نص كلمة بعنوان :الرسول (ص) قدوةُ حسنة
ذكرى ميلاد النبي الأعظم (ص) وذكرى ميلاد حفيده الأكرم الإمام جعفر بن محمد (ع). فمولد النبوة يتمثل في الرسول الأكرم (ص) ومولد الإمامة استمراراً، يتمثل بميلاد جعفر بن محمد (ع)، وهما مناسبتان عظيمتان جليلتان كبيرتان.
ولم يكن من الصدفة حصول هذا التوافق والتناغم بين ذكرى المولدين وما ترتب عليهما، إنما للسماء مدخلية مباشرة في ذلك.
فمما لا شك فيه أن الرسالة والإمامة من شأن السماء، وليس للبشر أن يختاروا من بينهم فرداً ليجعلوا منه رسولاً، كما أنه ليس من شأنهم ولا حقهم أن يجتمعوا في مكان واحد وزمان واحد ليتفقوا على شخصٍ ما ليصبح إماماً، إنما الشأن في النبوة والإمامة شأن إلهي، فالله تعالى يجعل هذه المقامات للخاصة من عباده؛ لأنه هو الذي اصطفاهم واجتباهم وزكاهم، ولم يستعن ببشر حين اصطفى تلك النخبة، بل الأكثر من ذلك أن اختيار الأنبياء والأئمة (ع)، هو اختيار مسبق على هذه الخليقة المادية الظاهرية التي نعيشها، فكان اختيارهم منذ اليوم الأول الذي تعلقت به المشيئة الإلهية، وهي أن يسير البشر وفق هذا النظام المعين، في القبائل والشعوب التي تتعارف فيما بينها، فتحدث الكثير من القضايا. ولا يدّعي أحد من البشر العصمة إلا من خصه الله بها، ولازم ذلك أن تقع الحوادث والتناقضات والاختلافات، بل قد يقع الاختلاف في البيت الواحد الذي يتشكل من زوج وزوجة فقط.
وهنا لا بد من نظام يسوس تلك الأسرة، ويأخذ بها إلى ساحل النجاة، فإذا كبرت الأسرة أصبحت قبيلة، فتزداد المشاكل وتتعقد القضايا، ولا بد أن يتوسع النظام والقانون تبعاً لذلك، ولا بد أن يكون فيه حالة من الشمولية، فعندما يحصل أدنى أمر، يكون الحكم والعلاج حاضراً، يرفع الكلف، ويعالج الداء.
والله تعالى اختار الأنبياء والرسل، ثم جاءت فترة طويلة على البشرية، وهي قرابة الألف سنة، لم يكن فيها نبوة ولا رسالة، باعتبار أن النبي عيسى (ع) كان له مشروع وصاية، لكن اليهود عبثوا بذلك المشروع، وحرفوا المسار الإلهي والخطة الإلهية. لذلك عاشت الأمة في تلك الفترة حالة من الظلام والضبابية والضياع الواضح البين، حتى أن قضية الصليب كانت قضية مفتعلة، لليهود فيها نصيب مباشر، فعيسى (ع) لم يحمل صليباً، والنصوص الدينية الصحيحة لا ترشد إلى ما يدلل على وجود صليب في يد عيسى (ع) يتخطى به الأسواق ويسير في الطرقات.
بل إن سيناريو الحدث الذي جرى عليه ـ حسب ما تقدمه الكتب لدى أصحاب الديانات ـ هو قضية أبعد ما تكون عن الواقع، ولكن نجد أن لديهم إصراراً منقطع النظير على أنها تمت قتلاً وصلباً، إلا أن القرآن الكريم أكد أنه رُفع إلى الله تعالى.
في تلك الفترة، كانت المسيحية ـ وهي خاتمة الرسالات لأولي العزم في ذلك الوقت ـ قد استبدلت العهد الجديد بالعهد القديم، وأُربك تكوين الأحكام، وخلطت أوراقها، وزُعزعت الأصول فيها، ثم جاء هذا الجيل بعد عيسى (ع) ليعيش حالة من الشتات والضياع.
وتمخض عن هذا الأمر عدة توجهات هي أبعد ما تكون عن الوحدانية، خلا من تعبّد على ديانة إبراهيم (ع) مروراً بديانات الأنبياء الآخرين عليهم الصلاة والسلام. وإلا فإن البقية فكانوا وثنيين وغيرهم.
كما تفننوا في مصداق الوثنية خارجاً، لذا تجد للقبيلة الفلانية الإله هبل، ولغيرها مناة، وهكذا. وقد وضعت على الكعبة، وكانت القبائل تحج لترى إلهها المصنوع بيدها، حتى أن بعضهم اتخذ له إلهاً من التمر، وكان يصلي له ويتعبد ويتحنث ويطلب منه الخير، ويرجو أن يدفع عنه الشر، فيما تحكّم هو بصورة إلهه، فإن أراده كبيراً زاد من كمية التمر، أو أراده صغيراً فعل، وإن أراده وسيماً أو قبيحاً فعل.
ولك أن تتصور إلى أي حدٍّ انحدرت الأمة وسقط الإنسان في غياب المرشد. فهناك من يتخذ إلهاً من التمر أو الخشب أو الحجارة، كما راجت آنذاك تجاة الأصنام من التماثيل، وكان الزعيم الأول في هذا المسار أبو سفيان، الذي كان من المتاجرين بالأصنام في مكة، وكان يأتي بها من الشام، وهي بلد جمال، فيها الخضرة والماء والأنهار، ويتجسد فيها قول الشاعر:
ثلاثة تجلو عن القلب الحزن الماء والخضرة والوجه الحسن
فمن يعيش في تلك الربوع يختلف عمن يعيش في صحارى جرداء، ليس أمامه سوى جنادل من الصخر، أو حسك السعدان من النبات، فهناك من يشاهد أشجار الزيتون، ويتفيأ الظلال، ويرى شجر الأرز، وأشجار الفواكه، فهو في جنة من جنان الدنيا، فيتفنن في النحت، ويصنع آلهة، يأتي بها إلى مكة لتشتريها القبائل، فتصلي لها. ولك أن تتصور أيضاً مجتمعاً يشتري ربه بثمن بخس دراهم معدودة، ثم يصلي له، ويعتقد به.
أما الذين صنعوا آلهتهم من التمر، فكانت تمرّ بهم ضائقة مادية، وعسر وحرج، فكانوا يعمدون إلى آلهتهم تلك ليأكلوا منها، وكأن شيئاً لم يكن.
وما عسى أن يكون ذلك المجتمع، إذا كان يرتبط في عباداته واعتقاده وسلوكه وسيره وسلوكه بهذه الحجارة التي لا تضر ولا تنفع؟ هذا عدا الصفوة التي بقيت ثابتة مستقرة على الحنيفية، وهي ملة إبراهيم (ع)، أما دون ذلك، فالضياع المطلق، والمستقبل غير معلوم العواقب.
في هذه الظروف والأحوال أرسل الله تعالى نبيه لينقل الأمة من ذلك الموقع إلى هذا الموقع الجديد، وهذا أمر ليس بالسهل، فقد واجه من يقول: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُوْنَ﴾([2]). كما واجه عاداتٍ وتقاليد وأعرافاً، مثل نكاح زوجة الأب، كما كان هنالك خلطاً في الأنساب، وهناك بيوت للفسق والفجور، رفعت عليها أعلام للدلالة عليها، وفشا الربا فيما بينهم، وسيطر اليهود عليهم.
بهذه الكيفية من الوضع المتردي، بُعث النبي (ص) ومكث ثلاثة وعشرين عاماً بينهم، منها ثلاثة عشر عاماً في مكة، والباقي في المدينة. إلا أنه مع ذلك كله استطاع أن يصنع من ذلك المجتمع مجتمعاً آخر، فأنقذهم من ظلمات الجهل، إلى أنوار المعرفة، فصار من كان لا يعرف أي طرفي ثوبه أطول، يطرق آفاق المعرفة، ويدخل من أبوابها حيث شاء، لأن رب المعرفة، وإله المعرفة، ورب الأرباب، أرسل الإنسان المناسب برسالة خاتمة للرسالات، في الوقت المناسب والمكان المناسب.
وقد يقول البعض: لماذا لم يكن حال النبي (ص) حال غيره من الأنبياء الذين بعثوا في الحواضر، كفلسطين ومصر وشمال العراق من الموصل وغيرها، وجنوب تركيا، وهي أبرز المناطق التي تردد فيها الأنبياء وبعثوا فيها؟ فلماذا كان المبعث في جزيرة العرب دون غيرها، مع تلك الطبيعة الصعبة جداً؟ وجزيرة العرب اليوم هي غيرها في ذلك الزمان، فهناك اليوم ما يذلل الكثير من المصاعب فيها، مثل الكهرباء والخيرات التي تجعل المرء ينسى الكثير من آلامه، أما في تلك الأيام، فكان الإنسان العربي يعيش الحر كما هو، والبرد كذلك، وينحبس عنه القطر فيأتي على الحرث والنسل، وليس هناك من يستطيع أن يغير من الواقع شيئاً.
والسر في ذلك الاختيار لهذه المنطقة أن الإنسان العربي يحمل الكثير من الخصائص التي تتناغم مع الرسالة، غاية ما في الأمر أن تلك الخصائص انحرفت في مسارها، ولم تكن موجهة نحو الجهة التي يجب أن تصرف فيها. من قبيل الشجاعة، فهي من أبرز السمات التي يتمتع بها العربي ويتفاخر بها على سائر الأمم، وكانت آثار ذلك واضحة وبينة، فعندما اعتقدوا بالنبي (ص) وآمنوا به وساروا على هديه، فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، حيث كان القرآن متربعاً في صدورهم، يمثل نوراً يستضيئون به في الحياة.
ومن تلك الصفات الكرم، فسائر الأمم لا تتمتع بذلك، ودونك الأرض عرضاً وطولاً، ولك أن تستقرئ الأمم، من الفرس والهند والصين ودول الغرب والشرق وغيرها، فإنك لا ترى صفة الكرم سلسة مرنه تتحرك إلا في الوسط العربي.
فعندما تجتمع صفة الشجاعة والإقدام والنخوة من جهة، وصفة الكرم والبذل من جهة أخرى، فإن ذلك سوف يشكل دعامة هامة وأساسية في حركة الرسالة، أما إذا تخلف الكرم عن الشجاعة، فلا إقدام حينئذٍ، لأن الشجاع إذا لم يكن كريماً لم يكن مقداماً، وكذا إذا تخلفت الشجاعة عن الكرم، فإن الكرم لا يُصان. فلا بد من التوأمية والمزاوجة بين الشجاعة والكرم، لتفضي النهاية إلى خير في نهاية المطاف.
لذا نرى أن النبي (ص) يعبر بتلك الثلة المؤمنة التي آمنت به، ويتجاوز كثيراً من الصعاب التي اعترضت طريقه، لأن الشجاعة والكرم يسيران في نسق واحد، يقوده النبي الأعظم محمد (ص).
ولكن هذا النبي (ص) التي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، هادياً ومبشراً ونذيراً ونوراً تهتدي به الأمة، سرعان ما قُلب له ظهر المجن، وتحولت الأمور إلى مسارات أخرى. فبعد وفاته جرت أحداث وحوادث وقضايا ترتب عليها مقتل الإمام علي (ع) وحادثة كربلاء بكل تفاصيلها، وأصبح الأمويون يتعاملون مع الناس لا على أساس الخلافة، إنما على أساس الملك والسلطنة، وصار من يسير على ولاية أهل البيت (ع) وخط علي (ع) يُمنع العطاء وتبرأ منه الذمة، ومرّ المؤمنون بظرف حرج جداً، حتى الأئمة (ع) تقلص دورهم في تلك الفترة، إلا في حدود معينة، من قبيل الدعاء والأحكام الشرعية التي يحتاجها الناس في شأنهم العبادي.
لكن الله تعالى أكرم الأمة بكرامة كبرى، وهي فترة الإمام الصادق (ع) فكانت مدينة العلم التي عناها الرسول (ص) والباب الذي ينفذ إليها منه وهو علي (ع) الذي أغلق في وقت ما، قد فتحت منها مساحة معينة أشرق منها نور العلم والمعرفة، على يد الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
كما أكرم الأمة بهذا الإمام الهمام، من جهة أنه أعطاه مدداً في العمر، وفسحة في الأجل، وكان ظرفه إلى حدٍّ ما يسمح له بالتحرك، لذا جلس في المدينة يحدث الناس، وكذا في الكوفة، يربي التلاميذ، ويملي عليهم العلوم والمعارف. ونحن شيعته وأتباعه، فينبغي أن نسير على نهجه، ونتبع خطاه.
ولكن هناك أمر مهم يجب أن ننتبه إليه ونسأل عنه، وهو أننا اليوم في فترة زمنية بعيدة عن عصر الإمام الصادق (ع) إلا أنه في وجداننا وضمائرنا، وهذا ما لا يمكن لأحد أن يزايد عليه، ولكن هل يتجسد الإمام الصادق (ع) قولاً وعملاً في أقوالنا وأعمالنا أو لا؟ هذا هو السؤال المهم. فعندما يقال عن أحدنا في مكان ما: إنه جعفري، فهل أنه يستحق فعلاً هذا الوسام الرفيع، أو لا؟
فإن كنا نستحق هذا الوسام، فهي نعمة كبرى نشكر الله سبحانه وتعالى عليها، لأن النعم إذا شُكرت زادت، أما إذا كان هناك شيء من التقصير ـ لا قدر الله، ومجتمعنا إن شاء الله أكبر من ذلك ـ وكان هناك من يقول مثلاً: أنا شيعي جعفري موالٍ، لكنه يكذب، فإننا نعرض سيرته على سيرة أهل البيت (ع) فنجد أن الكذب حرام، وبالتالي فإن ذلك من فعل مدرسة أهل البيت (ع). فمن أحب عمل قومٍ أشرك في عملهم، ومن أحب قوماً حشر معهم.
بل إن التقليد والاتباع، يعني السير وراء من يقلده الإنسان ويقتدي به في قوله وفعله. وأهل البيت (ع) يسيرون وفق معطيات القرآن، وهم القرآن الناطق، وكلامهم نورٌ وهدى. ونحن إنما نأخذ بحجزتهم من أجل النجاة.
أما إذا كنا صادقين في ما نقول، وكان هناك تطابق بين القول والقضية، فإننا نعرض ذلك على مدرسة الإمام الصادق (ع) فنجد أنها تقول: إن الصدق حسن واجب، وبهذا نكون قد اقتربنا من الإمام الصادق (ع).
وكذا الحال في أداء الأمانة، فمدرسة الإمام الصادق (ع) تحث على أداء الأمانة، فإن كنا أمناء في معاملاتنا وسلوكنا، فنحن أقرب إليه.
ومثله بر الوالدين، بحيث لا ننسى الماضي، وما قدمه الوالدان، يوم كان الأب يكدح ليلاً ونهاراً في سبيل لقمة عيش، وكذا الأم بحضنها وصدرها ولبنها الطاهر المشفَّر بالحنان والولاء. كان الأب يتحمل الرمضاء والشمس المحرقة والبرد القارس والجوع والتعب من أجل أن يعيش أبناؤه حياةً أفضل مما يعيش هو. لننظر، هل إننا نقوم بدور مماثل في برِّهما ورد الجميل والإحسان إليهما أم لا؟ إن كنا كذلك فنحن شيعة جعفر حقاً، وإن كنا مقصرين، فالمسافة تكبر بيننا وبين جعفر بن محمد (ع).
هذه الأمور لا بد أن نلتفت إليها في ذكرى مواليد أهل البيت (ع) لا أن نجلس فقط، ونردد الصلوات على النبي وآله (ص) فالصلاة حسنة على كل حال، وفي كل حين، ففي الحديث الشريف: «أثقلُ ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وأهل بيته»([3]). ففضل الصلاة عليه وعليهم، كبير جداً، وهو أمر معروف، إلا إننا عندما نحضر في مجالسهم، لا بد أن نقتنص الحكَم والمواعظ، ونستظهر الروايات، ونتعاطى التوجيهات، وإلا فإن تعظيم الشعائر بحد ذاته أمر مندوب، بل إن مجرد اجتماعنا لإحياء المناسبة فيه ثواب وأجر كبيران، حتى لو اجتمعنا لمجرد الذكرى دون كلام أو فعاليات. فقد ورد في بعض الروايات أن «نظرَ المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة»([4]). فيمكننا التقرب إلى الله تعالى بمجرد الاجتماع ونظر بعضنا إلى بعض حباً في الله ونبيه وأهل بيت نبيه (ص).
أو أن يهيئ الله تعالى لنا الأسباب أن نلتقي بعالم من العلماء، فيكون نظرنا في وجهه عبادة. فعن النبي الأكرم (ص) أنه قال: «النظر إلى العالم عبادة، والنظر إلى الإمام المقسط عبادة، والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة، والنظر إلى أخٍ توَدُّهُ في الله (عز و جل) عبادة»([5]). فلا شك أن النظر إلى وجه العالم عبادة، والله تعالى نصب لنا أدلاء إلى منبع كرمه، وهم سادة العرب والعجم، محمد وآل محمد (ص) وكل كرم خارج هذه الدائرة إنما هو تبع وفرع، أما الأصل في الكرم فهو ما خرج من بيوتهم.
فلا بد لنا ونحن نجلس في مجالسهم، أن يكون للكلمة الطيبة موقعها وصداها وحركتها. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يجعل أسوته في الحياة الدنيا محمداً وآل محمد (ع) استجابة للنداء القرآني: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾([6]). وكذلك بالنسبة للإمام الصادق (ع) فهو قدوة في كل شيء، في الحلم والعلم والصبر ومكارم الأخلاق ومحاسنها، وهذا شرف ما بعده شرف، بأن يتشرف الإنسان في انتمائه المذهبي لهذا الإمام العظيم، الذي لم نجد إمام مذهب آخر إلا واستفاد منه وأخذ عنه، فقد تتلمذ على يديه أئمة المذاهب بصورة مباشرة، كأبي حنيفة النعمان، أو بالواسطة، بأن يتتلمذ أحدهم على يد تلميذ من تلاميذه.
وبالمقابل لم نجد هناك من يُثبت إن جعفر بن محمد (ع) استفاد من أحد من أئمة المذاهب قط. بل لا يستطيع أحد أن يثبت بالدليل القاطع أن أحداً من أئمة أهل البيت (ع) أخذ دواة وصحيفة، وجلس يأخذ عن أحد من علماء المسلمين أو أئمة المذاهب ولو حرفاً واحداً، فعلمهم عبارة عن مواريث من النبوة والإمامة، أو هو علم لدني، أو هو الحضور لا الحصول، أو هو فيض من الله تعالى.
فهنيئاً لكم أيها الأحبة هذا الاجتماع الطيب المبارك، الذي يباركه أهل البيت (ع) فقد ورد عنهم (ع): «شيعتُنا منا، خُلقوا من فاضل طينتنا، وعُجنوا بماء ولايتنا»([7]).
وفي حديث آخر: «إن الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منا وإلينا»([8]). فنحن نشارك أهل البيت (ع) أفراحهم وأحزانهم، لأننا منهم وإليهم.
وفي حديث ثالث عن الإمام الصادق (ع) أنه قال للفضيل: «تجلسون وتتحدثون، فقال: نعم، فقال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا»([9]).
فمن يشارك في مجالس أهل البيت (ع) تشمله الرحمة منهم، لمجرد الحضور، فضلاً عن المشاركة وإقامة الفعاليات، أما من يحضر مجالس غيرهم، فلينتظر الرحمة من هناك، سواء في الجلسات الخاصة أم غيرها.
فهذه الجلسات مدونة بأسمائنا وأشخاصنا، وسوف تعرض عليهم يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
نسأله تعالى أن يطيل في أعماركم، لا سيما كبار السن منكم، وأن يمن عليهم بالصحة والعافية، خصوصاً من لم يستطع الحضور، وأرجو أن لا ننساهم بالدعاء لهم بالصحة والشفاء.
أما الشباب الصالح الطيب، الذين نغبطهم على ما عندهم من الولاء لأهل البيت (ع) فإننا ندعو الله لهم بالتوفيق والسداد، وأن يرحم موتانا وموتاكم، وأن يجعل هذا العمل في ميزان أعمال هؤلاء القائمين على هذه الأمسية الطيبة المباركة، ذكرى ميلاد النبي (ص) والإمام الصادق (ع). وأن يرزقنا وإياكم شرف الوصول إلى العتبات الطاهرة عاجلاً إن شاء الله تعالى.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.