نص كلمة بعنوان:أثر توجيهات المرجعية العليا في عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف عن الإمام السجاد (ع) انه قال: «أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا»[2]
عاشوراء وموائده المادية والمعنوية
مضت علينا أيام عشرة، كنا من خلالها في ضيافة الإمام الحسين (ع)، وكانت ضيافةٌ مادية وضيافةٌ معنوية روحية، أما الضيافة في بعدها الأول أي المادية، فمن الواضح البيّن أن الآثار المادية لم يحرم منها إلا من قد حرم نفسه، وإلا فموائده مترعة، اما الجانب المعنوي والروحي وهو الأهم بطبيعة الحال فأيضاً كانت أبوابه مشرّعة، مشاربه متاحة، والطرق إليه موصلة، غاية ما في الأمر أن الانسان باختياره ان يسلك المسار الأول أو أن يسلك المسار الثاني.
توجيهات المرجعية وأثرها على المجالس الحسينية
عاشوراء هذا العام يختلف تماماً عما كان عليه في الأعوام الماضية وذلك ببركة ارشادات سيدنا المرجع أطال الله في عمره وأمد في ظله وأبقاه ذخراً وذخيرة للمؤمنين عندما وجّه الخطباء للقضية الأهم الا وهي اهمية استعراض قضية عاشوراء من منابعها الصحيحة الثرة من جهة، ومن جهة اخرى التركيز على ما في الكلام من مصلحة لعموم المؤمنين المشاركين في المجالس ومراسم العزاء، بطبيعة الحال الآثار واضحة بيّنة وانعكاساتها لا ينكرها الا من ينكر وجود الشمس في وسط النهار، نعم هي قد لم تأتي بكل الثمار، ولا يرتجى ان يكون ذلك أصلا، لانه لم يعمل فيها بالولاية التكوينية، لانها ليست لأحد الا من اختص بها، لكن النتائج اكثر من مُرضية، بل تصل الى درجة الامتياز، حيث ان الخطباء دخلوا في دائرة الحذر وكانوا حريصين على انتقاء النصوص إلى درجة متقدمة، وأيضا حاولوا ان يقتربوا من مساحة الجمهور وهذا شيء مهم وكانوا يتلمسون مدى الحاجة وتقديم الأهم على المهم في متطلباتهم في الحيات وهذا شيء مهم، وأيضا حالة التناغم التي باتت واضحةً بل حلقت بأكثر من مسار ومسار بين الخطباء والأولياء على الموقوفات من جهة وبين الجماهير الحسينية التي سجلت حضورها بشكل منقطع النظير في هذه السنة، هذه الحالة من التماهي والتناغم بين هذين المسارين انعكاساتها لابد وان تكون طيبة وايجابية ومثمرة وايضا يترتب عليها الشيء الكثير في القادم من الايام عندما يسمع الخطباء واولياء الموقوفات لحاجة الجمهور الحسيني وما يترقبه من الخطيب هذا شيء فيه من الانجاز في مساحة النجاح الشيء الكثير من جهة، الجهة الثاني عندما يتطلع الجمهور ويلتفت الى حاجياته اولا وبالذات ايضا هذا يعطينا مؤشر ان البوصلة في اتجاهها الصحيح، من الحسين وإلى الحسين، لان المناسبة مناسبة الامام الحسين (ع) والجمهور في طبيعته جمهور حسيني، بدليل انك لو جئت بالخطيب ذاته وجلست في الحسينية ذاتها ولكن في وقت يختلف وخارج حدود الأيام العشرة من شهر محرم الحرام حينها سوف لن تظفر بالجمهور الذي كان متواجداً، لأن التلبية من قبل الجمهور اولا وبالذات هي للإمام الحسين (ع)، هذه السنة وببركات أنفاس سيدنا المرجع حفظه الله حصلنا على هذه المكاسب وهي كبيرة جدا، الأهم من هذا هو الحفاظ عليها والذهاب بها الى ما هو الأبعد في السنوات القادمة من خلال تقوية المنبر الحسيني في أدائه للرسالة.
أبعاد الاصلاح الذي طالب به الامام الحسين (ع)
رسالة الامام الحسين (ع) هي بناء الأسرة على أسس قويمة صحيحة سليمة، هذا ما ننتزعه من ثورة الإمام، حركة الامام، نهضة الامام، رغبة الامام (ع) في الاصلاح، لان الاصلاح الذي طالب به الامام الحسين (ع) في تلك المرحلة لم يراد منه بُعد واحد وهو مقارعة خليفة الشام وانما كان الامام الحسين (ع) لديه الرغبة الملحة في ان يسود مفهوم ومبدأ وقيمة الاصلاح بتمام معناه في جميع نواحي حياة الناس، يبدأ بالفرد، أي ان الانسان الحسيني المتواجد والملبي لدعوة الامام الحسين (ع) في عاشوراء اذا وجد نفسه تقدم للأمام في سلوكه، في اخلاقه، في عباداته، في معاملاته حينها نقول له «تقبل الله عملك» نعم انت ممن قال للحسين لبيك.
«لبيك يا حسين» وما تحمل من معنى
«لبيك يا حسين» ليس المقصود منها تلك التلبية التي هي في الحج، لان تلك هي عبادة صرفة مع الله سبحانه وتعالى التي لا نشرك فيها احد، لكن في كربلاء هي استجابة، بمعنى الاستجابة للإمام الحسين (ع)، اي اقول باني استجيب لندائك يا حسين في هذا الموطن، في أي مساحة من مساحات الاصلاح وان ابدأ بذاتي، احيانا الانسان يطالب الآخرين بالإصلاح، حال انه لم يتقدم خطوة في مساحة اصلاح الذات! هذه كارثة ومصيبة ولذلك الوافد على الامام الحسين (ع) عندما يأكل شيء من بركته اذا يلتمس فيها الاثر المباشر لبركة الامام الحسين (ع) لابد وان يكون لها انعكاس ايجابي على تكوينه، لان ما يدخل في جوفك وما يدخل في جوفي وفي جوف الآخر من الأرزاق اليومية اذا كان منبعها ومصدرها حلال، بالتأكيد تختلف تماما عما اذا كانت محرّمة، فكيف بها اذا كانت من حلال وانت من زاد احد المعصومين عليهم السلام! مما لا شك فيه هي خطوة متقدمة جدا جدا، لكن تحتاج الى حالة من اشراقة النفس وصفاء الروح، انا عندما احضر في مأدبة للإمام الحسين (ع)، قطعا سوف تختلف وان كان من حيث الإعداد المادي أقل بكثير كثير مما يهيأ لي في مأدبة فرد من الأفراد، مثلا من أهل الوجاهة والمقام والسلطة او ... الوضع المادي هنا اقوى لكن روحيا هناك اقوى، فبقدر التوجه والنية الصادقة بقدر ما يكون لذلك من الاثر، الامام الحسين(ع) يقول «انما خرجت لطلب الاصلاح»، ومرتبة الاصلاح في الذات هي المرتبة الاولى، أبدء بنفسي وأرى حالي مع صلاة الصبح قبل أيام عشرة محرم كيف كانت وبعد العشرة كيف هي؟ مسألة «لبيك يا حسين» ليس فقط مجرد دمعة أو ضربة رأس أو تطيين أو مشي أو... وانما طلب الاصلاح والانضمام والتلبية بلبيك له يعني هذه الشعيرة الأقدس وليس المقدسة بل هي الأقدس من المقدس، الاصلاح اذا وجدت لها مساحة فيك نعم أنت حسينی، أنت ممن أحيا عاشوراء.
آثار الدمعة التي تسكب على الامام الحسين (ع)
نأتي الى الدمعة التي تجري في عاشوراء، نعم فيها اجر عظيم وهي مفتاح من مفاتيح الجنة، قد تدمع عيون شخص على الإمام الحسين (ع) لكن قد تكون نتيجة مجاراة الموجودين أو تأثر بالجمهور من حوله أو... اي انها لا تصدر ـ لا قدّر الله ذلك ـ من واقع وتوجه واخلاص وارتباط بالله سبحانه وتعالى، فهل يؤثر فيها هذا؟ هل تغيّر من سلوك حياته؟ الدمعة غسيلٌ طهور للإنسان من الداخل، قطرة دمع على الإمام الحسين (ع) تختلف تماما عن قطرة دمع تأتي نتيجة مشاهدة إنسان لمشهد فلم يشاهده في التلفزيون، أو حادثة في الخارج، لان البيع والشراء هنا يختلف مع من يكون؟ عندما يكون مع الإمام الحسين (ع) فينبغي ان اعرف من صاحب الدمعة، حتى أُصلح هذه الحالة، وأصل إلى ذلك المقام، حينها أقول نعم اني أحييت عاشوراء كما ينبغي.
المعرفة؛ مفتاح الفوز بشرف الزيارة
مقام شرف الزيارة والوصول إلى العتبة هذا أيضاً مقام رفيع جداً، لكن مفاتيح كل هذا شيء واحد الا وهو المعرفة، لذلك جاء في الدعاء الشريف: «اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني...»[3] فمن خلال معرفة الله سبحانه وتعالى نصل الى معرفة حجة الله، والامام الحسين (ع) هو واحد من الحجج.
الفرق بين آثار العلم المسموع والمقروء
لكن هناك سؤال بسيط مطروح ينبغي ان يعرضه الانسان على نفسه وهو؛ كم سمعت عن الإمام الحسين (ع) في شهر محرم وكم قرأت عنه، لان الثقافة السمعية أثرها ليس بقدر أثر القراءة، لأن القراءة ثابتة وذات بعد متأصل في عمق ذات الانسان وفي مخزونه الثقافي، بخلاف الثقافة السمعية، والشواهد كثيرة في واقعنا اليوم، وعندما يكون الوضع للإمام الحسين (ع) فأن الأمر أهم بكثير، فينبغي ان نسأل من أنفسنا كم قرأنا في هذا الشهر، أنا لا أقول كم كتبنا في هذا الشهر لكن أقول كم قرأنا! ما المقدار الذي بذلناه من أجل طعام مجالس الامام الحسين (ع) وكم من الأموال بذلناها من أجل طباعة كتاب عن الإمام الحسين (ع) .. وعلى هذا فقس ما سواه..، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المتبصرين بالإمام الحسين (ع) وفيه، وأن يعرفنا على أبعاد ذاته المقدسة، وأن يجعلنا من السائرين على نهجه، والرافعين للوائه في الإصلاح بدءاً من الذات، وفقنا الله وإياكم لكل خير، رزقنا الله وإياكم شفاعة الامام الحسين (ع). السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين جميعا ورحمة الله وبركاته. ولأرواح من مضى من شيعة أمير المؤمنين سيما العم العلامة الحجة السيد محسن ابن السيد هاشم الكبير ولأرواح المؤمنين خاصة الاخ العزيز الذي مضى من هذه القرية الحاج ابو علي والذي أعرفه جيدا وهو رجل المواقف الصعبة والأيادي الجميلة، نهدي لهم جميعاً ثواب الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.