نص كلمة بعنوان : الاقتداء والتأسي بأهل البيت  وعاقبة العداوة لهم  (ع)

نص كلمة بعنوان : الاقتداء والتأسي بأهل البيت وعاقبة العداوة لهم (ع)

عدد الزوار: 583

2013-05-06

بضعة المصطفى:

في الحديث الشريف عن النبي الأعظم (ص) أنه قال: «إنَّ فاطمةَ بَضعةٌ منّي، وهي روحي التي بين جنبي»([1]). وفي حديث آخر : «فاطمة مني»([2]).

بارك الله لنا ولكم ذكرى ميلاد السيدة الزهراء (ع) بنت النبي الأعظم محمد (ص) وأعاد الله علينا وعليكم هذه الذكرى، ونحن جميعاً في أحسن حال نطمح أن نصل إليه.

الحديث عن الزهراء (ع) له آفاقه البعيدة، فلا يكاد المرء ينتهي من قراءة مفردة إلا وجاءت المفردة الأخرى تفرض نفسها على القارئ والباحث والمتتبع، فهي ليست كغيرها من النساء، لأننا نقرأ في النص الشريف أنها الحوراء الإنسية([3])فهنالك إذن مزج بين عناصر عالمين: هذا العالم الذي نعيشه بكل تجلياته، وعالم آخر يُعدّ بالنسبة لنا غيباً، وفيه من العناصر والخصائص التي يتشكل منها ما به الامتياز عن الموجود الذي نعرفه، وهو الإنسان. فالحور عالم خاص، والإنسان عالم خاص.

وللزهراء (ع) عوالمها، وأحد تلك العوالم عالم الأنوار، حيث خلق الله سبحانه وتعالى الخمسة (ع) قبل هذا الكون، وجعلهم أنواراً بعرشه محدقين، وكانوا في ذلك العالم حيث ليس ثمة عوالم، فكل ما هنالك إنما هو عالم الأنوار، وهو خفة لا ثقل فيها، ووحدة لا تكثُّر معها، إلى أن أحبَّ اللهُ تعالى أن يُعرف، فخلق الإنسان.

وتمثل الزهراء (ع) أحد أهم الركائز في وجود الإنسان وتشكله وكماله. وهي من تلك الطينة الخاصة بعد عالم النور، وهي التي امتاز بها أهل البيت (ع) وشُرِّف بها من يواليهم.

أوصياء الله قدوة الإنسان:

وثمة حديث عن النبي (ص) يرشدنا من خلاله إلى الطريق الذي ينتهي بنا إلى محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمعصومين من آل محمد (ص)، يقول فيه: «من سَرَّهُ أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي غرسها الله ربي بيده، فليتولَّ علي بن أبي طالب، وليتولَّ وليه، وليعادِ عدوَّه، وليسلِّم للأوصياء من بعده، فإنهم عترتي، من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي...»([4]).

فلا شك أن من يحيا حياة النبوة فهذا يعني أن يصبح بسبب تلك الحياة أسوة حسنة لمن حوله، لأن النبي (ص) هو الأسوة: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيْ رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ([5])، فمن يحيا حياة النبي (ص) لا شك أنه سيكون أنموذجاً خاصاً كاملاً من جميع جوانبه، وإذا ما تحصّل على هذا المقام فلا غرابة أن يكون أسوة يُقتدى بها، يؤخذ من أقواله وتحاكَى أفعالُه وينشدّ الناس لصمته وهديه.

ثم يقول: (ص): «ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي غرسها الله ربي بيده». ومن حقنا أن نسأل: ما هي صفة ذلك الموت الذي يجعل منه النبي (ص) منقبة ومفخرة وغاية لمن أراد أن يكون كالنبي (ص) في سمته وهديه؟

هذه أمور ثلاثة: أن يحيا حياة النبي (ص) ، ويموت مماته، ويسكن جنة عدن، التي غرست بيد القدرة الإلهية. وعلينا أن لا نتصور أن الموعود في جنان الخلد من أنواع الثمرات، وما يطيب للنفس، هو من نفس هذه السنخية المتاحة والمباحة والمشرعة لنا في هذه الحياة الدنيا، وإلا لما أُوجدت الرغبة الجادة أن يصل الإنسان إلى تلك الجنان، لأن بعض الناس يمتلك لوناً من ألوان الجنة في هذه الدنيا، فهناك من يمتلك مساحاتٍ شاسعةً، فيها المزارع وشجر النخيل والعنب والأنهار المتفجرة من كل جانب، والبناء المزخرف، لكن هذا بلاء الإنسان في الدنيا، فما في عالم الآخرة يختلف تماماً عما هو عليه في الدنيا، وما لدينا في الدنيا إنما هو صورة مقرِّبة لذلك العالم، وعلى الإنسان أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، وأن يسعى ليحصل على هذه الصورة المقرِّبة لما في ذلك العالم.

إن مفتاح هذه الأمور الثلاثة، والطريق الموصل إليها، والوسيلة المؤمّنة لها هي مولاة علي بن أبي طالب (ع)، وموالاة وليه، ومعاداة عدوه، بأن يحمل حباً ومشروعاً يوثِّق على أساسه العلاقة مع علي (ع) ومن والاه، وأن يقتدي بأهل بيت النبي (ص).

الأحكام التكليفية:

لقد قدم أهل البيت (ع) الكثير، وقاموا بالكثير، فاستحقوا أن يسلك المرء طريقهم ويأخذ بحجزتهم، ويتمسك بعروتهم، سواء في أقوالهم المدونة تحت عنوان السنة المطهرة، الصادرة عن محمد وآل محمد (ص)، أم أفعالهم، بل حتى صمتهم الذي يُعدُّ تكليفاً. فما من قول ولا فعل ولا صمت عاشه المعصوم إلا وهو يعطي الدلالة على مطلوب، غاية ما في الأمر أن هذه الأمور تتقلب في موازين خمسة:

فقد يكون ثمة طلب شديد وحرص على إنفاذ الأمر، فيكون حينئذٍ إرشاداً إلى أمر واجب.

أو يكون هنالك تعنيف يولِّد صدّاً عن الإقدام على الأمر، فيكون مؤدَّى الطلب الحرمة ولزوم الاجتناب. ومساحات هذا الأمر كثيرة، وقد حرمها الشارع؛ لأنها لا تولد إلا الضرر على الإنسان، فرداً ومجتمعاً وأسرة وأمة.

ثم هنالك طلب ثالث، لكنه برفق، ليس فيه تأكيد كسابقه، فيبقى في حدود المستحبات، وهي من الكثرة بمكان، فالمرء فيها مخير، بين أن يأتي بها ويحصل على الثواب، والترقي في المراتب ليصل إلى المقامات العالية، وقد لا يكون لديه الرغبة والمتسع من الوقت كي يؤدي تلك الأمور، فلا يطارده سوط التعذيب، فليس الأمر مؤكداً عليه، بالدرجة التي تم التأكيد عليها في الأمرين السابقين.

وعلى العكس من الأمر الثالث، هنالك زجر ونهي من قبل المولى، مع ترك مساحة لا تعني الغلظة والشدة في ذلك الطلب، وهذا ما يسمى بالمكروه في التكاليف الشرعية، وبمقدور الإنسان أيضاً أن يمتنع عنه، ليصعد ويرتقي ويمسو بهذه النفس. وعلى فرض أنه ارتكب المكروه فلا ينتظره عقاب، ولكن كان الأجدر به أن لا يرتكبه، لأنه يسبب كدورة للنفس، ويضع الحواجز بينه وبين الآخرين، وأحياناً بينه وبين سعة الرزق.

وما عدا تلك الأمور الأربعة، يبقى المرء مطلق اليد في مساحة كبيرة، يعبر عنها بالمباحات.

فالأمر الأول، وهو الواجب، يشمل الصوم والصلاة والحج والزكاة والخمس وغيرها في مجال العبادات، وصلة الرحم والمودة للمؤمنين وأمثالهما في المعاملات، فهذه أمور لازمة لا بد من تحصيلها. أما المحرمات، فمنها الكذب والنميمة والفتنة والتفريق بين المؤمنين وشقّ صفهم وتفتيت الشمل وتوسيع الهوّة بين الفرد والفرد، والجماعة والجماعة، في الوقت الذي يفترض أن يكون هنالك عمل وسعي جادّ لتوحيد الصف ولم الشمل، لأن الوحدة والاتحاد قوة، وفيها تلبية لنداء السماء والنبي الأعظم (ص) الذي ما انفكّ يؤكد هذه الحيثية.

الاقتداء والتأسي بأهل البيت (ع):

فلا بد إذن من الاقتداء بأهل البيت (ع) من بعد النبي (ص) فهم عترته، من لحمه ودمه وطينته، من فاطمة (ع) وأمير المؤمنين (ع) مروراً بالأئمة (ع) إلى الخلف الباقي منهم (عج)، فكلهم من تلك الطينة النبوية.

وقد شُرفنا نحن أيضاً بشيء من ذلك المقام، وطاب به أصلنا، وزكا فرعنا، وسما وجودنا ففي الحديث الشريف: «شيعتنا منا، خُلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا»([6]). فقد مزجت طينتنا بما تبقّى من طينة أهل البيت (ع) وخلقنا منها. وبطبيعة الحال أن هذه الطينة والمزج الذي داخَلها، يحمل جنبة نورانية هي التي تشدنا لمحمد وآل محمد (ص). وأثر ذلك أن الشيعة رزقوا فهمهم وعلمهم، لأنهم (ع) رزقوا فهم النبي وعلمه. ففي بعض ألفاظ الحديث: «فإنهم خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي‏ وعلمي، فويلٌ للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي»([7]).

إننا نسعد عندما تطرق أسماعنا هذه الكلمات، ولكن علينا أن لا نكتفي بهذا الحد، ولا بد أن نجعل لها موضعاً في داخلنا، وأن نحتضنها ونحافظ عليها، من خلال تزويدها بالمثبِّتات، ألا وهي الطاعة لله ورسوله وأهل البيت (ع) من جانب، وأن نجنبها المسقِطات من جانب آخر، وهي كل فعل لا يرتضيه الله تعالى ولا رسوله ولا أهل بيته، فإذا أشرق نورنا فيهم اقتربنا منهم، وإشراق ذلك النور دائم أبديّ، ما لم يقم الواحد منا بقطع الوصل بينه وبين ذلك الإشراق. فإن النور إذا صدر من محمد وآل محمد (ص) فسوف يبحث عن مساحة في أرواحنا، وعلينا أن نحافظ على صفاء تلك المساحة ونقائها وطهرها ليستقر ذلك النور، ونسقيها بالمحبة والصدق والإخلاص والتقوى والعلم والسعي لخدمة الآخرين، فهذه كلها من العوامل التي تؤمّن لنا صفاء الداخل والسريرة وصفاء الروح.

وبعد هذا كله يقول النبي محمد (ص): «فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي» فقد أنعم الله علينا بمقامات تعرّفناها، فإن نحن تنكّبنا الطريق فهو التكذيب ـ والعياذ بالله ـ أما غيرنا فيكفي أن لا يثبّت تلك المراتب والفضائل لهم، ليدخل في زمرة المكذبين، أما نحن فإن صدر من أحدنا ـ لا قدر الله ـ ما يستوجب ما لا يرتضيه واحد منهم (ع) فهذا هو التنكب لطريقهم، فكلنا يعلم أن رضا المعصوم هو رضا المعصومين جميعاً، وسخط أحدهم سخطهم جميعاً، فعلينا أن نلتفت لذلك.

ثم يقول (ص): «القاطعين فيهم صلتي» فهناك عدة وسائل للاتصال بالنبي (ص) وآله (ع) منها:

إظهار المحبة، ولهذا مصاديق كثيرة في الخارج، مثل كثرة التردد على عتباتهم الطاهرة ومراقدهم الشريفة، فهذا التكرار في التردد يكسب المرء مقام الصلة والاتصال بمحمد وأهل بيته (ص)، أما أولئك الذين لا يرغبون في التردد على مقاماتهم، فهم محرومون من تلك الوسيلة للاتصال بهم.

ومنها أيضاً تلاوة النصوص الصادرة عنهم، وهي على ثلاثة محاور:

1 ـ الدعاء، وهو التبتل والمعراج والوسيلة للارتباط بالله تعالى، فالدعاء على نحوين، دعاء ثبت صدوره عن المعصوم (ع) ففي هذا من الألفاظ والمعاني المتناهية في الدقة والربط، بحيث عندما يقرأه المرء يشعر أنه يتلقى ذلك النص وكأنه في محضر المعصوم الذي صدر منه، وهذه ميزة خاصة، ولو أردنا الدليل، فما علينا إلا أن نرجع للصحيفة السجادية لسيد الساجدين وزين العابدين، الإمام السجاد (ع) فكلنا قرأ وسمع أن تلك الصحيفة تدعى (زبور آل محمد).

2 ـ نصوص الزيارات التي زار بها المعصوم المعصوم، فلتلك النصوص طعمها الخاص، ومذاقها الذي لا يستشعر الأنس به إلا أولئك الذين رُوضت نُفوسهم منذ الصغر عليها.

3 ـ الأحاديث التي تنظم حياة الإنسان مع نفسه، كيف ينبغي أن يكون؟ وكيف يرسم معالم الطريق ليصل للغاية والهدف السامي؟ وكيف يشق طريقه إلى جنات عدن؟ وكيف ينأى بنفسه عن الوقوف طويلاً في المحشر، أو يقترب من دائرة العذاب.

هذه محاور ثلاثة ينبغي أن نراعيها كما يجب، فإن نحن حافظنا عليها توطدت العلاقة وتوثقت الصلة بيننا وبينهم.

عاقبة العداوة لأهل البيت (ع):

ولو أن المرء قطع الصلة بهم وأنكر فضائلهم، وتمرد على أوامرهم، فسوف تكون النتيجة ما ذكرها النبي (ص) بقوله: لا أنالهم الله شفاعتي. فالكثير من الناس إنما يدخلون الجنة يوم القيامة بشفاعة محمد (ص) فالأفعال الحسنة التي نؤديها في الدنيا تحسِّن مواقعنا في الآخرة، أما الشفاعة فلا بد منها، وتدخُّل المعصوم لا بد منه. تصوروا أن هذا النبي العظيم الرحيم، الذي مُنح الشفاعة الكبرى، والذي يطمع في شفاعته حتى إبليس، الذي جلس للناس بمرصد منذ اليوم الأول، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، سوف يحرم البعض شفاعته، فمن قطع صلته بمحمد وآل محمد (ص) لن تدركه الشفاعة أبداً، وإن طمع بتلك الشفاعة مثل إبليس.

من هنا لا بد أن ندرك الوضع السيئ والشقاء الذي يعيشه الإنسان المنابذ والمعادي لمحمد وآل محمد (ص) والسعادة الكبرى هي أن يركب المرء في السفينة التي تمخر به عباب البحر وتسيطر على أمواجه لتوصله للضفة التالية. فنحن في عالم هو أشبه بالبحر الهائج، تحاصرنا فيه الكثير من الشهوات والرغبات والميول، وكأننا سوف نخلد، وليس كذلك، إنما هو طريق وممر، وليس لأحد في هذه الدنيا الخلد.

فالنبي نوح (ع) مكث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، قضاها في الدعوة والنصح والإرشاد، وقد عاش ألفاً وخمسمئة سنة، وقيل ألفي سنة، فلما أراد ملك الموت أن يقبض روحه، وكان أمام حجرة صغيرة، قال له: أنا ملك الموت، يا نبي الله، يا أطول الأنبياء عمراً، كيف وجدت الدنيا؟ فقال: يا ملك الموت، وجدتها كدارٍ لها بابان، دخلت من الأول وخرجت من الثاني.

فنحن بقدر ما نعيش في هذه الدنيا، وما نستهلك من السنوات فإن النهاية محسومة، ففي دعاء الصباح: وقهر عباده بالموت والفناء.

فليس بيد الإنسان أن يخرج من هذه الدنيا، إنما يخرج رغم أنفه، ويغادر كل ما جمع وبنى وشيّد، لا يصحب معه في عالم القبر والبرزخ من المال درهماً، ولا من الذرية ولداً، ولا من الجاه منزلةً، إنما يخرج بكيس واحد، ليس فيه نقود، ولا شيكات مصدقة، ولا مديح وثناء من أحد ولا تكريم، إنما فيه العمل، وللعمل لونان: أبيض، وهو العمل الصالح، وأسود، وهو الطالح. يؤتى بذلك كله يوم القيامة وتوضع في الميزان، ففي الأيمن الصالح، وفي الآخر الطالح، ثم يُنظر أي الكفتين أرجح، فإن رجحت الأولى ﴿فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ. وَجَنَّةُ نَعِيْم([8])، وخلد دائم، وحور عين، وأفضل من هذا كله النظر إلى وجه محمد وآل محمد (ص). أما إذا رجحت الكفة الأخرى، وهي كفة العمل السيئ عندئذٍ يقال: ﴿خُذُوْهُ فَغُلُّوْهُ. ثُمَّ الجَحِيْمَ صَلُّوْهُ([9])، فلا يؤخذ باختياره إلى النار، إنما يؤخذ قهراً، ويُدَعُّ فيها دعّاً.

فعندما نعبر هذه اللجة إلى الضفة الأخرى، ونحن نحمل أعمالنا معنا، فسوف يتلقفنا الرسول الأعظم (ص) ويتلقانا علي (ع) ويحدونا الحسن والحسين (ع) ثم تنتظرنا الزهراء (ع) على منبر من نور وهي تنادي: أي ربِّ، شيعتي شيعتي، وتسأل عنا وتبحث وتفتش. ففي الحديث الشريف عن الإمام الباقر أنه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: «والله يا جابر، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء»([10]).

فهي تفتش عنا في ذلك الزحام في المحشر، وتلتقطنا الواحد بعد الآخر. وسوف تشفع لنا وتأخذ بأيدينا إلى جنة الخلد إن شاء الله تعالى، ولكن علينا أن نقدم المعونة لها، بأن نخرج من هذه الدنيا ونحن على بساط المحبة والمودة فيما بيننا، فلا نعيش ما يعكر صفونا وما بيننا من حب وصفاء ومودة ورغبة جادة في أن نصل إلى وضع أحسن مما نحن فيه. صحيح أن طرائق الناس تختلف الواحدة عن الأخرى، ولكن علينا أن نجتمع على بساط واحد، وإن اختلفت أمزجتنا وتباينت أفكارنا، لأن من نعم الله علينا أننا خلقنا من وعاء واحد، ألا وهو فاضل تلك الطينة، فما دام هذا منطلقنا ومصدرنا وأصلنا، فعلينا أن لا نفرط في واحدة من المفردات المترتبة عليه.

نسأل الله تعالى أن يشفع فينا جميعاً صاحبة المناسبة، التي اجتمعنا بفضلها، وأن يجعلنا وإياكم من المحافظين على مودتها ومحبتها والذوبان فيها، وأن يفتح أمامنا سبل الوصول إليها دائماً، وأن لا نقصر في خدمتها في جميع المقامات التي يستحضر فيها ذكرها.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، وسدد الله خطاكم، وأخذ بأيديكم، وجمع الكلمة فيما بينكم، والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.