نص كلمة بعنوان: الدروس والعبر المتوخاة من ثورة الحسين عليه السلام
في الحديث الشريف عن امامنا الشهيد الحسين عليه السلام انه قال: أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي.[2]
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم في ذكرى سيد الشهداء بمناسبة الأربعين الخالدة، رزقنا الله وإياكم شرف الوصول والمثول عند عتبته الطاهرة في الاعوام القادمة وأنالنا الله شرف الشفاعة على يدي الحسين والشهداء من أهل بيته وأصحابه وأنصاره.
كربلاء والحسين عليه السلام
شهران متلازمان شكلا ظرفاً لمسيرة خالدة هي واقعة الطف حيث تجسد المشهد في تلك البقعة المصطفاة من الأرض باختيار السماء ارضٌ وقف عليها الكثير من الأنبياء والرسل قبل واقعة الطف وبكوا الحسين فيها وفي ذلك النصوص الكثيرة[3] وعليٌ (ع) من وقف بكربلاء وأبّن ونعى الحسين قبل استشهاده وأوعز لابن عباس بتفاصيل المشهد كأني بغرنوق من غراقنة آل محمد يقتل في هذه الارض ويدفن فيها.[4]
أرض كربلاء ترابها طاهر وكيف لا تكون كذلك وقد حوت جسد الحسين (ع) الذي نزف منه الدم، دم الخلود، دم التغيير، دم الإصلاح، دم النهج الرسالي. ما من حراك في سبيل الإصلاح يقع على وجه الأرض إلا ومن كربلاء يقتبس جذوته ويستمد قوته وينطلق في اندفاعته، الامام الحسين خرج من المدينة بعد أن طوى واحدة من أهم وريقات التاريخ الذي يعري موقف الخلافة في الشام وفي مكة المكرمة، كان للإمام الحسين وقفة صان بها حرمة البيت الحرام، ولو أن الامام الحسين تحرك على سبيل المصلحة وتحقيق الرغبة الذاتية لكان له في مكة والمدينة متسع، إلا انه أبى وأراد للأمة ان تسير وفق اتجاهاته الأبية، غادر مكة ميمناً شطر العراق، في العراق وضع رحله بعد محطات استراحة كثيرة توقف عندها في الطريق بين مكة وكربلاء في كل توقف كانت الدروس، في كل وقفة كانت المداليل تتبع بعضها بعضا، أما في كربلاء فمعالم المشهد واضحة إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني[5] مقولة جاءت في القرون المتأخرة على لسان احد كبّار الأمة لكن فيها النفس الحسيني بحيث يلتبس على المتلقي والسامع ممن صدرت هل هي من هذا الرجل العظيم أم من الحسين نفسه، السر في ذلك أن هذا الرجل العظيم انصهر في الحسين ذاب بالحسين تمثل الحسين (ع) واقعاً في جميع نواحي حياته عندما يتحدث كان حسينياً عندما يتحرك كان حسينياً عندما يوازن بين الأمور في شأنه الحياتي والأخروي كان حسينياً لذلك تجدون جميعاً هذا النص يرقى في بنائه إلى مرتبة قريبة من نص المعصوم.
خلود ثورة الحسين عليه السلام
في كربلاء كان المشهد مأساوياً بامتياز إلا إن مأساوية المشهد أيها الأحبة لم تغيّب الأهمية لذلك المشهد، صحيح أن الحسين (ع) ضحى بالكثير وعلى رأسهم هو سلام الله عليه حيث جاد بنفسه والجود بالنفس اقصى غاية الجود، إلا ان كل تلك الدماء الطاهرة هي التي احدثت الإصلاح في واقع الأمة، فلولا الدم الذي جرى من منحر الطفل الرضيع على صدر أبيه لما عشنا هذا المشهد الإيماني في هذه الليلة وفي هذا المكان ومع هذا الجمع الطيب المبارك بالحسين (ع). ولولا الدماء التي تساقطت من نحر القاسم والسيوف التي أخذت ما أخذها من جسده الشريف لما انغرست أصول العزيمة في كل واحد منا وفي كل واحد منكم وفي كل واحد يسير على نفس الطريق ووفق ما تتوجه إليه البوصلة، ولولا الدماء التي تساقطت من نحر الأكبر ومعظمكم في سن الأكبر (ع) وقت استشهاده، علي الأكبر هو أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسول الله[6] هذا الأكبر الأشبه هو الذي يقدم لنا الدليل تلو الدليل والبرهان تلو البرهان والحجة بعد الحجة على أن يكون الانسان الحسيني في عنوانه حسينياً واقعياً، ثم جاء العباس، وبعد العباس الامام الحسين. كربلاء لوحة مقدسة تقاطعت فيها الخطوط وتشابكت فيها العناصر واتّحدت فيه الرؤى لذلك أسفرت عن هذا الخلود المنقطع النظير أربعة عشر قرنا من الزمن وعاشوراء في أوساطنا، أربعة عشر قرناً من الزمن وكربلاء بيننا أربعة عشر قرناً من الزمن والحسين يجري في عروقنا أربعة عشر قرناً من الزمن والقضية هي القضية ما إن تخبو الجذوة هنا إلا وتشتعل في مكان آخر. تاريخ نوراني لولا دماء الحسين لما خلّد ولولا تضحيات الحسين لما وصل. أيها الأحبة عشنا عاشوراء ونحن اليوم في صفر ونودّع الأيام الأخيرة منه أيضاً بعد أن طوينا أهم المراحل فيه على أن يختتم هذا الشهر بذكرى وفاة النبي الأعظم محمد (ص). أيها الأحبة الامام الحسين (ع) بقدر ما أعطى بقدر ما ينتظر منا من العطاء، أعطى من أجل إصلاح الأمة، فإذا أردنا أن ندخل السرور على قلبه في عالم الملكوت الأعلى فعلينا أن نسعى لإيجاد الإصلاح في داخل كل واحد منا ومن له معنا الارتباط والاتحاد والانصهار والذوبان في ضمن حدود المجموع والقضية.
الدروس والعبر المتوخاة من ثورة الحسين عليه السلام
أيها الإخوة الأحبة لا ينبغي أن نودّع هذا الموسم ونحن لم نخرج منه بحصيلة مرضية، بحصيلة هي بمثابة السلاح الذي نسير حاملين له رغبةً في الوصول إلى إصلاح واقع. أيها الأحبة إذا كنا عشنا تقصيراً مع المجموعة من حولنا فعلينا أن نصلح تصديقاً لرغبة الحسين وإذا كنا قصّرنا مع آباءنا وأمهاتنا فعلينا أن نعقد عهداً مع الحسين على أن تكون العلاقة في القادم من الأيام مع آباءنا أفضل مما كنا عليه في ما مضى، إذا كنا كأرباب أسر لم نحسن جوانب العلاقة مع شريكة العمر في بيوتاتنا فعلينا أن نرمم الخلل بناءاً على منطلقات الإصلاح، إذا كانت هنالك ثمة إشكالية في مفردة من مفردات حياتنا في المدرسة، في العمل، في المساحة الاجتماعية الكبرى علينا أن نصلح من شأنها لا ينبغي أن نكتفي بالدموع في المناسبة وإن كان فيها الأجر العظيم وان كان حث عليها أهل البيت (ع) لكن بقدر ما تكون كربلاء عَبرة، شجن، ألم، لوعة، حزن إلا أنها عِبرة. كربلاء صمود، تضحية، صبر، جهاد، علم، عبادة ومنعطف. أيها الأحبة في اليوم العاشر كانت السيوف مع السيوف والسهام تأخذ طريقها إلى الصدور والظهور وعندما نادى ذلك الأنصاري الذي جاء ليجسد الإيمان واقعاً قال سيدي أبا عبدالله لقد دخل وقت الصلاة[7] هذا والمعركة قائمة والرؤوس والأيدي تتطاير هنا وهناك لكنه لم ينسى الصلاة، لأنها عمود الدين، لأنها الميثاق الأكبر، لأنها معراج العبد إلى ربه، لأنها البوابة التي من خلالها يدخل الانسان إلى الجنة، لأنها إذا وضعت هي والاعمال في الميزان يوم القيامة فسوف ترجح، وهي التي إن قٌبلت قبل ما سواها من صيام وحج وصدقة وإن ردّت ردّ ما سواها[8]، نسأل من أنفسنا أيها الأحبة كم لمفردة الصلاة حضور واقعي في حياتنا إذا دخل وقت الصلاة ما هو حال خطابنا معها هل نقول لها: انتظري ريثما ننتهي من العمل الذي بأيدينا! هل نقول لها: بقي قليل وتنتهي المباراة ثم نقوم ونؤدي الواجب وهل ... كثيرة هي الأمور التي ربما تعترض الطريق علينا فينبغي لنا أن نتوجه إلى هذه الحقيقة وإلى هذه المسألة المهمة أيها الأحبة أن الامام الحسين (ع) تحرك في سبيل أن يحافظ على الصلاة استشهد من أجل أن يحافظ على الصلاة كيف ونحن لم نطالب بهذا وإنما نطالب في أن نؤدي الصلاة في وقتها دون أن ندفع ثمناً آخر. أيها الأحبة الطيبون عليكم أن تلتفتوا إلى أهمية الصلاة، لأن لها أثر مباشر على السلوك الخاص والسلوك العام إذا كنا فعلا نعيش الحسين فالمهم أن نبحث عما سعى الامام الحسين من أجل إصلاحه ونقوم بإصلاحه، هذا اذا أردنا أن نكون حسينيين.
همسة قصيرة
حتى لا أطيل عليكم كثيراً هي همسة في أذهانكم في آذانكم أقول: مرت الذكرى وإذا ما أعطانا الله وإياكم عمراً ستعود علينا، وقتها نحاسب أنفسنا ما هي النسبة والتناسب بين ما كنا عليه في العام الماضي إلى الأربعين وما سنأتي به من ملف في أيدينا في الأربعين القادمة وفق الله القائمين على هذا الجهد الطيب الحسيني المبارك والشكر موصول للأخ العزيز سماحة السيد الذي ما انفك ان يبذل الغالي والرخيص من وقته، جهده، تعبه وحقوق الأسرة عليه في سبيل أن ينهض بكم بمشروعكم. أقول لكم لا تتركوا مجالاً ليتخلل أحد بين صفوفكم لينشر الفرقة ويشتت الشمل ويسير في الاتجاه المعاكس لما أراده الامام الحسين كونوا كما كنتم قلباً واحداً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداع له سائر اعضاء الجسد بالسهر والحمى كونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا حافظوا على كل مكتسب، تحركوا في سبيل تحصيل الأفضل، أودع الله فيكم من القدرة الشيء الكثير وان حرمتم بعض النعم إلا أن الله أفاض عليكم بنعم كثيرة بمقدوركم أن تحققوا على أساس منها الشيء الكثير، صفائكم، حبكم، انتماءكم، ولاءكم كلها روافد. نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم وأن يأخذ بأيديكم وأن يسدد خطاكم وأن يجمعكم مع الخلف الباقي من آل محمد (ص) وأن يرزقكم الجهاد بين يديه والشهادة تحت رايته والشفاعة منه وفقنا الله وإياكم، جمعنا الله وإياكم على كل خير، لا فرق الله بيننا وبينكم وثبتنا الله وإياكم على الولاء والمبدء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.