نص كلمة بعنوان :العبادة لابد ان تكون مقترنة بمعرفة أهل البيت عليهم السلام

نص كلمة بعنوان :العبادة لابد ان تكون مقترنة بمعرفة أهل البيت عليهم السلام

عدد الزوار: 385

2013-10-22

 

تقبل الله عملكم وانجز الله ما تصبون الوصول اليه عاجلا

في الحديث الشريف عن الحسن بن علي السبط الاول الشهيد المظلوم عليه السلام عن النبي الاعظم محمد (صلوات الله عليه): الْزَمُوا مَوَدَّتَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يَوَدُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ـ النبي الاعظم (ص) يقول ـ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْتَفِعُ عَبْدٌ بِعَمَلِهِ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ حَقِّنَا.[المحاسن، ج 1، ص 61]

شعيرة الاعتكاف

الاعتكاف واحد من المفاهيم والمبادئ والقيم ذات القيمة العالية، التي جهلها بعض وتجاهلها بعض آخر واعرض عنها جماعة الا ان نخبة اصطفاها الله سبحانه وتعالى في ان تنهض بهذه الشعيرة المقدسة من جديد. ومن حسن الحظ ان الطليعة الرسالية والشباب المؤمن والاشبال الذين يحملون شوقا وتوقا للنظرة المباشرة لوجه الخلف الباقي من آل محمد هم الناهضون بذلك (صلوات الله عليهم).

 

العبادة لابد ان تكون مقترنة بمعرفة اهل البيت عليهم السلام

النبي الاعظم (ص) يربط انتفاع العبد بعمله بمبدأ قصير ومهم ألا وهو المعرفة بحقهم عليهم الصلاة والسلام، وأن معارف اهل البيت عليهم السلام، معارف لاهوتية نورانية من نوع خاص لا تقبل الا مرآة صافية حتى يتحقق حال الانعكاس والانطباع بعد ذلك فيها.

عالم الحداثة وطغيان المادة طوال الحقب الثلاث الماضية كان قاسيا في وقعه على الامة لكن كما هو الصادر عنهم عليهم السلام ان الله سبحانه وتعالى يقيض على رأس كل قرن من يجدد الشريعة فيه. وكلنا قد عاش تلك النقلة، او نقلها لابنائه وللجيل الذي تعقب.

فعندما نهض سيد من بيت اهل العصمة والطهارة في زمن كان الظلم كقطع الليل المظلم والجهل المطبق والضياع يلف جميع مفاصل المجتمع، قيض الله روحا من تلك الارواح الطاهرة تسلّح بالعلم وتسلح بالعبادة وتسلح بالاخلاص.

هذا الثالوث المقدس اي: العلم، العبادة والاخلاص اذا اجتمعت فيما بينها صنعت العجائب. الحديث القدسي يقول: عبدي اطعني، تكن مثلي [انظر: الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية: 361] عبر هذا الطريق وعبر هذا المسار، اذا تمازجت هذه العناصر وصلت بالانسان وبنفس الانسان الى هذا الموقع المتقدم جداً.

السيد الامام رضوان الله تعالى على روحه المقدسة هو ذلك الشخص الذي ادخرته السماء لان ينهض في منعطف حاد كانت تمر الامة به، ربما الكثير من هم يشاركون في هذا الاحياء والاعتكاف المقدس، هم ممن لم يعيشوا الاحداث وقتها. كان معظمهم آنذاك في مرحلة ابنائنا في الوقت الحاضر، وهم لم يعيشوا الحدث الذي لم يكن حدثا طبيعياً، وانما كان نقلة نوعية وهذه النقلة النوعية كان فيها الزخم المعنوي في اعلى وتيرته بحيث لو قلبت الصفحات فيما تقدم لعلك تضع يدك على شذرة تقربك من هذا المسار وتنتهي بك الى هذه النتيجة فتعذر عليك مثل ذلك.

اشراقته كانت بمثابة اشراقة الشمس بعد ليل مظلم، السيد الامام عليه الرحمة، اذا ما اراد المعتكف ان يتخذه قدوة فهو امام المعتكفين. الكثير منا عندما يطرح أو يعرض عليه سيرة المعصومين عليهم السلام، الجواب الحاضر الذي يتقدم به هو ان يقول لك: ذاك امام معصوم، يعني حاول أن تجد شيء غير المعصومين.

الامام رحمة الله تعالى عليه، كان اماماً في هذا الاتجاه ولم يكن معصوما، بالعصمة المصطلح عليها فيما ينطبق على محمد وآل محمد. لم يكن مزودا بها. الا انه استطاع ان يأخذ بتلابيب العصمة من النوع الثاني وهذه لا تتأتى الا لمن جاهد نفسه واكتسب العصمة الاكتسابية.

العصمة الاكتسابية ومراحلها

العصمة الاكتسابية تأتي في مقام رفيع عندنا عدالة عندنا ورع عن محارم الله عندنا عصمة اكتساب.

المرحلة الاولى ان نعرف.

المرحلة الثانية ان نعمل.

المرحلة الثالثة ان نخلص في العمل.

كلنا يعلم وطرق مسامعه ان اكبر الجهاد جهاد المرء نفسه، النبي الاعظم (ص) قال: مرحبا بقوم قدموا من الجهاد الاصغر بعد معركة طارت فيها الرؤوس, قالوا يا رسول الله تنعتها بهذا الوصف قال بلى جهاد المرء نفسه هذه المعركة الفاصلة وهي الجهاد الاكبر. [راجع: اصول الكافي، ج 9، ص 378]

الكثير ربما يقاتلون، يناضلون ويضرجون بالدماء، ولديهم الرغبة ولديهم اخلاص ولكن دون وصولهم الى المقامات العليا ناهيك عن مرحلة الثواب بمسافات طويلة. لابد ان نعرف الله سبحانه وتعالى من خلال معرفتنا لمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) كما قلنا أن لمعرفة اهل البيت عليهم السلام، معرفة ذات اشراق نوراني.

بناءا على هذا لابد وان نعمل الى هذه النفس الى هذه المضغة التي نكتنفها بين جنباتنا ألا وان في قلب كل امرء مضغة، واشار الى صدره في النص. إن صلحت صلح وان فسدت فسد وهذه مصيبة وكارثة. [راجع: الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية، للشهيد الثاني، ص 145]

ربما يقترب الانسان مساحة من بعض الامور التي يتصور انها من المقربات ولكنها تأخذه الى مكان بعيد لم يكن راغبا للوصول اليه، لماذا؟ لان الطرق متعددة والعلامات غير منصوبة والنتيجة ايضا غير مشخصة وهذه اشكالية ينبغي ان نراعيها فعندما نرغب في النهوض بعمل ما أو القيام بدور معين، علينا اولاً ان نحدد الطريق ثم بعد ذلك ننصب العلامات المرشدة للانسان والتي تفيد الانسان ارشاداً كي يصل، ثم بعد ذلك الهدف. وما هو الهدف؟

مراحل النفس الثلاث

لهذه النفس مراحل ثلاث لابد من التعاطي معها من خلالها، اذا ما اردنا أن نصنع في داخلنا افراد مميزين.

المرحلة الاولى : تطهير النفس من الداخل

المرحلة الاولى هي مرحلة التطهير للنفس من الداخل، كيف؟ سنة كاملة تمر علينا بايامها بلياليها بحلوها وبمرها بطاعتها بعصيانها سنة كاملة لا يستطيع احد ان يقول اني لم ارتكب ذنبا. خصوصا اذا كان القرآن يقول ﴿ويلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة﴾ [الهمزة: 1] اذا كانت خفقة العين تؤخذ بعين الاعتبار ووراء هذه الخفقة من يرصدها.

أن يغض الانسان بصره قد يطرق ببصره ولكن غير ملتفت ما هو العامل الذي يدفع الى إحداث هذه الاحدوثة؟ لماذا اطرق ببصره؟

من الامور التي اكد عليها الدين الحنيف في هذا الشهر وهو سؤال من علي عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما هو افضل الاعمال في هذا الشهر؟ اجابه: الورع عن محارم الله. [راجع: فضائل الاشهر الثلاثة، ص 79] قلبي، قلبك وقلوب الآخرين، بادئ ذي بدء هي مرآة صافية قابلة للانطباق عليها سواء ذلك المنطبع هو كبير او صغير.

منا من يعمد بعد انطباع شيء من ذلك على تلك المرآة لازالته يتبع تلك الخطيئة بالاستغفار. مثل سبورة عندنا، واحد كتب عليها حرف او كلمة، بعد ذلك عمد الى المسّاحة فمسحها، بقيت السبورة على نظافتها على حال القابلية في ان يكتب عليها او يرسم عليها من جديد.

اما اذا انا كتبت ثم تركت للذي ورائي والذي بدوره كتب ثم ترك ثم ترك، ربما يتعذر على الرابع والخامس أن يكتب ولا اقل فيما هو ياتي بعد ذلك. قلوبنا مرآة الذنوب، نقط سوداء على هذه المرآة ما لم نسعى الى عملية التطهير أي الازالة. خلال ايام او اسابيع او اشهر وقد تكون سنين نحتاجها، واذا المرآة تنقلب من صافية لها قابلية الاستقطاب الى فقدان هذه الخصوصية فقدان هذه القابلية.

بعد ذلك، يحصل على قلوبهم ما كانوا يكسبون بعدها تصير طبقة على طبقة، كل ما يأتي من ذنب، لا يؤسس للذنب وانما يؤكد يعني يثبت الذنب الذي قد جرى. فمسؤليتنا الاولى من خلال الاعتكاف ان نعمد على ما علق بهذه النفس ولهذا القلب ونجري عملية التطهير أو عملية الازالة.

ونحن بحمد الله لسنا من اتباع المسيحية الذين يبيعون صكوك الغفران. فاذا ستر الانسان على نفسه في ذنب فهذا جزء من مغفرة الذنب.

اذا افشى الانسان الذنب الذي ارتكبه ولو بأخص الخاصة على نفسه معنى ذلك انه ضيع هذه الحصة من غفران الذنب، واذا ما اتبعه بالاستغفار اللفظي، يحصل على جزء آخر واذا استتبعه بالاستغفار الفعلي، بعد ذلك لا يبقى من ذلك الذنب، أي شيء. فيبقى القلب كالمرآة الصافية، هذه المرحلة الاولى.

المرحلة الثانية: مرحلة ترويض النفس

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الترويض لهذه النفس، لان النفس كالخيل الجموح لا يمكن الامساك بها ما لم تروّض هذه النفس.

لذلك من اثقل الاشياء على الانسان رغم انه الذ الاشياء واسهل الاشياء وايسر الاشياء هو العبادة، لكن في نفس الوقت من اثقل الاشياء واكبر الاشياء العبادة، بل هي جدا ثقيلة، حتى القرآن يأتي بواحدة من مفردات العبادة يعبر عنها بالكبيرة ﴿واِنَّها لَكَبيرَةٌ اِلّا عَلَى الخاٰشِعين﴾ [البقرة: 45].

خشوع أو خشعة، يعني بعد العلم والمعرفة، تصبح الصلاة سهلة عليه، فترى مثلا عندما ندخل في معادلة بسيطة في الخارج، نرى الداعي الى الامور العبادية هو المولى المطلق جلت قدرته. كم من الناس يعرضون عنه ولا يستجيبون نداءه. فنجده مخاطب بالصلاة، لكنه لا يصلي، مخاطب بالصوم الا انه لا يصوم، مخاطب بالحق المالي لكنه لا يخرج من ذلك الحق لكي يخرجه من عهدته، مخاطب بالحج الا انه لا يكلف نفسه عناء القيام به.

كيف اذا كان التكليف اكثر شدة، وبتعقيب كما لو كان الجهاد والنزول الى سوح الوغى، هذا الشيء مهم جدا، لأن النفس تحتاج الى الترويض.

فشباب اليوم الحمد لله عندهم وعيهم، عندهم ادراكهم، عندهم ثقافتهم العالية جدا جدا الذي يتكئ عليها هذا الجيل ويستطيع ان يراهن عليها.

كلكم يعرف خصائص الخيل، كلكم يعرف ان الخيل تروّض حتى يستطيع أن يمتطيها اصغر الاشبال، لكن اذا لم تكن الخيل مروّضة، فلا يستطيع أن يمتطيها أحد، ولا يستطيع أن يمسك بزمامها الا الانسان الذي قد تعاطى مع مثل هذه الحالات، والذي نقول عنه الانسان الخبير بترويض الخيل.

نحن نفوسنا اكثر جموحا من هذه الخيول، نرى الخيل اذا كانت غير مروضة، فهي خطيرة، كذلك الانسان اذا كانت نفسه غير مروضة يكون اكثر خطورة.

هذه المرحلة من الترويض يساعدنا عليها اتقياء الامة، ابرار الامة من قبيل العلماء والاتقياء المشاهير ومن قبيل الآباء الذين قطعوا مشوارا من العبادة وترويض النفس، لذلك أنا اقول لكم أيّها الشباب ان الكثير من البركات تستقر في اوساطنا بفضل وجود هؤلاء الشيبة، لماذا؟ لان هذا اذا عاش سبعين سنة نقص من السبعين خمسة عشر سنة ـ قبل ان يصل الى سن التكليف ـ فكم يصير عندنا؟ يصير عندنا خمس وخمسين سنة؟ أليس كذلك؟

خمس وخمسين سنة قريب من الله ويسجد لله سبحانه وتعالى. اضرب خمس وخمسين سنة في ثلاث مائة وخمس وستين يوم لكل سنة وفي كل يوم خمس صلوات كل صلوات اليوم الواحد سبعة عشرة ركعة، وقد يكون يصلي صلاة الليل، فهذا رقم خيالي، هؤلاء مرغوا جباههم ارغموا أنوفهم التصقوا، فحصلت حالة من العروج الى المطلق لذلك في الحديث الشريف فلولا... شيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا [راجع اصول الكافي، ج 2، ص 276].

فآباءنا، اعمامنا، اخوالنا، رجال ديننا، كبارنا هؤلاء من اسباب النعمة واستقرار النعمة في اوساطنا ومن اهم النعم علينا هو نعمة الثبات على ولاية محمد وآل محمد. بعد ان نروّض هذه النفس، نأتي الى المرحلة الثالثة.

المرحلة الثالثة: تنوير النفس

والمرحلة الثالثة هي تنوير هذه النفس، فكيف ننور هذه النفس، وبماذا ننوّر هذه النفس، هل ننورها فقط بالدراسة الاكاديمية؟ حسناً، هذا لون من الوان التنوير. أيضاً نقول، فقط بالثقافة المعاصرة هذا ايضا لون من الوان التنوير، فقط من هذه الأشياء الموجودة وهذه النقلة في التقنية العالية التي نتعاطاها؟ هذا ايضاً لون آخر من ألوان التنوير.

لكن لابد ان ننور هذه النفس بانوار معارف اهل البيت عليهم الصلاة والسلام، علومهم نور، كلماتهم نور، ارشاداتهم نور [راجع مفاتيح الجنان الزيارة الجامعة الكبيرة] نحن في مسيس الحاجة الى ان نضيء طريقنا في هذه الحياة بانوارهم.

انا لست بحامل في الليلة الظلماء السراج المادي، ففي ذلك اليوم يستطيع الواحد أن يحمل بيده الجهاز الذي يمكن بواسطته أن يشغل وينور الطريق الذي أمامه، وما دام هذا الشيء بيده، فأن الطريق في الليل المظلم يكون منيراً لكن اذا لم يكن يحمل ذلك السراج فأغلب الظن ان يقع الانسان فيه اكثر من مرة وان يترصده العدو في اكثر في موقع.

لكن اذا تسلح بهذا النور بعدها سوف تقل نسبة الوقوع في تلك المحاذير هذا كله في الجانب المادي وهي فترة منقضية سنستوفيها، نعم سنستوفيها وسنقف عند نهاية الطريق في يوم من الايام.

لكن الاهم من ذلك ان ثمة ظلمة معنوية تلف الامة اليوم، كقطع الليل المظلم. وأن هناك صراع فكري، وصراع عقائدي وصراع مع شديد الاسف ديني مذهبي، وعبر ما شئت... ما من مكان، ما من مجلس، ما من جماعة الا وهي تحت وطأة هذا الجو المحموم والذي يعصمنا منه، والذي يخرجنا من هائلة السقوط في احضانه، هو طريق واحد، ونور واحد وهو نور اهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

وهذا النور يصل الينا من خلال طريقين: الطريق الاول هو ما وصل الينا من خلال التراث الروائي والذي اجهد علماءنا بدءاً من الشيخ الكليني وحتى يصل الي الخميني في تنقيته لكي يصل الى اتباع مدرسة اهل البيت، هذا هو الطريق الاول.

أما الطريق الثاني، فهو الامام المهدي، الامام المفترض الطاعة علينا. الآن ومما لا شك فيه فان الامام يعيش معنا. اما السؤال الصعب جدا من حيث الاجابة عليه هل نحن نعيش المهدي فعلاً؟

انتم انشاء الله ممن يعيش المهدي عليه السلام، هذه اللبنة الطيبة والتي هي لبنة في صرح كبير يراد من خلالها الوصول الى اين؟ الوصول الى تلك القبلة النورانية، من اشراقة وجه الخلف الباقي من آل محمد (صلوات الله عليهم).

كما قلت لكم ما من صغيرة وكبيرة الا وهي في ملف يعرض بين يديه. والروايات في هذا الجانب كثيرة وتؤكد ان اعمال الموالين في زمن الغيبة تعرض على الامام المهدي في الاسبوع مرة.

يعني هو يدري ما الذي نقوم به من اعمال حسنت او ساءت، الاعمال الحسنة تدخل الى قلبه الفرح السرور و الاعمال السيئة تدخل في قلبه الحزن. هذا ما تقوله اكثر روايات اهل البيت عليهم السلام. [راجع: بصائر الدرجات، الجزء 9، ص 424 و426]

الاعمال الحسنة تدخل في قلب الامام الحجة عليه السلام الفرح والسرور، فهل يوجد شيء او قيمة معنوية عالية تضاهي هذا الامر وهو ان الواحد منا يدخل على قلب المهدي عليه السلام، سروراً وفرحاً، فماذا يوازيها؟ الذي يوازيها في اليوم الذي يكشف الغطاء عن ناظرينا ونقترب من مساحته وليد الحالات التي تنقلنا فيها الثلاث من التطهير والترويض والتنوير تحصل الاشراقة قد لا نعرف لكن آثار ما يدلل على ذلك يكون في العادة موجود.

الخال المقدس السيد ناصر رحمة الله عليه، يقرب لنا هذا المعنى في بيت من قصيدة طويلة في شانه عليه الصلاة والسلام يقول:

            يا غائبا لم تغب عنا عنايته *** كالشمس يسترها داج من السحب

يقول: الشمس منذ الصباح، هي موجودة، وفي الساعة التاسعة صباحاً موجودة، وفي الساعة الحادية عشرة موجودة ايضا، لكن قد يحجبها الغيم أحياناً.

السؤال هل يستطيع قائل ان يقول ان الشمس في الساعة التاسعة أو الساعة العاشرة صباحاً غير موجودة؟ يمكنه ان يقول: انا لا أرى الشمس. لكنه لا يستطيع أن يقول إن الشمس غير موجودة في الكون، كما لا يستطيع أن يقول ان الكون لا يستفيد من الشمس حينما يكون الغيم في السماء اصلا واحدة من فوائد الشمس، أنها تعتصر السحاب فينهمر منها الماء، اليس كذلك؟

كذلك المهدي عليه السلام، بلطفه يشملنا وحتى لا أطيل عليكم المحاضرة، أقول: ربما يسأل سائل ويقول:

في سلم العبادة دائما يتردد هذا المصطلح سلم العبادة، سلم العبادة عند العرفاء، سلم العبادة عند المريدين، سلم العبادة عند كذا وكذا، فكيف نحن نتنقل في هذه المراحل؟ ان اول الدرجات التي نصعدها هي مرحلة عبادة العوام وعامة الناس، عبادة العامة من الناس تسقط التكليف دون كلام تدخل الجنة تبعد من النار تبرئ ذمة الانسان امام الله سبحانه وتعالى.

بهذه الحدود هذه العبادة تحصلها، أيضاً آثارها قريبة وكذلك تتحصل. ﴿اِنَّ الصَّلوٰةَ تَنهىٰ عَنِ الفَحشاءِ و المُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].

الانسان المصلي يتمتع بهذه الخاصية. ايضا ينقل عنهم عليهم الصلاة والسلام انهم قالوا: اذا رأيتم الرجل يتردد على المسجد فاشهدوا له بالايمان. [راجع: مسند احمد بن حنبل، ج 3، ص 68]

طبعا بالحالة الطبيعية هذه الظاهرة موجودة فعادة الذي يتردد الى المسجد تكون لديه هذه الخصوصية، دعنا من الشواذ لكن الحالة الاعم ان لم يكن الجميع هم في هذا الجانب وفي هذه الزاوية.

المرحلة الثانية هي مرحلة العبادة عند العرفاء الذين اقتربوا قليلا من مساحة العبادة في مرتبتها الراقية التي سوف نصلها. وهذه المرحلة الثانية والتي هي مرحلة عبادة العرفاء، فان للعرفاء ايضا اجواءهم ولهم خصوصياتهم. لكن اشكالياتنا ايها الشباب ايها الاحبة في هذا الزمن، تكمن في جانب فقط اذا تجاوزناها صدقوني لم تمر الامة بجيل لديه من الاجندة التي يستطيع ان يسخرها في سبيل الوصول الى الهدف ورضا المعصومين كما هي متوفرة عند شباب اليوم.

اليوم كل الامور مهيأة والسبل متاحة امام جميع الشباب، فما هي؟ هي استجابة لدعوة الله سبحانه وتعالى اقرأ فقط ان نقرأ. نحن لو قمنا باستبيان وانا اطلب من اخي فضيلة الشيخ واخواننا ومشايخنا اصحاب السماحة ان يقوموا باستبيان بسيط، استبيان على هذا الشباب الطيب النخبة هؤلاء النخبة الذين ينقطعون عن الدنيا في ايام ثلاثة متواصلة هذه نخبة تعتبر، علينا ان نحافظ عليها وان ننميها وان نراهن عليها ايضاً.

فنقدم الاستبيان البسيط وهو: هل تقرأ؟ كم تقرأ؟ لمن تقرأ. فيمن تقرأ؟ ولم تقرأ؟

فقط ليبين الاستبيان ونرى ويقول.

ـ هذه لطيفة أتمنى أن يلتفت لها الشباب ـ يقولون: لما انفصل احد العاملين في مفاعل ديمومة النووي الاسرائيلي، وعندما انشق عنهم سرب جزء من المعلومات، وحينما اتضح انه سرب جزء من المعلومات سبب هذا ارباك كبير عند اصحاب القرار وصناع القرار السياسي.

فرئيس الوزراء دعا الى جلسة طارئة فاجتمعت الحكومة والخبراء العسكريين والامن وما الى غير ذلك ...

فرئيس الوزراء سألهم سؤال عندما افتتح الجلسة، سألهم وقال لهم: هل ان النص الذي تم تهريبه باللغة الانجليزية ام بغيرها من اللغات؟ قالوا له: باللغة الانجليزية. قال لهم تمت ترجمته ام لم تتم ترجمته؟ قالوا له تمت ترجمته قال لهم هل نقل الى اللغة العربية ام بعد لم ينقل الى اللغة العربية؟

لاحظوا لغة القرآن امة القرآن فقالوا له نقل الى اللغة العربية لما قالوا له نقلت باللغة العربية. حصل عنده شيء أشبه بحالة من التوقف. ثم استدرك وقال لهم:

لا يضر ان يرسل الى العرب. لماذا؟ قال: لانها امة لا تقرأ واذا قرأت لا تفهم واذا فهمت لا تعمل. قال اذا لا تخافوا.

لذلك نرى العرب ستين سنة الى اليوم يقادون كما يقاد الجمل المخشوش. طيب اذاً لماذا نحن نصدق المقولة؟ عندما يأتينا ذكر من المعصوم، يجب علينا أن نقرأ ولا نكتفي بأن نسمع، نقرأ ونستعين بمشايخنا. ليس فقط نأتي لمشايخنا ونسألهم مجرد هذه الاسئلة: انا صليت كذا و حصل لي كذا فماذا افعل او فعلت كذا او... بل ينبغي علينا ان نسأل منه ونطلب منه وبحسب علمه وما يمتلكه من خبرة طويلة عريضة ان يبين لنا ما الذي نقرأه، وماذا يفيدنا؟ نطلب منه ان ينورنا، ان يهدينا أن يرشدنا.

علمائنا الذين وصلوا الى مراتب عالية من العرفان، مثل السيد القاضي الطباطبائي رحمه الله، والسيد علي مربي الاجيال او الشيخ صدر المتألهين رحمة الله عليه صاحب الاسفار الاربعة الذي ما استطاع ان يكتب الاسفار الا بعد مرحلة ترويض النفس والتي هي مرحلة عبادة العرفاء.

من الاحساء ايضا الشيخ ابن ابي جمهور الاحسائي والذي يعتبر صاحب طريقة خاصة في السير والوصول عبر الطريق العبادي كذلك الشيخ الاوحد احمد بن زين الدين الاحسائي رحمة الله عليه، ايضا هو من اصحاب هذا المسار ولكن بظني واعتقادي ان سيد من تقدم ومن تأخر من غير المعصومين في هذا الجانب هو السيد الامام رحمة الله تعالى عليه.

نهاية السلم هي مرتبة المعصومين، لنتابع ماذا تقول الروايات؟ وقد مرت علينا ذكرى ميلاد الامام الحسن عليه السلام، وقد نقلت لنا هذه الروايات حالاته عند العبادة فتقول:  اذا همّ ان يسبغ وضوءه، ارتعدت فرائصه واذا شرع في وضوئه اصفر لونه واذا دخل في صلاته اغشي عليه،لماذا؟ فقط لشيء واحد؛ لانه يعرف أنه وقف بين يدي جبار السموات والارض. [راجع المناقب لابن شهر آشوب، ج 4، ص 14]

الامام زين العابدين عليه السلام، يقول: الهي عبيدك بفنائك ما قال عبدك بفنائك حتى هذه ما قالها إلا وصغرها وقال: الهي عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك ما الذي يسال؟ هل يسأل حطام دنيا؟ لا ابداً بل: يسألك التوبة والنزوع عن الحوبة ومن النار فكاك رقبته بجاه محمد وعترته. [راجع: الارشاد للشيخ المفيد، ج 2، ص 143]

نسأل من الله سبحانه وتعالى ان ينفعكم فيما انتم فيه وان يدفع بكم وان يكون كل واحد منكم مشروع لان ينهض بجانب من جوانب هذا المجتمع الذي نأمل ان يكون في الآتي افضل مما كان.

خصوصا ان رجالات العلم اليوم ـ وحتى نعطي لكل ذي حق حقه ـ رجالات العلم اليوم باتوا على مقربة بل في وسط الخضم، عاشوا هذه الفترة هذه الحالة لم تكن من قبل حيث لم يكن رجل الدين في السابق كما هو عليه اليوم من الاستعداد بأن يندك في منظومة المجتمع من حوله.

هذه نعمة كبرى علينا ان نحافظ عليها ان نشكرها، وحمدها وشكرها هو ان نسمع، ان نتعاون، ان نتفاعل في ما يراد لنا من الخير وهم لا يريدون الا الخير لنا. اشكر سماحة الاخ الشيخ الفاضل عبدالهادي لإتاحته الفرصة لي وانا اصغر من ان اتحدث في هذا الموضوع لكن تكرّماً منه علي والاخوة اصحاب السماحة بمن له يد في هذا الموضوع اسال من الله سبحانه وتعالى ان ينفعنا واياكم بما قلنا انه ولي ذلك الحمد لله.