نص كلمة بعنوان: رسول الله يثبت أصول الدين ويفرع عليها
رسول الله (ص) يثبت أصول الدين ويفرع عليها
لم يخرج النبي (ص) من هذه الدنيا إلا وقد ثبت الأصول لهذا الدين الحنيف ومارس التفريع على تلك الأصول كي يتدرب عليها من هم من حوله. والصحابةُ يتمايزون فيما بينهم من حيث الاستعداد الذهني والروحي والرسالي؛ فمنهم من أصبح مفسراً، ومنهم من أصبح فقيهاً، ومنهم من أصبح قائداً، ومنهم من أصبح... وهكذا، المدرسة التي أصّلها الإسلام والتي سقاها النبي (ص) بتلك الدماء الزاكية من أصحابه الأوفياء للدين (رضوان الله تعالى عليهم) ومن أستشهد أيضاً من أهل بيته كجعفر وعبيد بن الحارث والحمزة ـ سيد شهداء عصره ـ هؤلاء لكونهم عاشوا النبي روحاً؛ ولانهم عاشوا مع النبي الإسلام الحقيقي سهل عليهم أن يحملوا أرواحهم على أكفهم ويقدموها على مذبح التاريخ. فكما ان الأصول والفروع في جانب العقيدة، كذلك الأصول والتفريعات في جانب العبادة موجود ايضاً، أصولٌ وتفريعات، اختلاف الأمزجة والثقافات كان موجوداً حتى في زمن النبي (ص) حيث ان الصحابي المهاجر يختلف عن الصحابي الأنصاري، ومن عاش الصُحبة للنبي قبل الهجرة، في أجواء مكة، أحكام خاصة ولو لم يكن إلاّ قضية سرية الدعوة في مرحلتها الأولى، وما ترتب عليها من المحاصرة والمقاطعة كما حصل في شعب ابي طالب للنبي وقرابته ولمن يلوذ بكنفهم، هؤلاء حوصروا وجرى ما جرى لكن مع شديد الأسف مع شديد الأسف عندما نقرأ الصحابة ككلمة لا نقرأها على أنها قابلة للتقسيم والقراءة من خلال ما يتحرك هؤلاء الصحابة بناءاً على مرتكزات أهل بيت العصمة، النبي (ص) ممسكٌ بهم من جميع جوانبهم، في مكة الأمور لم تكن مهيأة للنبي بالقدر الكافي كي يتحرك، حتى في القرابة بإستثناء مرحلة الدار أما في المدينة المنورة انحصر الآل بهذه الكوكبة التي تحمل معنى النورانية وعلى رأسها علي عليه السلام.
تداعيات غياب النبي (ص) في الامة
بعد غياب النبي تبدل المشهد كثيراً وتدخلت الأطماع والأهواء والرغبات، تدخل العامل الناسف لقضية الوحدة بين المسلمين التي أجراها النبي بين المهاجرين والأنصار عند وصوله إلى المدينة؛ صار العربي يقدم على غيره، صار القرشي يقدم على غيره، صار المكي يحسب لنفسه مسألة الهجرة، المدني يحسب لنفسه مسألة النصرة، طبعاً هذه كلها عوامل مؤثرة، ثم الصحابة والمجاهدون في زمن النبي وبعد النبي (ص) في معظمهم هم أبناء قبائل وأبناء الصحراء القاحلة، أصلاً الذين ضحوا بين يدي النبي في المعظم هم من أبناء الصحراء، واليوم أصبحت الدولة، دولة إسلامية، وغاب عنها النبي الذي على رأسها، طبيعة الحال تتحرك كثير من العوامل، لأن العاصم غير موجود، العاصم على نحو البدل أو الامتداد الطبيعي أيضاً حجم دوره أصلاً اخرج من الساحة تماماً، بل أكثر من ذلك يحاسب من يأتي باسم علي عليه السلام في مرحلة من المراحل هذه التداعيات تركت بصمتها لذلك تفرقوا شيعياً والقرآن يتنبأ ﴿لَستَ مِنهُم في شيءٍ﴾[3] لما يحدثونه في وسط الأمة من الفرقة والشتات والتّشرذم، رجل جاء إلى المدينة لسنة أو سنتين يروي معظم المرويات الصادرة عن النبي الا يستوجب هذا الأمر وضع علامات استفهام كبيرة؟ أين بقية الصحابة؟ لماذا الذين عاشوا النبي ثلاثة وعشرين سنة أحاديثهم لا تتعدي عدد اصابع اليدين فقط؟ فما بال القضية أصبحت هكذا، البعض منهم جاء إلى المدينة لأشهر أو لسنة او لسنتين في أحسن التقادير لكن له من المرويات الكثيرة والمطولة! هذه الحالة ثبتت واقع جديد لم يكن معلوم في زمن النبي (ص) صار كل صحابي يحمل مشعل الفتوى، لذلك تشتّت الأمة إلى طرائق، واننا لو اخذنا بالآيات القرآنية التي فيها روح التنبؤ بالآتي فاننا نجد سرعان ما تحقق هذا التنبؤ ولا نحتاج الى فترة طويلة من الزمن كي نجد التطابق بل في السنوات الأولى من بعد غياب النبي(ص) حدث الانطباق بين الآيات القرآنية والحالة الموجودة في وسط الامة، نعم هنالك امتداد وتكثّر وتوسع مساحات هذا موجود، لكن بالنتيجة الوضع هو هكذا كان. جاءت الدولة الاموية كرست واقع جاءت الدولة العباسية ذهبت بالواقع إلى ما هو الأسوأ حتى دارت رحى الحروب الطاحنة بين الفريقين المسلمين من ذلكم اليوم هنا وهناك، غابت شمس هذه الدولة جاءت دويلات أيضاً تبنت مشاريع فقهية أساسها الفرقة بناءاً على مسلك الصحب، لا يكفي أن يكون الإنسان عالم بل يفترض أن يكون واعياً مدركاً يحمل حساً اجتماعياً ووعياً اجتماعياً حتى لا يربك المشهد.
التصدي لامور الامة بروح سماوية
النبي (ص) بقدر ما هو نبي وبقدر ما هو رسول وخاتم للنبوات والرسالات بنفس القدر هو ذلك الإنسان الذي يسقط التكليف على الواقع، اذكر مثال على ذلك؛ واحدة من الإشكاليات او المشاكل التي كانت تواجه النبي هي مسألة الرقيق، الإسلام جاء ليحرر ؛«كلكم لآدم وآدم من تراب»[4] ومكة والمدينة فيها المئات وربما الألوف من العبيد لو جاء النبي (ص) وطبق مبدأ: الإسلام مبدأ الحرية المطلقة وكل انسان ولدته انثى فهو حر، مرة واحدة لا يصح قلب النظام الاقتصادي والاجتماعي والعرفي و... آنذاك، لكن النبي أخذ بالتدرج في هذا المسلك شيئاً فشيئاً، عالجه بروح النبوة، بروح السماء، اتخذ عدة قرارات منها: انه فتح باب المكاتبة بين العبد ومولاه، كذلك فتح مسألة التعليم، اي بما ان الواقع المفروض وشبه السائد في الكثير من المواطن كان هو واقع الجهل وعدم القدرة على القراءة والكتابة بين الناس أوعز إلى هؤلاء العبيد ممن يحسنون القراءة والكتابة أن يعلموا الاميين كي يحصل بذلك فكاك رقابهم وهذه المسألة لم تحدث فقط بعد معركة بدر بل كانت موجودة، هذا جانب واحد من المشهد أما الجوانب الاخرى أكثر من ذلك.
الدرس الذي يهمنا هو وكما يقول السيد الإمام (رضوان الله تعالى عليه) لو اجتمع ألف نبياً في مكان واحد لما وقع النزاع بينهم، لماذا؟ لأن الوجهة واحدة، لأن هم يصانعون وجهاً واحد وهو وجه القدرة؛ «صانع وجهاً يكفيك سائر الوجوه»[5] لكن عندما تترك المساحات ينزغ الشيطان ـ والعياذ بالله ـ حينها ترفع الرايات هنا وهناك.
ومن الأمور التي حذّرت منها مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي مسألة الرايات، رفع الرايات وخصوصاً في زمن الغيبة وعندما نقول رفع الرايات لا نقصد بذلك رفع راية بيضاء أو حمراء أو زرقاء أو صفراء أو نجوم او هلال او غير ذلك من الأمور، بل قد تكون هذه الراية فكرة، نظرية، مبدأ، مسلك يقدم للناس فيسير الناس وفق ذلك المعطى إلى ان تصل الأمور إلى ما تصل إليه. أصلاً بعض المراجع رضوان الله على من مضى منهم وحفظ الله من بقي، أحيانا يحجم على الفتوى لا لشيء ولا لان الدليل لن يستقر وتستكمل آلياته؛ وإنما الرغبة الجادة عند ذلك الفقيه هي في عدم إحداث البلبلة في وسط الأمة، هذا مطلب أساسي ومهم، لكن إذا ما وجدنا فقيهاً يتعمد الفتوى التي يترتب عليها السيئ بين أبناء المجتمع الواحد، علينا أن نتساءل هل ان هذه الفتوى فعلاً صدرت فضلاً عن هذا حتى لو صدرت ليس بالضرورة ان نكون ملزمين بها، إذا كانت تفت في عرى مجتمعاتنا، تفرق بين الأخ وأخيه؛ لانه أحياناً تبعثر وتشتت أبناء القبيلة الواحدة خصوصاً في هذا الزمن المُر الصعب.
اثارة اشكالية تقديم الوجبة الغذائية في الفواتح ومعالجتها
من القضايا التي طرحت في الآونة الأخيرة وأحدثت بلبلة واحدثت خلاف بين الأخ وأخيه والأبناء وآبائهم وفي أكثر من محل ومحل ـ ولولا التكليف الشرعي لما تحدثت بها ـ هي مسألة تقديم الوجبة في الفواتح، لو سلمنا وتنزلنا وقلنا بان مسألة تقديم الوجبة في الفواتح مسألة لا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا من بعيد، لكن أليس هذا عرف المجتمع؟ ألا ينبغي أن يحترم هذا العرف؟ اذ ان هذا عرف جرى عليه آبائنا وأجدادنا ويحملون فيه واقع التقرب إلى الله والمحبة بين الناس وجمع الناس في تحصيل الثواب لآبائهم وقتالهم وموتاهم وما الى ذلك... فيأتون على الاقل ويقرأون سورة الفاتحة ثم بعد ذلك يتعشى او يتغدى، أليس في هذا أجر عظيم؟ ألا يستحق ان يبذل الانسان في فاتحة أبيه ـ الله لا يفقد منكم عزيز ـ أو أحد من أهل بيته؟ لماذا نصادر عقول الناس؟ لماذا نضايق الناس في تصرفاتهم ما دامت لا تصطدم مع الدين؟ يقول هذا تبذير! نعم نحن لسنا مع التبذير ولسنا مع الاسراف، لكن اليس هذا سوء ظن؟ هل دخلتم في نوايا الناس فرأيتم أنهم بنوا على الاسراف والتبذير؟ لا يرغب احد في التبذير والاسراف لكن عليه ان يكرم، فهو قد لا يضبط كم عدد الذين سوف ياتوه؛ عشرة، عشرين، مائة، مائتين اكثر لكن بالنتيجة هو رغب في الاكرام ذبح ما ذبح ـ عليه بالعافية خصوصاً إذا كان موسر ـ وأما إذا كان الميت موصي بذلك فهذا يجب عليه أن ينفذ ذلك الأمر لذلك نحن نسأل: هل يجوز للانسان أن يوصي أو أن يكتب في وصيته أن يقدم الطعام للمعزين طيلة الأيام الثلاثة فهل هذا يجوز او لا يجوز؟ لا يمكن لاحد ان يقول هذا لا يجوز، فاذا كان لا يتمكن احد ان يقول هذا فكيف بالمرجعية ان تقول هذا العمل عمل الجاهلية ـ حسب ما يدعى ـ هل هذا ممكن؟ من ناحية يقول: لا باس به ومن ناحية اخرى يقول لا هو عمل الجاهلية! فاذا كان عمل الجاهلية فهو حرام. المهم في الفواتح هو ان لا يصير عندنا شيء لا نحسن التصرف فيه بعد أن ينفض المعزون ذبحنا أربع او خمس ذبائح قدمناها للناس وأكلوا منها ما بقي عندنا مقدارا من الزاد فان الجمعيات فاتحة أبوابها وتستقبل هذا الزاد الزائد. صدقوني هناك بيوتات لا عهد لها باللحم ولو لمرة واحدة في الشهر! اسألوا الجمعيات الموجودة. لذلك الإستفتاء من سماحة السيد المرجع أنا أقرءه عليكم للضرورة الماسة والملزمة حتى لا يستطيع أحد ان يسوق علينا فتاوى ما لها أساس، أو آرائه الشخصية يتصور بانه سوف يلبسها لباس الفتوى من المرجع ويضعها فوق رؤوسنا فضلا عن هذا، نحن أبناء مدينة وأبناء منطقة تعج بالعلماء الفضلاء ما توقفنا على خطيب لا يحسب أي طرفي عباءته أطول! الحمد الله منطقتنا تعج بالسادة العلماء وبالمشايخ الفضلاء، يأتي شخص صغير دخل الحوزة توا وخلال يومين او ثلاثة أيام لبس العباءة ورأى نفسه السيستاني الاصغر! نحن أبناء الاحساء، أبناء العلم، أبناء الأدب، تاريخنا طويل ولسنا من مدينة او قرية نائية من مدن افريقيا وغاباتها! نحن أبناء حضارة تمتد إلى خمسة آلاف سنة، أبناء حوزة عرفت سلك الحوزة منذ اليوم الأول الذي وجهت به اول حوزة، علينا لا ننسى تاريخنا، فان اليوم إلذي كان العم شيخ حسين رحمه الله موجود وذكرى وفاته أيام مرت علينا كل هذا الارباك ما كان موجود ما حدى مما بدا؟ فالاستفتاء فيما يطابق واقعنا نحن ما ذا نفعل أبناء الخليج؛ باسمه الله تعالى إلى حضرة المرجع الديني آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) سؤال: كما تعلمون إننا في منطقة الخليج اعتدنا على تقديم الأكل والشرب للمتواجدين في مجالس الفواتح وتكون وجبة الغداء والعشاء وخلاف ذلك ـ يعني عصير فواكه أمور غيرها ـ وخلاف ذلك يعتبر معيبٌ في المجتمع يعني لو ما قدمنا الماء ما قدمنا العشاء ما قدمنا الغداء نصبح في دائرة التعيير عند الآخرين حيث سيقولون كم بخلاء هؤلاء في دنياهم وحتى بعد وقاتهم! هل يعيبون عليه ام لا يعيبون؟ هل يدعي احد انهم لا يعيبون عليه؟ نعم قد يعيبون على الإنسان إلذي لا يملك شيء لكن الذي فتح الله عليه الرزق او الميت كان ثريا فهل يصح ان يختصر في فواتح هؤلاء على مجرد الماء والشاي، الم يكن هذا معيبا في المجتمع؟ وهذا الامر اصبح من المتعارف عليه ليس من اليوم بل من قبل عقود ومن قبل قرون اصلا حتى في زمن الفقر الناعم فنحن اذا كنا نحن صغار فآباءنا موجودين يمكنكم ان تسألوهم منذ ذلك الزمان كان من المتعارف عليه، فهل اصبح اليوم هذا من البدع؟ كما يدعي احدهم من على منبر الإمام الحسين عليه السلام، أم انه أمر مشروع وفيه ثواب للميت؟ هل هذه عادة جاهلية أو لا عمل أمضاه الشرع وفيه ثواب عظيم؟ سماحة السيد المرجع يقول: باسمه تعالى لا بأس به وهو تثويب للميت! فهل يثوب للميت العمل الجاهلي او البدعة او يثوب للميت ما أمضاه الشرع؟ وهذا مما أمضاه الشرع، إذا كان لديهم القدرة ويريدون ان يصلحوا المجتمع، فان مساحات الخلل كثيرة، اصلحوا البطالة، اصلحوا الوقوفات السائبة، عالجوا العنوسة، البنات التي تملا البيوت لا حول لهن ولا قوة، هل يصح ان يأتي لنا أب ويقول هذه بناتي موجودات للزواج؟ لا يمكن هذا، شيمنا، قيمنا، إيماننا لا يسمح لنا بذلك، اصلحوا لنا هذه الامور، كم لنا من الشباب يريد ان يعمل لا يستطيع، يريد ان يتزوج لا يتمكن يريد ان... ساعدوه، صححوا المسار امامه، ارفعوا المنارات من اجل هذا.
لماذا لا تعترضون لمراسم الزواج عندما يذبحون الكثير من الذبائح؟ لكن في الفواتح عندما يأتي أحد ويقدم طعام كي يكرم اناس اتوه من هنا ومن هناك يستشكل عليه؟
نسأل من الله العصمة لروح فقيدنا العم الكبير العلامة الحجة آية الله شيخ حسين خليفة رحمة الله عليه، ولأرواح موتاكم، رحم الله من يقرأ الفاتحة.