نص كلمة بعنوان : الأسس السليمة لبناء الأسرة من أهم عوامل تثبيت الولاء

نص كلمة بعنوان : الأسس السليمة لبناء الأسرة من أهم عوامل تثبيت الولاء

عدد الزوار: 567

2013-03-29

قال الإمام علي (ع): «لو ضربتُ خَيشُوم المؤمن بسيفي على أن يُبغضني ما أبغضني، ولو صبَبْتُ الدنيا بجَمَّاتها على المنافق على أن يحبَّني ما أحبني، وذلك أنه قُضي فانقضى على لسان النبي الأمي (ص) أنه قال: يا علي لا يُبغضك مؤمن ولا يحبك منافق»([1]).

علي (ع) هو ميزان الأعمال، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، والعروة الوثقى، وقسيم الجنة والنار، وتنتهي الكلمات ولا تنتهي فضائل علي (ع) ، ولو لم يكن منها إلا أنه من النبي محمد (ص) كنفسه لكفى.

 
علي (ع) هو ميزان الأعمال، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، والعروة الوثقى، وقسيم الجنة والنار، وتنتهي الكلمات ولا تنتهي فضائل علي (ع) ، ولو لم يكن منها إلا أنه من النبي محمد (ص) كنفسه لكفى.
 

تولى النبي الأعظم (ص) تربيته وكفالته، ولم تتلقفه كفٌّ قبل كف النبي (ص). كانت ولادته تمثل الإعجاز بحدِّ ذاته، حيث خرجت أمه السيدة الجليلة فاطمة بنت أسد (ع) وهي تحمله على ساعديها، وبصره يطرف إلى السماء، ووجهه يتلألأ كالبدر في ليل تمامه وكماله. وكان النبي (ص) على موعد من أكثر المواعيد التي ينبغي أن يقف المرء عندها وقفة تأمل.

هل كان مصادفة أن يتفق خروج السيدة الجليلة مع وجود النبي (ص) في تلك اللحظة؟ إننا لسنا من أتباع (الصدفة) التي تجمع بين الأشياء، إنما نعتقد أن ما من شيء إلا وللسماء مدخلية في إحداثه واستتمامه.

كان خروجها في تلك اللحظة مع وجود النبي (ص) يرافقه قبس سماوي له مدخليته في الربط بين الموعدين.

فالنبي (ص) بإشراقة وجهه النيّرة يستقبل ذلك المولود السعيد، لتكون الكلمات من المعصوم في إذن المعصوم هي الكلمات الأولى، والنبي (ص) لا ينطق عن الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوْحَى﴾([2]).

والوليد الجديد في مهده كعيسى (ع) ، يشير بسبابته إلى النبي (ص) وهو يقرأ الشهادتين، إقراراً لله بالربوبية وللنبي الأعظم محمد (ص) بالرسالة.

ولد (ع) في الكعبة، وهي المكان المحصَّن الذي لا يقترب إليه إلا من تطهَّر، حتى من قبل أولئك الذين لا يدينون بدين الإسلام، كالوثنيين مثلاً أو عبدة الأصنام مطلقاً، ممن كان لهم حضورهم وتحلُّقهم حول مناة واللات والعزى وهبل وغيرها، بل لا يجيزون لأنفسهم الدخول في المسجد الحرام، ناهيك عن الكعبة، حتى يأخذوا مجموعة من الطقوس والرسوم، فيتطهرون من زمزم، ليدخلوا البيت وهم على طهر كامل، بغض النظر عن كيفية التطهر.

وتكفل النبي (ص) تربية علي (ع)، وما عسى أن تكون تربية النبوة والعصمة والرسالة الخاتمة، التي تتولى مشروعه من أوله حتى نهايته؟! فالمبدأ من ميم (مهد) عليٍّ (ع) حتى يطبق النبي (ص) شفتيه على اسم علي (ع) وهو يقول: «أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً» في أخي وابن عمي وخليفتي من بعدي علي، فقالوا: حسبنا كتاب الله.

وما بين المبدأ والمنتهى مسيرة طويلة تَنقَّل (ع) في دوائرها دائرة فدائرة، كان يمثل فيها كاتب الوحي. فعندما يشرع النبي (ص) ببيان معطيات الآيات النازلة بواسطة الأمين جبريل كان علي (ع) يمثل الأذن الواعية، يفقه ما يقول النبي (ص). فكثيرٌ هم أولئك الذين سمعوا النبي (ص) إلا أن من وعى قليل، فليست العبرة بكثرة السماع والرواية عنه (ص) إنما بالفقه والفهم والوعي. وكما تصدق المقولة في زمن النبي (ص) فإنها تصدق اليوم في واقعنا، فربما يكون فلان من الناس أكثر من غيره التصاقاً برجال الدين ذهاباً ومجيئاً ومشاركة وسفراً، فيما يكون غيره ممن لا يصحبهم في حلٍّ ولا ترحال أكثر منه إفادةً من العالم.

لذلك نجد أن الإمام الصادق (ع) التفت ذات يوم إلى أحد أصحابه قائلاً: هل تحسن صلاة ركعتين؟ قال: بلى أحسنهما، فقام ومثل ومسح ثم كبّر وركع وسجد ثم انفتل من صلاته، ثم قال له: يابن رسول الله، ها قد صليت الركعتين، فالتفت الإمام (ع) إلى ابن حمّاد فقال: يا بن حماد، هلا صليت ركعتين؟ فقام فصلى، فقال له الإمام: لقد أحسنت الصلاة يابن حماد، فالتفت الأول قائلاً: يا بن رسول الله، ما هي إلا ركعتان بركعتين، فقال الإمام: ألا رأيته كيف ارتعدت فرائصه، وخشع قلبه، وخضعت جوارحه؟ أرأيت كيف صفّ قدميه بين يدي الله وبسط يديه؟ أرأيته أين كان ينظر ببصره؟».

الشاهد من ذلك أن العبرة ليست بكثرة التردد على بيت العالم، ولا إطالة الجلوس معه، فذلك لا يجعل من المرء فقيهاً عالماً، بل حتى كثرة القراءة، فليست هناك ملازمة بين كثرة القراءة وبين الفهم والفقه، إذا ليس كل قارئ يفقه ما يقرأ.

ها نحن نرى في حياتنا اليومية أن أخوين من أب وأم في مدرسة واحدة، لكن تجد أحدهم لا يجهد نفسه في القراءة، إلا أنه يحضر الدرس وهو أذن صاغية، يتوجه بكل جوارحه لما يُلقى في الدرس، ولا يتشتت ذهنه هنا وهناك، فيما تجد الآخر عكس ذلك تماماً، ربما يقرأ ويكتب أكثر منه بكثير، إلا أنه يراوح مكانه، لأنه لا يتوجه بجوارحه لما يقرأ ويكتب.

إن حب الإمام عليٍّ يحتاج إلى منظومة متكاملة لكي يستقر في وجدان الإنسان، منها:

1 ـ الاقتران الصحيح بين الزوج والزوجة، لذلك يدلنا الإمام أمير المؤمنين (ع) بنفسه على ذلك، فيقول لعقيل: انظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب. فلا بد في الزواج من قراءة الموضوع من جميع جوانبه.

يقول النبي (ص): «إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء»([3]).

وفي حديث آخر: «لا تسترضعوا الحمقاء لأن اللبن يعدي»([4]).

فأساس الزواج أشبه بأساس البيت، وهو الأرض، إن كانت صالحة أو لا، ونوع الجيران، والبلد إن كانت محمودة أو سيئة السمعة، وما إلى ذلك.

فأساس الحركة والمنطلق في حب علي (ع) وولايته أن تكون الأرضية سليمة.

2 ـ اللقمة الطيبة، والنطفة التي يتكون منها الإنسان، بأن لا تكون من منبع محظور، كالربا مثلاً، أو التطفيف في المكيال، أو السرقة ـ والعياذ بالله ـ وشهادة الزور، وتعطيل الأثلاث، وما إلى ذلك من الأمور.

لذا نقرأ في الأحاديث: «ليأتينّ على الناس زمان لا يبالي الرجل بم يأخذ مال أخيه بحلال أو حرام»([5]).  فما وقع في الأيدي هو الحلال، وما لم يقع هو الحرام. فمن يأكل من ثلث أبيه، أو يتصرف في التركة بعد وفاة المتوفى كيف يشاء، ويحرم الورثة من حقهم، أو يأكل مالاً تعلق به حق شرعي، من خمس أو زكاة أو ردّ مظالم أو كفارات كبرى أو صغرى، أو نذور أو عهود أو أيمان، أو قروض لم يُعدها لأهلها، أو غير ذلك إنما يأكل في بطنه ناراً، فهذه سرقة ـ والعياذ بالله ـ.

فأكل اللقمة الحرام يؤثر سلباً في تكوين الولد، وقد ذكرتُ في ما مضى من السنوات ما ذكره العلامة التستري (رحمه الله) ـ وهو من أهل الوصول والسلوك والعرفان ـ حيث ذكر أن طفلاً كان ينال من علي (ع) وآخر يمنعه، فلما سمعهما العلامة التستري قال: صدق رسول الله (ص) حيث يقول: «يا علي لا يحبك إلا من طابت ولادته، ولا يبغضك‏ إلا من خبثت ولادته»([6]).‏

 فسمعته أمهما فقالت له: إن هؤلاء أولادي، وأنا حرة لم أخن زوجي بالغيب، ولكن إن شئت حدثتك، إنها لقمة من شهادة زور، ابتاع لنا بها تفاحاً، فأكل واحدة، تحولت إلى ماء في صلبه، فتكون منها هذا الذي يبغض علياً (ع).

فعلينا أن نحذر من هذا الجانب، لأن ولاية علي (ع) أمانة في أعناقنا ووديعة وكرامة أكرمنا الله تعالى بها، ولا ينبغي أن نفرط بها. فالسرقة والتفريط بالأمانات وأكل مال اليتيم وغيرها تزعزع الولاء لعلي (ع).

أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحسن قاعدة العمل، ويحرص عليها كثيراً، وأن يثبتنا على الولاية.

غفر الله لنا ولكم، والحمد لله رب العالمين.