نص كلمة بالرميلة بعنوان: جوانب من العطاء النبوي والامامي
الرسول الامين (ص) جاء بالهداية والبشارة
«محمد رسول الله» من أين أبدأ والى أي نتيجةً انتهي، حياتٌ لو أردنا أن نتوقف عند كل مفردة من مفرداتها لما وفّى الدهر ذلك؛ لان الدهر في مساحة الحبيب المصطفى لا يعدل مثقال قطرة ماء من بحر، محمد (ص) الذي أرسلته السماء على حين فترة من الرسل جاء يحمل معه الهداية، ويحمل معه البشارة؛ أما الهداية فمن خلال ما قدم من شرع حنيف سطّره من خلال وحي معصوم وسنة مطهرة؛ وأما البشارة فهي بالمصلح الأكبر الخلف الباقي من آل محمد (ص).
ربما يروق للبعض منا ان يعيش مساحة الإبداع في حيات النبي ولو أننا سلطنا الضوء على بعض جوانبها وكلكم حالي معه كحامل التمر إلى هجر وكلكم تقلبتم في حجور أمهات طاهرات وفي مجالس يكتنفها الطهر والنورانية من كل جوانبها من منكم لم يتردد على المساجد ليصيح ضيفاً على الله سبحانه وتعالى ومن منكم لم يتردد على الحسينيات ويصبح من خلالها ضيفاً على الحسين ومن منكم من لم يتقلب في روايات أهل البيت ليكون ضيفاً على صاحب المناسبة بالمناصفة ألا وهو الامام جعفر الصادق من آل محمد (ص).
طبعاً أنا قد احتاج للصلوات لعاملين: العامل الأول التقاط الأنفاس؛ لأن هذه المشاركة هي المشاركة الرابعة لهذا اليوم! الشيء الثاني وهو الأهم أنها تجارة مع الله تجارة مع أهل البيت يوم القيامة أثقل ما يوضع في ميزان المؤمن الصلوات على محمد وآل محمد كما جاء ذلك في الروايات الشريفة عنهم عليهم السلام. [2]
عوامل الابداع في المجتمع
إذا ما قرأنا الإبداع في ذات النبي أو حفيده فعلينا أن نسير على نهجه ونقتبس من هديه، الإبداع أيها الأحبة حقٌ مشروع لكل فرد من أبناء الأمة فمتى ترشد الأمة لنقرأ في كل فرد منها مشروع إبداع. الإبداع لا يأتي كحُلم يعيشه الانسان في منامه ولا يتأتى له من خلال معايشة عالم خيال ابعد ما يكون عن الواقع وإنما هي مقاربة واستجماع عن أجندة وتحريكها في الداخل لتنبسط على العالم من حوله. أيها الأحبة مهما صغر الفتى فإن فيه كينونة مشروع إبداع كبير، المسؤولية ملقاة على عواتقنا كأولياء أمور كأساتذة كجماعة يحملون ناموس الشريعة ليضيئوا من خلالهم ما شاء الله له أن يضاء. أيها الأحبة نحتاج حتى نصبح من الاشخاص المبدعين الذين يشار اليهم بالبنان إلى مجموعة من العوامل وحيث ان الوقت لا يخدم كثيراً سوف أتي عليه على نحو الفهرسة ليس إلا:
عامل التكوين الصحيح
العامل الأول هو عامل التكوين الصحيح؛ وعندما نقول عالم التكوين والتكوّن الصحيح يعني فيما يعنيه أحد مسارين ينهل منهما؛ المنهل الأول هو الملاك الشرعي في جميع تجلياتها ووسائطه من اختيار الزوجة وما يترتب على ذلك من أمور أنتم اعلم بها مني.
عامل ملاك الأخذ بالأسباب الطبيعية
الأمر الثاني ملاك الأخذ بالأسباب الطبيعية؛ أيها الأحبة قضى وانتهى عقد المجاملات عليّ أن لا اقترن الا بابنة عمي! هذه مقولة الماضي، عليّ أن لا اقترن الا بابنة خالي وخالتي، هذه كلها مقولات عفا عليه الدهر؛ لأنها لا تخدمنا ولا تنتج لنا بالضرورة إلا ما لا نرغب في أن ينتج. أيها الأحبة علينا أن نغادر مساحات المجاملة، وان نقترب من مساحات الواقع إذا كان أحد ممن تقدم من الأجداد والآباء يعذر فيما صنع؛ فأننا اليوم ليس ثمة مندوحة نتحرك في جنباتها وإنما المرحلة ضاقت علينا كثيراً فعلينا أن نبعثر الأوراق حتى نرتبها من جديد، أما إذا أردنا أن نحافظ عليها مرتبة على ما هي منطوية عليه من الخلل فصدقوني إن حالة البعثرة أفضل بكثير وكثير من أن تبقى على ذلك الحال واعتقد أن الرسالة قد وصلت وكلكم أصحاب ذهنيات وفكر بحمد الله تعالى.
عامل المناخ الأسري
الأمر الثالث عامل المناخ الأسري بكل تجلياته وانعكاساته؛ من منا أيها الأحبة لم ينحدر عن بيت كريم، ومن منا أيها الأحبة لم يضاف إلى قبيلة سامية ـ لا اقل في تقديري وقناعتي الشخصية ـ إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نستحضر سيرة الآباء والأجداد في طيبتهم، في شرفهم، في كرامتهم، في شجاعتهم، في نصحهم، في صدقهم، في عملهم، في جهدهم...؟
أيها الأحبة! ما وجدنا على هذه الأرض إلا وفق اسباب طبيعية انتهجها الآباء والأمهات أوصلتنا إلى ما نحن عليه، طيب تكوين، وطيب ولاء وما عسى أن يكون أحسن من هذين الأمرين كم هو جميل أن يضاف الواحد منا لمحمد ولجعفر بن محمد.
العامل الزمني
أيضاً هنالك عامل آخر ألا وهو العامل الزمني؛ البعض من الناس لا يرغب في أن يعطي للزمن مساحته في أن يقدم ويؤخر! حال أن عصارة الزمن يمكن أن تختصر في أبعاد ثلاثة: البعد العلمي، البعد الفني، البعد التقني، فلنسأل من أنفسنا هل جمعنا هذه الأضلاع الثلاثة؟ هل خلصنا على اساس من الجمع أو ما يمكن أن نرتّب على الجمع ما هو المراد، علينا أن نراجع الحسابات اذا رجعنا الى بيوتنا.
عامل الحراك السياسي
هنالكم عامل آخر ألا وهو عامل الحراك السياسي في وسط الأمة؛ وهذا الحراك قد يكون داخلياً، وقد يكون إقليمياً، وقد يكون دولياً، وليس الانسان في منئى ومعزل عن اسقاطات ذلك الحراك، فنحن نعيش اليوم ضمن أطر قرية واحدة اسمها العالم بأسره، فما عادت القرى تتجزأ وتعرف بناءً على المناطق المحددة جغرافياً، وإنما على اساس مما أوصله العلم لنا، فلنسأل ايها الاحبة كم هي مساحة العلم التي تم إشغالها بواقع العلم؟ وكم هي مساحة الفن التي أخذ الفن نصيبه منها؟ وكم هي مساحة التقنية الموجهة نحو الهدف؟ لا التقنية الموجهة على أساس من العبثية المفرطة المملة والمفسدة في الوقت نفسه، زاوجوا بين هذه الامور الثلاث على أساس من الحكمة والوعي والدقة والحذر ايضاً لنخلص بعد ذلك إلى ما هو المراد.
عامل الرشد الثقافي
أيضا هنالك أيها الأحبة عوامل أخرى منها عامل الرشد الثقافي؛ أيها الاحبة كلمة الثقافة باتت تقض مضاجع جماعة وفصيل من الناس، علينا ان لا نتوقف عندهم كثيراً ايها الاحبة ان توقفتم في أماكنكم تجاوزكم الآخرون عليكم ان تندفعوا غير ملتفتين الى الوراء؛ لان من يلتفت الى الوراء هو صاحب الخسارة الكبرى ،علينا أن نرمي بأبصارنا طرف القوم، علينا ان نثبت اقدامنا في الارض، علينا أن نطلق لأذهاننا المساحة الكافية كي يخلق روح الإبداع في داخلهم، وحتى يترتب على اساس من ذلك ما هو المبتغى. أيها الأحبة المكتبات الخاصة والعامة تسأل منا وعلينا ان نجيب، من منا يتردد على المكتبات اليوم في بعديها الخاص والعام؟ ولو سألت النشء الذي نعيشه ويعيشنا اليوم وهي مناسبة ولادة النبي الاعظم (ص) وولادة إمام المذهب الجعفري كم حديث استظهرت عن هؤلاء العظماء؟ كم هي الصفحات التي قرأتها؟ ما هي النتائج التي استخلصتها؟ أيٌ المسافات التي قطعتها واقتربت من واقع محمد وآل محمد(ص) فما هو الجواب الذي سوف نسمعه؟.
العامل المادي
ثم العامل المادي؛ وهو عامل اساسي وهو الرافد القوي وعلى اساس منه يمكن ان ندفع الحركة والعجلة إلى الامام كي تتقدم سريعاً، لاحظوا ايها الأحبة! اننا لو جردنا حركة الاسلام في أيامها الاولى من عامل البعد الاقتصادي والمادي وعما أمنه هذا البعد في حركة الاسلام ما عسى ان تكون الامور آنذاك؟ ولم لو يكن ذلك الاقتدار المطلق، وتلك الثروة الطائلة التي كانت تحت يدي السيدة خديجة ام المؤمنين مسخرة بين يدي النبي الاعظم (ص) ما عسى ان تكون الامور؟ لذلك صح الحديث: لولا ثلاث لما مثُل الدين مال خديجة سيف علي واخلاق النبي الأعظم محمد (ص)[3] فهو رافد قوي في التشكيل الإبداعي على نحو الإعداد و على نحو الترويج، نحن اليوم لا ينبغي أن نأسر منتجاتنا العلمية والادبية والفنية والفكرية والتنظيرية وما الى ذلك ونجعلها حبيسة رفوف بل علينا ان نطلقها ونفتح الآفاق امامها.
ايها الاحبة حتى في آلية الوقف استطيع ان اوجد اسقاط في هذه اللحظات، اقول على نحو العجلة: اما آن لنا ان نراجع الحسابات فيما يراد ان يوقف الامر عليه؟ ايها الاحبة البلاد قد اتخمت بالمساجد والحسينيات ونسأل من الله سبحانه وتعالى المزيد وفي ذلك امر حسن وثواب عظيم ولكن اليس ترويج الفكر وبيان مبادئ اهل البيت يحتاج الى منافذ تتماشى مع لغة العصر؟ أليس من الجميل أن يكون الوقف من أجل ترويج مبادئ اهل البيت ^ على نحو الكتاب والقصيدة والمسرح والفن التشكيلي وما الى ذلك من الامور؟ أليس من المفترض ان يكون الوقف قد أخذ مساره الطبيعي في تبني مجموعة من المواقع الصحيحة والسليمة التي تسير في الاتجاه السليم من اجل ان تشق طريقها دون ان تعاني الاشكالية هنا أو هناك.
المقومات الذاتية
اما المقومات الذاتية فمنها الذكاء وقابلية التفكير ومن هنا ارجع قليلاً الى الوراء واقول: كفى مجاملة فلا يوجد شك ان لبعض القبائل خصائص لا تتوفر في غيرها من القبائل ولا اشكال في ذلك، فلماذا لا تتلاقح القبائل فيما بينها لتعطينا نتاجاً كريماً قادراً على التصحيح والأخذ بمسيرة الامة الى ما هو الافضل؟.
الامر الثاني الجرأة الأدبية؛ في عالم اليوم ماذا نستفيد من انسان يقطع عمره في الوسط الحوزوي أو بين أروقة المدارس الأكاديمية ثم يغلق على نفسه الابواب ويتحجر مكتفياً بسبحة يفرها صباحا ومساءً إما على نحو التسبيح او على الخيرة الباطلة! وكذلك بالنسبة للأكاديميين الذين يقنعون بأقل القليل ولا يرمون بأطرافهم الى ابعد المسافات. ايها الاحبة لو قمنا بدراسة على الواقع الشبابي الموجود في أوساطنا هل ستكون النتائج مرضية؟ كم طبيب عندنا في هذه القرية وغيرها؟ كم مهندس يشار اليه بالبنان في قريتنا وغيرها من القرى؟ كم أديب لامع في قريتنا وغيرها؟ وكم وكم وكم ... متى تنتهي كم الاستفهامية ولا نصل الى نتيجة. ايها الاحبة هذه المناسبة هي بمثابة ورشة عمل ينبغي أن نغربل من خلالها الأفكار، ينبغي ان نؤسس القواعد وان نرفع الأعمدة على نحو الأصل والتأصيل لنستطيع ان ننطلق الى عالم افضل مما كنا ومما نحن فيه اليوم. ايها الاحبة اذا كان النشء هذا اليوم صغيراً، فهم رجالُ المستقبل فهل اعددنا الشباب لمرحلة ربما لا تخطر على ذهن الواحد منا؟ ما عشناه نحن ليس بالضرورة هو المصير الذي سوف يواجهه هذا النشء الطيب المبارك فإذا كانت الشهادة الابتدائية تفتح لنا آفاق مطلق الشركات والوظائف الرسمية في الدولة في يوم من الايام، هذه الشهادة اليوم لا تقبل حتى من انسان يريد أن يمد يده على باب مسجد للاستجداء! واذا ترقيت قليلا ربما الوضع لا يكون أفضل من سابقه أيها الأحبة حتى من نال الشهادات العليا كالدكتوراه وما دونها كالماجستير عليهم ان لا يأسروا أنفسهم رهن هذا العنوان؛ لان العالم تقدم كثيرا الدكتوراه في أوروبا لا تساوي مرحلة المتوسطة عندنا فهل نعي هذه الحقيقة؟ وهل تقدمت بعض الدول الشرقية إلا على أساس فتح أبواب العلم، وعلى أساس من العطاء الشيء الكثير في سبيل أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه بحيث أحرجوا العالم من حولهم. الجرأة الأدبية أيها الأحبة مطلب أساسي إذا كان يختلج في أذهاننا شيء من الفكر علينا أن نطرحه كي يغربل، قد يقبل وقد يرد او قد يقبل على نحو المناصفة فأن وصلنا إلى نسبة الخمسين في المائة فهو انجاز كبير وإما اذا استطعنا أن نقنع الآخر فهو انجاز أكبر وإذا ردت نظرياتنا علينا فعلينا أن لا نيأس بل علينا أن نجعل من الرسوب أو عدم الموفقية في الوصول إلى الهدف وقوداً نكرر الوقود من جديد لننطلق على أساس منه رغبة منا في الوصول إلى الهدف.
القراءة الجادة للتاريخ
ثمة شيء آخر مهم ايضا وهو قراءة التاريخ القراءة الجادة مع الإلمام الجيد بالواقع من حولنا، أيها الأحبة وانتم أبناء لمحمد وآل محمد أقول أيها الأحبة التاريخ قد يقدم لنا زاداً معيناً ولكن قد يثقل كاهلنا أنا لست مع من ينسف التاريخ بالمطلق ولست مع من يتحجر على حروف التاريخ وإنما أنا مع من يقرأ القراءة المنفتحة على النص كي يستطيع أن يسافر بالنص إلى هدفه. أيها الأحبة أئمتنا أئمة كمال وعندما تكلموا أرادوا لكل فرد من آحاد الأمة الكمال؛ فإذا تحجرنا على النص أبطلنا مفعول النص وإذا ألغينا النص ضيعنا الشريعة في أهم أركانها وجذورها، أما إذا استطعنا أن نحافظ على الشريعة التي في أيدينا كنصوص على أن نحركها وفق معطيات ما وصلنا إليه وما منّ الله سبحانه وتعالى علينا به من نور العلم والمعرفة وقتها أيها الأحبة نكون ممن استطاع أن يعيش الذكرى وان يتقلب في جوانبها وان يأخذ الثمرة المنشودة من وراءها. أيها الأحبة أكثر من هذا لا أريد أن أطيل عليكم، اسأل من الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياكم على محبة محمد وآل محمد، وان يبعدنا وإياكم عن أعداء آل محمد وان يجعلنا وإياكم من المنفتحين على محمد وآل محمد، وان يجعلنا وإياكم ممن يقف سدا منيعاً أمام من يريد أن يجعل من فكر محمد وآل محمد موروثا غير قابل لان يندفع بالأمة إلى الأمام. اشكر الأحبة القائمين على هذا المهرجان الطيب المبارك والذي بهرت به كثيرا، اسأل من الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيديهم، ان يجعل ذلك في ميزان اعمالهم.
قبل قليل أرجعني تصفيق الأحبة الشباب إلى الوراء، تقريباً ما يربوا على عشر سنوات في حسينية السيد الخوئي عندما حصل تجاذب؛ يصفقون أو لا يصفقون؟ وقتها قلت لهم: التصفيق لا يقل ثواباً عن الصلوات على محمد وآل محمد عندما يكون مصدره الفرح لمحمد وآل محمد وإدخال السرور على قلب الزهراء عليها السلام في ذلك اليوم قامت قيام الرجعيين ولكن بحمد الله تعالى تصفيقكم في هذه الليلة برهان على ان هذه الأمة تتقدم وان من يحاول ان يقف أمام عجلتها فلن يبقى له باقية صلوا على محمد وآله.