نص كلمة بعنوان: حقيقة الانتظار

نص كلمة بعنوان: حقيقة الانتظار

عدد الزوار: 608

2013-06-30

بارك الله لكم جميعاً ذكرى المولد السعيد المبارك للخلف الباقي من آل محمد (عج) أعاده الله علينا وعليكم المناسبة، وجعلنا وإياكم من أنصاره وأعوانه والمصلين خلفه والمستشهدين بين يديه.

ورد عنهم (ع): «أفضل العبادة انتظار الفرج»([1]).

طالت الفترة بيننا وبين انبلاج الليل عن صبحه، لكننا نقول: اللهم لا تجعلنا من اليائسين القانطين، بل من المؤمنين المصدقين.

الانتظار السلبي والإيجابي:

الانتظار مفهوم مقدس وكبير، لذلك جاء الاعتناء به والتركيز عليه، بأن يكون أفضل العبادة، فأن تنتظر شخصاً لا بد أن تعد لذلك العدة، وأن تلاقي حاكماً تشدد في حالة الاستعداد، وأن تدخل على مرجع تعطي للموقف نصيبه، فكيف بك وأنت تنتظر سيد الكون، من الكبير والصغير، ألا وهو الخلف الباقي من آل محمد (عج)؟

وللانتظار مساران: الأول هو المسار السلبي القاتل لمفهومه، وعوامل الهدم فيه كثيرة، أمر عليها سريعاً:

1 ـ مدرسة الحديث الموضوع، وما أكسبته لهذا المفهوم من الضبابية والتشتيت. فهنالك الكثير من الأحاديث الموضوعة التي لا قيمة لها، لكنها أكسبت هذا المفهوم بعداً عمن يعتقد به بالحساب الأولي، والسبب يكمن وراء أمر واحد، هو ثقتنا المطلقة بكل ما يصل إلينا من نصوص، سمعناها أم قرأناها. وربما كان لنا العذر والشفيع في الماضي، أما اليوم فلا شفيع ولا عذر.

2 ـ رجالات العلم السطحيون، وطلاب الذات والراحة والدعة، فلم يرق لهؤلاء أن يتعاطوا الانتظار مفهوماً إلا في حدود دائرة السلب، كي لا يكلَّفوا دفع ضريبة جراء الانتظار الإيجابي، وهذه الطبقة لهم الكثير من الموارد التي ولجوا من خلالها في سبيل إغراق هذا المفهوم بتلك الحالة من الضبابية قديماً وحديثاً، والأدوار التي نفذ منها أولئك واضحة بينة.

3 ـ إرادة النُّظُم الوضعية وحكام العصور قديماً وحديثاً، فما كان يروق لهؤلاء أن تعيش الأمة وتتعاطى مفهوم الانتظار بما يعطيه المفهوم لنفسه من القيمة والحيثية.

فهذه العناصر الثلاثة تشترك في الوصول إلى نتيجة واحدة، هي تجريد مفهوم الانتظار من قيمته الواقعية، ليصبح مفهوماً مرناً، يؤخذ به ذات اليمين عند الحاجة، ويطرح ذات الشمال عند عدم الحاجة.

أما الانتظار الإيجابي فله روافده ومساراته أيضاً، وهي كما يلي:

1 ـ العلماء المجدِّدون عبر مسيرة التاريخ الإسلامي، لا سيما في أتباع مدرسة أهل البيت (ع) فهؤلاء العلماء تخللوا زمن الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا. وقد صحت بحقهم صفة التجديد عندما أعدوا للتجديد عدته، ونوعوا مشارب القراءة، لذلك رجعوا للنص الموروث، وحركوا ما بداخله، وتحركوا من خلال ذلك، مما استوجب أن يعطي لذلك المفهوم حالة من الحركية في وسط الأمة.

2 ـ مدرسة الحديث المغَرْبَل: ففي الزمن السابق كانت الأحاديث الواصلة إلينا وليدة (الجمع)، وفي كثير من الأحيان (الجمع العشوائي) الذي لا يراد من ورائه إلا التبرك بنقل النص، بغض النظر أن يكون له مستند صحيح يُركن له أو لم يكن كذلك. وهذه المدرسة (المفَلتِرة) في العصر المتأخر، التي نذر جمع من أقطاب الطائفة أنفسهم في سبيل إثرائها، لها اليوم قدمٌ راسخة، ونبرة عالية، باتت على أساس منها تُغربِل وتقدِّم ما هو القادر على البقاء والصمود، خصوصاً أننا نعيش هذه الفترة الزمنية الحرجة التي يراد لنا فيها أن نتراجع عن الكثير من المكتسبات فيما يرتبط بمدرسة محمد وآل محمد (ص).

3 ـ الأمة الراشدة ذات الاستعداد الفطري والتنموي، فالأمة اليوم أحسن مما كانت عليه في الماضي قوةً وفعلاً.

إننا نرى أن ما يمتلكه الإنسان اليوم من الاستعداد الذهني الفطري أفضل مما كان عليه في الزمن السابق، والسر في ذلك هو طبيعة الغذاء الذي يتعاطاه الأبوان من جهة، ومن الجهة الأخرى سعي الآباء لتطوير تلك المقدّرات في داخلهم مما ينعكس إيجاباً على النشء والأبناء الذين يولدون حديثاً.

من هنا نرى في الزمن السابق يكفي أن تُزفَّ بنت العم لابن عمها، وبنت الخال لابن خالها، أما اليوم فبات هناك حساب طويل عريض، وقد دخلت مؤثرات الوراثة، وما لها من الأثر المباشر كعامل رئيس في تحديد المرأة التي يراد الاقتران بها، من أجل كسب مجموعة من الصفات المهمة التي تُثري ذلك الوليد، ويأتي على أساس منها على نحو القوة، وهو يمتلك مجموعة من العناصر المهيِّئة له، لينتقل للمربع الثاني، ألا وهو التنمية، فإذا ولد المولود سليماً فقد دخل المرحلة الثانية وهي أن نضفي عليه مجموعة من المكملات، من قبيل الإعداد الدراسي والتثقيفي، والاستعداد الديني، فهذه الروافد الثلاثة إذا ما مُزجت فيما بينها، أعدت لنا جيلاً يحمل مفهوم الانتظار في جانبه الواقعي، أما إذا تخلف عنصر من تلك العناصر، فلا محالة أن يتأرجح القارئ في قراءة مفهوم الانتظار بين السلب والإيجاب في أحسن التقادير، إذا لم يذهب نحو الأسوأ، وهو السقوط في القراءة السلبية لهذا المفهوم.

من هنا لا بد أن نتفحص أنفسنا لنحدد موقعنا من أحد المسارين المذكورين، فمبقدورنا أن نتأمل أنفسنا بعد هذا الحفل، ونستعرض هذه الأمور التي أشرنا إليها سريعاً، لنحدد ما إذا كنا نمتلك نسبة عالية من تلك الروافد أو نفتقد الكثير منها، أو نمتلك شيئاً ونسعى لتأصيل آخر.

فهل أننا نقف حيث يريد المهدي (عج) أن نوجَد؟ فهو ينتظرنا، ونحن ندعوه أن يكون في أوساطنا، لكنه لو خرج إلينا اليوم ـ والمعروف أن خروجه للأمة سيكون فجأة بلا سابق إنذار ـ هل يجدنا حيث أراد لنا أن نكون؟

ولو أنه خرج اليوم، فرأى أحدنا مستيقظاً إلى قريب الفجر، في وضع لا يُحمد عليه، فهل هذا من الانتظار والاستعداد للخروج؟

وهكذا لو ألقى الإمام ببصره الشريف على مكان لا يرغب أن أكون موجوداً فيه، فرآني حاضراً هناك، فهل يتناسب هذا مع انتظاره والاستعداد للقائه؟

ثم اعقدوا ـ أيها الأحبة ـ مقارنة، بين مكان يرغب أن يراني فيه فيراني هناك، ويرمي ببصره إلى مكان آخر لا يرغب أن يجدني فيه فيجدني فيه، ثم استنتجوا أيّ المكانين يتلاءم مع المفهوم الحقيقي للانتظار؟

إن الانتظار الحقيقي يعني أن يجدني الإمام (عج) حين خروجه في المكان الذي أرادني أن أكون معه فيه.

ثم علينا أيها الأحبة أن نتعرف الإمام المهدي (عج) فلدينا نقصٌ واضح وبين في المعرفة به، ولا بد أن نفعّل هذا الجانب في أنفسنا، كي لا تلتبس علينا بعض الأمور، وتختلط فيما بين أيدينا.

اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم.

 وأختم بمقطوعة قصيرة جداً لتسجل في صحيفة الأعمال إن شاء الله تعالى، فأقول:

باسم  كل  الحاضرين
والغيارى     الطيبين
أبعث   التبريك  شوقاً
لإمام         المسلمين
أتحرَّاه            قريباً
من  قلوب  الصادقين
اسمه    المهديُّ   فينا
جاء   بالنص  المبين
ولدته     في     سلامٍ
رغم   كيد   الحاقدين
وبه   الأنوار   شعت
في   جموع  العاشقين
أمه  الحوراء  نرجس
من    بلاد   الفاتحين
أدرجته    في   هدوءٍ
قبَّلته     في    الجبين
دفعته      بعد     ذاكا
لإمام           المتقين
قمرٌ    إشراقُ   لطفٍ
عم    دنيا    العالمين
من  بتول  الآل  فاطم
من   أمير   المؤمنين
من   حبيب   الله  طه
مصدر الوحي الأمين
هذه     أنوارُ    قدسٍ
أشرقت      للزائرين
فلنبارك     بعد    هذا
من سما في الساجدين
نرفع الأصوات تترى
قد  حلا  وقت الصلاة