نص كلمة بعنوان:العولمة وقراءاتنا لخُلق الرسول الأكرم (ص)

نص كلمة بعنوان:العولمة وقراءاتنا لخُلق الرسول الأكرم (ص)

عدد الزوار: 255

2015-01-16

                          بلغ العلى بكماله * * * كشف الدجى بجماله

                          حسنت جميع خصاله ** * صلوا عليه وآله

جاء في الحديث عن الامام الحسن (ع) انه قال: «... ولولا محمد (ص) والأوصياء من ولده كنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل تدخل قرية إلا من بابها»[2]

«أنا مدينة العلم وعليٌ بابها»[3] صدق محمدٌ وآل محمد

بارك الله لنا ولكم ذكرى المولودين السعيدين النبي الأعظم وإمام المذهب ثبتنا الله وإياكم على الولاء الدائم.

الخلق العظيم عند النبي المكرم (ص)

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[4]

للقرآن مع النبي وقفات وكلنا يعلم ان النبي الأعظم (ص) هو الكمال، كمالٌ بما تحمله الكلمة من معنى بل هو فوق ذلك بما لم يخطر على سمع مطلقاـ لكن السماء وضعت يدها على واحدة من تلك الشذرات في ذلكم البناء الكامل ألا وهي الخلق العظيم، أيها الأحبة النبي أشجع الناس، اعبد الناس، اعلم الناس، أكرم الناس، لماذا عمدت السماء للتركيز على هذا الصفة بالذات وفي أكثر من موطن؟ لأن ما نعيشه اليوم هو ذلكم البعد الذي لا يحد بزمان ولا بمكان ولا يختلف فيه الأفراد من حيث الحاجة بقدر ما نتمثل هدي الرسول خُلقاً بقدر ما نكون قريبين من ذاته ومتمسكين بنهجه، نتحرك من الخارج قولا وعملا الا أننا نمثل ذات مقدسة ونحن بمثابة مجسمات صغيرة تتنقل في أكثر من مكان ومكان ما أتيح لها ذلك، الخلق العظيم أيها الأحبة هو الذي يؤمن لنا الأسرة الكريمة، الخلق العظيم هو الذي يبني لنا مجتمعا راشدا، الخلق العظيم هو الذي يصحح مسيرتنا بين الأرض والسماء في مواطن نعفر فيها جباهنا، أيها الأحبة بالخلق العظيم نقترب ونلتقي ونتعاون وإذا تخلف هذا العامل تفرقنا وضعنا ولا نصل الى الهدف ولا الى الغاية، تتجلى عظمة تلكم الأخلاق ايها الاحبة المحمديون الجعفريون أنها كانت تتجسد وتتحرك في مجتمع لم يعرف إلا الخشونة في جميع أقواله وافعاله، أعني المجتمع المكي الذي تسوس حركته طبقة معينة رأت في نفسها الباب الموصل الى عوالم أخرى حال انها لا تمتلك من الحظ ما يسعفها على ان تتبوأ ذلك الموطن لكنه الجبروت والغطرسة وروح الاستعلاء على الآخرين، جاء النبي وهو الكامل ليفترش الارض ويساوي بينه وبين اصغر المسلمين من حوله، هذا هو خلق النبي (ص)، لم يتربع النبي (ص) في يوم من الايام ضمن مأدبة كان يجلس عليها وانما كان يدني الصغير منه والعبد يقربه من مجلسه في الوقت الذي يحفظ للآخرين حقوقهم، ايها الاحبة البعض يتصور ان الإسلام ألغى جميع موارد التمايز فيما بين الناس وهذا ليس له من الصحة نصيب بل بقراءة سريعة لمجموعة من الآيات التي تضمنها القرآن المنزل على قلب الحبيب المصطفى محمد(ص) يعطينا مؤشرا واضحا على ان الاسلام أصّل وثبت الموازنة التي على اساس منها يحصل واقع التمايز المرضي من قبل السماء والمرضي من قبل رسول السماء لمن هم في الارض قاطبة وهو من نحتفل بذكرى مولده أعني النبي الأعظم محمد.

الرسول (ص) رحمة للعالمين

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[5] هذه الرحمة ايها الاحبة التي يفترض ان نعطي لها المساحة الكافية كي نسعد بها، هي نعمة كبرى علينا ايها الاحبة فلماذا نغلق ابوابها؟ لماذا لا ندع الابواب مشرعةً فيما بيننا، كأسر وكمجاميع وكمجتمعات بل هو الى ما هو اوسع وابعد أفقاً، ايها الاحبة رحمة النبي (ص) لم تكن محصورة بوقته وفي ضمن حدود مجتمع عاشه وجودا خارجيا، وانما رحمة النبي والآل منبسطةٌ وبسير الزمن نحن الذين نغلق الابواب على انفسنا، ونحن الذين نفتحها و نجعلها ابواب مشرعة اذا ما اردنا ذلك، ان رحمتهم تتماشى معنا ونحن في عوالم الافلاك، وبعد الولادة وفي الحياة تسير معنا وتدخل معنا في قبورنا لتضيئها ثم تأخذ بأيدينا على الصراط ولولا محمد كما في النص وآل محمد لما ثمة نجاة، فعلينا ان نفعّل هذا المفهوم المقدس أي الرحمة، وعلينا ان نستقطب وان نجمع ولا نطرح، علينا ان نكون قريبين من جميع آحاد أبناء المجتمع الذي يعيش حبا وولاءً، ايها الاحبة اذا كان ثمة ما يستوجب ان نختلف عليه وهو ما لا يستحق ان نقف عنده كثيرا فان الكثير الكثير الكثير هو الذي يفرض علينا ان نلتقي عليه، ضاقت دائرة على من ضيقها على نفسه واتسعت دائرة ابى من يعيشها الا ان يرجعها إلى مصدرها وهم الذين اعطوها البعد الاوسع وجعلوها رحمة شاملة ألا وهم محمد وآل محمد ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ[6] هذه هي روح النبي وهذه هي مصداقيته صلوات الله وسلامه عليه والآل كذلك فهل نحن نجتمع لنحتفل كي نعيش الذكرى في واقعها أو نأبى إلا ان نعيش الهوامش من هنا وهناك لا شك ان بالاجتماع بركة. «تجلسون وتتحدثون؟ ... فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيى أمرنا»[7] في كل شيء ثوابٌ مدونٌ محفوظ مختوم بختم محمد وآل محمد (ص)، عقد النية فيه اجر، الخروج من بيوتنا ميممين صوب مجالسهم فيه اجر، تسخير الأنفس في هذه المجالس طاعةً فيه اجر، ان نعيش الحدث فيه اجر، ان نقبل مستمعين مستفيدين فيه اجر، ولو لم يكن أيها الأحبة إلا ان نعلي أصواتنا بالصلوات عليهم لندلل على حب صادق ثابت مستقر لكفى:

لا عذب الله أمي أنها شربت *** حب الوصي وغذتنيه باللبن

وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن

هذا الباب الذي اشارت إليه الرواية أيها الأحبة باب النبوة أمامه النبوة في محمد والإمامة في علي إذا أردنا ولوج المدينة فلا باب يفضي إليها إلا هذا الباب حصرا أيها الأحبة هذا الباب علينا ان نتمسك بعروته كما انتدبونا لذلك هم عليهم الصلاة والسلام.

الدفع بالتي هي أحسن

ثم يسير بنا خُلق النبي شيئا فشيئا ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[8] أيها الأحبة إذا كنا نحاسب على الكلمة وإذا كلنا نقف عند بعض المفردات فأننا سنضيع ونضيّع، علينا ان نستوعب، ما اعدتنا السماء له وما استقر في وجداننا لديه القدرة والقابلية على ان يأخذ بأيدينا بتجاوز بعض المحطات، إذن أيها الأحبة هم الذين يأخذون بأيدينا فعلينا ان لا نغل الأيدي إلى الأعناق بل علينا ان نبسطها ما استطعنا بسطا، لان في ذلك استجابة لدعوتهم ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أيها الأحبة! النبي (ص) أوذي في مكة والمدينة ولم تكن الأذية في المدينة اقل مما حصل في مكة حتى دعاه لان يطلق مقولته التي لم يلغيها التاريخ باي شكل من الإشكال ما أوذي نبي كما أوذي نبي[9] جاء بالرحمة ويؤذى حتى بعد استشهاده حتى بعد التحاقه بالرفيق الأعلى كانت الأمور تأخذ هذا الاتجاه. ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ[10] أصحاب الحظ العظيم هم أصحاب الولاء الصادق ايها الأحبة كفاني قول الكثير من المفسرين ثم بيننا وبين أحبة لنا القرآن يرشدنا: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.[11]

هنالك محاور أراد الاخوة القائمون على هذا الحفل المنور بأنوارهم عليهم الصلاة والسلام ان أتوقف عندها قليلا:

التطور التقني وأثره على المجتمعات

الأمر الأول: هل ان هذا التطور التقني الحادث يؤثر في سلوكنا ومبادئنا وفي تواصلنا؟ القادم لنا اليوم من العالم مرحب به على الإطلاق، لكن بشرط ان نكون قد اعددنا أنفسنا بما يتناسب وواقعية التعامل مع القادم إلينا، نحن لسنا أبناء امة متحجرة، نحن أبناء امة منفتحة على كل شيء من حولها، اقرأوا التاريخ في صدر الإسلام، قفوا عند بعض المفردات ستجدون ان الإسلام يحمل روح الانفتاح على جميع المسارات لم يسجل التاريخ في موطن من مواطن الصراع مع الشرك في زمن الرسول بدأ النبي الأعظم (ص) الطرف الآخر للقتال او لمنازلة بل كلها كانت علاجات لخطأ عند الطرف المقابل، أيها الأحبة التواصل فيما بيننا كان وما زال بحمد الله يعيش حالة صحية مقبولة ولكن بمقدورنا اليوم ان نشدد على هذه الحالة وان ننفث فيها روحا جديدة، مفاد ما وصلنا من التطور التقني أيها الأحبة! السلوك، المبادئ، القيم، الممارسات كلنا نعيشها فيما بيننا، بالأمس كنا نحتاج الوقت الطويل لنخلص بكلمة في دقائق تتقضى ولكن بين يديك خلال دقائق أو ثواني معدودة فيما قليلا أنت أمام سيل جارف من النصوص يتعذر عليك ان تنتقي ما كنت تصبو اليه، لان المفردات أكثر من ان تعد ولان في كل واحدة ما لها من القيمة أيها الأحبة إذن التطور التقني يؤثر في سلوكنا ولكن علينا ان نجعل تلك الحالة من التأثر ايجابيةً كم هي المصادر التي نستعرضها، ما الذي نستنبطه على أساس من ذلك الاستعراض هذا مطلوب اما ان نستغلها في الجانب السلبي فهذا شأنه شأن حصاد الألسنة وكما يقال: «هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم» فهناك جنبتان الإيجاب والسلب نحن نستطيع ان نوازن وكلكم أهل عقل وكمال.

العولمة وقراءاتنا لخُلق الرسول الأكرم (ص)

الأمر الثاني الرسول هو صاحب الخلق العظيم فماذا أخذنا منه مع قراءات ما حولنا من العولمة؟ أيها الأحبة العولمة ليس شبحا مخيفة ولا خطرا محدقا، العولمة حالة ثقافية تجتاح الكثير من المساحات من ينكفئ على نفسه الضعيف، من لا يقبل ان يقارع الحجة بالحجة والقول بالقول هو الذي لا يملك رصيدا من العلم والثقافة، ومن تربى في مدرسة محمد وآل محمد لا يعجزه شيء في ان يتجاوز مراحله ويتخطاه، رصيدنا كبير الكتاب والسنة المطهرة، هنالك سنة دين وهنالك سنة مذهب نحن نتكلم عن سنة الدين التي صدرت عن النبي بطريق معتبر هذه السنة التي لا يختلف عليها مسلم، أما السنة المذهبية فهي الخلاف عليها كبير وهي ما سطرها أئمة المدارس منبعنا ثري، كنزنا كبير له بداية ولا نهاية له، لانه مرتبطٌ بالمطلق رب الشرائع ما الذي نخافه وما الذي نخشاه من يخشى الوافد هو ذلك الإنسان الضعيف الذي لم يعرف قيمة نفسه الذي لم يلتفت إلى الوراء قليلا ليصحح إذا كان ثمة ثغرة موجوده على فرض وجودها، أيها الأحبة ذكرى المولد النبوي (ص) وذكرى مولد إمام المذهب الجعفري عليهما الصلاة والسلام مساحة كبيرة كي نراجع قراءة النص شيء مهم فرصة أنا أريد ان اسأل سؤال تمر علينا الذكرى لعظيم وعظيم، لو وزعنا ورقة استبيان وقلنا فيها: كم قرأت من الصفحات حول هذين الشخصين العظيمين؟ وهذا له مساسٌ في الدين كم سنخرج به من الخطوط الايجابية وكم سيقع بأيدينا من الدوائر التي تحبسه، وبعد الاستبيان لو قال لنا النبي والإمام عليهم الصلاة والسلام النتيجة مخيبة ولا تدخل على قلوبنا سرورا ما عسانا ان نفعل؟ هل نقول: اننا اجتمعنا واحتفلنا و... الأمة التي لا تقرأ لا تحترم، لانها لا تستطيع ان تفهم وإذا لم تفهم انحرفت بها البوصلة إلى غير الاتجاه الذي يفترض ان تكون متجهة اليه، الإمام الصادق صاحب المناسبة (ع) يقول: «ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام»[12]؛ وفي حديث اخر يقول: انه ليسوئني ان يقال فلان من أصحاب جعفر بن محمد وهو لا يحسن صلاة ركعتين[13] المولد مدرسة، المعلم فيها في مثل هذه الليلة نبي الأمة هو إمام مذهب الأمة.

تنبيه يسير حول التواصل بين المؤمنين

الوقت تقريبا قد شارف على الانتهاء لكن هناك نقطة وددت أن أشير اليها وهي ان التواصل بيننا أصبح من خلال التقنيات الحديثة والسؤال هو: هل أن هذا النوع من التواصل كافي أم لا؟ يا بن الاحساء، الاحساء عرفت بروح التواصل والتعاون والمحبة، الجرح هنا يعني الجرح في الاتجاه الآخر، المصيبة هناك هي مصيبة هنا، الاحساء عرفت بهذه الروح، الكل يفرح في موطن الفرح وان لم يعرف صاحب المناسبة، الكل يحزن في موطن الحزن وان لم يكن يعلم على من وقعت النازلة، أليس هذا حالنا ما كان هذا ليتأتى معلبا ومختوما وإنما جاء وليد جهود بذلها الآباء والأجداد والأمهات والجدات كان الكل منهم يقطع المسافات مشيا على الاقدام من المبرز إلى الهفوف وبالعكس ومنهما إلى القرى من حولهما ليقدم تعزية في الأمس ما كان هناك سيارات وتكييف، وبعض الافراد كان يمشي حافيا، هذه حيات الماضي لا ننساها، لأن من لا ماضي له لا حاضر له، آباؤنا كانوا يمشون على الاقدام في أيام الصيف وكان تحت أقدامهم أحر من الجمر، لكن روح التواصل، الهم للآخر كان يدفعه، أيها النشء الطيب يا من تنهلون من معين محمد وآل محمد، عليكم بسقي هذه الشجرة لا تكتفوا برسالة «الواتساب» في تعزية شخص مصاب بحجة انك مشغول ما هي قدر هذه الرسالة.

من باب اللطيفة باعتبار ليلة مولد، يقال في عالم الخيال ان شخصا انزلوه قبره هذا الشخص كان في الدنيا كلما قيل له بشيء كان يقول انا مشغول، يقولون له شارك في الحفل يقول مشغول، ساعد فلان، يقول مشغول... فرآه صديقه في المنام وسأله عن وضعه وماذا فعل في القبر عندما جاءه منكر ونكير فقال له قلت لهم انا مشغول الان فهؤلاء البسطاء صدقوني وذهبوا...

أيها الأحبة روح التواصل علينا ان لا نلغيها بواسطة التقنية الموجودة، نعم المشغول معذور، لكن ليس كل شغل يشغلنا، اسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجمعنا وإياكم على محبتهم وان يجعلنا من السائرين على نهجهم والآخذين بحجزتهم وان يجعلنا من المترددين على مراقدهم الطاهرة وان يجعل قلوبنا مشرقة بأنوار محمد وآل محمد.