نص كلمة بعنوان: العيد من التحف الربانية للحقيقة المحمدية

نص كلمة بعنوان: العيد من التحف الربانية للحقيقة المحمدية

عدد الزوار: 488

2013-04-25

بارك الله لكم ولعموم المسلمين والمؤمنين خاصة، ذكرى حلول العيد السعيد وتقبل الله منا ومنكم ومنهم صالح الاعمال في الشهر الفضيل واعاد الله سبحانه وتعالى علينا وعليكم الشهر الفضيل والعيد السعيد.

العيد من العَود، والعيد فرحة كبرى وهو كما في الدعاء الذي تلوناه عليكم من التحف الربانية للحقيقة المحمدية. وكلنا ينتظر هذا اللقاء الكبير ولكن بعد ان يكون قد صف نفسه من خلال مسيرة بلغت نهاية هذا الشهر، ثم مما لا شك فيه ان الانسان في هذا الشهر الفضيل قد تجرد وتخلص من كثير من العوالق التي اجتمعت طوال عام كامل، اجتمعت وتعلقت بهذه المضغة الصغيرة التي بين جنبات الانسان، فهذه الرياضة الروحية المركزة المليئة بالعطاء الرباني لها فعل مؤثر ومباشر على نفسية الانسان الذي يعي ما للعبادة من قيمة وأثر.

الانسان يسير في جانبين: جانب الظاهر وجانب الباطن، أي: جانب الجسد وجانب الروح، فبقدر ما يقترب هذا الانسان من عوالم المادة من حوله بقدر ما يفقد ويستغرق وجوده في الماديات، وبقدر ما يقترب من الله سبحانه وتعالى بقدر ما يقترب من مساحة اللطف والنورانية الخاصة والسبح الروحي باتجاه الملكوت الاعلى، وكلٌّ منا بحسبه، والشأن في المعنويات كالشأن في الماديات، فكلٌّ منا بيده مكيال يكتال به، ومن خلال مكيال المادة يهيئ الانسان للمادة أسبابها من الدراسة والبحث عن العمل والجد فيه والرغبة في التطور والرغبة الجادة في العيش السعيد الرغيد الذي يفترض ان يكون مشاعاً ومطاعاً ومتاحاً لكل الناس لولا عبث الانسان بالإنسان وتعدي الانسان على حقوق الانسان الآخر، والا فإن الله سبحانه وتعالى قد أوجد البشر وأوجد معهم قوتهم، أوجد البشر وأوجد معهم ما يؤمن لهم سبل السعادة وإن كان في حدها المادي، يعني ان ذلك الانسان الذي لا يرغب الا ان يتطور مادياً ايضاً قد أتاح له هذه الاسباب، لكن العمدة في المقام هو الجانب الآخر، وهو الجانب الخفي، الجانب الذي سوف نفد به يوم القيامة، ألا وهو جانب الروح، والروح تسمو وترتقي بقدر ما يضيف عليها الانسان من الملكات، وبقدر ما يشق لها من الروافد التي تجرف معها كل جميل وكل جوهر وكل معنى وكل لطف.

شهر رمضان والجانب الروحي في الإنسان

شهر رمضان يقدم لنا هذه المساحة الكبيرة لأننا في غير شهر رمضان كسائر الناس، ونحن بمسيس الحاجة لأن نؤمن حياتنا، وتأمين الحياة يتطلب منا سعياً والسعي في سبيلها، وفي الكثير من الاحيان يكون تأمينها على حساب الجانب الآخر وإن كان هو في حد ذاته حق، فحق الانسان ان يكدح، والمعادلة الموجودة عند اهل البيت (ع) فيها مساحة الموازنة بين جانب المادة وجانب الروح، بين الباطن والظاهر، ولا يقلبون طرفاً على حساب آخر، بل اكثر من ذلك يندفعون الى مسافات أبعد، فـا (المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) وطُرحت عدّة قراءات في قراءة هذا النص:

قسم يقول: ان المؤمن القوي بإيمانه خير من الضعيف في إيمانه، وآخر يقول: لا، إن الناس من حيث الايمان بما أنهم اقروا لله بالربوبية ولمحمد بالرسالة ولعلي والآل بالإمامة، فهذا هو الايمان الذي يُسأل عنه الانسان يوم القيامة، والمثبتات الاخرى تأتي لصالح الروح والنفس من اجل المحافظة على هذه القيمة أي: قيمة الايمان، أما الامور الاخرى فينبغي للإنسان ان يلتفت اليها ويهيئ أسبابها لماذا؟ في الحديث القدسي: (... وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك)([1]). اذاً، الميزان هو هذا الميزان، والميزان الرباني هو بهذه المثابة، فهناك انسان يلائمه الغنى ولا يلائمه الفقر، وهناك آخر يلائمه الفقر ولا يلائمه الغنى، وقيمة الايمان اقوى من القيم الاخرى، هذه قراءة.

وقراءة تقول: ان المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف: القوة هنا مطلقة، ولكي تقيد بأحد الجنبتين لابد من قرينة صارفة، وحتى نصرف المعنى نحدد المعنى في ضمن دائرة ضيقة، يعني نضيق من دائرة النص وعمومه وشموله، فيقولون: المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف في جانبه المادي وهو خير منه في جانبه المعنوي أيضاً لماذا؟ يقولون: لأن المادة التي يسعى الانسان لتحصيلها انما يسعى لتحصيلها في سبيل تثبيت الايمان في داخله، ولذا حينما يكون الانسان مؤمناً ويكون في نفس الوقت مقتدراً من خلال اموال جمعها واكتنزها من طريق حلها ومشروعيتها، يأتي يوم القيامة والصحيفة مليئة؛ فيها بر لوالديه فالمادة زاده، وفيها صلة رحم فالمادة زاده، وفيها عطف أو تفقد للجار فالمادة زاده ومعينه، وهناك قيام بمسؤوليات تجاه المجتمع من حوله وهذه أيضاً مددها وزادها واساسها القوة والاقتدار المادي، وفي النتيجة ان الانسان الغني وهو مؤمن، لاحظوا: غني ولا ايمان، غني ولا اتباع للإيمان النظري بالفعل والتجسد خارجه، هذا ليس له قيمة ولا ثمرة بل قد تكون هناك حسرات كبيرة جداً جداً {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}([2])، فهناك وعد ووعيد غير طبيعي، والموازنة بين الوعد والوعيد موجودة أيضاً، والمؤمن القوي يستطيع ان يعمر المساجد ويبني الحسينيات ويبني التكايا وما الى ذلك ويقوم بنشر مذهب اهل البيت ^ بأكثر من طريق وطريق، وآلية وآلية، ويحافظ على حياض معتقدهم بما استطاع الى ذلك من سبيل، هذه كلها بالمادة التي من خلالها يصل الانسان إلى هدفه، وأما الانسان الذي لا يمتلك فلا يلام على انه لم يفعل، ولكن اذا امتلك وفعل فهو افضل، ولو امتلك ولم يفعل فيُلام هنا، والمعادلة في الجانب المعنوي أهم لأن الوصول اليها اسهل في شهر رمضان، والقرآن يدعونا والسماء تدعونا الى مأدبة طويلة عريضة فيها من انواع العطاء المعنوي ما لا يُعد ولا يحصى، أبدأها بالقرآن الكريم وأختمها بذكر محمد وآله الطاهرين.

الرحمة الإلهية والعطاء الواسع في شهر رمضان

في بعض الاحيان، حينما يستمع احد لبعض الروايات الواصلة عن اهل البيت ^ في فضل بعض الامور يستغرب ولا يهضمها ولا يستوعبها، وأنا في رأيي طبعاً أن هذا الانسان الذي لا يستوعب ما ضرب الله والرسول والائمة من الثواب العظيم على بعض الامور، وعدم استيعاب هذه الامور التي وعد بها اهل البيت (ع) شيعتهم مما أكدته السماء وأثبتته، هو دليل عدم الدقة من جهة، والشمولية في القراءة من جهة اخرى، مضاف الى عدم استقرار الايمان الكامل والتسليم المطلق لما وصل، والا لو كان الانسان يرى ان هذه الامور كثيرة جداً و... ويرتب عليها الاثر فهل تعرفون ما معنى هذا؟ معناها ان الذي وعد عاجز على الايفاء بوعده، هذا غير ممكن بحق الله سبحانه وتعالى الذي وسعت رحمته كل شيء، وهذا شيء ليس بسيطاً، فنحن بمسيس الحاجة لهذا الجانب، فمثلاً حينما يسمع بعضنا ذكر النبي (ص) تجد أن البعض يتثاقل عن الصلاة عليه، لماذا يتثاقل؟! فالإنسان حينما يتذكر أن له جائزة في آخر المضمار وهو مستعد لقطع المضمار اسألكم هنا: هل تشتد سرعته أم تضعف؟ نعم تشتد، لماذا؟ لأن الجائزة تنتظره، تلك جائزة مادية. فما وعدنا اهل البيت نحن فيها كأناس في مضمار، والجائزة لا نأخذها من رئيس اتحاد الفيفا او اتحاد دولي او ما الى ذلك، لا، بل نأخذها من يد النبي محمد (ص) أو واحد من ابناء النبي (ص)، ونحن حينما يأتينا الخبر الذي يقول: (ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد )([3])، فلماذا نستكثر هذا؟! إنما هذا لعدم المعرفة. وان هذا قبل أن يكون جزاءً لي فهو جزاء للنبي وآل النبي، لأن ما قدمه النبي وآل النبي يفوق تصور البشر، وما حصل في بعض المواطن هو مظاهر لعطائهم اما حقيقة وكنه ما قدمه اهل البيت (ع) فان له خصوصيات مع الله سبحانه وتعالى.

العيد نقلة بين عالمين

العيد مساحة لنا ونقلة بين عالمين، ويفترض في عيد الفطر أن يكون الانسان قد تهيأ تماماً لأن يعادل بين الامور ويراجع حساباته ويعمل على تصفية النفس ويخرج من الاشكاليات، فماذا يفترض في الشخص حينما يسبح ويخرج وقد فرغ من اغتساله؟ هل يمكن ان يخرج وعلى بدنه الصابون او الشامبو او المنظفات الاخرى! فاذا كان كذلك فانه لم يسبح بشكل جيد ولابد له ان يرجع ويسبح مرة اخرى.

فإننا من الناحية المعنوية في حالة اشد خطورة من ذلك اذ ينبغي علينا ان نكون قد طهرنا انفسنا اذا خرجنا من شهر رمضان، فاذا ما خرجنا من شهر رمضان ونحن نحمل على غيرنا، يعني ذلك اننا قد وقعنا في الاشكالية، وكل امة من الامم مبتلاة وممتحنة، وكل طائفة من الطوائف مبتلاة وممتحنة أيضاً وكل فرقة من الفرق مبتلاة وممتحنة كذلك، وكل اسرة من الاسر مبتلاة وممتحنة، فقد يبتلى أحدهم بأبويه وحينما يمرض الابوان ويصبحان قعيدي البيت فسيُبتلى الأولاد بهما. وقد يُبتلى الانسان أيضاً بزوجته احياناً، واحياناً اخرى قد يبتلى بالأولاد {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}([4]) فالأموال والأولاد فتنة، فتنة صارخة جداً، فالولد قد يأخذ بالأبوين الى ساحل النجاة وقد يردي بهما الى الحضيض.

نعم، قد حدث هذا أيضاً في مسيرة الانبياء وليس في مسيرتنا فقط، فكم اعترض الأبناء على طريقة آبائهم! وحتى في مسيرة حياة الائمة (ع) كم من بعض أبناء الائمة اعترض طريق وسير المعصوم (ع)! وما كان من ذلك بين الامة والعلماء فحدث به ولا حرج، فالناس أولى بذلك اذاً.

فلابد لنا نحن ان ننظر في العيد؛ الى أين تسير بنا الامور، هل نحن فعلاً قد طهرنا انفسنا في هذه الفترة أم لا، لا زلت أكره أبي وعمي وجاري وصاحبي وزميلي وابن مجتمعي؟ لا زلت احمل غلاً للذين آمنوا والعياذ بالله؟

مرت عليكم ليلة القدر التي هي من افضل الاعمال، لاحظوا ليلة القدر حيث توجد فيها عدة اعمال: غسل، صلاة، زيارة، دعاء، صدقة، ومذاكرة العلم من افضل اعمال ليلة القدر، وابراء الذمم بين المؤمنين من افضل الأشياء، ولا أحد لم يخطئ ولا يمكن ان يقول أحد بأني غير مخطئ على أحد، حسناً إن قال قائل: أنا لم أخطئ على احد، نقول: مبارك عليك هذا أنت تزكي نفسك والله تعالى هو الذي يزكي من يشاء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}([5]) فهذا العيد يفترض به ان يكون مساحة صافية يلتقي فيها الجميع.

أنا تحدثت قبل العيد بأيام وقلت ان هذه المسائل ينبغي ان نتجاوزها ونكون أفضل من هذا، وقلت في جامع الامام الحسين (ع): يا جماعة، إننا في الجامع أو خارج الجامع، أو في المسجد الفلاني، أو في القرية الفلانية، أو في المدينة الفلانية، أو في الدولة الفلانية؛ إذا لم يحسن أحد قراءة سورة الفاتحة التي هي اساس صحة الصلاة أو لم يحسن الوضوء الذي هو شرط الطهارة وهي شرط صحة الصلاة، فينبغي له أن يتحرك ويسأل لكي يصحح قراءته عند رجل الدين، أو يسأله عن طريقة وضوئه هل هي صحيحة أم لا؟ أو يسأله: هل إن معتقداتي في أهل البيت (ع) صحيحة أم لا؟ وكلكم زار السيد عبد العظيم الحسني في مدينة الري، وإن وجد أحد لم يزره نسأل الله أن يكتب له الزيارة، كان هذا السيد وكيلاً لثلاثة من الأئمة (ع)، ومع ذلك فقد كان يأتي صغيراً إلى الامام (ع) ويقول له: سيدي أعرض عليك عقيدتي فإن كانت وإلا فقومها، ومعنى أنه كان وكيلاً لثلاثة من الائمة (ع) أن منزلته كانت تفوق منزلة كثير من المراجع الموجودين، فيروح ويعرض عقيدته على الإمام (ع) ويقول له: اعتقد بأن الله كذا، واعتقد في النبي كذا، وفي علي وفاطمة وأهل البيت والقرآن والكعبة كذا، ولم يقل: والله خلاص بعد.

فعلينا أن نسأل من هذا الانسان أو ذاك أو غيرهما ونبدأ بأنفسنا هل اني أتحمل المسؤولية في تصحيح صلاتي على الأقل، التي هي إن قبلت قبل ما سواها! يعني: جيد، أذهب إلى السيد محمد رضا وآخذ منه كلمتين، ثم أخرج من عنده وأذهب إلى السيد أبي هاشم فيقول لي: كذا، ثم أخرج منه وأذهب إلى الشيخ حسين فيقول لي: كذا، فأخرج منه وأذهب إلى فلان، ثم الى فلان، وليعلم الجميع ان اهل الفضل والفضيلة المعتمدين من سادة أو من مشايخ، لاحظوا عبارة (المعتمدين) وأنا مسؤول عن كلمتي: أنهم على مستوى المسؤولية وقد وضعوا يدهم على جرح ناكئ في الزمن الماضي ولا عودة بعده.

أيها الاحبة! ان قوام الامور هي بالمجتمع، المجتمع الواعي، وأنتم من اهل المجتمعات الواعية لأنكم لستم في أفريقيا ولا أنتم في أدغال آسيا، بل إنكم قد تردّد عليكم العلماء والمراجع في يوم من الايام، ففي هذه القرية كان يصلي فيها الخال السيد ناصر المقدس في يوم من الايام، وكان يأتيها كبار العلماء، وكان يأتيها الفضلاء، ونحن يكفينا في هذه القرية وشرف لهذه القرية ونتشرف بوجود سماحة آية الله السيد محمد علي في هذه القرية، ولا نبحث من ورائه على احد. وان بحث أحد عن شيء آخر فليبحث، لكن عصمتنا في هذه القرية فعلاً وفي هذا الزمن هو السيد محمد علي، فإن قال أحد: من يقول انه فلان أو فلان، يعني: كم هُم؟ فإذا أعرضنا عن السيد طاهر والسيد هاشم والسيد محمد علي والسيد علي الناصر، فمن يبقي عندنا إذاً؟!

أعاد الله علينا العيد ونحن في حال أحسن من هذا الحال، نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يعجل بظهور الحجة ليقوم بمسيرة امة النبي محمد (ص).