نص كلمة بعنوان :الشيخ الوائلي والمنبر الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف عن الإمام الحسن المجتبى (ع) انه قال: «ولولا محمد (ص) وأوصياؤه كنتم حيارى لا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل تدخلون دارا إلا من بابها»[2]
وحديث كثيراً ما طرق الاسماع عن النبي الأعظم (ص) يقول فيه: «أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أراد المدينة فليدخل من بابها».[3]
المعصوم (ع)؛ الطريق الموصل الى السماء
كل الأنبياء والرسل جاؤوا بالتشريعات من اجل نظم حيات الناس على كافة الأصعدة في جميع الاتجاهات، أدلاء على الطريق يأخذون الناس نحو الجادة الموصلة لرفع تلك الحالة المعبر عنها بالحيرة التي ربما دخل فيها الواحد منا ولا يهتدي إلى النهاية التي يطمح فيها لولا الاتكاء والاعتماد على ما رسمته السماء وفق ما طبقه الأنبياء والرسل وتلقفته الأمة وجعلت منه تجسيدا واقعيا لمعطى الرسالات، الأنبياء والرسل ارتباطهم بالسماء ارتباط مباشر بواسطة الملائكة وهذا واضح بين ومجمعٌ عليه بين الفريقين، أما بالنسبة للأوصياء فهو محل اخذ وعطاء بين أقطاب المدارس المعروفة التي ينطبق عليها القاسم العام أي الإسلام، هذه الحالة تعطي الأولياء ما للأنبياء عند قوم ولا تعطيهم عند قوم آخرين لكن الطريق الطبيعي الموصل إلى السماء بالواسطة يبقى واسطة معصومة وهي أيضا أفضل من الملائكة في نفس الوقت، فالإمام عليٌ (ع) أفضل من الملائكة، والامام الحسن المجتبى (ع) أفضل من الملائكة هذه الوسائط من إمام إلى إمام بواسطة النبي الأعظم محمد (ص) هم حلقة الوصل فيما بين كوكبة الوصاية، الخلافة، الإمامة وبين السماء إذا قال أحد الائمة المعصومين فانه يقول عن أبيه عن جده وحتى ينتهي بالسلسلة الذهبية الى سيد الانبياء الرسول الأعظم (ص).
الفقيه؛ حلقة الوصل بالمعصوم (ع)
الأئمة بعد النبي خلفوا وراءهم تراثاً ضخماً موروثاً عظيماً يحتاج هذا الموروث الضخم إلى آليات بحيث يقترب منه الإنسان ويستفيد منه كما ينبغي، هذه الآليات هي عبارة عن مفاتيح العلوم أو القواعد العامة أو أصول الاستنباط، النتيجة واحدة وهي بعبارة أدق غربلة دليل واصل عن طريق المعصوم وفق الآلية المتفق عليها في الأوساط العلمية، علماؤنا لهم في هذا المقام كلامٌ طويلٌ عريض يقضون الليالي والأيام في تنقيح مطالبه والتأسيس له، فالفقيه الجامع للشرائط هو الذي يمثل الحلقة الواصلة الرابطة بيننا وبين دائرة العصمة من خلال ما أعطي من قدرة على الإمساك بآليات غربلة الأدلة المؤمّنة للتكاليف الشرعية للأحكام، هؤلاء العلماء هم لم يستيقظوا صباحا ويرون أنفسهم فجأة علماء، ولا أن الارض مفروشة لهم بالزهور، أبدا، إنما هو سهرٌ وجهدٌ وبحثٌ وتحقيقٌ ونقاشٌ طويلٌ عريض وبسطٌ في البحث، عمقٌ وتركيز.. كل ذلك في عهدة الفقيه، مساحاتٌ، مربعاتٌ يتنقل بينها ليخلص بعد ذلك إلى ما نستلمه نحن منه سهلاً يسيراً، فمثلاً كيف أخضع طهارتي للضابطة الشرعية؟ كيف اخضع صلاتي للضوابط الشرعية؟ كيف انظم حياتي الزوجية وفق معطيات الشرع؟ و... كل هذا يقوم به الفقيه.
آليات ووسائط ايصال التراث
بعد ذلك كيف يصل لنا هذا النتاج؟ يصل إلينا عبر وسائط، منها الكتب، من يقرأ يستفيد ولا يوجد رافد صافي وقوي ومتدفق على نحو الاتصال كالقراءة أبدا،ً الثقافة السمعية لا تأخذنا الى مسافات بعيدة أكثر من الوقت الذي نسمع فيها، لكن المقروء ينتقش في الذهن أحيانا تستدعيه الحادثة، فأحيانا أنت لم تكن قريب من دليل معين أو رواية معينة أو آية معينة أو معلومة معينة أو بيت من الشعر حَكَمي مثلا، لكن لموقف في الخارج تحضر تلك المفردة في قالبها إلى الذهن ويتلوها اللسان أحيانا بحركة مفاجئة مباغتة يعني بمعنى لو كان في الوضع الطبيعي وبحث عنها لما استحضرها، القراءة مهمة لذلك أنا أوصي الشباب ما داموا في عهد الشباب وتساعدهم قواهم على القراءة والمتابعة لكل جديد حتى يثري نفسه ويحسن التعامل مع الوضع من حوله هذه جهة الجهة الثانية العلماء أنفسهم يوصلون الرسالة وهذا موجود عند بعض علمائنا يستقبل المؤمنين ويدلي ببعض الوصايا، التوجيهات، الإرشادات، ربما يسأل ويجيب يستفيد الجالس والسامع، وبعدها تنتقل المعلومة بوسائط وتصل إلى الآخرين.
الشيخ الوائلي؛ الخطيب الامين الواعي
أحيانا الخطباء الأمناء يكونون هم الوسائط على المنبر الحسيني، وقد مر علينا ذكرى رحيل العلامة الكبير عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي رحمة الله على روحه الطاهرة هذا الرجل الذي نقل المعلومة الصافية والمفردة الخالية من الشوائب، أوصل مدرسة أهل البيت عليهم السلام إلى كل البيوت، له فضل كبير على أجيال الستينات والسبعينات والثمانيات والتسعينيات، يعني أربعة أجيال وأربع عقود من الزمن تقلبت على مأدبته واستفادت من نمير علمه وفكره وأدبه وعطاءه، هذا الرجل له من الحق علينا الكثير لأنه نذر نفسه ووصل من خلال ما تعاطاه معه حيثية النذر من الفاعلية إلى ما كان يصبو اليه احد المرشدين الناهضين. أيها الأحبة الشيخ الوائلي رضوان الله تعالى على روحه قفز بالمنبر خطوات، السؤال المطروح اليوم هو لماذا يتعثر المنبر من جديد؟ لماذا يصر بعض رواد المنبر الحسيني على ممارسة دور الحكواتي ونقل المعاجز البالية التي صنعتها ذهنية البسطاء السذجة ولا يتعاطى الآيات الكريمة نصوص، ولا الروايات الصحيحة كنصوص، ولا أقوال العلماء الثابتة كنصوص فيما أودعوه بطون الكتب وفيما تناقلوه فيما بينهم حتى ننهض نحن أيضا من كبوتنا، نحن اليوم المجهر مسلط علينا من جميع الجهات، الكل يريد ان يستكشف كنه هذه المدرسة التي عبرت الزمن، نفذت القرون رغم المؤامرات الطويلة العريضة عليها إلا انها بقيت صامدة، هذه النواة التي تعطي القدرة على تخطي هذه المسافات وتجاوز الأمكنة ما هو السر فيها؟ السر ما استفتحنا به: لولا محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام لبقي الناس في حالة الحيرة فهم الأدلاء على الله.
لابدية التصدي للأخطاء والنهوض بالمسؤولية
فأيها الأحبة نحن اليوم بحالة من المسؤولية كبيرة، هناك أشخاص عندما يدعون خطيب ومنبري حسيني يقولون بان الذي يهمهم هو مجرد قراءته بيتين من الشعر والرثاء ولا يعنيهم شيء آخر! جيل اليوم ينتظر الكثير ونحن نشكل حلقة ترتبط بحلقة تصرم جيلها وتنتظر جيلا قادما نحن مسؤوليتنا اليوم هي ان نقف بوجه الخطأ، فاذا ما رأينا المنبر لا يلبي رغبة الشارع وينهض به ويسد الخلل، علينا ان نرمم، ولا يوجد في هذا خجل، فعندما تأتي بالخطيب وتراه لا يؤدي الرسالة عليك ان ترفع يدك عنه لانه لا يوجد فيما بينكما عقد والتزام ان يكون الى يوم القيامة! فنسال من الله سبحانه وتعالى ان يبقي الشيخ الوائلي رضوان الله تعالى عليه أيقونةً أمام ناظري كل خطيب يرتقي أعواد المنبر، ان يستحضر هذه الذات، هذه المدرسة كي يكبر ويكبر الجيل من حوله، الشيخ الوائلي عندما يصعد، يصعد بقرآن ناطق وسنة متحركة وعلم يعطي النورانية في اكثر من مسافة ومسافة وأدب يرتقي بالسلوك وفكر يحرر العقل من عقد الماضي البالي مع شديد الأسف بين الفينة والاخرى تخرج لنا بعض العمائم الأثيمة الآثمة وتقول عنه انه عدو المنبر الحسيني!! وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، الإمام الشهيد الصدر يقول عن الشيخ الوائلي بانه مدرسة أهل البيت عليهم السلام المتنقلة! لكن يأتي معمم من خلال شاشة تلفزيونية ويقول عنه بانه عدو المنبر الحسيني! لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ ولماذا استطاع مثل هذا الشخص ان ينطق بهذه الكلمات؟ لاننا نحن لم ننهض بالمسؤولية، لان الذي يحكمنا هو هذا المنطق ما شأني أنا! وهذا لا يعنيني! وأنا الذي يهمني هو ان لا اصطدم مع الناس! وان يقول الناس عني باني انسان طيب، حسن! ولا يهمني رضى الله سبحانه وتعالى! لذلك اذا نحن قبلنا بهذا فالآتي سيكون أسوأ بكثير وفقنا الله واياكم، غفر الله لنا ولكم لروح الشيخ أحمد الوائلي الطاهرة الفاتحة مع الصلوات.