نص كلمة بعنوان: سماحته يشارك أهالي المنصورة الاحتفال في أبهى صورة
قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ﴾([1]).
هنا وقفةٌ يقتضيها المقام، أتخذ منها منطلقاً لما رسمت الطريق إليه. فكلنا نجتمع من أجلهم، ويجمعنا وإياهم رابطة الحب والولاء. والحديث ينقضي ولا ينقضي الكمال، لأن الكمال المطلق أصله ومنطلقه الحبيب المصطفى محمد (ص).
وليس من ضرب الصُّدف أن يجتمع ميلاد الحفيد بذكرى ميلاد جده، لكن السماء لها إسقاطها، لذا علينا أن لا نتعاطى هذا الحدث على أنه وليد صدفة محضة.
وعندما نتجاوز هذه القراءة القاصرة نستطيع أن نلج إلى أبواب الرسالة من أي باب شئنا. وبمقدورنا وقتئذٍ أيضاً، أن نستشرف معالم الوصول إلى ذات الحفيد الصادق من آل محمد (ص).
ضرورة التمسك بثوابت الدين:
الدين هو نهج الحياة الذي لا سعادة إلا من خلاله، وحيث إن هذه الحقيقة ثابتة فلا مناص من الرجوع والتسليم والامتثال إلى تشريعاته المحكمة. فالإنسان في هذا الوجود المادي يحتاج إلى عاصم يحفظ له مقولته وفعله، حتى إذا ما وقف بين يدي المطلق استطاع أن يقدم دليلاً ساطعاً وبرهاناً لامعاً على ما قدم بين يدي المطلق، ولا سلاح وقتئذٍ إلا القول والفعل المتماشي مع التشريع. فهناك مساران لا ثالث لهما، الدين أو القانون الوضعي، فللدين عاصميته التي يرتكز عليها، لأن الطريق معصوم، والمصدر هو سيد الحكماء: ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوْحَى﴾([2]).
أما القانون الوضعي، فمهما تقدمت الذهنية البشرية، وتطور فكرها، واتسعت آفاقها، فهي لا تحظى بالعاصمية من جهة، وليس بيدها الشمولية المنشودة، فالإنسان على وجه الأرض هو الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والغني والفقير، وبين هذه المفردات تناثُرٌ واجتماع، فلا يجمعها إلا الدين الحق الذي جاء به الحبيب المصطفى محمد (ص) أما ما دون ذلك فهي نظريات وتشريعات وتقنينات إن كُتب لها من الحظ والنصيب، فليس لها أكثر من أن تشغل فترة من الزمن، استوجبتها المصالح البشرية التي تصب في معظمها لصالح طبقة على حساب طبقة أخرى.
نحن اليوم على مفترق طرق، إما أن نتشبث بالموروث، على أن يُقرَأ على أساس من حداثية الوضع بكل لوازمه، أو ندير الظهور ونتخلى عن ذلك، وعندئذٍ تأخذنا المشارب والمذاهب والطرق حيث أمكنها أن تأخذ الإنسان، فربما يُخدع بعضنا ببهرجة الألفاظ وترتيبها وتنميقها، كما هو الحاصل في صفحات الصحف والمجلات والتقنيات الحديثة، لكنك عندما تحاول أن تستنطق تلك النصوص لا تجد فيها من الجوهر واللباب ما يساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، لكن دستوراً كتبته السماء بمداد النور، وبلغه نبيٌّ هو النور في النور: ﴿لا يَأْتِيْهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾([3])، فهو دستور شاملٌ، خالدٌ، حركيّ، وهذه الأبعاد الثلاثة لها ما يلازمها، وربما تنكب البعض الطريق، واتخذ له منزلقاً له اتجاهات هنا أو هناك، وضلّ طريقاً وهدفاً، وأضل من سار على الطريق من خلفه.
فالمرحلة اليوم في منتهى الحرج والحساسية، فالأمواج متلاطمة، والأفكار متزاحمة، وما علينا إلا أن نقف وقفة التأمل مع الذات في عالم الوحدة، ومع الآخر في عالم الاجتماع، كي نصل وراء ذلك إلى ما هو المبتغى.
فالدين في وسط المجتمع، ولا قيمة لمجتمع يتنكر لدينه. فلا يمكن لأحد أن يجعل من ثوابتنا متحركات، فالثابت الذي أراد له الشرع أن يكون ثابتاً سوف يبقى على ثباته، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لأن من شرع وقنن هو المطلق، بالحكمة المتعالية المتناسبة مع مقام الرفعة يضاف إلى ذلك منشئية التشريع والتقنين والتفعيل في عالم الخارج.
يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَهْوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ﴾([4]) فلنسأل أنفسنا: هل نحن مع الدين أينما كان؟ في نهارنا وليلنا وقيامنا وقعودنا ودراستنا وتعاطينا مع المشهد في كل أبعاده؟
ويقول تعالى: ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِيْرٌ﴾([5]) فهل تنطلق أقوالنا وأفعالنا على أساس من هذا المبدأ القرآني؟ أو أن هناك تقاطعاً بيناً وفاصلة قد لا تقدر بحسابات، وإن كانت على نحو معادلة الزمن؟
ويقول تعالى: ﴿وَإِنَّ كُلاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُوْنَ خَبِيْرٌ﴾([6])، فهل نحن من هذه الطبقة التي اجتازت المرحلة الأولى، وهي أن الله معكم والدين معكم، حتى وصلنا للمرحلة الثانية، وهي أنه بما تعملون خبير، لنصل في النهاية إلى ساحل نجاة؟ أسأل الله تعالى أن نكون كذلك، وأن نستفيد من هذه الوقفة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.