نص كلمة:انتظار الفرج وإعداد النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
مرحلة غيبة الامام المعصوم (ع) وما تحمله من صعوبات
اسعد الله أيامنا وأيامكم بمناسبة قرب حلول ذكرى ميلاد الخلف الباقي من آل محمد وأعاد الله علينا وعليكم المناسبة ونحن وعموم المسلمين في أفضل حال، ان من افضل الاعمال في عصر الغيبة هو انتظار الفرج للقائم من آل محمد، لكن أي انتظار ذلك الذي يفوق في فضله سائر العبادات التي نؤديها فيما يختص منها بالأيام أو ما يتعلق بالشهور أو ما يمتد الى الحول أو ما يكون مطلوبا فبي العمر مرةً واحدة، العبادة بما هي هي لا تكفي لتأمين هذا الجانب، العبادة ما لم تكن مبنيةً على أسس وقواعد محكمة، فإن الصلاة لا تغادر مكانها ومردودها ايضا على الانسان ان لم يكن عكسيا فلن يكون ايجابياً، الامام الكاظم (ع) الامام السابع من كوكبة الامامة النيرة يهدينا الى الطريق، فترة الغيبة من الفترات الصعبة، كلنا يدرك صعوبة هذه المرحلة ومن عاش ايامها الأولى فيما يسمى بالغيبة الصغرى يلمس ما لتلك الغيبة من اثر، فهذا شيءٌ طبيعي، بالأمس اتباع اهل البيت عليهم السلام يتقلبون في مرأى ومسمع من الامام في حال ظهوره، من عاش الامام علي (ع) تنقل معه، سمع منه، سأله واجابه الامام، لكن عندما يفقد الامام في حالة من الحالات مما لا شك فيه يكون المردود صعب وخطير، لذلك سائر ائمتنا عليهم السلام وضعوا مجموعة من الامور في سبيل ان تكون النقلة بين عالم الظهور لهم من الامام علي (ع) الى الامام العسكري (ع) الى فترة ما بعد ذلك وهي الغيبة كثير من الاسس والقواعد التي من يأخذ بها ويمضي في تطبيقها يأنس بحالة الغيبة أيضا، لان هذه المرحلة ستقترب شيئا فشيئا من عوالم الظهور في كل شيء سوى مسألة اللطف وهي النظر المباشر للمعصوم (ع).
الفرق بين من يعيش في عصر الائمة وبين من يعيش في زمن غيبتهم
طبعا اولئك الذين عاشوا في عصر الائمة هم محضوضون موفقون، لانهم بالتالي لهم حالة من الشرف الرفيع والتكريم الالهي ان يعيش الانسان في محضر المعصوم، لكن ايضا كان التكليف يلازمه، أي يلازم التشريف، الحجة الظاهرة بين يديه لا يستطيع ان يقول انا لم اعرف، لم اتعلم، لم تنجلي الصورة أمامي! لا عذر مع وجود الامام الظاهر، اما بالنتيجة هو شرف ان يقول الانسان مثلا: سلمت على الامام، حضرت مجلس الامام، سمعت من الامام، قال لي الامام ... هذه مراتب رفيعة، هنيئا لهم، لكن بعضهم اخفق في الامتحان تماما، ربما لسان حاله ليتني لم ابتلى في تلك الفترة، اخفقوا كما هو الحال لبعض المذاهب التي انشقت عن مدرسة اهل البيت عليهم السلام، يعني هم كانوا من اتباع مدرسة اهل البيت لكنهم تخلفوا عن هذا المسار كالكيسانية والزيدية والاسماعيلية والفطحية والواقفية والناووسية و... جماعات كثيرة، هؤلاء عاشوا زمن المعصوم، الامام المعصوم كان بين ظهرانيهم وكان بمقدور كل واحد منهم ان يرفع ستار الظلمة والجهل عن نفسه بفضل وجود المعصوم، «سلوني قبل ان تفقدوني» هذا كان منطق الامام علي (ع) ولسان حال بقية الكوكبة النيرة من آل محمد عليهم السلام.
الروافد التي يحتاجها المؤمن في زمن غيبة المعصوم (ع)
اذن أي شيء نحتاجه نحن في زمن الغيبة؟ نحن اليوم أي شيء نحتاج حتى نشرف بحضوره في عالم غيبه، هذه هي عقيدتنا، الذي يتوقف او لا يقبل أو يناقش أو يرفض أو بجهل ذاك هو وشأنه، لكن مصادرنا من الكتاب الكريم المنزل على النبي العظيم محمد (ص) الى روايات اهل البيت عليهم السلام وهي من الكثرة بمكان، يعني الروايات التي وردت عنهم في حق الامام المهدي (ع)، من التبشير بولادته، الى ما يتعلق بزمن الفترة التي ولد فيها، الى ما صاحب ذلك حتى زمن الغيبة الصغرى وما وقع فيها، ثم ما تعقب في زمن الغيبة الكبرى روايات كثيرة، لكن المشكلة اليوم أن بعض المتطفلين على العلوم والمعارف، بعض الاشخاص الذين يحشرون انفسهم فيما يعني ولا يعني يريد أن يرفض هذا، لكن بلا دليل منطقي يعتمد له ولا ثابت عقلي يركن له ولا دليل ـ على الأقل ـ معارض حتى الانسان ربما يدخل معهم في مساحة الاخذ والرد، مجرد امور مشتهاة ليس الا! نحن ما وصلنا عن اهل البيت عليهم السلام فيه الكفاية، الشيخ ابراهيم اميني امام جمعة مدينة قم سابقا والذي تقاعد الآن عن الصلاة بسبب كهولته وضع كتابا فيما يتعلق بالإمام المهدي (ع) اجهد نفسه في تنقية الاحاديث، هؤلاء ألا يسمعون؟ ألا يقرؤون؟ ألا يتابعون؟ لماذا بعضهم يصر على التمسك برواية أو اكثر من رواية ضعيفة او مختلة البناء سندا او بناءا، اذا كنا نريد فعلا ان نكون واقعيين مع انفسنا اولا ثم مع ما هو من حولنا وما قد يترتب عليه في القادم لابد ننزل للواقع وللمنطق ونستسلم للعقل، ما يضر ان يكون الحق مع غيري واعطي الحق له، ان اكون أنا المخطئ واعلن عن خطئي، لماذا هذه المكابرة الى أين تجرنا هذه الحالة.
قبس من نور الامام الكاظم (ع)
الامام الكاظم (ع) يتدخل ويقول لنا ان الطريق من هاهنا يبدء والى هنا ينتهي في عوالم الدنيا وعوالم الآخرة ما الذي يقول هذا الامام (ع)، بالمناسبة نحن مهما بحثنا مهما فتشنا في اقوال العلماء او دون العلماء، الخطباء أو دون الخطباء، البلغاء، الفصحاء، الأدباء ... ما شئت فعبر.. هو لا يمكن ان يقاس بتركيب ما صدر عن محمد وآل محمد في كل الحالات، اصلا رواياتهم عندما تلقي النظر عليها مكتوبةً أو عندما تتلوها أو عندما تستمع اليها من ملق تجد ان حالة من الشد والانجذاب اليها، لذلك فان النص لأنه صافي مصفى، لأنه صادر من منبع صاف مصفى، والذي صفاه هو الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم على عينه واعطاهم هذه الخصيصة أي النورانية في كلامهم لذلك نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: «كلامكم نور» قد يقول قائل انا لا أرى هذا النور في نصوصهم ما هو السبب؟ السبب هو عليك ان تراجع نفسك، فتش عما في داخلك، اذا انت كنت تحسد وتغتاب وترابي وتأكل اموال الناس واذا انت ظالم في داخل بيتك مع زوجتك واولادك، اذا انت تؤذي أبناء مجتمعك من اين تريد النورانية تدخل وتستقر في قلبك؟! لا يمكن هما فضاءان: اما نور واما ظلمة واتفاقا هذا وذاك بيدي ويدك نحن نستطيع ان نؤمن المساحة النورانية ونستطيع ان نؤمن مساحة الظلمة، يقول الامام الكاظم (ع): «تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا»[2]
تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة؛ الخطوة الأولى هي التفقه في دين الله، لان الفقه مفتاح البصيرة، تريد ان يتنور قلبك تفقه، يجب ان لا يكون قولك وفعلك وعبادتك وصلاتك وصومك ومستحباتك وواجباتك الا وفق رأي فقهي، هذا محصور في من؟ اما ان تكون أنت مجتهد وتتفقه في دين الله، او تكون لديك القدرة في الاحتياط فتستظهر مواطنه في رسائلهم فتكون ممن تفقه في دينه، او لا تكون ذاك ولا ذا على الاقل كن مقلدا ترجع الى مرجع تهتدي بقوله وكل المراجع محترمون مقدرون، وأنا عندما أودي الصلاة وفق الاحكام الشرعية فمن الطبيعي حينها ستنهى صلاتي عن الفحشاء والمنكر، يعني طهارة الداخل، يعني صفاء الداخل، يعني النورانية المطلوبة، لكن اذا لم التزم بهذا، ولم أفرق بما يجب في الركعة الاولى مع الثانية في الصلاة ومقدمتها وهو الوضوء واخلط الحابل بالنابل يوم على يوم تتراكم الظلمة وتغيب النورانية، حينها هل سأكون قريب من مدرسة الانتظار ام أكون بعيدا عنها؟ اعيش في عوالم غريبة عنها.
وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا؛ كلٌ منا يطمح ان يكون في منزلة متقدمة، حتى ان الروايات تقول بان هناك تنافس بين المؤمنين في اعمالهم كي يكونوا يوم القيامة جيرانا للمعصومين عليهم السلام، نحن كل ما نعمله في الدنيا من خير ومن عبادة وطاعة ومعونة للمؤمنين نقترب من مساحة اهل البيت عليهم السلام يوم القيامة نكون قريبين منهم، نعم الحور العين موجودة، الولدان المخلدون موجودة في يوم القيامة وهذا هو تشريف لكن افضل من هذا وذاك النظر الى محمد وآل محمد، أو مجاورة محمد وآل محمد عليهم السلام وهي اعلى المراتب، قال والسبب الى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، حتى في الدنيا الانسان الذي يؤدي العبادة وفق معطيات الشرع يبقى انسان مقدر مقدم يحصد الرتب واحدة تلو الاخرى على العكس ممن لا يكون كذلك. ثم يقول (ع):
وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب؛ لذلك نحن عندما نحترم علماؤنا، مراجعنا مجتهدينا، قادتنا ورموزنا الذين يستحقون هذه الاوصاف بطبيعة الحال ليس من حق احدا ان يعترض ويقول لماذا انتم لديكم هذه الأمور، هذا غلو! نقول له: هذا ليس غلواً، وانما هو تربية وادب، هذا خلق ودين، هذا التزام وكرامة.
ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا: هنا المصيبة، الذي تفقه وسلك الطريق وصل، لكن الخط الثاني ما هو؟ ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا، صحيح هو صلى وصام شهر رجب وشعبان ورمضان لكن ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾[3] نعم هو زار، مشى، تصدق، دعم الجمعيات، بنا المساجد، عمر الحسينيات، زوج ايتام وفقراء لكن لم يتفقه في دينه لا يعرف في أي جهة يضع اللبنة الايمانية.. هناك الكثير من الناس يأتي يوم القيامة ويقول انا صليت يا رب لكن لا اراها في ميزان اعمالي، اين ذهبت؟ فيأتيه النداء اطلبها من فلان الذي جالس معك كي يعطيك صلاتك! هناك الكثير يتصور بان يوم القيامة لا ينفع سوى هذا القيام والقعود وطول السجود واول من يدخل الى المسجد وآخر من يخرج منه والقرآن لم يسقط من يده و... في حين ان المنتظر الحقيقي عليه ان يتفقه في الدين، انظر هل ان الدين يقول لك من حقك ان تظلم او لا، حتى عندما تأتي يوم القيامة ويسألونك لماذا ظلمت؟ تقول الفقيه الفلاني قال لي اظلم! هل هناك فقيه يقول هذا الكلام، أو عندما أريد ان احسد احد من مجتمعي أو من بيتي أو من اهلي أو حتى من أناس غرباء اقول الفقيه الفلاني في رسالته العملية يقول يجوز لك ان تحسد! هل يجرؤ فقيه أو مرجع أن يتكلم بهذا الكلام؟ لماذا هذا الاسلوب الاعوج المعوج، لماذا علاقاتنا سيئة مع بعضنا؟ لماذا استبدلنا المحبة بالكره؟ وبعد كل هذ ندعو ونقول اللهم عجل لوليك الفرج، لو ان الله استجاب لنا وظهر الامام المهدي (ع) وطلب الامام مني ومنك ومن فلان أن نأتي بصحيفة أعمالنا ماذا سيكون الأمر!! كالشخص الذي كان كثيرا ما يقول يا ليتني كنت معكم فيرى في المنام انه في يوم العاشر من المحرم ويسمع استنصار زينب والامام الحسين (ع) الا انه في منامه يهرب من خيمة الى خيمة كي ينجو بنفسه ولا يلتقي بالإمام الحسين (ع)... نسأل الله حسن العاقبة وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.