشيء وتفرعت عنه اشياء والاحاديث والشواهد كثيرة، حتى الزهراء سلام الله عليها اصطدمت بواحدة من هذه العقبات التي طرحت في وجهها عندما جاءت تطالب بحقها من الارث من ابيها النبي محمد (ص) فواجهوها بهذا الحديث الموضوع: «نحن معاشر الانبياء لا نورث» عجبا! حديثٌ في منتهى الصراحة والمساس بحاجة الناس الا انه لا يطرق لعلي سمعا وهو الاذن الواعية ولكن تعيه اذن الآخرين، تحتاج الى لحظات من التوقف والتأمل لماذا؟ في الكثير من الاحيان عندما نسأل او نُسئل ليس من الضرورة ان نتحصل على الجواب، لأن بعض الاجوبة تدفّع ثمنا باهضاً قد لا يكون الانسان المسؤول على استعداد كاف في ان يقدم تلك الضريبة حركة الوضع لولم تتسبب الا في خلط الموروث لكفى في ان تتسبب في ضياع السنة والحرف لها عن المسار الذي جاءت من اجله.
فتح باب تدوين السنة على مصراعيه
يقف وراءها مؤسساتٌ تتصف بعناوين تطورت مع مرور الايام لكن النتيجة واحدة فجأة وبقدرة قادر يتحول المنع من تدوين السنة المطهرة الى تشريع الابواب على مصراعيها دون حسيب ولا رقيب الفعل وردت الفعل القوة واحدة والمعاكسة في الاتجاهات اشرأبت أعناق قوم صاروا يستذكرون ويخلطون ويستنتجون وينتجون فتحت مصانع لصناعة الخبر، لصناعة الحديث تشكلت منه ما يسمى السنة او المدرسة الحديثية، انفتح باب في منتهى الخطورة على جميع ابناء الأمة ألا وهو باب المثالب والمناقب، مثلا انا لدي ميل وحب ورغبة للجناح اليميني اغدق عليه الكثير من المناقب في لباس السنة المطهرة في ثوب الحديث موضوعٌ مكذوبا مزورا مصنعا لا يهمني شيء، المهم انه قد وضع، الخصومة تحملني تدفعني ضد الجناح اليساري ايضا النتيجة هي نتيجة سيلٌ من المثالب في قبالة المناقب من اجل التسقيط والاقصاء والمحاربة والاجهاز ونحن اليوم نتقلب بين هذين المسارين بين قائمة من المناقب طويلة عريضة اما غير منقحة وقائمة تقابلها من المثالب الا انها غير منقحة أيضاً، فصّل هذا كما اريد له، كما فصّل الآخر لمن اريد له المناقب كأن يقال فلانٌ له كذا وفيه كذا ويتسم بكذا من صفات الكمال والمناقب؛ سيف الله المسلول ذو النورين كاتب الوحي و...، المثالب أيضا حدث ولا حرج تولد من هذا الفعل الصراع المذهبي الذي نعيشه اليوم الذي على اساس منه تراق الدماء، تنتهك الاعراض، تصادر الاموال، تصادر الكرامات، تسحق القيم مع شديد الاسف، ثمة رجال كبار في قومهم الا انهم اسهموا في إغراق السفينة ولم يبحروا بها الى ساحل النجاة اضرب مثال من اولئك الذين لم يسمحوا لانفسهم ان يقفوا في مساحة الحياد بين الأطراف بل القوا بكلهم وانحازوا بجميع مكوناتهم لطرف على حساب طرف وعندما تسأل أيضا لا تجد جواباً، الإمام البخاري صاحب الصحيح من الأحاديث المسندة للرسول فتح بابا وأغلق باب فتح باب المناقب لمعاوية وأغلق باب المناقب لعلي وهذا ليس فيه تجني دونك ما هو المصفح هذا وعليٌ كالشمس في رابعة النهار في علمه في جهاده في صبره في أخوته في مبيته في هجرته، الآخر لا يمتلك رصيداً على أساس منه تقع المفاضلة أو المقارنة:
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل اناء بالذي فيه ينضح
عليٌ يبقى علي ذكرت مناقبه أم نسيت، لأن الشمس لا يغطيها شيء، من يحتاج إلى ذلك هم من يحتاجون الى ذلك وحتى في حياتنا اليومية من يعيش كمالا لا يحتاج للآخر ان يقول عنه انت كامل انت حسن انت موفق لكن الانسان القاصر يستجديها من اصغر الناس تطرب لها روحه ويشرئب لها عنقه يتطاول لأنه مدح او ذكر بنعت او أدرجت عليه صفة هو لا يستحقها ويعلم ذلك لكنه يخادع نفسه حتى ان احدهم ممن وضع في حقه يقول لأحد الوضاعين حسبك فان عدت جلدت، لانه أحيانا تأتي إلى شخص تمدحه تقول أنت كذا وكذا في البداية يكبر لكن عندما يكثر المدح يثقل وزنه بحيث لا يستطيع القيام من محله، ماذا يفعل عليه ان يقوم بأعمال حتى يتمكن من القيام بنفسه، السلطة الأموية في الشام خلطت الأوراق، أربكت الوضع، حتى قالوا: من قال في علي (ع) منقبة فقد برئت منه الذمة، يعني اصبحوا يمسكوا الشخص ويقولوا له تستحضر شيئا في علي، وهذا بالتالي موالي فطري سوف يقول: عليٌ اتقاكم، علي اعلمكم، عليٌ علي علي... فتش عن هذا لغيره لا تجده، في ذلك اليوم ماذا تقول تلك الثاكلة: غيبتموه عني طويلا واتيتموني به قتيلا، لا لشيء الا لانه ذكر عليا بخير لا تتصور ايها المحب ايها الموالي ان الامور وصلت اليك غير مدفوعة الثمن والتكاليف ابدا، لو كان التاريخ السابق مدون بالصوت والصورة لعرفت المخاض الذي مر به اتباع هذا المنهج حتى وصل لي ولك.
التزهيد والترغيب في الدنيا
فتحوا باب آخر على الأمة هو التزهيد والترغيب في الدنيا وهذا معول هدام ويتعارض مع القرآن، القرآن يقول: ﴿و لا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا﴾[6] هؤلاء ارادوا ان يغرسوا في ذهنية الأمة بان الدين هو عبارة عن الدروشة وان تتحرك بثياب رثة وان لا تأكل كما يأكل الناس ولا تسكن فيما يسكن الناس ولا تركب كما يركب الناس، زرعوها نشأت طبقة صفتها الخارجية التقوى والورع لانها تبتعد في الظاهر عن الدنيا لكنها في الواقع حبائل الشيطان هي وسائل غير مدركة لما يراد بها هي جسور لتصل طبقة من ابناء الأمة على حسابها الى مصالحها حتى في حق الامام علي (ع) وضعت روايات في حالة الزهد لم ينزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان ولو دفعت لفنان تشكيلي اليوم لوحة وقلت له ارسم لي عليا كما تصوره الكتب لن تكون الصورة مريحة، لانها ابعد ما تكون عن الواقع لعلي (ع)، عليٌ (ع) كان يمتلك الدنيا ولكن الدنيا لم تستطع ان تملك عليا للحظة واحدة وهذا هو الزهد الحقيقي الزهد ان لا تملكك الدنيا اما ان تملكها فهذا من حقك المشروع حقك ان تبني وان تتوسع في تجارتك وان تسعى لتحسين واقعك العملي هذه حقيقة.
تدخل اليهود ووضع الاحاديث الاسرائيلية
اليهود وجدوا ارضا خصبة بعد وفاة النبي تحركوا، وضعت روايات على ايديهم يعبر عنها بالاسرائيليات وحتى نعرف كم لليهود من دراية ووعي بمواطن الخلل في بناء الأمة، انهم سلطوا الضوء من خلال رواياتهم الموضوعة على اسباب النزول معظم الأحاديث التي جاءت في اسباب نزول الآيات عبثت فيها ايدي اليهود وحرفت عن اسبابها ومع شديد الاسف حتى بعض التفاسير التابعة لمدرسة اهل البيت ادرج في ضمن بعضها بعض الروايات من هذا النسيج، لذلك اضطر العلامة الكبير المحقق الشيخ محمد جواد مغنية (رضوان الله تعالى عليه) ان يكتب كتابا اسماه «اسرائيليات القرآن» سلط الضوء بدقة على الاحاديث الموضوعة التي تلوي عنق الآية لصالح هدف وغاية، هنالكم طبقة كانت تحمل نفسا ضعيفة باعت ضميرها بثمن بخس دراهم معدودة كانوا يضربون بطون الابل من المدينة الى الشام ليقولوا حديث مدفوع الثمن، صنع في المدينة وتم بيعه وتصديره في الشام.
وجود السذج في المجتمع
هنالك جماعة أخرى وهي الأخيرة وفيها اختم حديثي هذا، هي الجماعة التي تحمل صفة السذاجة وهذه الجماعة لم يخلوا منها زمن ولم تخلوا منها ارض، بل لها وجودها واثرها مع شديد الاسف، السذج هم اولئك الذين اذا ما طرق اسماعهم حديث سلموا له تسليما، اعطوه القيادة بالمطلق، لم يتركوا لانفسهم فرصة ليراجعوا مؤدى ذلك النص، لذلك تلحظ احيانا حتى في مجالسنا الحسينية تذكر بعض القضايا فتعج الحسينية بالصلوات الغير متتطابقة مع حقيقة الواقع، لان حالة السذاجة وحراك العقل الجمعي من حولها يولد هذه الحالة، هنا نسأل بهذه المناسبة هل خلقنا، هل اعتنى بنا اهل البيت لنبقى رهن هذا الواقع ام علينا ان نلتفت لأنفسنا قليلا، علينا ايها الاحبة ان نراجع الحسابات علينا ان لا نكون بسطاء في التعامل مع الشعارات من حولنا والقضايا التي تطرح، الحذر قيمة سامية على الانسان ان يحافظ عليها، اسأل من الله سبحانه وتعالى ان يكتب لنا ولكم التوفيق في الدنيا لزيارة النبي والحفيد وان يشفعهما فينا في ذلك اليوم، اختم بهذه الابيات اقول فيها: