نص كلمة: الوسطية في التعاطي مع الآخرين

نص كلمة: الوسطية في التعاطي مع الآخرين

عدد الزوار: 1458

2015-03-03

نزولا عند رغبتكم وإجابةً لدعوتكم امثل بين أيديكم، الأخ السيد أحمد قدم ورقة فيها مقدمة ونقاط أرغب في ان أسلط الضوء عليها في كلام سريعا جدا قدر المستطاع طبعا حتى نترك المجال للأسئلة التي تدور في ذهنكم خصوصا فيما يرجع إلى النقاط التي سوف استعرضها.

أهمية القدوة في وسط الأمة

النقطة الأولى أهمية القدوة في وسط الأمة كلكم تعلمون ان الأيام التي نعيشها في هذه الفترة ليست كغيرها من الأيام السابقة، السبب في ذلك لا يحصر في سبب واحد وإنما هي منظومة من الأسباب تفرض نفسها على الكثير منا، الأمر الأول توفر المادة الذي لم يكن موجوداً في الزمن السابق بهذه الكيفية وسهولة الوصول إليه وهذا عامل أو سبب مهم ورئيسي فيما يرجع إلى الحالة التي بتنا نتلمس بعض أخطارها أو ركوب الخطر فيها السبب، الثاني التقنية الحديثة التي باتت أيضا تفرض وجودها على واقعنا هذه التقنية سهلت التواصل بين الناس ومع شديد الأسف التعامل معها لا يقع على نسق مضبوط وإنما يأخذ دائرة الانفلات بالكثير من الأحايين وإلا هي نعمة وينبغي ان نشكر الله الذي أنعم بها علينا وهي كغيرها من النعم بمقدورنا ان نسوقها في اتجاه الخير وأيضا بمقدورنا ان نسلم أنفسنا لها ونتجه من خلالها إلى المناطق المحظورة التي انتم أبعد بحمد الله تعالى عن دائرتها وخير شاهد هي هذه الجلسة الروحانية ذات الطابع الملكوتي الواضح أنا اهنيئكم على مثل هذه الجلسات والتي أرجعتني الى قبل أكثر من ثلاثين سنة تقريبا عندما كنا في أعماركم كان مثل هذه الجلسات موجودة وكان لها اثر في خلق الكثير من الذوات في أبناء المجتمع.

أثر الصداقات والاستراحات والقراءة الصحيحة لها

أيضا هنالك أمر مهم ومهم جدا ألا وهو الصداقات والتكتلات ومجاميع الشلل وليد توفر الاستراحات في أيدي الكثير من الشباب، هذه الاستراحات لا يمكن لأحد ان يطلق عليها حكما جائرا ظالما على الجميع ولا يمكن أيضا ان يلبسها ثوب التقوى والورع في المطلق أيضا وإنما لابد وان يقف أمامها وقفة تأمل ويقرأ تلك الاستراحات وما تنطوي عليه وما ربما تتكشف عنه أيامها بعضها لا إشكال أنها قريبة من دائرة العناية الإلهية وبعضها مع شديد الأسف تجمع أحيانا وتذهب بأهلها إلى مسافات بعيدا وإذا أراد الإنسان ان يعرف ما وراء الاستراحات من جانب الخير فهو من أهل الخير وعليه ان يعني لها وأما الاستراحات التي تضج في جوانب الشر فان الجهات المعنية بها لديها الكثير من القضايا والحوادث بعضها ينتهي إلى القتل والعياذ بالله ربما سمعتم في بعض القضايا في هذه المجتمعات فهذه العلاقات التي تتشكل بين الأفراد ان لم تكن مقننة ومقيدة بضابطة الالتزام الديني عواقبها وخيمة جدا لذلك الشاعر يوجزها فيقول:

إن الشـبـاب و الـفـراغ والجدة * * * مفسدة للـمـرء اي مفســـدة

والإنسان الذي عنده نشاط وقوة ومال وفراغ وعدم انشغال بشيء النتيجة سوف تكون نتيجة سلبية، من هنا نحتاج الى القدوة الذي اذا ما رأيناه يذكرنا بالله سبحانه وتعالى ويقربنا من مساحته وانتم مغبوطون ولا أقول إلى درجة الحسد وإنما في دائرة الغبطة بان القدوة بين ظهرانيكم تصبحون وتمسون به، وهو سماحة ابن العم العلامة السيد عدنان وكذلك الخال السيد المقدس حسين ياسين هؤلاء وجودهم في أوساطنا من نعم الله سبحانه وتعالى، هم أبواب مقربة إلى تلك العوالم الخاصة أناس ابتعدوا بأنفسهم عن الكثير من مساحات الرغبات الدنيوية لذلك تجد النورانية تطفح على محيا كل واحد منهم، هذا المسجد أيضا له قيمته التاريخية وقيمته العبادية لكثرة من تردد عليه ولكثرة من سجد فيه ولكثرة من ابتهل فيه وللدموع التي استهلت فيه، لها الاثر في صقل الأرواح بربط الإنسان في القدوة، فأنا أقول ان الانسان يغبط ان يتحرك في دائرة رجل دين في هذه الشخصية الجليلة والكريمة والمحترمة والمعتبرة عند الكثير الكثير، فالقدوة مهمة والالتفاف حولها مهم.

الوسطية في التعاطي مع الآخرين

الإشكالية التي يقع فيها البعض منا انه عندما يلتزم هو بالدين ويصبح متدينا هو لا يرى غيره في دائرة الالتزام! وهذا خطأ كبير، الملتزم عليه ان يشرق على غيره كما تشرق الشمس، لان الشمس عندما تشرق لا تشرق فقط وفقط على المساحة الخضراء على الجنة بورودها وأزهارها والمياه التي تزرع أرضها شمالا وجنوبا والعصافير التي تتنقل فيها، بل ان الشمس تشرق على المرتفع وعلى المنخفض وعلى الجبل وعلى الوادي، على الأرض والحديقة الغناء وعلى الأرض الجرداء، على المسلم وغير المسلم، على المؤمن وعلى الفاسق، على الملتزم وعلى غيره، والكل يستفيد منها، فعلى المؤمن ان يكون كهذه الشمس اذا عاش حالة من القرب، حالة من الأنس في فضل التردد على العبادة ان في ثوب الصلاة أو الدعاء أو الزيارة أو قراءة القرآن أو... عليه ان يفيض من هذه الحالة الروحانية الملكوتية التي استقرت في نفسه على الآخرين من حوله، جميل ان يكون الإنسان عندما يصل إلى هذه المقامات من الصفاء ان يكون مؤثرا لا متأثرا يعني لا تكون جلسات الإيمان هي حالة انعقادها لها أثرها وانعكاسها وعندما يخرج الإنسان لا يجد لتلك الحالة التي عاشها لدقائق أو لأكثر من ذلك اثر لابد ان يتضح أثرها من خلال جانبين: الجانب الأول الإنسان بما هو هو هل يختلف الوضع بين حالة انفرد فيها وما بعدها؟ ليقرأ هل ما بعد هذه الجلسة أصبحت أنا في وضع متقدم قبل عما كنت عليه قبل الجلسة؟ أم أنها لم تترك علي انعكاسا بحيث لا استطيع التمييز بين ما قبل الجلسة وما بعده هذه حالة، الأمر الثاني اذا وجد تغيراً في اسلوب التعاطي مع الطرف الآخر هذه حالة ايضا من الاستكشافات التي من خلالها يستكشف حاله وضعه ومن طبيعة حال الإنسان الذي يعيش حالةً من القرب، حالة من الأنس، حالة من الذوبان والانصهار في مقاماتهم أن تكون مترشحة عليه، هناك كلمة للسيد الامام قدس سره الشريف في حق آية الله السيد يوسف الحكيم نجل المرجع الكبير الامام الحكيم قدس سره الشريف، يقول: رؤيته تذكر بالله سبحانه وتعالى إذا صار عند الانسان حالة انشغال في ظواهر الدنيا عندما ينظر الى وجه هذا السيد قدس سره الشريف تقربه من الله، تذكره بالله سبحانه وتعالى، حينئذ انتم شباب في بداية الطريق هذه مرحلة تهنئون على ان أمسكتم باطرافها ينبغي ان تأخذكم الى مربع اكثر سعة واكثر ايضا عمقا ان لا نقبل بالوضع الذي نحن عليه، انما نحافظ على ان لا يكون اقل من هذه الحالة بل ان نتقدم قليلا الى الامام هذا هو المطلوب ﴿و فى ذ‌ٰلك فَليَتَنافَسِ المُتَنـٰفِسون[2]؛ فالوسطية مع الآخر عندما نريد ان نستقطب اشخاصا أو نرجع البعض ممن فلت من دائرة الايمان والالتزام الى دائرة الايمان والالتزام ان نكون وسطيين في طرحنا، انت ايها الشاب المؤمن الذي اكثرت من الصلاة، اكثرت من القراءة، اكثرت من تلاوة القرآن، اكثرت من الحضور في مجالس الذكر والدعاء وما الى لا تحسب ان جميع الناس كما انت فيه هم ايضا عليه، بل عليك ان تتعامل معهم برفق، الرسول الكريم (ص) يقول: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله»[3]، والقرآن الكريم يقول: ﴿و كَذ‌ٰلك جَعَلنـٰكُم اُمَّةً وسَطًا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ[4] الوسطية جميلة في كل شيء في التعامل مع الزوجة جميلة، في التعامل مع الابناء جميلة، في العمل جميلة، في التعامل مع الآخرين جميلة، بل حتى مع الخصم، الوسطية تقرب الخصم بخلاف الشدة التي تنفر الخصم نحن نخفق في الكثير من المساحات لاننا لا نتحرك من خلال الاستجابة لمنهج القرآن الا وهو منهج الوسطية لان منهج الوسطية هو الذي يقربنا.

تغريب المصلحة العامة

أيها الأحبة! الناس على أكثر من حال، الحال الأول ان يسعى الانسان لتحقيق مصالح شخصية سواءٌ كانت دنيوية او أخروية، وأهم شيء عنده هو المكاسب التي يأخذها في المسار، وتارة يقول أنا لا يهمني هذا الطريق لانه بالتالي الشفاعة أمامنا ويفرط في الكثير حتى في الشفاعة والعياذ بالله، بعضهم بقدر ما يتكئ على الشفاعة ويفرط بالالتزامات فان الشفاعة تخرج من أيدينا، الشفاعة تبقى بأيدينا ما دمنا نغذيها ما دمنا نحصنها، بماذا؟ بالصلاة، يعني بأداء الواجبات وبالابتعاد عن المحرمات، الحالة الثالثة هي اذابة الإنسان نفسه للآخر وللمجموع وهذا مقام خاص لا يدركه إلا الأولياء ثم الأقرب فالأقرب ومن يسير على نهجهم ويستنطق مبادئهم ويجسدها واقعا في الخارج إذا صار الإنسان مجموع للذات لا للأنا هذا الانسان قريب من مقامات الأولياء الصالحين اما اذا كان بناءه ان يذيب جميع الناس في سبيل مصلحته ويكون اهم شيء والهمّ الاول والأخير هو ما يقال عنه او هو وصل في دائرة الرضا عن نفسه فهذا مشكلة وكارثة وطامة كبرى.

الحالة الايمانية في أوساط المؤمنين

 الأمر الآخر أيها الشباب الطيب المؤمن الحالة الايمانية في أوساطنا لا تزال في خير ولا يضر بها بعض التصرفات الفردية ان نرى مظهر سيئ مثلا تفحيط في الشارع نقول بان الدنيا ملئت ظلما وجورا! لماذا لا يظهر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هذا تصرف فردي لا نستطيع ان نقول بان كل الشباب يستخدمون نفس الاسلوب، عندما نرى شخصا مستخفا بالصلاة سواءً كان في بيته او في بيتك او في الشارع ليس معناه بان كل الناس هكذا، والدليل واضح انا دائما اكرر واقول ان حالة الالتزام اليوم الموجودة في اوساط شبابنا افضل مما كانت عليه قبل عقد من الزمن وقبل عقدين من الزمن وكلما ازددت ايغالا في الزمن كانت الأمور ليست لصالح ان تكون الافضلية لهم، لانها كانت في السابق عبارة عن تلقين، عبارة عن تقليد، اما اليوم باتت عن معرفة، عن وعي في الزمن السابق قد يصلي الانسان اربعين سنة أو خمسين سنة لكن عندما تعرض الصلاة على المحك وعلى مقياس الاحكام والضوابط الشرعية ترى ان الصلاة لا يؤتى بها وفق كافة الشروط والضوابط المطلوبة، اليوم بحمد الله تعالى هذه الدورات الصيفية، والمجالس الطيبة، والشاب المؤمن الذي يؤثر على أخيه، القنوات الفضائية المفتوحة والمعتمدة في هذا الجانب، قذفت بشبابنا الى مربعات متقدمة، علينا ان نحمد الله سبحانه وتعالى على هذا، هذه الامور في السابق ما كانت موجودة، اليوم رجالات العلم، اصحاب الفضل والفضيلة، الخطباء الذين يحملون صفة التميز، بات لهم تأثير واضح في وسط الجيل الذي نعايشه، الدين متين، المذهب لن يذهب بتصرف شخص، لا ينبغي ان ننزعج كثيرا ونتصور ان السماء قد اطبقت على الارض وان العذاب قد تدلى لان الشخص انفرد في سلوك معين او اختار طريق غير طريق الذي ولد عليه، وعندما ينحرف سلوك شخص سواءا كان في الجانب الاخلاقي او في الجانب العقدي نرى بان الساحة من اولها والى آخرها تضطرب، لكن عندما يأتي لنا شاب قادما من دائرة الانحراف الى دائرة الايمان لا نعطي الاهمية الكافية لماذا؟ هل ان هذه الحالة تنبئ عن حالة صحية او مرضية؟ الناس يفرحون بالخير ولا يستبشرون بالشر، خروج الانسان من جادة الخير هذا ضياع وخسران، في حين ان مجيئه الى حظيرة الايمان والتقى والرشد والهدى يعتبر مغنم يجب ان نلتفت بان الدين الاسلامي قوي لا يؤثر عليه انحراف منحرف وان المذهب صلب ايضا لا ينال منه من اراد ان ينال من هذا المذهب، وهذا المذهب كان قد تعرض الى الكثير خلال القرون الاربعة عشر الماضية ما الذي زاده؟ الذي زاده قوة وتماسك انظروا الى مشاهد مسيرة الاربعين هذا الاستفتاء الجماهيري الطويل العريض على اي شيء يدلل؟ هل كان موجود بالأمس؟ ابدا لكن اليوم هذا الامر بالإضافة الى الكثير من الشعائر التي لا تعد ولا تحصى موجودة.

العودة الى مسار اهل البيت عليهم السلام

 الامر الاخير العودة الى مسار اهل البيت عليهم السلام تتطلب منا حالةً من الوعي والمعرفة، ايها الشباب المهم ان نقرأ، لان القراءة كنز متى ما احتجنا رجعنا اليها، علينا ان لا نكتفي بالثقافة السمعية يعني مجرد ان احضر في المجلس لكن في غير ذلك ليس عندي استعداد ان احفظ معلومة أو اخزن حديث أو استظهر آية فينبغي ان اضع لنفسي برنامج معين لا اقول لك اقرأ في اليوم الواحدة صفحة او في الاسبوع هذا المقدار بل اقول ضع لنفسك منهجا معينا مثلا في هذا الشهر لم أخرج من هذا الشهر الا وعندي حصيلة معينة حول الامام المولود في هذا الشهر، او الامام المستشهد في هذا الشهر بحيث لو اسأل اجيب، لماذا نحن عندما نسأل لا نجيب؟ لان الثقافة سمعية، اضرب لكم مثلا بسيطا مثلا كم نشرة اخبارية يسمعها البعض في اليوم الواحد؟ بعضهم اصلا يضع رجل على رجل امام التلفزيون ويتابع جميع النشرات الاخبارية في القنوات بل حتى عندما يريد ان ينام يسمع مجموعة من النشرات الاخبارية لكن عندما تأتي له وتقول ما سمعت من الاخبار قبل ثلاثة أيام؟ لا يستحضرها، لانها ثقافة سماع لكن عندما يأخذ ويقرأ خبر الصحف يستقر الخبر في ذهنه أكثر من خبر الاذاعة ونحن نرى انعكاسات العلماء تحدث بسبب الربط الوثيق بينهم وبين المكتوب، فأنا اشد على أياديكم وابارك لكم واحي هذه الروح الطيبة فيكم وهذه المثابرة وهذه الاستدامة اسال من الله ان لا يغير عليكم الا فيما هو الأحسن والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.