نص كلمة بعنوان: الإمام الحسن (ع) مدرسة الأجيال الراشدة

نص كلمة بعنوان: الإمام الحسن (ع) مدرسة الأجيال الراشدة

عدد الزوار: 26988

2016-07-13

ليلة الأربعاء 1437/9/16 في حسينية الزهراء بالبطالية

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

بلغ العلى بكماله * * * كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله ** * صلوا عليه وآله

من هنا يا سادة الحفل البهيج نرفع الأصوات للسبط صلاة

كي نعيد الورد في روعته سادتي هيا أقيموها الصلاة

نحن من بيت له مكرمةٌ كتبت في اللوح ازكاها صلاة

من اراد الفوز في آخرة يثقل الميزان ترديد الصلاة

فلنصلي ما بدت شمس الضحى تشرق الدنيا اذا نتلوا الصلاة

ان بدا بدر الدجى مؤتلقا في سماء الانس فالأصل الصلاة

حسنٌ أنواره فوق الذي قلت قبل اليوم فلنهدي الصلاة

حسنٌ من أحمد من حيدر فيه سرّ الله في جمع الصلاة

أمه الزهراء مصداق التقى بسمة الإشراق عنوان الصلاة

وأخوه السبط مجدٌ دائمٌ في طفوف الدم قد أدى الصلاة

هكذا نحن وانتم سادتي فارفعوها غاديات رائحات

لن نعيش الدين في أفراحنا إلا بالآل ورفع الصلوات

بارك الله لنا ولكم ميلاد السبط الأول الإمام الحسن (ع) وأعاد الله علينا وعليكم المناسبة ونحن وانتم وعموم المسلمين في أحسن حال.

استجلاء الدروس والعبر من الامام الحسن (ع)

وقفةٌ مع الإمام الحسن (ع) نستجلي من خلالها الدروس والعبر نضيء طريق مسيرتنا في اتجاه الهدف، أهل بيت النبوة رسموا لنا معالم طريق ونصبوا عليه بوصلة لا تحيد يميناً ولا شمالا ذلك لمن أراد ان يصل إلى الهدف من خلالهم وأما من أراد خلاف ذلك فله ما أراد، الإمام الحسن (ع) ابن محمد وعلي وفاطمة (عليهم السلام) ومن كان هذا جده وهذا أبوه وهذه أمه فما عسى ان يكون إلا ان يكون الحسن (ع) أو الحسين (ع) وهكذا كانت الأمور، الحسن (ع) حسنٌ في اسمه وحسنٌ في تكوينه وحسنٌ في جوهره وحسنٌ في مظهره وحسنٌ في عطائه القولي والفعلي وما علينا أيها الأحبة إلا ان نقترب من مدرسته وننهل من معينه حتى نصل إلى الهدف بكل يُسر وسهولة فهو المعين وهو المرشد وهو الذي رسم الطريق السهل الذي لا يعكّره معكّر، الإمام الحسن (ع) أعطى دروسا فما أحرانا ان نتمثلها وكم هو من الجدير بنا ان نتمسك بها كثيراً خصوصاً في هذا الزمن المتقلب الأحوال المتغير بأهله بين عشية وضحاها، عصمتنا في الوجود هي مدرستهم ومنارنا في الوجود هو اشعاعهم

شرف الاضافة لأهل البيت عليهم السلام

وافخر مما نفتخر به أننا نضاف إليهم فيقال لنا شيعة آل محمد (ص)، نعم نحن شيعتهم وكفانا فخراً بهم نفتخر ونرفع رؤوسنا لأن اشرف من شرّف الوجود هو محمد وآل محمد (ص)، هم الذين بنص القرآن اذهب الرجس عنهم: ﴿اِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ اَهلَ البَيتِ و يُطَهِّرَكُم تَطهيرا﴾[2]، فالطهارة بالمطلق لم تكن إلا لهم وهي منحة السماء، اكرومة السماء، هبة السماء ألبسهم إياها والمضاف أيها الأحبة يكتسب شرفه من خلال ما يضاف إليه فيضاف الإنسان إلى اشرف الأبوين إذا لم يكن من ملة واحدة ويضيف الإنسان نفسه للمكان فيقول فلانٌ جار الله لأنه جاور في مكة، أو جار الرسول لأنه جاور في المدينة وينعت نفسه تارةً بالغروي لأنه عاش إلى جانب الامام علي (ع) أو بالحائري لأنه تشرف في التقلّب عند عتبة الحسين بن علي (ع)، ونحن أيها الأحبة إضافتنا لهم فنحن منهم من خلال حديث «الطينة» الذي يقول: «إن شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا...»[3] من خلال الإضافة يقال عنا شيعة محمد وآل محمد ويقال شيعة علي و هو وسام شرف، به نشرف وبه نرتقي لكن أيها الأحبة كم هذا التشريف مُكلف باهظ الثمن مكلف على صعيد التضحية فما ادعى طريقهم احدٌ إلا ودفع ضريبته وكلٌ بحسبه، ومكلّف حيث انهم طلبوا منا[4] ان نكون لهم زيناً في كل أقوالنا وفي كل أفعالنا حتى تصدق الإضافة علينا ولا يمكن لأحد ان يفكك بين المضاف نحن والمضاف إليهم أو إليه وهم محمدٌ وآل محمد (ص)، من هنا نقترب منك يا صاحب المناسبة لننهل من دروسك، مواعظك، حديثك واشراقك علنا نتلمس أبعاد الطريق ونقف على حدود الهدف ونلج فيه ونتنقل في جنباته.

من روائع أقوال الامام الحسن (ع)

يقول الإمام الحسن (ع) في واحدة من روائعه يوصي بها احد أصحابه: «... إذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة [عانك]، وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شد صولك، وإن مددت يدك بفضل [مدها]، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلت بك أحد الملمات أسألك، من لا يأتيك منه البوائق ولا يختلف عليك منه الطوالق ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منفسا آثرك».[5]

إذا أردت عزا بلا عشيرة، وكم هم أولئك الذين ليست لهم عشيرة يضافون إليها تشغل حيزاً كبيرا وواقعا ومساحةً كبيرة ولكنهم لن يضلوا طريقاً ما داموا على ما أضيفوا إليه، كثيرٌ من الناس يقول أنا ابن العائلة الفلانية، أنا ابن العشيرة الفلانية... نعم من حقي ومن حقك ان نفخر بآبائنا وأمهاتنا وأسرنا، لأنها فطرت على الولاء وعاشت الحب والانتماء ولأنها قرت للنبي (ص) برسالته وبعلي (ع) بولايته، لكن علينا أيضا أيها الأحبة ان نترك لهم المجال في ان يأخذوا بأيدينا إلى ما هو الأسمى بمنطوق كلام إمامنا الحسن (ع) الذي يقول: إذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله، لا عزة فوق عزة طاعة الله سبحانه وتعالى ولا ذل أدنى من ذل التمرد على أحكام الله، فالعز والشرف والكرامة والارتفاع أنما يحصل بقدر ما يرفعنا الله سبحانه وتعالى من خلال ما نقوم به من أقوال طيبة أو نؤديه من أفعال لا تغادر مساحة الطيب، لأننا لا نصانع بها إلا وجهه وحيث الأمر كذلك هو يرتقي بنا من خلال أفعالنا فلا يستوي أيها الأحبة المؤمنون الحسنيون من يقوم بالواجب ومن يتمرد عليه، وبين من ينأى بنفسه عن المحرّم ومن يرتكبه، شتان بين الفريقين، وإذا ادعى شرف الإضافة فأهل البيت (عليهم السلام) طيبون ولا يقبلون إلا من الطيبين طيب أعمالهم فلنسارع أيها الأحبة للاستجابة لندائه (ع)، ثم يتقدم بنا الامام (ع) قليلا ويقول:

وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك

لا يستغني أحد منا عن الناس الذين من حوله، فهو يحتاج مددهم، عونهم، الوقوف إلى جانبه ربما أنا استغني عنك اليوم ولكن ما هو الدليل على استغنائي عنك في الأيام القادمة إذا كنا نتحرك في دائرة واحدة وهي دائرتهم عليهم الصلاة والسلام فعلينا ان نمد أيدينا كل واحد منا للآخر لنتعاون ولنتكاتف كي نسموا بأرواحنا ويسموا المجتمع من حولنا، يقول (ع): وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، عندما يقال ان فلانٌ يسير مع فلان، يرفع الأب رأسه بك، لأنك تسير مع الطيبين، مع الفاعلين للخير، مع المنتجين، مع الذائبين مع حب محمد وآل محمد (ص)، هذه صفة من ينبغي ان نسير معه وان نصطفيه أخاً خليلاً وصديقا في الحياة، وإذا خدمته صانك، لا يجعل منك سلعة بسيطةً يصادر بها أو يتصدر بها في كل مجلس: أنا أعطيت، أنا بذلت، أنا فعلت، أنا قمت، أنا قعدت ... كل هذا لا قيمة له ما لم يكن في عين الله سبحانه وتعالى، ما لم يختم ذلك ببصمة الإخلاص لنتلقاه يوم القيامة في ميزان أعمالنا

وإذا أردت منه معونة عانك، وإن قلت صدق قولك

اذا اردت منه معونة يقدمها لك فورا ولا يتمحل الطرق هنا وهناك كي يتخلص منك، بل يمد لك يد المساعدة اذا ما كان قادرا عليها

وإن صلت شد صولك، وإن مددت يدك بفضل [مدها]

نحن أيضا في مسيس حاجة ان نقدم العون بعضنا للبعض الاخر فصولتنا في الحيات في أكثر من ميدان وميدان تتطلب منا ان نقف وقفة الرجل الواحد وان تعددنا في مشاربنا وأذواقنا وأفكارنا واتجاهاتنا وانتماءاتنا لأننا أيها الأحبة لا نتجه إلا لقبلة واحدة ولا نؤمن إلا برسالة هي الخاتمة ولا نتمثل طريقا إلا ما كان مجسّداً وصادراً عن علي وآل علي وان مددت يدك بفضل مدها إذا أردت ان تقوم بمشروع خيري أو تنهض بمشروع فيه فائدة للمجتمع وصلاح ومنفعة وفيه تثبيت وترسيخ هذا الرجل يشد على عضدك يأخذ معك حيث كان الحق ويمد يده لك لا ان يقطع الطريق عليك! وإنما بقدر إمكانه وبقدر ما تحت يده يجعلك ممكنا منه ويشد صولتك.

وإن بدت منك ثلمة سدها

من منا يدعي العصمة لنفسه أيها الأحبة؟ من منا لا يرتكب الخطيئة من طلوع الشمس إلى غروبها؟ إن لم يخطأ مع الناس ربما أخطا مع نفسه، وان تجاوز ذلك ربما يخطأ مع أهله في داخل بيته، وربما تكون الخطيئة بقدر الدنيا وهذه لا تحصل إلا على من هم يسعون في الأرض فسادا ونحن لسنا في هذه الدائرة بحمد الله تعالى لكن ربما تصدر منا الخطيئة فما علينا أيها الأحبة أيها السادة أيها الأفاضل إلا ان نسعى جاهدين في إصلاح ذلك، لا ان نسعى للإشاعة بين الناس ونهتف فلان فعل كذا، فلان قال كذا يريد بك السوء، وفلان يريد بك كذا وكذا، فلانٌ رايته في السوق صدر منه الفعل الفلاني، هل أنت الرب له؟ هل أنت المحاسب له؟ عندما تودع في قبرك سيأتي الملك المحاسب بملفّه ليعرض عليك تلك القضية! وقتها أين المنصرف وإلى أين الاتجاه وما هي الوسيلة التي يتخذها الإنسان لنفسه كي يهرب من ذلك الواقع.

وإن رأى منك حسنة عدها

مع شديد الأسف بمعادلة بسيطة أيها الأحبة عندما يقوم الخيرون في الخيرات نطمس معالمها، نقتل القضية ونئدها في مهدها، ولكن عندما يحصل القبيح لا قدر الله ربما صدر في هذا المكان فما ان تبرح وتصل إلى المكان الثاني إلا والقضية قد وصلت قبل وصولك! وهذه كارثة من الكوارث هذه واحدة من المصائب وهي تشكل طامةً عظمى أيها الأحبة لنستفيد من شهر رمضان لنستفيد من المناسبة لنتجاوز هذه الحالة من البؤس.

وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك

اذا ما جاءك في يوم من الأيام وقرأت في وجهه وعيونه حالة من عدم الارتياح ربما لم يفصح عنها هو، لكن عليك ان تقترب منه وان تطرق أبواب نفسه لتقتحمه لتسأل منه ربما احتاج معونة، ربما كان في تلك اللحظة في مسيس الحاجة لكي تأخذ بيده.

وإن نزلت بك أحد الملمات أسألك

ربما نزلت بك إحدى الملمات مثل فقد عزيز، أو حادث مروري، أو فشل في الدراسة لا قدر الله، أو إخفاق في العمل، أو خسران في صفقة تجارية هنا او هناك أو... تجده يقف الى جانبك، يخفف من آلامك ومن روعتك ومن فزعك، لا تأتيك منه البوائق، لا يعيش معك عيشةً منظرة في وجهك ومقص من خلفك ما ان تغادر من عنده إلا واخذ فيك تشريحا عرضا وطولا هذا ليس بالأخ ولا بالصديق فضلا ان يكون خليلا.

... وإن تنازعتما منفسا آثرك

يقدم مصلحتك على مصلحته، يقدم الشيء لك ولا ينفرد به لنفسه .. نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يبصرنا، من الجميل ان نجتمع وان توزّع فيما بيننا الحلوى ونشرب ما نشرب لأن فيها بركة، لأنه يضاف لهم فنقول بركة الإمام الحسن (ع) نتبرك بها ونشعر بأثرها في حياتنا وزكاة أنفسنا وطيب أبنائنا ولكن القافلة لا تقف عند هذا الحد وإنما هي ابعد من ذلك ان نعيش الامام الحسن (ع) في جوهره، في مكنونة وهذه الشذرة التي قرأتها واحدة من الدروس علينا ان نستفيد منها، خصوصا انتم أيها الشباب، يا شباب اليوم ورجال المستقبل، يا من فيكم وعليكم الكثير الكثير الكثير يؤمل ويعلق، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يأخذ بأيديكم، ان يوفقكم، ان يجمعنا وإياكم على حب محمد وآل محمد انه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.