نص كلمة بعنوان:الأخوة مفهوم مقدس
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي قاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
أهنأكم ونفسي والبشرية عامة في ذكرى العيد الأعظم والاشرف والاقدس بين الاعياد كلها، حيث أكمل الدين وتمت النعمة وتحقق رضا الرب. اللهم ثبتنا على ولايته.
مفهوم الاخوة ومصاديقها
جاء في القرآن الكريم ﴿و اذكُروا نِعمَتَ الله عَلَيكُم اِذ كُنتُم اَعداءً فَاَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَاَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ اِخوٰنًا﴾[2]، عصمة الإخوة الإسلام والايمان، بالإسلام تحقن الدماء، بالإسلام تحفظ الكرامات، بالإسلام ننفتح على العالم من حولنا، وبالإيمان نصحح اعمالنا ونثقل موازيننا، واثقل ما يوضع في ميزان العبد في يوم القيامة الولاية لعلي وآل علي (ع)، الاخوة مفهوم مقدس عنت به الشريعة المقدسة، النبي الاعظم (ص) اعطاها دفعا من عالم المفهومية الى واقع المصداقية خارجا، في مكة المكرمة كانت الموآخاة بين المسلمين وهم اهل الهجرة وبعضهم حظي بالهجرتين، اما في المدينة المنورة فالأخوة بين المهاجرين والأنصار حجر أساس وضعه النبي الأعظم (ص)، سرعان ما اعطى ثمرته والى يومنا هذا، لمن حافظ على المصداق في ظل مفهومه، الاخوة الصادقة هي القيمة السامية لمفهوم الإخوة في معناها المطلق، فمتى ما عشناها ايها الاحبة حققنا رغبةً صادقة للسماء، جرى النبي (ص) على تجسيدها في عالم الواقع فاذا كنا من المستجيبين لنداء الحق ونحن كذلك ان شاء الله، فان لنا في رسول الله أسوة حسنة، من هذه الأسوة ومن مصاديقها واسقاطاتها الاخوة الصادقة، بين النبي (ص) والامام علي (ع) اخوة لم تكن صنيعة الارض وانما جاءت وليدة صنعت السماء صنع في عالم الانوار وتقلب في عوالم الذر ليتجسد في عوالم الشهود، حركةً ومرآة، المرآة لتجسيد ما هو في تلك العوالم، والحركة ما جرى على يديه (ع) بين يدي سيد الكون النبي الاعظم محمد (ص)، لذلك جاء النبي والآل عليهم الصلاة والسلام يدعون كل واحد آمن بالرسالة وصدّق بها وجسّدها واقعا سلوكياً في جميع جوانب حياته من خلال قولهم: «اتقوا الله وكونوا إخوة بررة، متحابين في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه»[3]، ومن إحياء الأمر ما يتحقق بالقول ومصاديقه كثيرة اكثر من ان تعد وتحصى ومن مصاديقه الفعلية وما رسمتموه من لوحة جميلة تكشف عن جمال تربع في نفوسكم وانعكس على سلوككم من خلال الحملة التي قمتم بها والتي قدّم الاخ الفاضل سماحة الشيخ العباد والاخ الاستاذ شرحاً مفصّلا لمجرياتها هنيئاً لكم، شكرت جهودكم، وفقكم الله لما هو الافضل، هنا الاخوة الفعلية العملية ذات الطابع الحركي الموجه في الاتجاه الصحيح النظافة من الايمان مصدرها منبعها فإذا تحققت لنا في عوالمنا الخارجية التي نعيشها انعكست علينا ايجابا ثم تفرعت ومدت جذورا، وقتها نقول نحن من وضع حجر اساس، ونحن من رعى تلك النبتة التي غرسناها بأيدينا، تحقيق النجاح ربما يكون سهلاً ولكن الأهم من ذلك ان نحافظ على هذا النجاح وان نأخذ منه اكثر من جذوة نشعل من خلالها اكثر من مصباح في اكثر من موقع وموقع.
تحقيق الاخوة بين المؤمنين
جاء في الحديث الشريف لتحقيق الاخوة بين المؤمنين «ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته واخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرفهم نفسه فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه»[4]
ان الله خلق المؤمنين من نوره، التفتوا ايها الاحبة! ايها الشباب الطيب بالدرجة الأولى، ولا أنسى الآباء والاخوة، انتبهوا لمعطى هذا الحديث الشريف؛ ان الله خلق المؤمنين من نوره، هناك حديث معروف ربما طرق اسماعنا كثيرا يقول: «إن شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا ... يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا»[5] هذا الحديث فيه من الدقة الشيء الكثير، فلنتأمل؛
ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته، اصل الخلقة من النور، من المبدأ الأول ولكن الصياغة والتشكل: ﴿فى اَي صورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَك﴾[6]؛ ﴿و لَقَد كَرَّمنا بَنى ءادَمَ﴾[7] كل ذلك بناءاً على الرحمة هو مشتق منها، مقتبس منها، متمازجٌ معها؛
واخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرفهم نفسه، اذن هناك اركانٌ ثلاثة: بدء خليقة من النور، تشكلٌ من الرحمة، ميثاقٌ وعهد بالولاية، اذا جمعنا هذه العناصر الثلاثة وهذه الاضلاع المقدسة الثلاثة استطعنا ان نوجد الانسان الذي ارادته السماء ان يكون كذلك فمتى ما انصهرت هذه الابعاد الثلاثة وحافظنا على ذلك اوجدنا الانسان الكامل الذي سعت الأنبياء والرسل من اجل ايجاده والمحافظة عليه وفي ذيل الحديث يقول؛
فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، فأنت اخي، وانا اخوك، وانت اخ ذلك، وذلك اخ أولئك، ومن أب ومن أم، نشترك فيها، فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة، نحتاج الى رابط، الرابط هو الميثاق الولاية لمحمد وآل محمد (ص) واذا تم لنا ذلك من حقي ومن حقك ايها المؤمن ان تسأل عن اعلى درجات الاخوة التي ينبغي ان نتمثل بها، لأن الابعاد الثلاثة او الاضلاع الثلاثة المقدسة التي سردناها سرداً، انما تشكل النواة، انما تشكل لنا المادة الخام الأولى، اما بعد ذلك حالة السمو والرفعة والرغبة في الوصول الى المقامات العلى انما هي همة الكبار الذين مازجوا بين هذه العناصر وفعّلوها في داخلهم وانفعلوا مع الواقع الذي أمامهم أيضا، والذي يعيشونه ويعيشهم.
اخوة النبي الاعظم (ص) مع الامام علي (ع)
وورد في الحديث الشريف ان رسول الله (ص) قال لجابر: «يا جابر، أي الإخوة أفضل؟ قال: قلت: البنون من الأب والام. فقال: إنا معاشر الأنبياء إخوة، وأنا أفضلهم، وأحب الإخوة إلي علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء، فمن زعم أن الأنبياء أفضل منه، فقد جعلني أقلهم، ومن جعلني أقلهم فقد كفر، لأني لم أتخذ عليا أخا إلا لما علمت من فضله»[8]
يا جابر اي الاخوة افضل، هل كان النبي (ص) في مسيس حاجةً ان يسال من صحابي عن امر؟ كلا، ولكن كي يعلمنا كيف يصل الانسان الى مبتغاه والى غايته وما هو الاسلوب الانجح في ثبات واستقرار المعلومة في ذهن الانسان، التقرير ايها الاحبة واحدٌ من اهم الروافد التي يمكن للإنسان الشاب الرسالي المؤمن المنفتح ان ينهل من مورده، ويعتبر جابر من العشرة الذين بلغوا درجة الايمان العاشرة، جابر الذي اردفه النبي (ص) على ناقته العضباء ذات ليلة، فصار جابرٌ يسأل من النبي (ص): يا رسول الله أسلمانٌ منكم اهل البيت؟ قال النبي (ص): بلى سلمان منا، قال وأبوذر منكم قال بلى، قال والمقداد منكم حتى وصل على النفر العاشر ثم امسك فقال له رسول الله (ص): يا جابر ما الذي حبسك في ان تقول وجابر منكم؟ قال: اخذني الحياء يا رسول الله، قال (ص): وانت منا يا جابر[9]، لذلك اصبح جابر حاملاً لأسرارهم، ومن أسرارهم ما جرى بينه وبين الإمام الباقر من آل محمد (ص)، فالرسول (ص) يسأل يا جابر ويقول: يا جابر أيّ الاخوة افضل؟ قال جابر قلت: البنون من الأب والام. هذه افضل المراحل، أعلاها، أقواها، أشدها تماسكاً للشراكة في الدم واللحم لكون الرحم واحد وقبله الصلب واحد فهذه الافضل، وطبيعةٌ الناس، عادةٌ الناس جرت على مثل هذا، فقال النبي (ص): إنا معاشر الأنبياء إخوة، وأنا أفضلهم، وأحب الإخوة إلي علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء، فمن زعم أن الأنبياء أفضل منه، فقد جعلني أقلهم، ومن جعلني أقلهم فقد كفر، لأني لم أتخذ عليا أخا إلا لما علمت من فضله، ايها الاحبة نحن عندما نذوب في علي (ع)، وعندما ننصهر في علي (ع)، وعندما نأبى الا ان نكون من علي (ع) والى علي (ع) فلأننا رأينا في علي (ع) المرآة الصافية التي تعكس لنا الصفاء كله والكمال كله والجمال كله المتجسد في ذات أكمل إنسان عرفه الوجود ألا وهو النبي الأعظم محمد (ص)، الرسول الكريم (ص) آخى بين المهاجرين ثم بين المهاجرين والانصار وادخر علياً لنفسه ونحن نعرف ما من قول ولا من فعل ولا من تقرير صدر من النبي (ص) الا وهو عن السماء: ﴿اِن هُوَ اِلّا وحى يوحىٰ﴾[10] أي ان قوله وفعله وتقريره هو تجسيدٌ لإرادة السماء، فأخوة النبي (ص) لعلي (ع) لم تكن وليدة ميل ورغبة شخصية وان كان فيها الشرف، لانها تضاف لاشرف انسان، لكنها قبل هذا وذاك هي رغبة السماء، ارادة السماء التي لا يجوز التخلف عنها.
أهمية الاخوة وبعض مراتبها
لكن الذي يعنينا ويهمنا نحن بعد ان تشرفنا بهذا السبح الطويل وهذه المقدمة ايها الاحبة ونحن الذين تربطنا الاخوة بميثاق الاسلام تارة، والايمان اخرى، وكذلك المواثيق فيما بيننا ايضا تتعدد؛ فنحن ابناء قرية واحدة، ومحافظة واحدة، ومنطقة واحدة، ووطن واحد، وامة واحدة، فعلينا ايها الاحبة ان نعيش الاخوة كما اريد لها ان تكون عامل نجاح وعامل دفع وعامل تعاون، يقول احدهم عند الامام (ع) عندما سأله: من اين اتيت؟ قال من عند أخي، قال له: او يمحضك الاخوة؟ قال: بلى سيدي، قال: اتدخل يدك في جيبه ولا يسألك ما أخذت؟ قال لا، قال: اذن ليست هي الاخوة[11] ايها الاحبة نحن امام منعطفات كثيرة، لا تذلل صعابها الا بالإخوة الصادقة، ولا نستطيع ان نقف على نهايتها الا بالمحبة الصادقة، زادنا قريبٌ منا، وهو الرجوعٌ الى كتاب الله، والعملٌ بما جاء عن محمد وآل محمد (ص)، أقدم شكري الجزيل للسادة الافاضل القائمين على الحفل الشريف لإتاحتهم الفرصة لي، آبائي اخواني ابنائي اشكر لكم هذا الإصغاء والتوجه والاستجابة في اغلاق الجوالات، وانا اختلف مع الكثير من الناس فيما يخص الشباب، انا اقول شباب اليوم هم خير الشباب وان صدر خطأ في مكان ما، أو في زمان ما، على نحو تصرف ما، لا يعني ان جميع الشباب هم كذلك، وفقنا الله واياكم لكل خير، جمعنا الله واياكم على ولاية علي وآل علي (ع) والسلام عليكم جميعا ورحمة الله.