نص كلمة بعنوان:الإمام الحسن حياة جهاد هادفه
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
بارك الله لكنّ شهر رمضان الكريم، وأتمه الله عليكن وتقبل الله أعمالكم فيه وبلغكم العيد السعيد، وبارك الله لكم ذكرى ميلاد الإمام الحسن ابن علي ابن فاطمة السبط الأول (ع) وأعاد الله عليكنّ المناسبة، ورزقنا الله وإياكم زيارته في الدنيا والشفاعة على يديه في الآخرة.
الامام الحسن (ع)، ونسبه الشريف
الإمام الحسن (ع) يقدم نفسه لنا أي يعرّف نفسه ويقول (ع): «انا ابن البشير النذير، أنا ابن المصطفى بالرسالة ...، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».[2] الإمام الحسن (ع) ومن خلال هذا المقطع من خطبته يقدم لنا مجموعةً من المفردات يدلل على عظم شأنه ورفعة مقامه وعلو مرتبته كيف لا يكون كذلك وجدّه هو الحبيب المصطفى محمد (ص) وهو سيد البشر وأشرف بني آدم، أبوه عليٌ (ع) وهو الداعي إلى الله وهو السيف الغالب وهو بحر العلم الخضم، أمه فاطمة سلام الله عليها، فاطمة أم أبيها، فاطمة موضع السر الأعظم، فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، أخوه السبط الثاني الإمام الحسين (ع) الذي سطر أبعاد اشرف ملحمة وأخلدها على وجه التاريخ التي لولاها لم يصل إلينا الدين الإسلامي كما هو عليه اليوم ولما تنسمنا عطر الولاية لمحمد وآل محمد (ص)؛ فالإمام الحسين (ع) بالتضحية الكبرى حفظ الإسلام في كل أبعاده، أخت الإمام الحسن هي زينب سلام الله عليها، العالمة غير المعلمة، صاحبة العصمة الصغرى، ربيبة علي وفاطمة وكفاها فخرا وعزا وكمالا.
الإمام الحسن (ع) مدرسة الجود والكرم
أما هو فهو الإمام الحسن (ع) الذي يمثل مدرسة الجود والكرم فلا يجاريها فيها أحدٌ الكرم والجود الذي يقع بين مرحلتين فلا شح في العطاء ولا إسراف وتبذير وإنما هو وضع الشيء في موضعه، فعندما يمد يده لتكريم احد فإنما يكون ذلك بحسب نفسه وإذا كان الأمر كذلك فهو كريم أهل البيت وماذا نبحث بعد ذلك عن صفة هي أكمل من هذه الصفة، أهل البيت (عليهم السلام) كلهم كرماء لا يبخلون على من وفد إليهم ونحن كلنا أصحاب حاجات، وإذا ما طلبناها من الله سبحانه وتعالى أجيبت، وإذا ما جعلنا أئمتنا واسطة فيما بيننا وبين الله كانت الإجابة أسرع، الجود صفةٌ كريمة شريفةٌ جليلة، الكرم أيضا كذلك غاية ما في الامر الجود مرتبة أعلى من الكرم، لكن هذه الصفة تنازعها صفات سوء اذا تخلصنا منها وانفردت صفة الكمال بحيثيتها حينئذ نقول ان الانسان يتصف بهذه القيمة دون سواها، صفة السوء الأولى هي البخل، الشح، عدم الانفاق على النفس، ولا على الأهل، ولا على الاقربين، ولا على ابناء الحي، وانما يعيش همه، فلا يمد يده بخير في أي اتجاه كان، الصفة السلبية الأخرى هي أن يكون الانسان قد دخل في دائرة الاسراف والتبذير وهو وضع الشيء وزيادة، وضع الشيء في غير موضعه، ونحن في شهر رمضان ربما نبتلى بهذه الصفة الذميمة ألا وهي صفة الاسراف والتبذير، كيف يمكن للإنسان وبالقدر المعين ان يتقوى على العبادة وان يحافظ على حالة صحية جيدة من خلال منظومة معينة بحيث يوفر على نفسه الجهد ويوفر على نفسه أيضا المال، فإذا وازن بين هاتين حينها لا يمسك يده ولا يرسلها ارسالا وانما يمدها في موضع الحاجة ويتصرف معها على هذا الاساس حينئذ الانسان يتصف بالصفة الأولى اي صفة الكرم، لأنه وظف ماله في موضعه.
الإمام الحسن (ع) مدرسة الصبر والتحمل
الصفة الثانية من صفات صاحب المناسبة (ع)؛ الصبر والتحمل، بعد شهادة الامام علي (ع) آلت أمور خلافة المسلمين للإمام الحسن (ع) والخلافة غير الإمامة، الإمامة منصبٌ رباني لا يحق لاحد ممن شرّف بها ان يتنازل عنها، لأنه رداء السماء، اكرومة السماء، لطف السماء، عناية السماء، أما الخلافة في المتعارف فهو منصبٌ زمانيٌ تواطأ الناس عليه، لذلك تقدم على علي (ع) من تقدم في الخلافة ولكن يبقى الامام عليٌ (ع) هو الامام المفترض الطاعة من قبل الله سبحانه وتعالى وان كان للمسلمين اكثر من خليفة وخليفة، في فترة من الزمن آلت الامور للإمام الحسن (ع) كخليفة للمسلمين لمدة ستة اشهر، الا انه جرّع فيها مرارة السم، مثلاً في رجوعه من النخيلة الى بيته كمن له احد الرجال مستتراً بظلام الليل في احد السوابيط وطعنه بخنجر في فخذه حتى أدماه، الامام الحسن تحملها تجرعها غصةً مُرّة، الخليفة في الشام معاوية كان يهدد الكوفة بالغزو وكان يرغب بمنازلة الإمام الحسن والجيش الذي كان معه، لكن الإمام (ع) كان يمتص تلك الحالة عند الطرف الآخر، لانه لم يكن يرغب في ان تراق ملء محجمة من دم بين المسلمين، لكن معاوية ما انفك يهدد ويرسل الجنود للتحرش بأطراف الدولة الإسلامية حتى انه توعد الإمام الحسن (ع) ومن معه بالهجوم على الكوفة وقتل الإمام الحسن (ع) وصرح بذلك من خلال رسائله التي كان يبعثها للإمام الحسن (ع)، لكن الإمام الحسن (ع) يصبر ويتحمل حتى دخل في حالة الصلح مع الطرف الآخر، وحتى عندما دخل في الصلح سلام الله عليه لم تتم عملية الصلح بشكل صحيح، الإمام الحسن (ع) لم يسلم حتى من المقربين من حوله بل وصفوه بالجبن والخوف والتخلي عن الدور! حال ان الإمام الحسن (ع) أراد بالصلح ان يحقن دماءهم وان يحافظ على وجودهم، الا انهم قابلوه بالإساءة وقابلهم هو (ع) بالصبر والتحمل.
الإمام الحسن (ع) رمز التضحية
كان الإمام الحسن (ع) رمز التضحية والتنازل من اجل المصلحة العامة، حيث كان بمقدروه ان يحارب القوم، ان ينازلهم ولكنه في نهاية المطاف تنازل عن ذلك.. هذه التضحية التي لم يسبقه إليها احدٌ بحيث وصلته الخلافة ثم يتنازل عن هذا المنصب الظاهري في سبيل المصلحة العامة، نحن بإمكاننا ان نأخذ منه درس في حياتنا أحيانا، تطرء بعض المشاكل بين الأبناء والآباء والأمهات أو بين البنات والآباء والأمهات، أو بين الأزواج والزوجات أو بين الزوجات والأزواج، إذا لم نتسلح بسلاح التضحية والتحمل والتنازل لا تستقر الحياة فيما بيننا بل علينا أن نضحي في سبيل ما هو الأفضل، في سبيل حياة سعيدة كريمة، في سبيل بناء حياة بناء على أحسن ما نحب ان تكون عليه من الايمان من العلم، من الأخلاق، من الأدب، من الحب والمحبة، الامام الحسن (ع) لو اراد ان يتمسك بما لديه قد تنتهي معه الأمور إلى نتيجة، لكن الضريبة حينها ستكون باهظة وهي عبارة عن نهر من الدماء.. ثم ماذا بعد وراء ذلك..
قبسات من كلام الامام الحسن (ع)
الامام الحسن (ع) مدرسةٌ في الاستقامة والهدفية حياته تحمل الاسلام دستوراً وتجسد الاسلام واقعا الإمام الحسن (ع) لا يتكلم الا طبق ما جاءت به الشريعة على لسان جده النبي الأعظم محمد (ص)، وحريٌ بنا ان نعود الى سيرته قليلا وان نطرق ابواب حياته لنتعرف على ما جرى فيها، خذوا هذه الشذرة وهذه المفردة وهذه القضية التي يقدمها لنا الإمام الحسن (ع) في قالب لفظي جميل مختصر حيث يقول (ع): «اعلموا أن الله لم يخلقكم عبثا وليس بتارككم سدى، كتب آجالكم وقسم بينكم معائشكم ليعرف كل ذي لب منزلته وأن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا...»[3]
أن الله لم يخلقكم عبثا
نحن جئنا الى هذه الدنيا لغاية ولهدف وهذا الهدف كبير ألا وهو عمارة الأرض قال جل وعلا: ﴿اِنّى جاعِلٌ فِي الاَرضِ خَليفَةً﴾[4]، مهمة هذا الخليفة هو ان يقوم بدور العمارة في الأرض، والعمارة تكون على بعدين: البعد الأول المادي؛ بمقدور الله سبحانه وتعالى ان يجعل الدنيا كما يريد الإنسان بما هو هو إنسان من رغبات وتوجهات لا يعجزه ذلك، الذي اوجد الدنيا بإمكانه ان يجعل فيها وفي حدود كلمة «كن فيكون» ما يؤمّن العمارة، لكنه جعلها فرصة في يد الإنسان كي يقوم بدور العمارة بنفسه، الأمور المادية اليوم في حالة من التسابق الواضح البين وهذا أمرٌ لا ستار عليه، الكل يشاهده ويعاينه المدنية الحديثة أخذت أبعادها تطاول في البيان مثلا تفاخرٌ في الأموال والأولاد، تفاخرٌ في الرتب والمقامات، نحن اليوم عندما نريد أن نعرّف شخصاً كي نجعله في موضع الصدارة نقول عنه بانه يمتلك أموالاً طائلة، لديه أكثر من عمارة أو مصنع.. لكن لا نطرق باب المعنى في داخله ونقول كم يملك من الرصيد الإيماني بحيث يحجزه عن التعدي على الغير، مما يؤمن سلامةً للأسرة وسياجاً يصون جميع المكتسبات فيها، لان الإيمان قيمة كبيرة، البعد الثاني أو الجهة الثانية الأخلاق، وهي جهة مهمة، النبي (ص) يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[5] يعني العرب الذين أرسل في أوساطهم كانوا يمتلكون رصيدا من الأخلاق كان لديهم الشجاعة والنخوة والكرم ولكن النبي (ص) جاء بما هو فوق ذلك، الأخلاق قيمة سامية، فهل نسأل عنها و عن الإيمان والاخلاق والسلوك عند الرغبة في الزواج؟ أم اننا لا نسأل إلا عن المكتسبات المادية! صحيح لا ينبغي ان نفرط في المكتسبات المادية كي نضمن حياة سعيدةً في هذا الجانب ونسد العوز، لكن لا يعني أننا نغلق الباب ونغلب هذا الجانب على الجانب الأهم وهو الإيمان والأخلاق والاستقامة، فإذن خلقنا وتم إيجادنا في هذا الكوكب من اجل عمارته بالعلم، بالأخلاق، بالعبادة، بالتعاون، بالمحبة، بالألفة.
وليس بتارككم سدى
الله سبحانه وتعالى أوجدنا لا من أجل عبث وأيضا لم يتركنا سدا هكذا وإنما أرسل الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين ورسم لنا الطرق وهدانا النجدين، نحن بمقدورنا ان نختار جانب الخير وبمقدورنا أيضا ان نختار الطرف الآخر وهو جانب الشر، والإنسان على نفسه بصيرة في ذلك اليوم الإنسان يواجه ما قدم، ان خيراً فخير، وان شراً فشر، هنالك سوف تتضح الامور وتتبين هل ان الصفقة رابحةً أو خاسرة.
كتب آجالكم
يقول (ع) كتب آجالكم حيث عندما يُولد الإنسان له رصيده من العمر خمسين سنة، عشرين سنة أقل أو أكثر، لكن بالنهاية له رصيد معين وفي نهاية المطاف هو الموت والقبر وعالم الآخرة وحساب وكتاب وصراط وجنة أو نار، مرافقة محمد وآل محمد (ان شاء الله) أو الاتجاه الآخر (والعياذ بالله)، آجالنا لسنا نحن من يقدمها أو يؤخرها، لكن بأيدينا ان نستغلها كما ينبغي، هي رصيد ينقص مع مرور الليالي والأيام، كل يوم ينصرم من أيام حياتنا هو يقربنا من عالم الآخرة، من عالم القبور، فلنسأل ما الذي قدمناه في اليوم الذي مضى، هل أحسنا التصرف معه؟ العمر من حيث القيمة أهم من المال، المال نحن من يتصرف فيه زيادةً ونقيصة رغم ذلك نحن نحرص عليه كثيراً، لكن العمر هذه الثروة المهمة نحن لا نقننها، الليل والنهار يمشيان وان كنت واقفا، الليل والنهار يجتازان منك ومن حصتك وان كنت نائماً، بالنتيجة اليوم يختلف عن الذي كان بالأمس والذي كان قبل سنة يختلف عما كان قبل سنتين وهكذا...
وقسم بينكم معائشكم
وضع الناس مختلف، في يوم يكون هناك ضيق في اليد، ويوم الدنيا مفتوحة، المورد الأول يتطلب الصبر والتحمل، المورد الثاني يتطلب الوعي والبصيرة، فلا من افتقر حكمٌ لازمٌ لا يتبدل، ولا من اغتنى أيضا حكمٌ لازمٌ لا يتبدل، كم من الأغنياء أصبحوا فقراء يتصدق عليهم وكم من الفقراء أصبحوا أغنياء تجري الخيرات والمبرات على أيديهم والأعمال الصالحة، فتبنى الأسر الكريمة وتحفظ المكتسبات الخاصة والعامة فتقسيم الرزق من الله، لا تخشى ان أحدا يأخذ شيئا من رزقك اذا ما كتبه الله لك فهو لك سواء طالت الأيام أم قصرت بالنتيجة ما كتب الله لك سوف يصل إليك شاء من شاء وأبى من أبى.
ليعرف كل ذي لب منزلته وأن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه
إذا كان الله سبحانه وتعالى قد قدر لي البلاء والامتحان فلا مناص من ذلك، وإذا أراد ان يبسطها لي ويمدها لي فلن يمنعها أحدٌ عن ذلك، وما صرف عنه فلن يصيبه، ولو تظاهرت الدنيا بكل أجندتها.
قد كفاكم مؤونة الدنيا
حينئذ علينا ان لا نخشى ان كتب شيئا لنا وقُدر أنه سوف يذهب من أيدينا أبدا، كل ما بأيدينا نعم هذه النعم إما ان تشكر، بان توضع في مواضعها وإذا ما شكرت كما ينبغي بالفعل قبل القول، فإنها تنمو وتزداد مع الأيام، على العكس من ذلك إذا كفرت أي كفر بها الإنسان، جحد بهذه النعمة، وضعها بغير موضعها، البسها ثوب التبذير والإسراف، فان الإنسان فوق ذلك سيعيش عدما وسيكون عالة على الغير، ومن ناحية مهمة أخرى أيضا سوف يحاسب عليها، لأنها نعمة كما يحاسب الإنسان على ماله يحاسب على عمره، يحاسب على بيته، يحاسب على عائلته، يحاسب على مجتمعه، لان المسؤولية تعني الجميع، كلنا في سفينةً واحدة إذا لم نحافظ عليها من الخرق والاختراق غرقت بنا جميعا، أغرقتنا وأخذت بنا إلى قاع البحر، وقتها لا نجاة، لكن إذا حافظنا عليها حينها قطعا سوف تصل بنا إلى ساحل النجاة، هذا يتأتى لنا بالعلم، بالمعرفة، بالدراسة، بالمطالعة، بالمتابعة لما يستجد، وأفضل السفن وأسرعها هي سفينة محمد وآل محمد (ص) ونحن هذه الليلة ضيوفٌ على كريم أهل البيت وهو أحد الانوار الخمسة من اهل الكساء وهو كريمهم وحيث أننا في ضيافته فمن الحري بنا ان نستزيد من عطائه وان ننهل من معينه، أسال من الله سبحانه وتعالى ان يوفقكن، وان يأخذ بأيديكن، وان يجعل القادم من أيامكن أفضل مما مضى، وان يحفظكم في أسركم، في أهليكم، في مجتمعاتكم، وان يجمع الله بيننا وبين محمد وآل محمد بين يدي رحمته، ان يتقبل منا صالح الأعمال في هذا الشهر الفضيل، ان يرزقنا الله وإياكم زيارة مشاهد الأئمة المعصومين عليهم السلام، ان يوفقنا لحج بيته الحرام، وان يجعلنا من المترددين عليه كثيراً، ان يفتح علينا وعليكم أبواب الرزق، وان يدفع عنا وعنكم شرور خلقه انه ولي ذلك، أسال من الله سبحانه وتعالى ان يرحم موتانا وموتاكم، خاصة الأخت النشطة في هذه المحافل التي فقدناها، رحمة الله على روحها، لروحها ولأرواح من مضى علينا وعليكم الفاتحة مع الصلوات على محمد وآل محمد.