نص كلمة بعنوان :آثار العمل التطوعي

نص كلمة بعنوان :آثار العمل التطوعي

عدد الزوار: 635

2013-11-19

 

آثار العمل التطوعي

العمل التطوّعي ـ في الواقع ـ هو دائرة واسعة وكبيرة، تنضوي تحتها وتضاف الى جانبها مجموعة من الدوائر الاصغر، وهو الشيء نفسه تقريباً في الامم المتحضرة، وحتى في العالم القديم كان لها مناشؤها واصولها وقواعدها، وحينما نقرأ في كثير من كتب الفلسفة؛ اذكر منها في الطبيعيات القسم الاخير، وفي المقدمات كمقدمة ابن خلدون وغيرها، نرى أن هناك تسليط ضوء على هذا النحو من النشاط التطوعي.

تعدّ مدرسة اهل البيت ^ من اهم المدارس المؤسِّسة لهذا الجانب، والتي خطت خطوات إلى الأمام وعلى الصعيدين؛ النسائي والرجالي، كما يقولون.

رغم ما كانت عليه وقعة الطف وما أحدثته في المجتمع الاسلامي من خسارة كبرى، كانت بالدرجة الاولى موجهة إلى اهل بيت النبوة، الا ان امام زين العابدين × والسيدة الحوراء زينب (سلام الله عليها)، استطاعا ان ينهضا من تلك الكبوة التي اريد لها ان تسقط الامة إلى الهاوية.

الامام زين العابدين × حمل اللواء في هذا الجانب، ولا زال اللواء تتناقله الايادي الامينة كأنتم، ولكم أيضاً اخوة كثيرون على المساحة الإسلامية الكبيرة.

وأمّا السيدة زينب (سلام الله عليها) فقد كان لها نفس الدور، ومن اللطيف أنّ في الدائرة الصغيرة التي انتم تقومون بشأنها، نرى في حياة السيدة الحوراء زينب (سلام الله عليها) أنّها صيّرت من بيتها اشبه ما يكون باكاديمية كبرى تعنى بكل ما تحتاج اليه المرأة، ومع شديد الاسف نحن في قراءاتنا دائماً نعيش المجزوئية في القراءة، يعني: أن لا نسلط الضوء بالقدر الكافي على الجانب الذي يفترض ان يكون اكثر اشراقة واكثر ديمومة في العطاء في حياة المعصومين، ومن يسير على نهجهم او في مقربة جداً منهم كما هو الحال بالنسبة للسيدة زينب (سلام الله عليها)، حيث نقرأ أن زينب تلك المرأة التي عاشت كربلاء ثم الكوفة بمأساتها، ثم الشام بما فيها، ثم المدينة، ثم عاشت وماتت، وأنها كانت تبكي على الحسين، وكانت تبيّن ظلامة الإمام الحسين×، طبعاً هذا كان مهماً، لكن من يختصر زينب (سلام الله عليها) في هذا الجانب فهو ـ في الحقيقة ـ يقسو على زينب (سلام الله عليها)؛ لأنّه لا يصف السيدة زينب (سلام الله عليها)؛ فالسيدة زينب (سلام الله عليها) مصلحة ومربية ومفسِّرة وفقيهة وأديبة ومتضلّعة، السيدة زينب خرجت من كربلاء بكفالة يتيم القريب، الا انها مدّت يدها للكفيل البعيد ايضاً، فكل من اصيب في واقعة الحرة من يتيم فقد تكفّلت السيدة (سلام الله عليها) شؤونه، وهذا الجانب ـ مع شديد الاسف ـ لا يسلّط عليه الضوء بالقدر الكافي، أيضاً النساء اللواتي أصبحن أيامى بعد ازواجهنّ سواء بعد طاحونة الطف ممن كانوا مع الامام الحسين من الحجاز او ممن لحقهم الاذى، بعد ذلك حينما استبيحت المدينة المنورة في الحرة أيضاً، هؤلاء النساء أصبحن في وضع لا يُحسدنَ عليه، السيدة زينب هي التي نهضت بهذه المسؤولية؛ هذا الجانب لا يسلط الناس الضوء عليه. الامام زين العابدين × قام أيضاً بنفس الدور، ولكن على الصعيد الرجالي، يعني: في الجهة الثانية.

الامام زين العابدين والسيدة زينب (سلام الله عليها) في نفس الوقت هما توأمان في تأسيس ووضع حجر الأساس وتطوير المؤسّسة الاجتماعية في الوسط الاجتماعي، وبكل امتياز، لذلك فكل من يعمل في هذا الاتجاه، ان كان من الرجال عليه ان يجعل الامام زين العابدين × قدوة وسيداً في هذا الاتجاه، وكل ما قدّمه، فعليه ان يقارن بما قدّمه زين العابدين × ليستزيد.

أمّا في الجانب النسائي فالكلام عين الكلام، فإذا كان لدينا كادر نسائي يقوم بالمسؤوليات، وهو كذلك، كما لاحظت في الاستبيان أو في النشرة، فالمرأة أيضاً عليها ان تجعل قدوتها زينب (سلام الله عليها)؛ زينب راعية بامتياز، يعني: تقصر الكلمات من أن توفي زينب حقها، لا تستطيع.

مواكبة التطور

أمّا بالنسبة لمجتمع الاحساء في ظنّي، فهو مجتمع يحتاج الى الكثير من النقلات الثقافية في كثير من مواطنه، ولكي أكون معكم اكثر صراحة وجرأة أيضاً أقول: حتى المؤسسة الدينية الشيعية في الاحساء، تحتاج الى هذا النوع من التثقيف، وما لم نقنع بهذه الحقيقة ونقرّ بهذه القضية، فلا نستطيع ان نتقدم؛ لأننا نواجه جيلاً لم يكن مألوفاً في الزمن السابق.

نعم، من السهل التعاطي مع حيثيات المجتمع، لكن اليوم تعددت القراءات وتعددت الثقافات وتعددت وسائل الوصول إلى المعلومة في ايدي الناس، فلا يمكنك اليوم أن تتعامل بذهنية الماضي، ومن المؤسسة الدينية ننبسط على سائر المؤسسات فما دونها، وأنا في ظني أن حتى الجمعية الخيرية وهي جمعية مدنية، هي أيضاً تحتاج الى اكثر من نقلة ونقلة حتى تتطور في أدائها، يعني: أتصور أنها لا زالت بدائية بحسب زيارتي لبعض المراكز والجمعيات، وهي تعد كبرى؛ كالفيصلية والشعبة، الا انها لا زالت تتعاطى الامور بذهنية الماضي؛ بذهنية قبل خمس وعشرين سنة أو عشرين سنة، نعم، انت اليوم لست كما كنت عليه قبل خمس وعشرين سنة؛ ربع قرن، فالمفترض بالإنسان على رأس كل عقد من الزمن أن يقوم بجدولة جميع ما انجز من امور؛ فإن كان حسناً، عليه ان يجوّد ذلك الامر الحسن، وإن كانت هناك اخفاقات، عليه ان ينأى بنفسه من أن يقع فيها مرة اخرى فيما هو الآتي.

إن شبابنا المتصدي في النهوض في كثير من المشاريع الاجتماعية، هم من المتطوعين في الاغلب والاعم الاكثر، اذا استثنينا بعض الافراد الذين ربما يكون لهم نصيب في الجمعية، لكن الاغلب والاعم أن العمل تطوعي، إلا أن الانسان المتطوّع قد خسر الرصيد المادي، وبقي له رصيد آخر؛ ألا وهو: المعنوي، دعنا من الرصيد الجزائي؛ فالرصيد الجزائي هو بيد رب العباد، سيجازيه ويكافيه الشيء الكثير ان شاء الله، أمّا نحن ففي المرحلة الوسط، فالمرحلة المادية مقطوعة ليس فيها شيء، حسناً، بقي عند الإنسان مرحلة {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [سورة الإنسان: 9] ، التي هي في رواية اهل البيت^: لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً: في الجانب المادي، أمّا الجانب المعنوي، فلا، فمن المفترض ان يحصل في الخارج، ولذلك الوصية بذي القربى، فهذا جزاء معنوي إذاً. حسناً، {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] المودة تعني: اظهار حالة الحب والاصطفاف بالنسبة لي. إنّ كل من يعمل بالجانب التطوعي ـ مع شديد الاسف ـ هو لا يحظى بأدنى مستوى من الجزاء المعنوي الذي يفترض ان يكون من ابسط الامور في مجتمعاتنا! فما هو منشأ هذا الأمر؟ نقول: إنّ الثقافة غير ناهضة، ولم تصل ثقافة المجتمع الى المستوى الذي على اساس منه يقوم هذا المجتمع بتكريم من يقوم بالعمل الخيري؛ بل على العكس من ذلك، فهنالك تسجيلات وتوثيقات في بعض الجمعيات تثبت أنّ هناك كثيراً من السباب وسيل من التهم و... ،يعني: بدل أن تقدم كلمة الشكر وتقبّل الايادي التي تقدم المعونة وأن تحنى الرؤوس اجلالاً واحتراماً وتكريماً لمن ينهض بالمشروع الاجتماعي، إلا أننا نجد العكس من ذلك!

طبعاً، أنا عندي ثقة كبيرة في أنّ هذا لا يحطّ من عزيمة القائمين ومن نذروا انفسهم لمثل هذه المشاريع، ولكن مهما يكن، فالإنسان في النتيجة هو انسان وليس ملاكاً بل يبقى انساناً، ما دام في دائرة الانسان.

نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيديكم، وأن ينفع المجتمع بكم، وهذه لبنة في صرح كبير، وإن شاء الله تكثر المؤسَّسات المدنيّة ويصير عليها خدمة، لكن كما كنت اقول وأنا في الجمعية الخيرية وربما سمعتم مني، واعيد واكرّر هذا المطلب: نحن اليوم في عالم الإعلام، وإن لم تستطع ان توصل صوتك، فستبقى في المربع الاول، وإن أوصلت صوتك وأجبرت الطرف الآخر على ان يسمعك، فإنك غادرت مربعك الاول الى المربع الثاني وربما الثالث والرابع وإلى آخر المربعات الموجودة، فمسؤوليتكم ايضاً أن يعطى الجانب الاعلامي حقّه، ومن باب المثال ومن باب التصديق الوضعي: لمّا آتي الى جامع، مثل: جامع الإمام الحسين×، ولا يكون عندي علم بهذه المؤسسة وبمثل هذه الكيفية، وبعد سنة أو أقل أتفاجأ حينما أرى هذا العمل، فماذا سيكون حال غيرنا! يعني: إننا اذا شغلنا منطقة مادية متقدمة، وربما نشاطاً متقدماً يعيش جوّاً من الحداثة وشيئاً من هذا القبيل وربما يكون خطاباً متقدماً، ونحن خارج الدائرة، فعسى ان يكون حال اناس في منطقة فلانية أو مسجد فلاني او جماعة فلانية، أنهم لا يحضون ببعض الخصائص الموجودة في المناطق التي نحن فيها.

فأنا أشدّ علي أيديكم واطالب بشدّة التركيز على الجانب الإعلامي، وصِّل صوتك، فاليوم بواسطة الإعلام يصبح المقتول قاتلاً والقاتل مقتولاً، وأنتم تشاهدون أن المنتصر مهزوم والمهزوم منتصر، وصاحب الحق باطل وصاحب الباطل حق، فلنوصل الحق حقاً، ولا نريد أن نوصل الباطل حقاً، بل نريد أن نوصل الحق حقاً، واريد أن أقول للناس أن عندي حسنات، شاهدوا حسناتي، ولا اقول أنه عندي سيئات واريدكم أن تروها حسنات ممّن {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102]، فليكن بأقل التقادير، يعني: في حال أن كان هذا الشيء موجوداً لا قدّر الله، فمسؤوليتنا نحن إن كان عندنا حسنة واحدة وعندنا امور اُخرى، فعلينا أن نقدّم هذا الحسن إلى الناس.

الله يأخذ بيدكم ويسدّد خطاكم ويدفع عنكم، والحمد لله رب العالمين.