نص كلمة بعنوان: اشراقات السيدة المعصومة على قم المقدسة

نص كلمة بعنوان: اشراقات السيدة المعصومة على قم المقدسة

عدد الزوار: 528

2013-03-31

قم.. اختارها الله حرماً آمناً لأهل بيت نبيه

جاء في الحديث الشريف: {وإن الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله، وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدو، وينسي الله الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله كما نسوا ذكر الله}([2]).

لكل شيء علاماته الفارقة التي تعطيه تميزاً عن غيره وهذه العلامات والسمات اما بسلم الصعود الكمالي نحو الكمال او والعياذ بالله في قوس نزولي لكن في النتيجة هي علامة توجد فارقاً بينه وبين غيره.

والناس على قسمين: قسم يحمل صفات الحسن: الادب، العلم، الكرم، الشجاعة النخوة، وقسم آخر يحمل صفات السوء: الغيبة، الغش، الظلم وما الى ذلك، وفي النتيجة هذه العلامات متى ما ذكرت فإنها ستكون دالة على تلك الذات إن ايجاباً فتشير إلى كمال الشخص او سلباً فنقص فيه.

يقدم لنا القرآن الكريم أيضاً نماذج من أنواع تحمل صفات مميزة وأخرى تحمل صفات سلب: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}([3])، اذن هناك تميز لهذه الليلة خارج حدود الزمن، والساعات المستغرقة في هذه الليلة لها نظائرها في الليالي الاُخر لكن جاء تعنون هذه الليلة لهذه الصفة جراء ما تم ايداعه في هذا الظرف الزمني من مقامات خاصة هي علامات، والعكس صحيح أيضاً، فيتمثّل السلب: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ}([4])، فيها كل صفات الخبث والسقوط والنقص والانحدار.

والمدن أيضاً ليست بمنأى عن هذا الارض، فحينما نتحدث عن مكة المكرمة فهي المصطفاة من قبل السماء لأن تكون ظرفاً مكانياً لقبلة المسلمين وسوف تتحول الى قبلة لعموم الناس على وجه الارض على يدي الخلف الباقي من آل محمد (ص) {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}([5])، فتنتفي كل الاديان الوضعية والاصنام التي اصطنعها الانسان لنفسه ولا يبقى الا تلك الجهة يتوجه اليها الناس.

والمدينة المنورة ليس عبثاً في ان تتدخل السماء وتدخر هذه المدينة الطيبة للتشرف بأشرف جسد مشى على وجه الارض واقدس انسان عرفته البشرية ألا وهو النبي الاعظم محمد (ص)، فلم تكن قبله منورة أصلاً لأنها كانت يثرب وما الى ذلك، لكن نورت بأنواره عليه الصلاة والسلام، كيف اذا اضيفت له الكواكب المعصومة من حوله كالسيدة الشهيدة المظلومة والائمة الاربعة وقائمة من الاسماء الخالدة من مهاجرين وانصار واهل بيت! وهكذا الامور تمضي معنا، ولكي لا نستقصي الشريف من وقتكم حتى نأتي الى مدينة قم، في الحديث الشريف: (إن لله حرماً وهو مكة ، وإن للرسول حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم)([6])، إضافة مدينة قم هنا وادراجها ضمن حدود الاماكن المحرمة يعني: ذات الطابع القدسي من نوع خاص، ومنظومة المعصومين(ع) تضاف إلى الاركان الثلاثة: محمد، علي، فاطمة بنت محمد (ص) التي هي بالاندكاك مع النبي (ص)، فجاءت قم لأهل البيت(ع)، وفي حديث شريف: (قم عش آل محمد)([7]).

روي أن عدة من أهل الري دخلوا على أبي عبد الله(ع) وقالوا: نحن من أهل الري. فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم! فقالوا: نحن من أهل الري فأعاد الكلام، قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً...([8]). قال المعصوم (ع): (قم عش آل محمد)([9]) يعني ما كان من اصقاع فهي مضافة الى هذه المدينة.

ولمدينة قم خصوصية قبل ان ترد اليها السيدة فاطمة المعصومة (ع)، لأن شطراً من الروايات التي ذكرتها هي عن النبي (ص)، اذن هناك كشف غيبي من قبل الرسول يتعلق بهذه المدينة وهذه خاصية في اعلى درجات الامتياز. لمحة تاريخية عن مدينة قم

جاء الاشعريون إلى قم بعد ان هُجّروا من قبل سلطة الخلافة العباسية. والاشعريون قبيلة شريفة اصولها من اهل اليمن التحقوا بعلي (ع) بعد دخول الاسلام الى اليمن، انتقل جماعة منهم الى المدينة ثم لما مصّرت الكوفة انتقلوا الى الكوفة. منهم حملة حديث ومنهم اركان عبادة ومنهم وجهاء مجتمع، والشجاعة في اليمنيين من الامور التي تسالم عليها جميع من كتب في التاريخ والترجمة ولو لم يكن منهم الا مالك الاشتر لكفى دلالة على شجاعة هذا البلد، فشكل هؤلاء ازعاجاً للخلافة العباسية، وهذا النوع من الاقصاء كان موجوداً عبر مسيرة التاريخ قبل الاسلام وبعده الى اليوم، حيث اذا وجدت مجموعة تحت أي عنوان يعني: تكتل قبلي أو تكتل تنظيمي أو تكتل حزبي في أي بلد من البلدان فهذا يشكل خنجراً في الخاصرة يؤذي، فإما ان تجفف منابعه حتى يصل الى الموت صبراً جراء الجفاف وإما ان تعدي عليه العوادي فتبدأ المعاول في الهدم والاغلب الاعم الاكثر ان معول الهدم يصير من الداخل فلا يحتاج أن تأتي بمساعدة من الخارج، كما إذا كان لديك بيت تريد ان تجدد بناءه فأول ما تعمد اليه هو هدم ذلك البناء، والمقاول يمكنك أن تبحث عنه خارج البلد لكن الذين يهدمون البناء فهم من داخل البلد يعني ان هذا عمل لا يستدعي المزيد لأن الهدم اسهل من البناء في الأغلب، وإما ان يكون هناك توجه تام من الخلافة من الحكومات من الانظمة في سبيل الاجهاز بأي نوع ترى فيه الصلاح.

الاشعريون ورد في حقهم ترحم من المعصوم (ع) خصوصاً أن هؤلاء صاروا يحملون اسرار اهل البيت النبوة، فقامت السلطات الحاكمة آنذاك بتهجيرهم على مرحلتين: المرحلة الاولى الى مدينة قم، فاتخذوا منها موطناً جديداً لهم وجعلوا ظهورهم للجبل وأخذت هذه القبيلة مكانتها في اوساط هؤلاء وهم من الموالين، وحتى الى اليوم توجد بعض النوافذ باصطلاحنا، (العگود) باصطلاح العراقيين، وهي شوارع ضيّقة، التي ما زالت إلى الآن تحمل اسم هؤلاء القوم بل حتى بعض العوائل تحمل هذا الاسم، وحصلت لهم ايضاً هجرة قسرية ثانية قذفت بهم الى مسافة ابعد: الى طوس وخراسان حيث استقروا في مشهد الرضا (ع) بعد شهادته والآن هم في اطراف مشهد وهي ما يعبر عنها اليوم بمدينة مشهد المقدسة.

قم هذه المدينة الهادئة الوادعة البعيدة عن كل سخط ليس لشيء فيها من التميز كما هو للعلم. مدينة مفتوحة منذ يومها الاول، لماذا؟ لأن التشيع في هذه المدينة بني على اساس من العلم والمعرفة والهدى، ولأن القبيلة التي ثبتت الايمان بنته على اساس العلم والمعرفة، لذلك فإنّ الغلاة حاولوا ان يوجدوا لهم موطئ قدم في هذه المدينة فلم يتمكنوا وان دل هذا على شيء فإنما يدل على وعي علماء وكبار هذه المدينة. والزنادقة أيضاً ليس لهم موطئ قدم في هذه المدينة، بينما تجد أن ما من مدينة كان لها نصيب من العلم الا والزندقة تبحث عن موضع قدم لها قد توفق أن تعلو وتيرتها.

وشرف الله سبحانه وتعالى هذه المدينة ببضعة الامام الكاظم (ع) السيدة العالمة، المحدثة، المفسرة، حاملة الفتاوى، الواسطة بين الشيعة وبين المعصوم(ع)، السيدة المعصومة سلام الله عليها حيث لقبها الامام الكاظم (ع) بالمعصومة، وهذا اللقب لم يأتِ من خلال العلماء الذين لهم اجتهاداتهم او من الناس الذين تحكمهم عواطفهم، وانما هي نسبة على لسان المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ولا تحركه الاهواء والرغبات لأنها بنته فأعطاها هذه السمة، لا، بل ان ذلك لما وجد فيها من خصوصية، وحينما نقول: معصوم يعني اعلى درجات العدالة والورع والقرب من الله سبحانه وتعالى، لذلك فإن عصمة المعصوم هي شيء آخر لا نتكلم عنه، لكن هذه ارقى الدرجات التي يمكن ان يصل اليها الانسان.

قم.. ملاذ العلم والعلماء

فأصبحت قم ايضاً مأوى افئدة العلماء والعرفاء والنساك، وهي ملاذ هادئ وآمن يرتقي فيه الانسان في عبادته ويسمو في علمه، وهي المدينة التي سايرت النجف، وحوزة قم طبعاً متقدمة على حوزة النجف بما لا يقل عن مئتي سنة، يعني إن حوزة النجف الأشرف كان لها الف سنة ونيف، أما حوزة قم المقدسة فقد صار لها الف ومئتا سنة ونيفاً، وصدرت من قم ايضاً امهات كتب الطائفة في علم الحديث والتفسير والفقه، والكلام له محله، ان شاء الله في جامع الامام الحسين حينما استرسل عن حوزة قم سوف اتعرض لهذه المراحل وموسوعاتها العلمية وارقامها وان شاء الله اصل اليها.

والشيء الذي أردت ان انبه عليه هو تقاصر الناس في الفترة الاخيرة رغم ترددهم على ايران عن زيارة هذه السيدة الجليلة بحيث حتى مراكز السفر ومقرات الحملات تدعو اولاً وبالذات بعد زيارة الإمام الرضا(ع) الى الذهاب للمنتجعات في شمال ايران وهذا حسن ان يروّح الانسان عن نفسه ليتقوى على العبادة والعلم والقيام بالتكاليف مع نفسه والناس والمجتمع، وهذا العمل حسن ومطلوب بصورة عامة ، لكن انظروا إلى النزهة الحقيقية التي تقرب الانسان من الله تعالى وتخلق له جو الصفاء، ونحن مشكلتنا أن بصرنا لم يكشف عنه الغطاء حتى يصير حديداً ولم يكشف عنه ما وراء عوالم المادة ليستشرف انوار محمد وآل محمد ويشاهد ماذا هناك.

في حديث شريف عن الامام علي (ع) يقول له احدهم ادعُ لي بالجنة قال له:(انت فيها ما لم تخرج منها).

ومن يعرف السيدة المعصومة؟! يعرف قم من عاش في قم، ويعرف قم من عرف المعصومة سلام الله عليها، أنا حينما أقرأ في السير وأجد ان ثقة الاسلام الكليني يضع جبهته على عتبة المعصومة فماذا ستكون الدنيا عندي! وأمر بمسيرة طويلة من العلماء المحدثين والمفسرين كالشيخ عباس القمي رحمه الله تعالى وغيره، من مفتاح الاصول في المدرسة الحديثة الشيخ اسماعيل الگيلاني القمي الى خاتمة الفقهاء والمجتهدين والاساطين وارباب التغيير في العصر الحديث السيد الامام قدس سره الشريف الذي يهز أعتى عرش في عصره واذا به يأتي متصاغراً امام عتبة هذه السيدة الجليلة، فماذا في هذه الدنيا من شيء، هؤلاء رزقوا وحرمنا نحن. عشر ايام.. خمسة عشر يوماً في الشمال فهل أبخل بيوم واحد على المعصومة أو يومين أو ثلاثة، والله تستحق منا الكثير، تصوروا لو قم لم كانت موجودة في الثلاثين سنة التي مضت وظلم البعثيين على النجف في تلك المرحلة فمن من الفقهاء والمجتهدين في زمن العسرة؟! وماذا سيكون وضعنا نحن؟! ستصبح عندنا حلقة مفقودة. فما نحن فيه إنما هو بشرف وكرامة هذه السيدة الجليلة، سلام الله على المعصومة وعلى آبائها الطاهرين محمد وآل محمد.