نص كلمة بعنوان:دور الإمام الصادق في بناء الذات الإنسانية

نص كلمة بعنوان:دور الإمام الصادق في بناء الذات الإنسانية

عدد الزوار: 1316

2016-12-21

ليلة الثلاثاء 1438/3/13

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

اسعد الله أيامنا وأيامكم في ذكرى ميلاد نبي الرحمة المصطفى الأمجد أبي القاسم محمد (ص) وحفيده إمام مذهبنا الإمام الصادق (ع)، رزقنا الله وإياكم في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم والاجتماع معهم.

تأصيل العلوم وتفريعها من قبل الامام الصادق (ع)

الإمام الصادق (ع) إمام المسلمين قاطبة، واستاذ المذاهب عامة، تقلبوا على يديه، نهلوا من علومه، إما بالمباشرة واما بالواسطة، ومن المحطات التي دخل فيها أتباع أهل البيت عليهم السلام مساحة التشقق هي مرحلة إمامة الإمام الصادق (ع)، وما ثنيت الوسادة لواحد من ائمتنا عليهم السلام في ان يفرغ علومه في مساحة طويلة من الزمن مع استقرار نسبي ولو من خلال اشتغال الدولة العباسية في ترتيب أوراقها كما تسنى للإمام الصادق (ع)، المتتلمذون على يديه، الراوون عنه كثر، العلوم المستفادة منه ايضا كثيرة، قسمٌ منها أصّل لها واسس وقسمٌ منها فرّع وذهب بها الى مسافات بعيدة، وهذا مما اتفق عليه الفريقان العامة والخاصة، لكن بالرغم من صفاء تلك المرحلة وصفة الجمالية التي سادت الكثير من جوانبها الا انها لم تخلو من كدورة دفع ضريبتها اتباع اهل البيت عليهم السلام الخلّص، ان يدّعي الانسان الولاء شيء وان يلتزم بمعطيات وثوابت ذلك الولاء شيء آخر، لا يكفي ان يقول الانسان انا من اتباع علي (ع) او من اتباع جعفر الصادق (ع) وهو لا يسير على نهجهم ووفق معطيات مدرستهم، انما لابد من الالتزام بذلك بكل حذافيره.

فتنة الاسماعيلية

من تلك المصدات التي وقفوا عندها هي دعوى الامامة لإسماعيل ابن الامام الصادق (ع) رغم انه توفي في حياة والده الامام الصادق (ع)، ووقف على دفنه وبكاه وجاءت بعض الكلمات مثبتة بالأسانيد في كتب الحديث عن الامام الصادق (ع) في حق ولده وان الله اختاره الى جانبه لكن بناءا على مسلك المصلحة الشخصية النفعية ارتأى جمعٌ من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام الامامة لإسماعيل واحدثوا شقا في الامة، كبرت مدرسة هؤلاء، وكان لهم مسار فلسفي معين، وقامت لهم دولة طويلة عريضة سميت بالدولة الفاطمية، اتباع هذه المدرسة ودولتهم امتدت من النيل الى البلقان شرق أوروبا، دولة عظيمة عريضة طويلة، لكن مع مرور الايام تقلصوا، ذهب بهرجهم، لان ما لا يبنى على اساس اصيل مآله في نهاية المطاف ان يذهب ادراج رياح.

فتنة عبدالله الافطح

المصد الثاني ايضا هي الجماعة التي رأت او ارتأت في عبدالله الافطح ابن الامام الصادق (ع) أنه الامام بعد ابيه، في قبالة الامام الكاظم (ع) نحن من معتقداتنا ان المعصوم الامام المفترض الطاعة لابد وان يكون في تمام الخلقة، خلقا وخُلقا كجدهم الرسول الاعظم محمد (ص)، عبدالله الافطح لم يدعي الامامة لنفسه كما يظهر من سير البحث التاريخي لكن التفّ حوله جماعة، ربما بعض المواقف يلتمس منها شيء من عدم ابراز حالة الرفض الصريحة من قبله مما ترك مجالا لترتيب الآثار عند بعضهم، بالنتيجة هؤلاء ايضا تحركوا في اكثر من اتجاه وانتم تعلمون ما من راية ترفع في أي زمان واي مكان الا ولها انصارها، وهذا الأمر لا يخلو من أمرين؛ اما هؤلاء الانصار انصار حق أو انصار باطل، لان الحق لا يقبل القسمة على اثنين، الحق هو الحق لا يمكن ان ينقسم.

الامام الصادق (ع) وتصحيح وبناء الذات

الامام الصادق (ع) عمل على عدة محاور المحور الاول ابراز علوم مدرسة اهل البيت عليهم السلام كما جاءت في القرآن تأصيلا وكما بينها النبي (ص) تفريعا وطبقها النبي (ص) من خلال أقواله وأفعاله وتقريراته في المساحة التي اتيحت له من الزمان والمكان، فترة ثلاث وعشرين سنة قضاها في مكة والمدينة ومواقع الحروب المحسوبة والمعروفة، الامام الصادق (ع) الى جانب الاثارة العلمية، الى جانب الاثراء العلمي، الى جانب تربية التلاميذ الذين يحملون اعباء المسؤولية بنا جيلا من اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام على درجة عالية من النسك والنبل والتقى والجدية وهذا شيء مهم، في كل مجال من مجالات الحياة، اذا حظر عنصر الاخلاص والتقوى والجدية فمما لا شك في ان الامور تأخذ طريقها نحو الاتجاه الصحيح والعكس عكس، لذلك عمد الامام (ع) الى تصحيح وبناء الذات، ايها الاحبة! اعلموا ان اغلى شيء عند الانسان هو الانسان، الاموال بكل تشعباتها تأتي وتزول، لكن اغلى ما عند الانسان، هو الانسان، يعني انت تستطيع ان تستثمر في الانسان اكثر مما تستثمره في المال او في الارض او... لكن الانسان هو ثروة سواء كان بمسمى زوجة، او بمسمى اولاد، او بمسمى بنات، او بمسمى اخوة، او بمسمى شركاء في الخليقة، او... هؤلاء هم الثروة، الامام الصادق (ع) عمد لجمع هذه الثروة، واجراء عملية الاصلاح والترشيد والتوجيه نحو المسار الصحيح، هذا هو كان عمل الامام الصادق (ع)، والذي هو دائما يغيب او يغيّب عنا، الكثير من شذرات الكمال التي ارادوها لنا اهل البيت (عليهم السلام) لا نغذى بها وانما نغذى في الكثير من الاحايين بالقصص احيانا، وبالكرامات المفتعلة التي لا اساس لها احيانا اخرى، عقيدتنا في اهل البيت عليهم السلام ان جميع ذرات الكون خاضعة لهم وفي حكمهم الى هذا المقدار ولا يزايد شخص على شخص في عقيدته في اهل البيت عليهم السلام، فضلا عن هذا فان اهل البيت عليهم السلام لا يحتاجون الى مثل هذه القضايا التي نخترعها نحن وننسبها لهم، بل هذه الامور فيها اثم والعياذ بالله ولو كانت في شهر رمضان تكون من موجبات الافطار، اهل البيت عليهم السلام في بناء الذات في الجانب الاخلاقي، العبادي، السلوكي، العائلي، الاجتماعي، الانتمائي، الديني، الدنيوي، الاخروي كم افرغوا، وكم وصلنا وكم تفاعلنا مع ما وصل الينا هذا هو بيت القصد.

بعض ما يطلبه الامام الصادق (ع) منا

حتى لا اطيل عليكم هناك رواية اريد ان اقرأها لكم سريعا، كي نرى ماذا يريد منا الامام (ع) ولأي شيء يؤسس، يقول الامام الصادق (ع): «إذا أويت إلى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك وما كسبت في يومك، واذكر أنك ميت، وأن لك معادا»[2]

إذا أويت إلى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك؛ ما من احد الا وهو بحاجة الى النوم وسلطان النوم جائر، و فقط الله سبحانه وتعالى الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والا الكل بحاجة الى النوم والاستراحة حتى يستريح هذا الجسم بعد عناء نهار طويل، الامام الصادق (ع) يقول: اذا آويت الى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك،  طوال هذا اليوم ماذا أدخلت في هذا الجوف، ما هي المادة التي عبرت جوفك من مأكول او من مشروب، هل كان من طريق الحلال او من طريق الحرام، يقول عندما تأوي الى فراشك راجع نفسك وانظر هل اقترضت مالا من شخص ولم ترجعه لحد الآن، او لم تدفع حق شخص قام لك بعمل معين، أو تحت يدك اموال من ميراث لم توصله لصاحبه، لان لقمة الحرام لها آثار سيئة كبيرة سأتحدث عنها في الاسبوع القادم ان شاء الله.

وما كسبت في يومك، ليس مهم مجال عملك، او في أي تجارة دخلت، أو أي وظيفة عملت، المهم هو كيف تؤدي الامانة كما ينبغي، هل هو وفاء لرب العمل، او تضييع خدمة من كلفت بخدمتهم، في كل مجالات الحياة سواء في اسواقنا الحرة، أو في مزارعنا أو في كل شيء.. الامام الصادق (ع) يقول بعد ما تستحضر هذين الموردين المهمين اي ما يدخل في الجوف و طريق المكسب بعدها يقول (ع):

واذكر أنك ميت، وأن لك معادا، خدعت الناس، ادخلت لقمة الحرام في جوفك وفعلت ما فعلت لكن بالنتيجة هو الموت.

ولو أنّا إذا متنا تركنا

لكان الموت راحة كلّ حيّ

ولكنّا إذا متنا بعثنا

ونسأل بعده عن كلّ شيء

البعض يتصور ان أهم شيء ان يتخلص من الذين خدعهم وأهم شيء ان لا يمسكه احد ويسلمه الى القانون للمحاسبة او يفتضح بين الناس او... في حين ان القرآن الكريم يصرح: ﴿و قِفوهُم اِنَّهُم مَسـئولون﴾[3] مسؤولون عن كل صغيرة وكبيرة، اين ذهبت، من اين جئت، ماذا فعلت، لماذا فعلت، ولم لم تفعل، ولماذا لم تنصر المظلوم، لماذا قلت لا يعنيني، هذا في الدنيا قد ينفع حتى لا تخسر علاقتك مع فلان لا تقول الحق ولا يهمك ان تخسر رحمة الله و غفران الله ومحبة اهل البيت عليهم السلام، لكن في الآخرة هذا لا ينفع، ان ادعي واقول انا جعفري لا ينفع، لابد ان اتمثل طريقتهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، جمعنا الله واياكم عند قبورهم الشريفة ورزقنا شفاعتهم انه ولي ذلك، اللهم لا تفرق بيننا وبين محمد و آل محمد طرفة عين ابدا بفضل الصلاة على محمد وآل محمد.