نص كلمة بعنوان: الإمام العسكري عليه السلام ودوره في التمهيد لغيبة الإمام المنتظر
الظرف الزمني للإمام العسكري (عليه السلام)
إن الفترة التي عاشها الامام العسكري (عليه السلام) والتي تعتبر من أشد الفترات على أهل بيت النبوة وأكثرها صعوبة وحرجاً.
والسبب في ذلك يعود الى ترقب الدولة العباسية لمولد الخلف الباقي من أهل بيت النبوة والذي كانت الدولة العباسية تخشى ميلادهم وما يترتب على ذلك الميلاد من آثار، أقرب المتضررين هم أركان تلك الدولة، لذلك شددوا الخناق وضيقوا على اتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في صفة عامة، كما أن في حال أهل البيت (عليهم السلام) كان الامر أشد ضيقا وتضييقا وحرجاً. الامام الهادي (عليه السلام) مهّد لدور ما بعد الحسن العسكري عندما عمد الى إخفاء ابنه الامام العسكري (عليه السلام) عن أنظار شيعته بين الفينة والاخرى ليتعود اتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) على ظروف الغيبة التي كان لابد منها لأنها تعد من الامور الحتمية التي رعتها السماء.
فهو قدر كان لابد من تحققه. ويعني فيما يعني الامتحان ان تدخل الامة في مخاض امتحان صعب وحرج، لذلك لم يبق للائمة والهادي (عليهم السلام) في تلك المرحلة عن صعوبة القادم، وان أسلوباً من التحصين لابد وان ينتهج في سبيل أن تسير القافلة نحو الهدف المرسوم لها. إن الامام العسكري (عليه السلام) خضع لهذه الممارسة من قبل الامام الهادي (عليه السلام) في التمهيد للغيبة الصغرى للخلف الباقي ثم الغيبة الكبرى التي تكون بعد مرحلتين من التهيئة والتوطئة للغيبة الكبرى الثالثة.
الامام الحسن العسكري (عليه السلام) والقرآن الكريم
الامام العسكري خضع لهذه الحالة عبر هذه المرحلة، إلا أن ما ترشح عنه في أبواب العلوم، كان فيض لا حدّ له، فيه مدٌ لا جزر فيه، وخصوصاً في جانب التفسير، الذي شكل الحاجة الماسة وسط الاسلام وقتئذ، لسببين:
السبب الاول: النقص الواضح والبين من الروايات التي تؤمن عطاءاً في هذا الجانب، الجهة الثانية ما ترتب على فتنة خلق القرآن من اشكاليات بحيث نأى جمع بنفسهم وولج آخرون ولم يسلم الاول ولم يتخلص الثاني، في النتيجة عاش الامام الحسن (عليه السلام) في تلك الاجواء والمجتمع لم يزل في تكوينه مزيج واضح. فالعرب بعرقهم وخصائصهم، والفرس ايضاً بعرقهم وخصائصهم، والروم المتمثل في المد التركي الذي بات يتحكم في مفاصل الدولة العباسية، والذي أجهز على المتوكل، ثم بات يجهز على الواحد بعد الآخر.
أيضاً هؤلاء لهم ما لهم، ثم أيضاً المد الشمالي الذي جاء من جهة المغرب وتوابعها، كل هذا المزيج كان له بناء وتكوين وتشكل تمازجت فيما بينها. الامام باعتباره امام لطائفة، تشكل بالنسبة الثانية بين مجموع الطوائف، حتى في ذلك العصر كان من المتحتم ان ينهض بدور، نهوضه على سبيل المثال بمسألة القرآن، والدفاع عن القرآن وبيان أسباب النزول، بالاضافة الى كشف حقائق بعض الآيات.
في تفسير الامام العسكري (عليه السلام) يمكن الانسان ان يهتدي الى مجموعة من المفردات المقفلة التي لولا الامام، لبقيت على ما هي عليه، لكن الامام الحسن العسكري (عليه السلام)، إستطاع أن يربي جيلا يعي ما يكون الامام. وعندما أقول يعي ما يقول الامام، فهذه المسألة لا ترتبط بتلك المرحلة ثم تنتهي، وإنما يفترض أن تكون الاذن الواعية والجماعة المتفهمة، حاضرة في جميع الساحات وحاضرة في جميع الازمنة.
لماذا؟ لأن مسألة نقل المعلومة وبيان المفردة، إنما يشترك فيها طرفان، الطرف الاول: الملقي، أما الطرف الثاني فهو المتلقي. فإذا اقمنا حاجزا بين الملقي والتلقي ترتب عليه اثر سلبي تام، لذلك على الملقي ان يقترب من المتلقي كما ان على المتلقي ان يكون حاضرا حضورا تاما لان يكون على مسافة قريبة من الملقي، وما الذي يترتب على هذا الشيء يترتب عليه الامر الاول، شعور الملقي في الرقابة من قبل المتلقي وفي هذا فائدة كبيرة للملقي والمتلقي.
الامر الثاني الذي يترتب على هذه الحالة من الاقتراب بين الملقي وبين المتلقي، دفع المتلقي للملقي في ان يثبت الاقوال التي يصلح بها هنا ويلقيها هناك. هذه أيضاً مهمة ومهمة كبيرة جداً.
الامر الثالث كشف الاوراق عند المتلقي بين يدي الملقي ليتعامل على اساس من الارض المكشوفة والمساحة المعروفة. أما اذا كان الملقي لا يعرف مفردات المجتمع بين يديه، مما لا شك فيه ان الموازنة بين ما يقال وبين ما يسمع، بين ما يقال وبين ما يراد أن يقال، تكون مسافة شاسعة وضرائبها أيضاً بالنتيجة كبيرة.
دور الرقابة المتبادل بين الاثنين شيء مهم يتعاون عليه الطرفان. مثال بسيط لو ان شخص جاء الى بلد ما وأريد منه ان يقرأ عشرة أو يقرأ عشرة في محرم عندما نوجد حالة من الفصل يعني فيما يعني ان الملقي يتحرك بناءا على إملاءات خاصة وقراءات هو رتب اوراقها مسبقاً.
أما اذا كان هنالك مسافة قريبة يلتقي عندها الطرفان يعني فيما يعني ان الخطوط العامة ولا اقل اقول من العناوين العامة تكون موكلة للناس هم يقومون باعدادها وهم يرشدون الى عناصر بحثها بحيث تتماشى وحاجة المجتمع الذي هو فيه، لذلك تلاحظون ان الائمة (عليهم السلام) تعددت ادوارهم بناء على حاجة المتلقي.
إن هدف الامام علي عليه السلام، هو هدف الامام الهادي وهدف الامام الباقر هو هدف الامام الكاظم، لكن الوسيلة تختلف عند هذا الامام عنها عند ذلك الامام، وما كان يمكن ان يقوله الامام علي (عليه السلام) ربما كان متعذرا على الامام الجواد ان يقوله. لكنه بعد مرحلة غير متعذر على الامام الذي جاء بعدهم وهكذا الامور تمشي دواليك.
من هنا، الدرس الذي ننتزعه هو ضرورة لابد منه، وهو ان يعيش المتلقي حالة من الرقابة الصارمة على ما يقال، لماذا؟ لأن المرحلة لا تساعد على اقل من ذلك، فاليوم ما عدنا كما كنا بالامس، اليوم نتحدث في مدينة كبيرة وفي فضاء مفتوح والكل يلتقط الكلام وما يترتب عليه من الآثار التي ربما تغيب عن الملقي.
ما اريد ان اقوله ربما يغيب على الملقي، المشهد ولا اقل جزء المشهد مسؤولية بيان حدود المشهد بما له من الخصائص هي مسؤولية المتلقي. المتلقي اليوم بحمد الله تعالى بات على درجة عالية من الفهم والادراك والتوجه، أصلاً حساسية الذهن عند المتلقي اليوم ليست كما كانت بالامس، وهذا حتماً وجزماً بل اكثر من ذلك، ندعي تقدم الفرد المؤمن بذهنيته من حيث الحساسية الى الوقوف عند الحروف، ناهيك عن الكلمات. وهذه حالة صحية نحمد الله سبحانه وتعالى عليها ولا يخافها إلا من لديه نقص، ومن لديه نقص يخشى رقابة المجتمع من حوله المتلقي من حوله. أما من يكون كاملا نسبيا أو يسعى من أجل الكمال ويجد أن جزء من علل الكمال عند المتلقي متى ما قدم له نصيحة وارشادا بنّاءاً، حتماً سوف تكتمل قيمة ذلك الانسان الملقي، وقتها يصبح متقبلا لما يقول.
الامام الحسن العسكري والكندي
أيها الإخوة، الامام العسكري (عليه السلام) لاحظ أن الكندي، وهو واحدٌ من فلاسفة العصر المعروفين، الفيلسوف الكندي قامة من قامات الفلسفة، وهو صاحب ذهنية متقدمة، ودخل علم الفلسفة عن الحقيقة ووصل الى مقامات.
في يوم من الايام طرق سمعه بعض الآيات القرآنية من قبيل {لَيسَ كَمِثلِهِ شيءٌ} [الشورى: 11]، نحن مدعومون للتدبر، أما الكندي قال يقول القرآن، {لَيسَ كَمِثلِهِ شيءٌ} وفي آية يقول { يَدُ الله فَوقَ اَيديهِم} [الفتح: 10] علقت الشبهة في ذهنه، بأن تعارض بين ليس كمثله شيء وبين يد الله فوق ايديهم، تنزل يد الله سبحانه وتعالى بمستوى يد البشر فجعل فوق أيدي البشر يعني لم يذهب معها ما وراء معطى اللغة على نحو التبادر الاولي، وهذه أيها الأحبة، كارثة، أحياناً عندما يستمع الانسان الى مفردة ثم لا يحدث فتراً بين ما تقدم وينتهي عنها، يلبسها حالة من الضبابية، يدخل في إشكال هذا من حق الانسان ان يستنصح وان يستوضح وان يستبين ولكن لا ان يترك المساحة، لأن بعد ان يترك المساحة لذلك الدخيل ليتفعل في داخله بحيث يبتعد عن طلب الحقيقة. الكندي ممن خضع لهذه الحالة مع شديد الاسف تمكن منه ذلك الدخيل فجلس مع نفسه وقال: انا قامة علمية عالية انا فيلسوف الاسلام اليوم ولو قرأت هذه الآية أرى بينها وبين مجموعة من الآيات تعارض ظاهري وواضح وبيّن. فأنا لماذا لا اجلس واجمع جميع المتناقضات الموجودة في القرآن. فاعلن تعطيل الدرس طلبته تفرقوا عنه وانطوى على نفسه في بيته يجمع المتفرقات والمجتمعات في هذا الجمع بحسب ادراكه وانتاجه العقلي.
أحد اصحاب الكندي كان يتردد على الامام العسكري (عليه السلام)، فالامام بادره ما حال فلان طبعا نحن عندنا شيء ايها الاحبة أن ائمتنا (عليهم السلام ) علمهم واحد من اثنين: إما؛ قال أبي، قال جدي؛ أو إلهام من الله سبحانه وتعالى.
تلمذة طبيعية على يد أحد، أصلاً ما موجود. إن أحداً مثلاً يقول الامام الرضا تلميذ لفلان من ائمة المذاهب الشقيقة اصلاً ما موجود، ولو كان موجوداً لتفاخروا به وتباهوا به، لكن أساسا ما موجود. وما يكذبهم ان ما يأتون به خارق بالعادة لكثير من المواطن، بالنتيجة صار الامام يسأل منهم، يقول: ما حال الكندي استاذكم الكندي؟ فقال والله هو منصرف لجمع متضاداة القرآن من الالفاظ. مشغول بهذه القضية، وجالس في بيته، وصار المعطل درسه يجمع هذه الآية التي لا تتفق مع تلك الآية، وتلك الآية تتعارض مع هذه الآية، فقال اذهب اليه يعني اذهب الى الكندي وتلطف له ورحب بشؤونه، هذا هو حديث الائمة واسلوب الائمة. ولو كنت فضاً. إن المسألة ايها الاحبة اليوم، هي أن صدورنا قد اتسعت، صدورنا ارتحنا وارحنا اما اذا ضاقت الصدور ضاقت الدنيا علينا اذا ضاقت الدنيا علينا حرقنا انفسنا وحرقنا الآخرين من حولنا. بعدها هذا الامر يكون لصالح من؟
فجاء للامام (عليه السلام)، فقال له تلطف له وقل له انت الآن جالس بهذا الصدد، صدد جمع المتضادات من آيات القرآن الكريم لو سألك الله سبحانه وتعالى وقال لك كيف علمت ان هذا المعنى هو المراد لي؟ فما عساك ان تقول لله سبحانه وتعالى؟ وهي واحدة من اثنين، في هذه الحالة، أما أن الله سبحانه وتعالى قال هذا المعنى هو الذي اريده ، فهذا الفضل لله، لم يقل إن هذا هو أنت الذي تريده؟ يبقى أنك أنت الذي تحمّل الله فهو رأي أنت الذي استنتجته، هل يوجد طريق هل يوجد تلفون بينك وبين الله، كما في لغة اليوم إن جاز التعبير، هل يوجد خط مستقيم بينك وبين الله كواسطة ملك مثلاً؟
باختصار إن الله يريد هذا المعنى، أي أن القرآن حمّال ذو وجوه. ردوه الى اهله فاذا عُمِّي عليكم فردوه الى اهله. بالنتيجة هذا الكندي نائم وجلس ذاهل وانتبه. ماذا ابحث وماذا انتهي بالنتيجة أنا الذي اختار هذا الرأي، وصرت أعارض مع الرأي الآخر. فليس معلوم إن الله يريد هذا. وأن يأتي بمعنى ثان، أيضاً هذا ليس بمعلوم إن الله يريده، أو يأتي بمعنى ثالث أيضاً غير معلوم إن الله يريده.
أخذ الامام ما كتبه الكندي وأوجَرَ فيه النار، ثم التفت الى ذلك التلميذ وقال له: أنى لك هذا؟ قال هو من عندي. فلم يصدقه بطبيعة الحال الامام عليه السلام وقال له مرة ثانية: اصدقني القول أنّى لك هذا؟ من أين جئت به؟ قال له هو من منبع الحكمة هو من الحسن بن علي بن محمد بن علي.
هذه حالة من الرقابة أنظر كيف هذه حالة من تسخير الواسطة الواعية أنظر كيف تكون النتيجة، فيرجع الرجل عن مشروع لو كتب أو قدر له ان يكون ان يكون ذو أهمية لتلك المرحلة لعصف بالمجتمع.
مظلومية الامام الحسن العسكري
الليلة القادمة ذكرى شهادة الامام العسكري (عليه السلام)، وأنا أؤكد خصوصاً على الشباب وأقول: إن هذا الامام مظلوم وكل ائمتنا مظلومين أصلاً، بل إن كل شيعتنا مظلومين في كل زمان وفي كل مكان. لكن في أحسن أحوالهم مظلومين لكن هذا الامام يعني أنظروا، لا أحد يتفرغ لذكر ذكرياته وسيرته، ولما تدخل للمكتبات لا ترى أحد يبحث عن حياة الامام حتى ترتاح وتستقر، وهذا إجحاف، وعندما يسوق القدر لزيارة قبر الامام مع والده (عليهما السلام)، لا تجد في ذلك الموضع لا حارس ولا معين، مجرد حضرة مكشوفة لان الامور صارت الى صاحب القبر المهدوم. هذا يثبت مدى الظلام الواقع لآل البيت، عليهم السلام.
رزقنا الله وإياكم شرف الوصول الى اعتابهم الطاهرة انشاء الله ويشفعهم فينا وفيكم ويرحم موتانا وموتاكم ويشافي مرضانا ومرضاكم ويفرج عن كل مؤمن من شيعة امير المؤمنين ونسأل من الله سبحانه وتعالى ان يكتب لنا ولكم من الخير والتوفيق والسداد.