نص كلمة بعنوان:العلاقة بين الأمة والرسالة المحمدية

نص كلمة بعنوان:العلاقة بين الأمة والرسالة المحمدية

عدد الزوار: 1112

2016-12-21

حوارية في مجلس " أبو عبدالجليل" العلي

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

﴿اِنَّ الدّينَ عِندَ الله الاِسلـٰمُ﴾[2]

النبي الأعظم (ص) وتصديه للجهل

منذ ان بعث النبي (ص) برسالته السمحاء والبشرية المنتمية اليه اضافةً في الدين تقترب وتبتعد من مبادئ تلك الرسالة الحقة التي جاء بها مبشراً، جراء عوامل عدة يقف في طليعتها عامل الجهل، والجهل ما دخل في شيء الا وأفسده، الجهل تتسع مساحته عندما يجد الظرف المناسب وهي عبارة عن عقليات تم تفريغها من محتواها الذي يفترض ان يكون هو الرصيد الدافع في سبيل تحطيم هذا الكابوس الذي لا يقف عند حدود صاحبه وانما تتسع به الدائرة شيئا فشيئا، النبي (ص) بعث لهذه الأمة وفي هذه الامة في سبيل ان ينهض بها من واقع مرير، الدراسات تختلف فيما بينها عن واقع الانسان العربي حين الرسالة، الدراسات التي اقتربت من هذا المشهد لم تكن منصفةً في يوم من الايام، لا ما سجل ودوّن في صدر الاسلام الاول ولا ما تعقّبه من القرون، بل حتى في العصر الراهن الذي بات العلم يملأ الكثير من جوانب المعمورة وحتى في اتباع هذه الديانة ان يحملون العلم والمعرفة في حدود القراءة والكتابة، ان تجاوزوا مساحة الامية في الكثير من مناطقها، لكن اذا اردنا العلم والمعرفة بما هو المراد من خلال النص الواصل فلا زالت الامة تتهجى، بدليل انه متى ما برزت شخصية مفكرة قادرة على احداث النقلة في المجتمع يتم محاصرتها والغاؤها من المكوّن وعلى هذا توجد الكثير من الشواهد خصوصا اذا استقطعنا القرن المتقضي اي القرن العشرين وجعلناه مساحةً لمحاكمة مثل هذا الواقع.

كيفية التعاطي مع الأفكار المختلفة

الحركة الفكرية في العالم العربي استعادت نشاطها في اوائل القرن العشرين، ارباب القلم، ارباب الفكر، ارباب الادب، ارباب الفن، ارباب النقد، حلّق الكثير من رجالات العرب من مغربنا العربي الى شرقنا العربي في مساحات كبيرة، لكن لأنها كانت تتسلح بسلاح علم واصول معرفة قواعدها أسست عند الطرف الآخر أي في العالم الغربي والعالم الغربي له اسسه وقواعده التي بنا عليها محاور الفكر، عندما جاؤوا الى مجتمعاتنا التي يسود الكثير منها التخلف والجهل والفقر والضياع ارادوا ان يوجدوا حالة من النقلة الكبيرة الا انهم وجدوا انفسهم امام حائط صد من العيار الثقيل، صدرت الفتاوى ضد البعض منهم وتم التخلص من البعض الآخر لصمت ولكن بقيت القافلة تراوح مكانها على شيء من الحياء والخجل حتى ان الكثير من الدراسات بقيت ضمن الوريقات الصفر والمطوية والمختومة خشية من اصحابها ان تدور عليهم الدوائر ويتعقبوا ويحاكموا بناءا على افكارهم، لو وجد أولئك العمالقة مثل طه حسين ومن كان في دائرته مساحتهم الكافية ولم تكن مفصلة الدين تطاردهم كشبح ترتسم امام اعينهم بين الفينة والاخرى لما كان حال الانسان العربي كما هو عليه اليوم ولا حتى حال الانسان المسلم في دائرة اوسع وأشمل، لان هؤلاء تحركوا على اساس من مشربين: المشرب الاول القومية والمشرب الثاني الدين، سعوا جاهدين للجمع بين هذين المشربين، نجح من نجح، اخفق من اخفق وتحفظ من تحفظ، بالنتيجة كان للظرف حاكميته على تلك العقليات التي سادت في يوم من الايام، لكن نحن ابناء هذا اليوم بالنتيجة اليوم ما هو حالنا، اليوم ما هي الحالة التي نحن نعيشها، ايضا هذه تحتاج الى غربلة، تحتاج الى وقفة صريحة مع النفس، لأننا ما لم نقف وقفة صريحة وما لم نترك المساحة كافية امام من يرغب في تقديم النقد وفق اصوله وقواعده، فإننا للتراجع اقرب منا الى التقدم، وكل الامم تتقدم وفق معطياتها سواء صنفناها في اطار الدين (المسيحية اليهودية و...) او خرجنا من هذه الدائرة الى دائرة العرق والقوميات وهو ايضا له قيمته وحضوره.

أهمية التزاوج بين الافكار الحوزوية والاكاديمية

ايها الاحبة بالنسبة لنا نحن في هذه الفترة الزمنية نستطيع ان نستعين بالكثير من الموارد، واحد من هذه الموارد الذي يمكن ان نستعين به وهو رصيد ضخم ومهم جدا هو الالتفات الى اناس يمكن ان يغذوا الساحة، هؤلاء اناس لم يعتموا بالعمائم ولكنهم استطاعوا ان يمسكوا بأصول الدراسة والبحث داخل اروقة الحوزة العلمية خارج حدود اللباس الديني حتى يتفلتوا من دائرة القيد والمطاردة على اساس من العنوان وهؤلاء يقدمون اليوم الكثير من الدراسات المهمة والمهمة جدا جدا، نعم هي لا تحظى بنصيب كافي من التقدير والاحترام وترتيب الآثار ضمن المنظومة الحوزوية، لا لشيء الا لان هؤلاء لا يحسبون على هذا الصنف، وبالتالي العناوين تعمل العمل وتترك الاثر الكبير على كل شيء، احيانا ربما تسأل انت من مثقف مطلع على حكم شرعي بنسبة عالية من ضبط المسالة وقد تسأل في نفس الوقت من رجل الدين لم يكن مطلع في القدر الكافي على المسالة الا بحدود عموميات معينة، تجد الانسان يميل الى طرف رجل الدين ويرتب الآثار عليه حتى لو لم تكن المسالة بالدرجة الكافية والمقنعة من الموافقة مع أصل التكليف، على العكس من ذلك تماما عندما يسمع المسألة من انسان مثقف فهو غير مستعد ان يسمع منه وان يأخذ عنه، انا لا اتخندق الى جانب رجال الدين باعتباري من صنفهم، ولا اتخندق الى جانب المثقفين لأنني ايضا احسب نفسي عليهم، وانما اقول هنالك مساحة كافية ان يلتقي هؤلاء بهؤلاء وان يزاوج بين الافكار و يؤخذ بما هو الحسن من هذا المسار وما هو الحسن عند المسار الثاني لترشد المسيرة ونقدم مظهر أفضل.

الاهتمام بأصول البحث الحديثة خارج الحوزات العلمية

انا اقول لا اقول البحث في عنوانه العام بل اقول اصول البحث المبنية على القواعد والاسس العلمية الحديثة هي لصالح الاكاديمي وليست لصالح رجل الدين ومن المفترض على رجل الدين ان ينفتح على هذا المسار وان يصل الى قناعة مرضية ويقبل ويترك مساحة لان يأخذ بأسباب اصول البحث الحديث، في الفترة الاخيرة المسؤولون عن تسير الحركة العلمية في حوزة قم المقدسة باتت لديهم قناعة كبيرة بأن هذا المسار لا يمكن ان يدار له ظهر، لان الخسائر المترتبة فيما هو البعيد كبيرة جدا، لذلك عمدوا الى فتح التخصصات في هذا الجانب أي جانب النقد بناءا على اصول المدارس المتعددة سواء كانت المدرسة الغربية بتشققاتها، او المدرسة الشرقية ايضا بتشققاتها، لذلك نجد الدراسة حرة للنصوص المطروحة للكتب والموسوعات او ما نعبر عنها بالمصادر الحديثية القراءات الموجودة في قم تختلف تماما عنها في بقية المراكز العلمية، السر في ذلك يقف وراءه شيء كثير، اولا؛ الحرية المفتوحة امام الانسان الباحث، ثانيا؛ القناعة التامة بان المرحلة تختلف عن سابقتها، الامر الثالث ايضا قرب الوصول الى المصدر، اي ان المصدر غير محجوب وان كان لا يتوافق معك او مع الثوابت الموجودة عندك، لان القاعدة هي «ان ناقل الكفر ليس بكافر» اذا اخذت هذه القاعدة مساحتها الكافية من واقعنا، مما لا شك فيه اننا سوف نتقدم.

التغييرات الحاصلة وأثرها على المجتمع الاحسائي

هنا اسقاطنا الاخير نحن في الاحساء في أي طرف من اطراف هذه الدائرة او المساحة نقف، هذا سؤال مشروع، نحن عندما نرجع الى قرابة اربعين سنة يعني مع حدوث النقلة والطفرة النوعية التي حدثت في ايران بسبب التغيير الكبير الذي حصل فيها، الوضع قبلها وبعدها يختلف تماما عند الآخر مما لا شك فيه لكن ما هي الحالة التي حصلت عندنا؟ هل ان الناس توجهوا للعبادة؟ هم كانوا يعبدون الله سبحانه وتعالى يعني لم يحصل شيء جديد يعني انت لا تستطيع ان تقول بعد ان حصل هذا التغيير بت انا اصلي وبات ابي يصلي وبات عمي يصلي! لا هم كانوا يصلون وكانوا يحافظون على الصلاة، اصلا التغيير لم يأتي من أجل ان الناس تصلي، لان الناس كانوا يصلون وكانوا يصومون ولا يمكن ولا يجوز لاحد ان يصدر حكما على ان الناس كانوا في ضلال وفي جاهلية ثم حصل ما حصل من الاشراقة، بعدها بتنا نصلي وبتنا نصوم! او ان الثوابت والضروريات التي نعبر عنها لما كانت ثم حصلت، لا هي كانت، لكن اخذت بديات اوسع مما كانت عليه، الحضور من حيث الكم اصبح اكثر، لكن الكارثة في الجانب الكيفي نحن نقرأ ﴿و ما خَلَقتُ الجِنَّ و الاِنسَ اِلّا لِيَعبُدون﴾[3] هل ان العبادة في هذا النص المقصود منها الصلاة؟ ام الصوم ام الحج ؟ ربما ينزع لهذا الجانب اصحاب القراءات الظاهرية، اصحاب الجمود على معطيات النص في بعدها الظاهري لكن في الجانب الواقعي عندما ندقق النظر وتساعدنا على ذلك النصوص يتبين بان المقصود بالعبادة هي العلم، هي المعرفة، الوقوف على اصول الاشياء وحقائقها.

أسباب تطور الأمم

 تصوروا لو ان المسلمين لم تحرف البوصلة وينحرف الكثير منهم منذ ذلك الزمن الى ما هو القريب من هذه الازمنة وتحركوا في ركاب العلم والمعرفة وغادروا مساحات الطقوسية الجوفاء التي لا تحركهم نحو طلب المعرفة ما عسى ان تكون الامور؟ هل نكون على ما نحن عليه اليوم؟ نحاكم على الكلمة ونحاكم على الجزئية ونحاكم على المقولة؟ ابدا، كل الامم من حولنا من الشرق والغرب انما تطورت وتقدمت عندما امنت من ارهاب الدين، لكن عندما كان الارهاب الديني يطاردهم كشبح يرتسم امام اعينهم ليلا ونهارا كانت عجلاتهم الى الوراء، وها نحن اليوم من اين نستفيد الا نستفيد من نور العلم والمعرفة؟ ألا نستجدي ونعطى من الآخر حال ان الآلية بأيدينا لو اردناها واسسنا لها من السابق، ام اننا نبقى نندب الحظ! وهذا غلط، الى متى نندب الحظ، ثم بعد ذلك ايضا لصالح من المحافظة على بعض الامراض المستفحلة في داخلنا؟ والى متى ولمن المصلحة والى متى سوف نبقى على هذه الحالة؟ واقعا هذه كارثة عندما تجد من يرغب في تبييت عقول الناس هو المقبول، هو المشجّع هو الذي يمد له يد العون، بينما الذي يسعى الى التغيير وتحريك المياه الراكدة واضاءة الآفاق من حول النسيج الاجتماعي الذي يتحرك فيه يتعامل معه على العكس من ذلك تماما، اليوم الخرافة في وسط مجتمعاتنا تنتشر انتشار النار في الهشيم، اين يكمن الخلل؟ على العكس من ذلك النظرية التي تضيء لنا الطريق كمصباح في ليل دامس نحن لا نقبلها بل نتعاون على اطفائها الامثلة كثيرة.

تقبل الآخرين والانفتاح على الجميع

كما قلت من اوائل القرن الذي عشناه توجد شواهد كثيرة فمثلا الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء اقرأوا حياة هذا الرجل العظيم وما واجهه وهذا الرجل من النسيج وليس من خارجه، ايضا الشيخ عبد الكريم الزنجاني رحمه الله تعالى هذا العملاق والفيلسوف العظيم الذي ربما النجف لم تنجب الى اليوم رجل محيط بأصول الفلسفة في كل ابعادها وفي بعدها المركز مثله، لكن في نهاية المطاف يضرب عليه الحصار بحيث يذكرون في تقرير شهادة الوفاة له انه توفي اثر سوء التغذية! تصوروا الى هذا الحد! أليس هذه كارثة، ايضا السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه الذي يقول عنه احد فلاسفة العرب الكبار ان الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه اطلق ثلاثة من النجوم في سماء العلم والمعرفة هذا اتجاه، وهناك اتجاه ثاني يقول عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه بانه حجر عثرة زل عن طريق الحوزة! هذا حكم وهذا حكم! المشكلة اين تكمن؟ المشكلة تكمن في جانب الغاء الآخر، اذا اردنا ان نتقدم علينا ان لا نلغي الآخر، حتى لو لم نتفق معه ولم ننسجم مع رؤياه، نترك المساحة والفاصلة بيننا وبينه، لابد ان نأخذ ونعطي حتى نتقدم، لماذا الانسان الذي يعيش مع الكتاب ويعيش مع حركة الفكر ويعيش مع حركة التنوير وعجلة التنوير الموجودة يبقى ذلك الانسان الخائف المترقب، بينما الانسان الذي لا يحمل بين جنباته الا الجهل تكون الامور متاحة له. هذه اثارة فقط، انا تصورت ان تكون الجلسة في مساحة السؤال والجواب وهو الافضل لكن الحديث اخذ بنا في مسار آخر وانا اعتبر حديثي هذا هو مدخل واذا ما رغب احد في شيء فانا في خدمتكم، وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.