نص كلمة بعنوان:الاستقامة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
الاستقامة ودورها المحوري في الحياة
من صفات الكمال نكتنفها صفتان خطيرتان من صفات الرذيلة إذا خرجت الاستقامة عن حد الاعتدال الى طرف الافراط او التفريط، صفات الكمال دائما وأبداً تكون محفوفةً بهاتين الحافتين ولذلك تكون المفاهيم الاسلامية في منتهى الدقة وتعاطيها ينبغي أن يكون في أعلى درجات الحيطة والحذر، النبي الأعظم (ص) كثيرا ما كان يردد: «شيبتني سورة هود...»[2] لأنها طلبت الاستقامة من النبي (ص) وهي من باب ابلاغ الرسالة وايصال القضية لمعاشر المسلمين او من يدخل في هذا الدين حتى يرث الله الارض ومن عليها، للعلم المسبق ان الطرق والمناهج والسبل كثيرة تتواصل فيما بينها احيانا تتقاطع في احايين كثيرة، تدخلت السماء بالاستمساك في الطريقة الوسطى وهي ما تشتمل عليه من مبدأ الاستقامة اذا استقام الانسان في قوله، استقام الانسان في فعله لابد وان ينعكس على المحيط من حوله في دائرة سرعان ما تتسع على نفسها ولو استقام الفرد في بيته استقامت الزوجة بعده، واذا استقامت الزوجة استقام اهل البيت واذا استقام اهل البيت تأثر بهما من يعيش من حولهم ويلتصق بهم فالدائرة تتسع شيئاً فشيئاً والعكس من ذلك صحيح، عندما لا يحافظ الانسان على هذا المبدأ وعلى هذه القيمة الايمانية العالية الجودة ألا وهي الاستقامة معنى ذلك الدخول في احد الحافتين التي نوهنا عليهما، الاستقامة يعني الاعتدال، يعني الوسطية، عكس ذلك اما ان يكون الذهاب بالاستقامة الى ابعد مما يراد منها مفهوما، فاذا دخل الانسان في هذه الدائرة مع مرور الايام سوف ينسى انه في طريق الاستقامة وبات يرسم لنفسه معالم خط جديد هو عبارة عن الاستقامة ظاهرا وما هو فوق ذلك الشيء، يعني يذهب معه الى الحد الابعد، العكس في الاتجاه الثاني صحيح وهو التفريط أي ان الانسان عاش مقدار من الاستقامة في أوائل ايام حياته ولكن لسبب وآخر بات لا يتعاطى هذا المفهوم وهذا المبدأ القيم، معنى ذلك انه سوف يأخذ بعِدلِه يعني بالاتجاه المعاكس، أي اصبح مفرطا، كانه نسى ان هنالك شيء اسمه الاستقامة، وان الاستقامة لم يعد لها محلٌ من الاعراب في قاموس سيره الفكري، اذا وصل الانسان الى هذه الحالة معنى ذلك انه انسان غير مستقيم في كلا الحالتين المذمومية تلحق بذلك الانسان، هذه تولد عنها مرض هذا المرض سرعان ما ينتشر في جميع اوصال المجتمع الواحد ونحن عندما نسقط هذه الكلمات من خلال القراءة مع مبدأ الاستقامة على الحال الموجود نجد ان له المساحة الكبيرة التي يمكن ان ينبسط عليها وان ينطبع على افرادها او تشكلاته، يعني تتسع من مساحة الافراد الى مساحة التكتلات المعنونة بعدة عناوين والتي كل ما لم ينزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان الذي انزل الله سبحانه وتعالى السلطان معه هو القيمومة للدين والحاكمية للدين المرتبط بالسماء الواصل بطريق العصمة هذا هو الذي له القيمة وله الاثر، واما ما عداه فما هي الا اسماء سميتموها انتم وآباءكم؛ تارة تحت عنوان الحزبية والفئوية والقبلية والعشائرية والمرجعية و...، نماذج كلها اسماء نحن نصطنعها وربما ندفع من أجلها الشيء الكثير حال انها في وادٍ ونحن في وادٍ آخر الذين نتفانى من اجلهم و نضحي بالغالي والنفيس من اجلهم، هم عبارة عن اولئك الذين نصبهم الله سبحانه وتعالى أدلاء اليه وهم محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، فهم الصراط المستقيم، يعني لا يمكن ان نتصور صراط مستقيما وهو لا يكون منسجما مع مبادئ المدرسة التي اسستها السماء للنبي (ص) بعنوان الدين الاسلامي وفيما قام ببيانه اهل البيت عليهم السلام والكوكبة النيرة بدءاً بالإمام علي عليه السلام ومرور بالأنوار القدسية من تلك الذوات الخاصة.
بعض الروافد المؤمنة للاستقامة
فبالنتيجة الاستقامة امر مهم، اذا استقمنا في قولنا قومّنا السنتنا ولا يكون ذلك الا وليد روافد نؤمّنها له من قبيل الالتصاق بمعطيات القرآن الكريم، الالتصاق بمعطيات احاديث وروايات مدرسة اهل البيت عليهم السلام الصحيحة، من خلال الانسجام مع مدرسة الدعاء الذي اصّل لها اهل البيت عليهم السلام، من خلال الارتباط بالزيارات سواءً كانت عن بعد كما نحن الآن، او عن قرب فيما لو شرف الانسان بالوصول الى واحدة من تلك العتبات الطاهرة بالتالي تكرار الدعاء، تكرار الزيارة، التقلب باحاديث اهل البيت عليهم السلام، الانس بآيات القرآن الكريم هي كلها عبارة عن روافد تؤمّن للانسان الاستقامة.
الصحبة وأثرها على الانسان
الصحبة لها اثر ايضا في هذا الجانب، نحن نرى عندما يكون الإنسان في بيئة طيبة وبيت حاضن للأخلاق ثم يخرج الولد الى مساحة خارج هذا الشيء يعني خارج من دائرة الاستقامة الى دائرة غريبة لا يعلم ما يترتب عليها من الآثار، فحينما يأتي ذلك الولد الى البيت بمفردة غريبة عن النسيج الذي ألفه في ذلك البيت ماذا سيقولون له؟ يقولون له من اين أتيت بهذه المفردة؟ اعتبروها خارج حدود النسيج، ان ما بنوه من نسيج على اساس من تلك الروافد الطيبة اصبح دخيل عليه يعني هنالك رافد لا ينسجم بالضرورة مع ما هو المكون الذي بني عليه في داخل الاسرة فتكون المفردة غريبة وغير مألوفة وغير مأنوسة وهذا يحصل في كل المجتمعات، حتى في مجتمعك ربما كلمات لم تسمع بها ولكن تذهب الى مجتمع آخر أو يأتي شخص من مجتمع آخر تجد ان تلك المفردة ليست غريبة على ذلك الشخص في حين هي نشاز بالنسبة لك، لأنك لم تألفها، اما هي في مجتمعات اخرى قد تكون اصلا من الامور السهلة والجارية على اللسان، بل اكثر من ذلك يعني انا سمعت احيانا بعض المفردات تصدر من الآباء في اتجاه ابنائهم في بعض المجتمعات بالنسبة لهم طبيعية لكن بالنسبة لنا غريبة جدا.
عاصمية الاستقامة
بالنتيجة الاستقامة اذا نحن امسكنا بها كحبل فهي مما شك فيه ستكون عاصمة لنا في جميع تصرفاتنا، اما اذا خرجنا عن حدودها ودخلنا في بعض التجاذبات التي على حساب حالة التوازن الوليدة من حالة الاستقامة لا كلام ان النتائج سوف تصبح وخيمة، تنشأ مشكلة بين الزوج والزوجة والعياذ بالله أو بين الابناء والآباء اذا خرجت الامور عن حد الاستقامة ودخلت في حد التفريط ستكون الحياة في البيت جحيم، أو حتى عندما تكون الاستقامة غير موجودة عند الولي على الحسينية أو على المسجد أو على الموقع الفلاني أو... ايضا ستكون الحياة جحيم، لانه الغى من حساباته ما للاستقامة من قيمة ومعنى، الاستقامة تعني الالتزام، الالتزام في المبادئ، الالتزام بالقيم، تطبيق لها، ايجاد حالة الرسالية كحركة في جميع تصرفاته القولية والفعلية، اذا لم تحصل هذه الامور حينها ستكون النتيجة وخيمة.
واقعنا الاجتماعي والتعاطي مع الأمر العاطفي والعقلي
المرأة نصيبها كبير لكن مع شديد الاسف الى اليوم المرأة لا اعتقد انها أخذت نصيبها كما ينبغي من مواكبة الحركة الايمانية والحركة الرسالية ذات المبادئ والقيم الاصيلة، لا التي يمازجها الشيء الكثير من الدخيل الذي لا اساس له مع شديد الاسف، اليوم وبعد عقود من الزمن حدثت نقلة نوعية والذين عاشوا في تلك الفترة رأوا تلك الامور اين كانت وكيف أصبحت، لكن رغم ذلك لا زالت المساحة الكبرى من واقعنا الاجتماعي مشغولة بالبعد العاطفي وليس البعد العقلي، بل اكثر من ذلك اذا اعترض امر عاطفي مع امر عقلي حينها ستقوم الدنيا ولم تقعد حتى الانسان العاقل ينسى انه انسان عاقل ويندفع للدفاع عن الأمر العاطفي الذي لا ينسجم اولا وبالذات مع معطى العقل ومع مرتكز العقل السبب ما هو؟ السبب هو عدم الالتفات الى مبدأ الاستقامة يعني بعدما يتجاوز مرحلة مفهومية التكاملية في تطبيقه وترسيخه في داخل نفسه ايضا هو لم يلتفت الى هذه الحيثية، نسال من الله سبحانه وتعالى ونحن على مقربة من شهادة الامام الجواد (ع) ان نستفيد من معين هذا الامام العظيم.
حصر أهل البيت عليهم السلام في الجانب المأساوي ونسيان الجوانب الاخرى
صحيح ان الامام الجواد (ع) لم يحظى بالعيش في هذه الدنيا كثيرا، يعني الامة حرمت منه بسبب التصفية التي جرت لحياته ودس السم له (ع)، لكن الامام اثرى الساحة وترك وراءه زادا في منتهى العمق والتركيز، نحن مع شديد الاسف نتعامل مع ائمتنا فقط في حدود الامام علي (ع) وما جرى عليه، اما ما جرى له على يديه نحن بعيدين عنه، هذه طامة كبرى، نحن مع الزهراء وما جرى عليها من مصائب فقط، في حين ان الزهراء سلام الله عليها ليست التي يمكن ان تختصر فيما جرى بالباب و...، الزهراء سلام الله عليها اكبر من مساحة الارض والسماء، لا يمكن ان نختصرها فقط في هذا لجانب، كذلك الامام الحسن (ع) ليس هو الانسان الذي دخل في الصلح وانسحب من الحياة بل بالعكس من ذلك تماما، الامام الحسن (ع) اوجد مساحة الصلح وانطلق منها للتبشير بالمفاهيم والمبادئ والقيم الاصيلة التي أغلقت الأبواب امامها بسبب الدولة الاموية، كانت له حركة جبارة في علم التفسير والاخلاق والفقه لكن هذه الأمور نحن لا نهتم بها كثير ونركز فقط على ذكر بعض الحوادث مثل تحريك كبده بيده بعدما دس اليه السم و... وأنا باعتقادي ان هذا التصرف هو لا ينسجم مع شخصية الامام (ع) لان أئمتنا اكبر من هذا الشيء نحن لا ننكر انهم ظلموا ولعن الله من تسبب في ظلمهم كائناً من كان ومن تبعه على ذلك ومن رضي به ومن اقر بالفعل، لكن اهل البيت عليهم السلام شيء اخر.
الاستفادة من كلام وسيرة الائمة عليهم السلام وتطبيقها
نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن يستفيد من الامام الجواد (ع) في ذكرى شهادته، لانه باب مراد وليس فقط هو هذا، بل هم ري القلوب، شفاء لا داء بعده، لكن مع شديد الاسف تمر علينا مناسبة للإمام الجواد (ع) وتأتينا مناسبة الامام الباقر وانتهت مناسبة الامام الرضا (ع) لكن ما الذي قمنا به؟ لو نعمل استقراء خصوصا للشباب ونسأل: كم سطر قرأت في حيات الامام الرضا (ع) هل أعددت نفسك كي تقرأ شيئا عن حياة الامام الجواد (ع)، الامام الجواد (ع) أصل لمدرسة الاحتجاج هذه المدرسة العظيمة، الامام الجواد (ع) عاصر الزنادقة وهؤلاء كانوا في اوج حركتهم فكان الامام الجواد (ع) يعالج الامور وكان بلسم للجراح، يرجع الضال الى الجادة، الى المأوى الحقيقي، ما كان ينفر، ما كان يطرد من رحمة الله، كبعض الموجودين وكان مفاتيح الجنة والنار بأيديهم يوزعونها بحسب ما يريدون! بل كان الزنديق يدخل على الامام الجواد (ع) والامام الجواد يسوي له البساط حتى يقعد أمامه! وكان الامام (ع) يأخذ ويعطي معه، الامام الجواد كان يدخل الى ديوان الخليفة وكان القضاة من انصار الدولة الاسلامية يقرون بحجته بالدليل والبرهان، هذا هو دليل العصمة والامامة الحقة، هؤلاء ائمتنا، البركة التي تكون في المواكب والحسينيات حسنة ومطلوبة لكن الأهم ان نستفيد من كلام الامام الجواد (ع) والأهم من ذلك ان نطبق ما سمعناه... وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.