نص كلمة بعنوان:الإمام الرضا (ع) و ولاية العهد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعداءهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
مطهرون نقيات ثيابهم *** تجري الصلاة أينما ذكروا
بارك الله لنا ولكم ذكرى ميلاد ثامن الحجج من آل محمد الامام الرضا (ع)
الامام الرضا (ع) والمرحلة التي عاشها
في المدينة المنورة وُلد الإمام الرضا وفي خراسان كانت وفاته، بين الميلاد والوفاة حياتٌ مليئة بالمواقف والدروس والعطاء في شتى ألوانه وتفرعاته، الإمام الرضا (ع) من حيث البيت هو من أشرف البيوت وأعلاها حيث بيت الحبيب المصطفى محمد (ص)، هذا البيت الذي لا يجارى به بيتٌ مهما تعددت أبعاده كماً وكيفاً، لأنه البيت الوحيد الذي اكتنفته عناية السماء منذ بدء التكوين وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، الإمام الثامن الضامن (ع) يمثل في دور الإمامة نقلةً نوعية حيث بات الصراع الداخلي على أشده بين أتباع المدرسة الواحدة والمذهب الواحد جراء ما أحدثته الواقفية من شرخ عميق في جسد الوحدة المذهبية، الخلافة العباسية في عهد امامة الإمام الرضا (ع) أيضاً كادت ان تدخل في نفق مظلم وان تنزع صفحتها من التاريخ، لكنها عالجت الأمر من خلال اقصر الطرق وأكثرها قدرةً على الخلاص والنجاة حيث عمد المأمون العباسي لعقد ولاية العهد للإمام الرضا (ع) بعد مشاورات طويلةً وعريضة، هذه المشاورات انتهت على ان تختار الشخصية الأكثر نفوذاً وتأثيراً على العلويين لاستقطابهم، ومن خلال ذلك يتأمن جزءٌ ليس بالقليل من الجبهة الداخلية، فعلاً الأمر كان كذلك والإمام الرضا (ع) كان يعلم بما انطوت عليه خفايا نفسية الخليفة العباسي (المأمون) لكن الوضع كان كما قال جده الإمام علي (ع) وهو يصف الحال الذي انتهى إليه «... وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا ...»[2]
تتويج الامام الرضا (ع) لولاية العهد
الإمام الرضا (ع) قبل ولاية العهد لأنه بات أمام أمر واقع؛ بين خليفة لتوه أنهى أوراقه مع أخيه الأمين، ومن أنزل بأخيه النازلة من باب أولى ان ينزلها بالمتقدم من خصومه كما هو في حساباته الخاصة، عُقدت الولاية للإمام (ع) بعد ان قال له المأمون: وان لم تقبل فبيننا وبينك هذا ثم رفع السيف بوجه الإمام الرضا (ع)، عُقدت الولاية، والمأمون ولكي يبرز جانب القبول أعلن الاحتفال العام بمناسبة تتويج الإمام الرضا (ع) لولاية العهد، طبعا بعدما كانت هنالك شروط طويلة عريضة، كما هو الحال بالنسبة للهدنة التي وقعت بين الإمام الحسن (ع) وخليفة الشام معاوية، بعث المأمون وراء الشعراء ليدبجوا قصائدهم في مدح الإمام الرضا (ع)، فانهالوا الشعراء على هذا الاحتفال من كل حدب وصوب لسببين: السبب الأول أنها فرصة كي يبرز الإنسان مشاعره الداخلية في اتجاه إمامه المفترض الطاعة عليه المحاصر بالأمس والمبسوط اليد اليوم، السبب الثاني ان هناك جماعة أخرى سال لعابها للعطايا التي وعد بها المأمون العباسي لمن يدبّج شعراً، فجاء الشُعراء من أقصى البلاد، وبسط المأمون البساط وقيل طرح بين يدي الإمام الرضا (ع) قطعة من السجاد خيطت بخيوط الذهب وزُيّنت بأفخر الأحجار الكريمة ثم وضعت الجوائز للشعراء وصار يدخل الواحد تلوى الآخر يمدحون الإمام ثم يخرجون، وكان من بين الأسماء المتقدمة ذات الشأن والحظوة والتي يضرب لها ألف حساب الحسن ابن هاني «أبو نؤاس» (رضوان الله تعالى عليه) هذا الشاعر المحارب لا لشيء إلا لأنه يحمل الولاء في معتقده وكان يكافح وينافح حتى كتبت الدراسات تصف هذا الرجل بأنه من أهل المجون للنيل من شخصيته، وهذا الأسلوب أي اسلوب التسقيط اليوم ايضا موجود، حتى بين الناس العاديين هذا الشيء موجود فترى شخص يختلف مع شخص آخر فيكيل عليه أنواع التهم والتسقيط وأبذء الكلمات لا لشيء إلا انه لم يتفق معه.
الحسن بن هاني «أبو نؤاس»؛ الموالي الفطن
أبو نؤاس لم يحضر الاحتفال في الوقت المحدد، وأحيانا أحبائي يكون للحضور موقف وأحيانا يكون لعدم الحضور والغياب موقف، بل أحيانا يكون الغياب أكثر تعبيرا وقدرة على ايصال الرسالة من الحضور في المجالس العامة وفي المحافل، غياب الرجل وحضوره إنما يقوّم من خلال ما لذلك الرجل من قيمة واثر في حضوره وغيابه وهذا ابو نؤاس هو شاعر الاسلام الاول في وقته، فدخل ابو نؤاس آخر الناس، حيث كانت كل الهدايا قد وزّعت، المأمون استلمه مذ وضع قدمه الأولى على البساط وقال له يا ابن هاني (ابو نؤاس) جئتنا آخر الناس لتُبخلنا بين الناس، يقول له المأمون انت جئت متأخرا والان عندما تقول شعرا لا يوجد عندنا شيء نقدمه لك وعندها سيقول الناس بان المأمون بخيل لم يعطى لأبي نؤاس شاعر الدولة الاول.. وهذه مصيبة وكارثة، فأبي نؤاس لابد ان يستحضر شيء ينتزع فتيل غلواء ما كان مكنوناً في نفس الخليفة، وهنا تأتي الصنعة والقدرة والمزج بين الولاء والقدرة على التخلص، فصار ينسج على لسانه لكن انظروا الى الروعة والتعريض إلى الذي قال له أتيت آخر الناس، والمأمون جالس امام ابو نؤاس ويكلمه، لكن انظروا الى ابي نؤاس كيف يستهل قصيدته:
قيل لي أنت أوحد طرا *** في فنون من الكلام النبيه
هو لم يقل «قال لي» بل قال: «قيل لي...» في حين ان المأمون كان قريب منه لكن لماذا بناه للمجهول؟ لعظمة الشعر، عظمة الامة العربية، عندما كانت تفقه ماذا يعني الشعر، اما اليوم ... فقال له: «قيل لي» أي المفروض ان لا تكلمني أنت دع غيرك يتكلم ويقصد الامام (ع)
قيل لي أنت أوحد طرا *** في فنون من الكلام النبيه
لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أهتدي لمدح امام *** كان جبرئيل خادما لأبيه[3]
هناك نصان نص يقول: قال المأمون ادفعوا له ما في الخزانة، ونص قال لهم انظروا ما دفعتموه للشعراء ادفعوا لابي نؤاس مثله، وخرج الامام الرضا (ع) وامر له بالجبة وبمجموعة من النقود التي طبعت عليها اسم الامام الرضا (ع)، لكن في اليوم الثاني كان الإمام الرضا (ع) قد خرج يتمشى في قصر الخليفة، فخرج له ابو نؤاس بعد ان دفع النقود لحرسة القصر وتسلل الى الامام (ع) فدخل على الامام وقال له سيدي حضرتني أبيات انا بالأمس ما استطعت ان اتكلم بسبب الوضع لكن اليوم حضرتني ابيات اريد ان اقرأها بين يديك، فقرأ:
مطهرون نقيات ثيابهم *** تجري الصلاة أينما ذكروا الى آخر الابيات...
وفقنا الله واياكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.