نص كلمة بعنوان:المراجع واحدة من فيوضات الإمام الحجة في زمن الغيبة.(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
قال رسول الله (ص): «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»[2]
دور العلماء في وسط الأمة
كان الحديث قبل أسابيع خلت، حول ما للعلماء من دور هام في وسط الأمة، العلماء عبر مسيرة التاريخ الإسلامي كانت لهم إسهاماتهم الكبرى التي لا ينكرها ولا يتنكر لها إلا من يعيش في داخل نفسه من الأمور التي قد تؤدي بالإنسان إلى مسارات بعيدة، سيد الأنبياء وسيد الأوصياء وكوكبة من الإمامة النيرة المفترضة الطاعة من آل محمد، أولهم الامام الحسن ثم الامام الحسين ثم المعصومين من ذريته عليهم السلام لتختم الكوكبة ببقية الله في أرضه الخلف المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين، ثم غيبة طويلة ولا يستطيع احدٌ أن يضع تاريخاً محدداً لنهايتها، لأنها من الأمور الغيبية المرتبطة بالله سبحانه وتعالى أو من أظهره على علم بإذنه، كما هو صريحٌ القرآن، الغيب ليس بالمطلق محجوباً عن البشر وإنما وصوله إليهم محصورٌ في جهة الإذن من قبل صاحب العلم الغيبي وهو الله سبحانه وتعالى، فمن ارتضاه من الرسل قربه نجيا وكشف له الكثير من الأسرار الغيبية، أما ما بين أيدينا فلا يتعدى حدود العلوم التي يتعاطاها كل الناس والناس فيها شرعٌ سواء، غاية ما في الأمر يتقدم هذا على ذاك، ويكون هذا أفضل من ذاك، بقدر ما يعمل، بقدر ما يبذل، بقدر ما يقوم به من جهد متواصل آناء الليل وأطراف النهار، بقدر ما يصل إلى النتيجة الكبرى التي تضعه في مساحة التفاضل والتقدم.
التعريف ببعض رموز الطائفة الاوائل
منذ أن غاب الامام المهدي (ع) المرجعية ألقت بكل ثقلها بين يدي الشيخ محمد بن نعمان المفيد رضوان الله تعالى على روحه الطاهرة هذا العالم الجليل وضع القواعد وأسس الأسس وفرع وتشعب في العلوم والمعارف، تربى على يديه كوكبة نيرة من العلماء في مقدمتهم السيد علم الهدى المرتضى والسيد الشريف الرضي وهما من قاما بأعباء الرسالة وتكاليفها في جانبها العلمي والقيادي الريادي في وسط الأمة حيث قاموا بالتخطي بهذه الطائفة الحقة من مساحة إلى أخرى في منتهى الثقة بالنفس والاطمئنان المستمد في الرضا من الله سبحانه وتعالى والمباركة من الخلف الباقي من آل محمد عليه الصلاة والسلام.
الشيخ الطوسي (رضوان الله تعالى عليه)
ثم جاءت مرحلة في منتهى النضج والرشد والتقدم ألا وهي مرحلة الشيخ الطوسي شيخ الطائفة هذا الرجل العظيم هذا الرجل الذي لو أراد الإنسان أن يرصف له مجموعه من النعوت لانتهت النعوت ولم تنتهي مكامن العظمة في هذا الإنسان العظيم، هو موسوعة تتحرك في كل الاتجاهات، حيث ما طرقت باب مدرسته الا وأفضى بك إلى مجموعة من المباني، إلى مجموعة من الأصول، إلى مجموعة من القواعد، إلى اليوم لا زال علماؤنا يركنون إليها وينهلون من معينها، لذلك عبر عنه بشيخ الطائفة وكفى هذه الطائفة التي لها وجودها في الكثير من الاصقاع ربما اليوم لا محط لقدم إلا وتجد ما يدلل على من هم منه ومن هم له، الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه كان رمز الطائفة وقتها إشارة خاطفة لعظمته ان الذين جاؤوا بعده اتبعهم بل بقي يسرق دائرة الضوء منهم وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ما كان عليه من العلوم والمعارف، حرق كرسي بحثه في بغداد، واحرق شطر من مكتبته في بغداد، والقي في قسم آخر منها في نهر دجلة، ثم عبر بمجموعة من المصادر إلى النجف ليضع حجر الأساس لحوزة النجف الكبرى، حوزة لها من ثبوت القدم ما لا يمكن ان ينكره احد، قرون تعاقبت، كل قرن يشدد على أهمية القرن الذي مضى ويؤصل للقرن الذي سوف يأتي، وهنا تكمن العظمة حتى الحوزات التي تفرعت هنا وهناك مآلها إلى القلب، أيها الأحبة حراك أيدينا بقلبنا، حركة عيوننا بقلبنا تفكيرنا منطلقات قلبنا كل ما كان بعد ذلك مآله إلى الشيخ رضوان الله تعالى عليه في عظم مدرسته.
الاعلام الاربعة لمدينة الحلة
ثم استعاد العلماء الثقة الكبيرة بأنفسهم لذلك جاء المحقق الحلي رضوان الله تعالى عليه، هذا النجم الزاهر في سماء الفقاهة يعبر عن كتابه «شرائع الإسلام» بقرآن الفقه الامامي! تصوروا ما من مفردة استخدمها إلا ولها أصل في حديث صدر عن محمد وآل محمد (ص) ولعل الحديث يطول في هذا المقام، لكن مدينة الحلة، كلكم عندما يأتي من مدينة بغداد قاصدا لكربلاء المشرفة ـ رزقنا الله وإياكم الوصول اليها ـ تعترضه في الطريق اللوحة التي تشير إلى مدينة الحلة، الحلة لها في يوم من الأيام شخوص وبروز وسيطرة علمية منقطعة النظير، أكرمها الله بأعلام أربعة الواحد منهم بقيمة حوزة في حد ذاتها؛ المحقق الحلي (الشيخ جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي)، ابن إدريس الحلي، (محمد بن احمد بن ادریس بن حسین بن قاسم بن عیسی الحلي)، العلامة ابن المطهر (جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي) وفخر المحققين (ابوطالب محمد بن الحسن الحلّی) رضوان الله تعالى عليهم، أصلا لو رفعت واحداً من هؤلاء، فان البناء الذي يبنا عليه لاستنباط الأحكام الشرعية يصاب بحالة من الوهن، بحالة من الضعف، تصوروا قرون تفصلنا عنهم ولكن الآثار التي خلفوها وراءهم والأصول التي ثبتوها لا زالت تفرض واقعا، الشيخ الطوسي الذي لا يجرء احد ان يعقب على كلامه أو يذيل على كلامه إلا في حدود التأييد جاء ابن إدريس ونقض كثيرا من الموارد أما ليس بالهوى والنزوة وإنما بالعلم، بالدليل، بالانقطاع إلى الله وبقصد القربة وهذا ما نحتاجه اليوم.
الاخلاص؛ أساس الحوزة العلمية
الحوزات العلمية ليست مغلقة على نفسها هي منفتحة في داخلها ومنفتحة على الآخر أصلاً علماؤنا في البحث الخارج يستحثون تلاميذهم على البحث والمناقشة وعدم التسليم، لكن بناء الحوزة العلمية في الأساس الإخلاص لله في كل شيء، احضر للدرس قربة إلى الله تعالى، لا من أجل ان اقدم في بلدي وأؤم الناس في الصلاة، اسهر ليلي مذاكرةً، ليس لأني انتظر ان أنصب قاضيا في القادم من الأيام، اكتب وأؤلف؟؟ لا لان يقال عني فلان كتب وألف ويكون هذا هو هدفي الأول والأخير، كما يقول الشاعر: وقصيدة تأتي الملوك كتبتها ليقال من ذا قالها، علماؤنا كتبوا الكتب، ألفوا الموسوعات العلمية، قربة إلى الله هم لا ينتظرون من الناس جزاءاً ولا شكورا لذلك عمرت قبورهم بعد وفاتهم، وخلدت آثارهم بعد انطماس رسومهم، هؤلاء هم علماؤنا، لأن المستمد والنهر الذي يستقون منه والمنبع الذي ينهلون منه هو ذلك المنبع وذلك المنهل الصافي الذي دلّهم الرسول الأعظم (ص) عليه فقال: إنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها[3] علماؤنا شخصوا الباب، طرقوا الباب، فتح لهم، انفتحوا ساروا بالأمة سجحا، هؤلاء علماؤنا، اليوم مع شديد الأسف هنالك غمز وهمز ولمز في علماءنا ربما يأتي دور تشكيك والعياذ بالله هؤلاء بضاعتهم مردودة عليهم بخسة في ثمنها لا يصح إلا الصحيح، علماءنا صانعوا وجهاً واحداً فكفاهم وهو الله ولا يعنيهم ما يقول سائبة الغنم، عصمتنا قوتنا اتحادنا محبتنا إخلاصنا عملنا ثقتنا في علماءنا، أيّد الله المقدسين الذين مضوا منهم وحفظ الله من بقي ونور الله قلوبنا بالصلاة على محمد وآل محمد.