التعاطي مع كلام اهل البيت عليهم السلام

الحديث الشريف الذي استهللت به الكلام، يستطيع الانسان ان يلجأ الى معطياته من اكثر من مسار، كلنا يعلم ان كلام اهل البيت عليهم السلام، كالقرآن وهو توأمه له القدرة في ان يتعاطى مع جميع الجزئيات التي يحتاجها البشر مع مر الزمن.

الناس يتفاوتون فيما بينهم في فهم النص القرآني؛ فللعالم اجندته وآلياته واساليبه التي من خلالها يستنطق معطيات النص القرآني مساحة للتأمل، مساحة للتدبر، مساحة للاستنباط، ثم خلوص الى نتائج.

كلام اهل البيت عليهم السلام ايضاً بنفس المثابة، الناس يتفاوتون فيما بينهم للعلماء طريقتهم بحسب ما في ايديهم من مقدمات موصلة الى نتائج مرضية ثم يأتي الأمثل فالأمثل، حتى يأتي اضعف الناس من حيث المثلية في استنطاق النص ربما يقف حائراً الا أنه لا يخرج خالي الوفاض، وانما يخرج في الحد الأدنى في نيل البركة في الحد الأدنى في نيل الثواب وان لم يتعمق في معطيات المفاهيم التي في طابعها العام تتصف بالكلية.

بناءاً على هذه المقدمة الناس فيما بينهم يتفاوتون بحسب ما فتح الله عليهم وبحسب ما أعدوا انفسهم لذلك الفيض الالهي كي تأخذ الاشراقة الرحمانية مكانها من هذه المضغة في جسد الانسان الا وهو القلب.

اصلاً العلم نور كما هو مؤدى روايات اهل البيت عليهم السلام هذا النور يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب من يشاء. في نص آخر في قلب الخاصة من عباده، [راجع: مرآة العقول للعلامة المجلسي، ج 7، ص 329] حتى يصل الانسان الى مقام الخصوصية ونيل الفيض الالهي، ايضا يحتاج الى مجموعة من الامور لابد من تأمينها، لابد من تحصيلها كما في حياتنا المادية والامثلة في ذلك اكثر من ان تعد وتحصر.

آليات ومسارات بناء الأسرة

الانسان الذي يؤسس لبناء اسرة كريمة لابد وان يعد العدة كما ينبغي بما يتوافق وتلك النتيجة المتوخاة.

الطريق الطبيعي هو ان يتعلم، الطريق الطبيعي ان يعمل، الطريق الطبيعي ان يكون محافظاً على ما يقع في يده من ثروة، الطريق الطبيعي ان يكون قد رسم خطة عملية للخلوص الى ذلك الهدف، الطريق الطبيعي ان يستعين بالآخرين لان الانسان بطبيعته اجتماعي يألف ويُؤلف.

الارواح كما في الاحاديث جنود مجندة [راجع: الوافي للفيض الكاشاني، ج 26، ص 163] ثم يخلص الى بدء بناء. ايضا بدء البناء هو لا يبني على وجه الارض وانما لابد وان ينزل في مساحة معينة حتى يصل الى ارض فيها قدرة على تحمل البناء ثم يرفع القواعد ويؤسس وينتهي الى البيت. هذا جانب مادي، الجانب الآخر وهو الأهم الجانب المعنوي من يدلل الى هذا البيت، ومن يحظى بالسكنى في هذا البيت هو الأمر الأهم، الزوج، الزوجة، الأبناء المنتظر تشريفهم لعالم الوجود الخارجي ايضاً ما فقده الآباء في حياتهم لأنه لم يكن بمقدور آبائهم ان يؤمنوا لهم ما يصلون على اساس منه الى الهدف اليوم اصبح في يده اذا كان العذر يلتمس للآباء فان اليوم لم يعد يلتمس للابن الذي اعد نفسه اليوم لمرحلة الابوة والاشراف على ابناء هم روافد مجتمع في الآتي من الأيام.

كل هذه الآليات وكل هذه المسارات لها أثرها في وضع حجر الاساس في البناء المهم ألا وهو الاسرة.

اختيار الزوجة لا يفترض ان يكون على اساس عشوائي، لأن الهدف الاول منه والاخير هو اقتناص المشهد الجمالي. الجمال حسن في نفسه، الله جميل ويحب الجمال كما في الحديث الشريف [بحار الانوار، ج 62، ص 125] لكن ليس هو منتهى المطاف بل هو واحدة من المفردات التي من حق الانسان ان يبحث عنها، ان يفتش عنها، ان يستعين بالآخرين للوصول اليها، لكنها ليست هي القضية الاولى والاخيرة بل هي جزء من القضية.

في الحديث عنهم عليك بذات الدين تربت يداك [راجع: السرائر لابن ادريس، ج 2، ص 559] قد يتزوج المرء المرأة لجمالها ويحرم ذلك الجمال قد يكون لعارض سماوي او لعارض ارضي والحياة بيننا خير دليل والشواهد كثيرة، أمن كانوا هم على درجة عالية من الجمال لعارض، لحادث، لأمر ما، تحولت تلك الصورة الرائعة في الجمال الى حالة من مستوجبات التنفير للطرف الآخر او الذي تزوجها من أجل مالها ايضا في الاحاديث الشريفة حرم مالها [تهذيب الاحكام، ج 7، ص 399].

فكثير من الاحيان يصادف ان هناك احد يتزوج؛ لأن المرأة صاحبة راتب تؤمن له حياة افضل، هذا ليس بالضرورة ان يتحقق خصوصا في عالمنا اليوم وفي مجتمعنا اليوم وفي واقعنا اليوم، هناك كثير من الامور تشكل سببا وسببا مفاجئاً، بمعنى غير مترقب بحيث الزوج يحرم هذه الثروة.

إذن؛ عليك بذات الدين تربت يداك، الدين صمام امان اذا تمسك الانسان بالعروة الوثقى اذا تمسك الانسان بالقرآن الكريم وهو الحبل المتين وهو الرابط بين العبد وربه الرابطة الاصيلة اذا تمسك بمعطيات مدرسة اهل البيت استنار بنورهم، اهتدى بهديهم، سار على منهاجهم حينئذ يستطيع ان يصل في نهاية المطاف الى الهدف. هذا عندما يستجمع العناصر يؤسس الاسرة يبرز المجتمع رجال هم يمثلون تلك الطبقة التي فصل بيننا وبينها الزمن.

وتبقى النتيجة ايضا الامثل في الامثل المشروع الطبيعي هو ان نقرأ في الانسان المسلم مجسمة صغيرة تتحرك على الارض لتلك الطبقة الأولى التي تمرست على يد النبي محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم).

المؤمن قيده متين محكم، في الحديث الشريف الايمان قيد الفتك، [راجع: المجازات النبوية للشريف الرضي، ص356] فالزوجة اذا قرأت في زوجها الانسان المؤمن، أمنته، لا تناله الشتائم ولا تمتد اليه الايدي ولا تركله الارجل ولا يكون دار على الدار الشارع اقرب لها من غرفة نومها، اذا كان مؤمناً.

لأن الايمان يحجزه، الايمان قيد الفتك رب العمل للعامل بين يديه ايضا العامل حتى ينتج لابد وان يتحرك في مساحة من الايمان من الهدوء من السكينة من الاستقرار من الذي يأمّنها؟ رب العمل اذا كان يتعامل مع العامل على اساس من هذا البُعد، البُعد الايماني الذي اكتسبه وليد قراءة، وليد متابعة، وليد سماع. ولكن لا على اطلاقه وانما على بساط الصفاء والاصطفاء والتصفية كذلك ايضا رب العمل بمعنى رجل المال الكثير، والذي يعبر عنهم اليوم برجال الاعمال.

هؤلاء اذا كان الايمان قيدهم عليك ان تجني الثمار من وراءهم. المجتمع يرشد، الفقير يغادر مساحة الفقر، لكن اذا كان عنصر الايمان متخلّف في وجدانه لا يسوس حركته ولا يوجّه امواله للمسار الطبيعي، فستصبح كارثة.

العلم لابد ان يلازمه العمل والاخلاق

ثم كما قلت الامثل فالامثل رجل الدين، رجل الدين يمكن ان يصبح مجتهداً لكنها ليست هي نهاية المطاف. انا ابن الحوزة واقول لكم ليس الاجتهاد من الامور المتعذّرة ولو كان كذلك لما شقّ رجال الدين طريقهم في سبيل الوصول اليه.

نعم لا ينال ذلك الى ذو حظ عظيم نعود الى الاسباب الطبيعية التي يجب أن تتبع. من يبذل جهدا عقلياً في الحديث القدسي اني جعلت العلم في الغربة والناس يطلبونه في الوطن ولن يجدوه قط. [راجع: العلم والحكمة في الكتاب والسنة للريشهري، ص 252]

لابد ان يتغرب الانسان ولابد ان يتعب، احدهم يقول لأحد الحكماء ولعله بن سينا المعروف بالشيخ الرئيس رحمه الله، صاحب الفلسفة الطويلة العريضة وصاحب مؤلفات كثيرة في الطب والطبيعيات والرياضيات والعلوم العملية والنظرية و... وهو يعتبر معجزة من معاجز رجالات العلم في الاسلام، فحينما سئل (ابن سينا) كيف توصلت الى ما وصلت اليه؟ قال لسببين:

غادرت مساحة الغرور و لذت بكوامن النفس.

إنه شيء مهم، بل مهم جدا. ان يهرب الانسان من الغرور ان لا يسيطر عليه الغرور في اقواله وافعاله وان يرجع الى كوامن النفس.

فأنا عندما اعيش حالة من الغرور، فما معنى ذلك؟ معناه اني لا ارى احد من البشر بشراً، بهذه النتيجة أن يكون حال الانسان لو التفت الى نفسه يرى ما في داخله ماذا يتحرك معه.

أصلاً ما هو مبدأه؟ يقوم الاب عن مقام الرجال من النساء وربما انعقدت نطفة لتشكل جنين جديد. فماذا يفعل؟ الجواب: هو أن يغتسل.

يعيش الانسان ويأخذ نصيبه من الدنيا، خمسين سنة، أو مائة سنة، وماذا يحمل معه بعد ذلك عندما يرحل عن الدنيا، هل يستطيع أحد ما أن يجلس بجانبه يوم أو يومين؟

الزوجة التي تأنس بزوجها تهرب منه هروب المعزة من الذئب، ذلك الرجل الذي مر على رجل من الفقراء البسطاء ولم يبدأه بسلام يعني تنكب طريق السنة المحمدية الاصيلة.

النبي كان يبتدئ السابلة بالسلام وكان يبتدئ النساء بالسلام النبي (ص) اصلا عن بعض اصحابه ما كنا نسبقهُ بالسلام، يقولون إننا لم نتمكن أن نسبق النبي بالسلام اذا نستعد، فهو يباشرنا بالسبق. [راجع بحار الانوار، ج 16، ص 228]

طيب، نرجع الى كوامن نفسه يقول: على ما تصعر بخدك وقد نهاك الله عن ذلك {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [الاسراء: 34]. قول علامة؟ لماذا انت هكذا؟ هل التفت الى نفسك؟ ماذا في داخلك؟ ما هو وضعك الحقيقي؟ هل تعرفه؟

اولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة [في نص نتنة] وفيما بينهما يعني بين النطفة المذرة وبين الجيفة القذرة بعد الموت تحمل العذرة. [راجع: الكافي، ج 2، ص 329]

فالانسان ماذا يقول ابن سينا؟ يقول: انا هربت من شيء ولذت بشيء، من الغرور الى النفس هذا الامر الثاني امر جدا مهم، يقول وصلت ليلي بنهاري حتى احدودب ظهري [بالمناسبة هو مات شبابا] كناية عن المشقة التي بذلها ووهبت العلم نور عيني.

وفي النهاية وفي حالة الاحتضار والموت يسألونه ويقولون له: ماذا علمت يا بن سينا؟ قال علمت شيء وفيه شيء كثير دخلت في هذه الدنيا وانا لا اعلم وسعيت من اجل ان اعلم وها انا ذا اخرج منها وانا اعلم اني لا اعلم.

ابن سينا من القرن الخامس الى اليوم نظرياته تقرأ، الى اليوم هناك علماء يطأطئون رؤوسهم احتراما لنظرياته هذا في الزمن السابق.

سلمان الفارسي سلمان المحمدي صاحب الدرجة العاشرة من الايمان والي من قبل الامام علي عليه السلام، وقبله من قبل الخليفة الثاني في الكوفة في يوم من الايام التقاه رجل وهو يحمل متاعا فقال لسلمان ايها العلج هلا حملت هذا عني، في ذلك الوقت يعبر عن الوالد بالعلج. [راجع: التذكرة الحمدونية، لابن حمدون، ج 1، ص 140]

اليوم إذا احد ما يقول لك كلمة او حرف واحد فأنت لا تتحمله، علما انه هو شريكك في الدين وفي البلد وفي الولاية وغداً تجلسون على سرر متقابلين.

نعود الى الرواية، فقد احنى سلمان ظهره ليحمله واذا برجل مد يده قبل سلمان لحمل المتاع وقال له: دعه عنك يا ولي امير المؤمنين أي الولي من قبله.

بالنتيجة قال سلمان: لا والله لا يحملها الا العلج ولم يقل له الا سلمان، فانحنى الرجل على قدمي سلمان يقبلهما وهو يلتمس في العذر، فقال الا اذا أبيت فأبى ودخل الى المسجد، المسجد عبارة عن دار قضاء المسجد عبارة عن امارة تسيير امور الناس المسجد يبقى هو المسجد.

فخشي ذلك الرجل ان الوالي سوف يستدعيه اذا ما اخذ محله من كرسي الامارة واذا بسلمان متوجه بقدميه للقبلة يصلي ركعتين كي يهدي ثوابهما لذلك الفقير. لم تأت لسلمان تلك الدرجة من الايمان بصلاة الليل فقط، وليس من اثر السجود فقط، وليس بكثرة التسبيح بيده، إنما قرن سلمان العلم بالعمل.

كونوا دعاة لنا بغير السنتكم [راجع: حاشية مجمع الفائدة والبرهان للوحيد البهبهاني، ص 24]

امير المؤمنين علي عليه السلام يقول في وصف النبي (ص): دوار بطبه قد احكم مراهمه واحمى مياسمه [نهج البلاغة، الخطبة 108، ج 1، ص 207]

لماذا يقول هذا الامام علي في صف النبي؛ لانه كتلة ايمان تتحرك على وجه الارض قوله هداية، صمته هداية، فعله هداية.

الامام العسكري عليه السلام ودوره التمهيدي للغيبة

الامام العسكري عليه السلام الذي نعيش ذكرى مولده الشريف ليلة الثلاثاء القادمة انشاء الله ليلة الثامن من هذا الشهر كما هو المذكور في الرواية الصحيحة ذكرى ميلاد الامام العسكري عليه السلام، فقد وقعت في مفرق طرق. إن حياة الامام في مفرق طرق طعن على الطائفة، لماذا؟

لأن لكل امام بطاقة عمل يجب أن يرسمها في الحياة قبل ان ينتقل الى جوار ربه الامام العسكري له بطاقة عمل اساسية اعداد الامة الراشدة المؤمنة المتوالية بمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم). للنقلة الكبرى والتي هي الاستعداد لعالم الغيبة. فيا مؤمن يا موالي وانت تعيش في زمن الغيبة، عليك أن تعلم بأن الامام العسكري عليه السلام كان يقول: افضل عبادة امتي انتظار الفرج. [راجع: علل الشرائع للشيخ الصدوق، ج 1، ص 4] ولكن انتظار الفرج أين يكون ومتى؟ هل يكون بالوقيعة بين المؤمنين بتشتت صفوفهم بزرع الفرقة بالسب والشتائم؟

لا. إنما في المحبة علينا ان نفتح قلوبنا للجميع، علينا ان نتحمل هذا شيء طبيعي معاوية يقول لعلي عليه السلام يا علي وانت انت الذي كنت تقاد كما يقاد الجمل المغشوش لتبايع لفلان، سوف أتي باسمه لاحقاً، يريد معاوية أن يعير الامام علي عليه السلام.

لاحظ الامام علي وادب الامام علي يقول له: أما والله اردت ان تذم فمدحت وان تفضح فافتضحت وما على المؤمن من غضاضة ان يكون مظلوما ما لم يكن مرتابا في دين او شاك في يقين، [راجع نهج البلاغة، ج 3، ص 33، كتاب رقم 28] هذا هو الامام علي هؤلاء ائمتنا هؤلاء قدوتنا، فالطريق الموصل والباب المفضي لعظمة محمد وآل محمد هم العلماء المجتهدون الذين يراعون التقوى والورع ومن أهم مساحات التقوى والورع الفتيا. لأن المرجع عمله ليس كعمل النجار او الحداد او الطبيب مع ان هذه المهن هي مهن شرف وعزة وكرامة، لكن اختصاصه الفتوى.

السيد ابو الحسن الاصفهاني رحمه الله، كان اذا ما اراد ان يكتب استفتاءا بيده ترتعش يده وتسقط الورقة ثم يسترجعها، ثم تسقط الورقة مرة أخرى، ثم يسترجعها في الثالثة يمضيها لماذا؟ حتى يبين حالة التدريس العملي حتى يبين لهم صعوبة الفتوى وخطورة الفتوى وعظمة الفتوى.

عن الباقر عليه السلام، من افتى بغير علم فاليتبوأ مقعده من النار، [راجع: مستدرك الوسائل، للمحدث النوري، ج 17، ص 243] وهذا شيء طبيعي.

نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم ممن يعيش في الذكرى وان يأخذ بايدينا وايديكم الى ما فيه الخير والصلاح وان يجمع شمل المؤمنين في هذا البلد وفي سائر البلاد وان يجعل الكلمة واحدة والصف واحد والموقف واحد والمحبة هي سيدة الموقف.

أيها الاحبة نحن دائماً نحسد على اننا ولدنا على الايمان وعلى اننا ندخل بناءا على الايمان ونسأل من الله سبحانه وتعالى ان لا يزحزحنا قيد أنملة عن الحب والسير على نهج محمد وآل محمد.