نص كلمة بعنوان الإمام الحسن (ع) عطاءٌ و دروس

نص كلمة بعنوان الإمام الحسن (ع) عطاءٌ و دروس

عدد الزوار: 1116

2016-11-12

ليلة الثلاثاء 1438/2/7 في مسجد العباس بالمطيرفي

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

الامام الحسن (ع) سليل النبوة والامامة

غفر الله لنا ولكم، عظم الله أجورنا وأجوركم في ذكرى شهادة الإمام الحسن بن علي سبط رسول الله محمد (ص) الأول.

الحديث عن الإمام الحسن بن علي (ع) حديثٌ فيه شيءُ الكثير مما ينبغي ان يتوقف الإنسان عنده، ليتخذ منه مصباحاً يستضيء به في ظلمات هذه الفترة الزمنية الحالكة الظلمة، الإمام الحسن بن علي (ع) قاسمٌ مشترك حيث تلاقى فيه نور النبوة عن طريق فاطمة بنت النبي محمد (ص)، ونور الإمامة حيث هو الإمام وابن الإمام علي (ع)، بين النبوة والإمامة فيوضاتٌ عامة الناس فيها ليسوا على حد سواء، حيث ان تلك الفيوضات التي ما زالت وستستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها متاحةً لكل إنسان على وجه الأرض سواء ارتبط انتماءً وولاءً أو لم يرتبط، لان مدرستهم جاءت من اجل الإنسانية من اجل الإنسان، كي يسعد في هذه الدنيا ويحظى بالسعادة الكبرى في القيامة ان شاء الله.

قبسة من نور الامام الحسن (ع)

الحديث عن الإمام الحسن (ع) طويلٌ عريض، يسهُل على الإنسان ان يدخل فيه ويتلمس معالمه، لكن من الصعب جداً ان يقف على نهايته، فالإمام الحسن بن علي (ع) مدرسةٌ تحكي السماء وتجسد القرآن على وجه الأرض فما نطق إلا والقرآن على شفتيه ولا تحرك إلا والقرآن كان مبعث حركته، الإمام الحسن (ع) في واحدة من روائعه يقول: «ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتخذوه إماما يدلكم على هداكم وإن أحق الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه وأبعدهم منه من لم يعمل به وإن كان يقرؤه»[2]

ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن، القرآن الذي بين الدفّتين، القرآن الذي هبط به الأمين على قلب الأمين محمد (ص) وتكفلت السماء بحفظه، الإمام الحسن يشدنا إلى هذا المنبع الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه ﴿اِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ واِنّا لَهُ لَحـٰفِظون﴾.[3]

فاتخذوه إماما، القرآن عندما يقود مسيرة الإنسان يأخذ به إلى السمو، إلى الكمال، إلى الفضيلة، إلى الرفعة، إلى الاقتراب من مقام المعصوم، ما بقي من هذه الدنيا بقيّةٌ غير هذا القرآن فاتخذه إماما، اجعله أمامك يقودك في مسيرتك.

وإن أحق الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه، أيها الأحبة الإمام الحسن (ع) يأخذ بأيدينا كي يضعنا على الطريق فيقول (ع): أحق الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه، كثيرٌ هم أولئك الذين يتسابقون للقرآن حفظاً ولكنهم لا يتفاعلون معه، ولا ينفعلون به وإنما بينهم وبينه حاجزٌ كبير، يقول (ع) وإن أحق الناس بالقرآن من عمل به، عمل به في جميع نواحي حياته؛ قوّم سلوكه وأخلاقه وهذّب نفسه وطهر قلبه، وان مجرد الاستظهار للقرآن لا يحدث هذه الخصائص وإنما حركة آياته في وجداني ووجدانك هي التي تحقق لنا هذه المكاسب أيها الأحبة، أما مسألة الحفظ فهي سهلةٌ يسيرة لمن توجّه إليها وأراد تحصيلها، بل في الروايات عنهم عليهم الصلاة والسلام ان الله سبحانه وتعالى يعين العبد على حفظ كتابه، أيضاً الإمام الحسن (ع) يأخذ بأيدينا ليصيب بنا طريق النجاة عندما نبتعد عن القسيم ألا وهو ذلك الذي يقول فيه:

وأبعدهم منه من لم يعمل به وإن كان يقرؤه، فالملاك الأساس ليس الحفظ وإنما العمل والتفاعل والتجسيد الواقعي في الخارج، قد تجد الإنسان قرآنياً في سلوكه، في قوله، في تعامله، يحثّ على الفضيلة، لأن القرآن يحثّ عليها، يحثّ على المحبة، لأن القرآن يحثّ عليها، يحثّ على السلم والسلام، لأن القرآن ينتدبنا إليهما، وتجد هذا الإنسان يعيش الرحمة والرحمانية في بيته ومع أبناء مجتمعه، لا يحدث تعقيدا وتعكيرا وانعكاسا في أي زاوية من زواياه وأي ناحيةً من نواحيه، وإنما إذا وجد ثلمة سدها، أو خلةً دفعها هذا هو منطق القرآن يدعو للتي هي أحسن، سواءٌ كان ذلك في القول وهو كثير، أو في الفعل، أيها الأحبة! تصوروا لو أننا استبدلنا كلمة السلم بالحرب والمحبة بالعداوة وعلى هذه فقس ما سواها من المفردات فما عسى ان تكون الحياة؟! وهل تكون إلا الجحيم والنار الموقدة التي تحرق كل طرف من أطرافنا، يقول الامام الحسن (ع) ونحن نعيش ذكرى ليلة شهادته مظلوما مسموما: وأبعدهم منه من لم يعمل به وإن كان يقرؤه، قد ترى شخصا يقرء القرآن كثيرا واذا سالته كم ختمت القرآن في هذا الشهر الفضيل، قد يقول عشرة مرات، لكن لا يعمل بآية من آياته، ما هي الفائدة؟ هل من أجل الثواب؟ فنحن نستطيع ان نلتمس الثواب من ألف طريق وطريق، حيث منّ الله علينا بالكثير من الطرق والأبواب المفتحة على رحمته وجوده وكرمه وعطائه اللامتناهي في جانب الحسنات والفيوضات المطلقة، لكن ما انزل الله سبحانه وتعالى القرآن إلا ليمثل دستورا في حياتنا، وأولى الناس بالقرآن من خوطب به، ثم الأمثل فالأمثل وأحسب أننا في فترة زمنية تحتم علينا الرجوع إلى القرآن، نحن لا نقلل من شأن القراءة والحفظ ولكن ننتدب لما هو الأهم، لأنه المترتب والغاية عليهما فهما طريق والنتيجة السعادة ولا سعادة إلا بعمل، لذلك جاء في الحديث النبوي الشريف: «كم من قارئ القرآن والقرآن يلعنه»[4] تمرّ عليه آيات تؤنب المكذبين وإذا به أكذب الناس، وتحذر الضالين وإذا به من اضلهم، وتتوعد الفاسقين وإذا به في أول الصفوف منهم وعلى هذه فقس ما سواها، نحن عندما نقرأ القرآن إنما نقرأه دستوراً، له علينا الولاية والإمامة يأخذ بأيدينا إلى حيث أراد لنا رب الأرباب والى حيث توخاه لنا سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وجسده عملا واقعيا في مساحة الخارج الامام عليٌ وآل علي عليهم السلام.

اخذ الدروس والعبر من الامام المجتبى (ع)

أيها الأحبة ذكرى شهادة الإمام الحسن تستوقفنا وتستثيرنا نقف عندها لنعيش المأساة التي عاشها مع قومه، قومه الذين لم يفهموا حقيقته، حقيقة الإمامة التي تعني الكمال في كل جوانبها، لذلك نابذوه وناجزوه حتى طعن في فخذه في الساباط وحتى وقف عليه احدهم وقال له «يا مذل المؤمنين»! الإمام الحسن (ع) قدوتنا، نبراسنا، هدينا، الإمام الحسن (ع) الشمس المضيئة التي نتوجه إليها عندما تكون لدينا الرغبة الجادة وهي دائما كذلك بأن نقبس من نورها لنهتدي بذلك في هذه الظلمات التي تكتنف أكثر المساحات مع شديد الأسف، إذا كان قيل هذا للإمام حسن بن علي (ع) فمن الطبيعي والطبيعي جدا ان يقال لأبنائه وللمعتقدين لولايته ومن السائرين على نهجه، لنا في أئمتنا القدوة والأسوة والسلوة في نفس الوقت، طريق ذات الشوكة لم يكن يوماً من الأيام معبداً ومفروشاً بالورود وإنما تعترضه العقبات الكؤود، الاشواك على جانبيه والسعدان مبسوطةٌ به الأرض فما على الإنسان الرسالي المؤمن الملتزم المتحمل لأعباء المسؤولية إلا ان يكون جادا وان يكون مخلصا وان يكون مضحيا وان يكون عارفا بما يجري من حوله.

شهادة الامام الحسن (ع)

الإمام الحسن (ع) صالح مع خليفة الشام من اجل ان يحافظ عن السلم الأهلي، من اجل ان يحافظ عن السلم المدني، من اجل ان يعيش المسلم بما هو هو روح الإسلام بعيدا عن المذهبية ، فحافظ على دين جده وهيئ الأرضية كي يقوم الإمام الحسين (ع) بإكمال المسيرة والاستفادة مما قدمه له السبط الأول، في مثل هذه الليلة أيها الأحبة الإمام الحسن (ع) يدلف إلى بيته قبل الغروب يعمد إلى مصلاه وهو صائم تقربا إلى الله تعالى، زوجته التي كانت تحمل في داخلها الشيء الكثير من الحقد والغل والضغينة للإمام الحسن بن علي (ع) ولا غرابة فهي من بيت الاشعث وما أدراك ما هذا البيت ما من أحدا من أهل بيت النبوة في الصف الأول إلا وناله من هذا البيت المشؤوم ما ناله ومنهم الإمام الحسن (ع) قدمت له طعام افطاره قيل عبارة عن قدحا من لبن وتميرات يسيرة وقرص من الشعير تناول شيئا ثم شرب شيئا من اللبن وإذا به يتحول في جوف الإمام الحسن بن علي (ع) كأنه المواسي والسكاكين تقطع كبده وقضى الإمام الحسن (ع) نحبه.

نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتبنا وإياكم ممن يتعرف على الإمام الحسن (ع) في سيرته وعطائه وهديه، وان يكون متمثلا لذلك ومتمسكا بولايته عسى ان ننال الشفاعة على يديه، رزقنا الله وإياكم في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته انه ولي ذلك، لأرواح المؤمنين عامة والفقيد السعيد الذي ارتحل الى جوار ربه خلال هذه الأيام رحمة الله تعالى عليه الذي ما كانت الابتسامة تغادر محياه وهذه علامة وسمة لطيفة ومطلوبة، اذ كم من الجميل ان نتمتع بها نحن جميعا، ونكون دائما في حالة ابتسامة وان نستقبل أخواننا المؤمنين بالبشر وطلاقة الوجه وان كانت هذه الليلة هي ليلة شهادة لكن في سائر أيامنا علينا ان نبتسم لزوجاتنا لأبنائنا لأهلينا ولأصدقائنا بل وحتى مع من يحملون شيئا من الملاحظة أو التوقف أو أكثر من ذلك علينا، ان نسرق ما في قلوبهم من خلال ابتسامة نرسلها وفقنا الله وإياكم لكل خير، الفاتحة مع الصلوات.