نص كلمة: المولد النبوي هداية للبشرية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف الأنبياء المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
بلغ العلى بكماله *** كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله
معطيات الرجوع الى روايات أهل البيت عليهم السلام
اسعد الله أيامنا وأيامكم في ذكرى المولدين العظيمين لنبي البشرية الرسول الأعظم محمد (ص) وحفيده الإمام الصادق من آل محمد، مولدان عظيمان فيهما من الدروس والعبر والخير والبركات الشيء الكثير، اختلفت الروايات في تحديد يوم المولد بين قائل في الثاني عشر من شهر ربيع الأول وبين السابع عشر من هذا الشهر وهو المشهور عندنا (أي الامامية). السيد الإمام قدس سره طرح موضوع الوحدة الإسلامية بين المولدين كي تمثل مساحةً على أساس منها تلتقي جميع الأطراف وتقرأ ما لها وما عليها وما يراد بها، جميلٌ أن تلتقي قلوب الناس على محبة محمد وآل محمد وجميلٌ ان يتعرف الناس حدود ذلك وعمقه، النبي وآل البيت هم عدل القرآن، وهم الرابطة بين الأرض والسماء، كلامهم هدي، نطقهم نور، اشراقاتهم لها امتداد، أنوارهم تتسلل إلى قلوب المؤمنين إذا ما وجدتها صفحةً بيضاء لذلك على الإنسان ان يكون حريصاً فيما بينه وبين الله على ان يكون القلب يمثل صحيفةً بيضاء كي تحظى باللطف والفيض المحمدي. يهدينا للنبي ويعرفنا على معالم شخصيته سنته المطهرة وهي عبارة عن الأحاديث التي رويت عنه (ص) إما على نحو ما ابتدأه أو ما كان فيه في موقف الجواب على سؤال من هذا الصحابي أو ذاك. النبي (ص) يمثل للإنسان المؤمن كل شيء فإذا الإنسان التفت إلى هذه الحقيقة أراد ان يمسك بالسبل الموصلة إلى كنهها أي كنه المعرفة لابد أن يأخذ بأحاديثهم، لأنها هي التي تؤمّن لنا هذا البعد وتعبّد لنا هذا الطريق كي نستكشف معالم تلك الأرواح النيرة.
بيان وكشف ما أصّله القرآن الكريم
القرآن الكريم تكفل بتأصيل شيء لكن ذلك التأصيل يبقى في مسيس الحاجة للبيان والتوضيح، لان الناس يتفاوتون في فهمهم ومداركهم أيضاً، هذه السنة المطهرة أحياناً تحتاج إلى مبيّن إلى كاشف وموضح لذلك أهل البيت عليهم السلام عنوا عنايةً فائقة في بيان ما ورد عن النبي (ص) بعد ذلك المسؤولية أنيطت بعلماء الأمة ومراجعها ومجتهدوها، هؤلاء أيضاً أنيطت بهم واحدة من المسائل ألا وهي بيان ما هو المراد من كلام المعصوم (ع) باعتبار ان الفاصلة بيننا وبينهم طويلة تعد بالقرون فالكثير من مكون الأحاديث التبس على الكثير من أهل الفهم لذلك احتاجوا للخاصة الخاصة من أهل الفهم وهم عبارة عن العلماء اللذين امسكوا بأسباب الاستنباط وعناصره يعني أداروها كاملةً وفعلوها باستنطاق النصوص الواصلة عن أهل البيت عليهم السلام في بيان ما وصل عن النبي الأعظم محمد (ص).
توضيح معطيات القرآن
في القرآن آياتٌ كثيرة اختلفت القراءة لها بين علماء المسلمين عامة أي من شيعة وسنة حال ان النبي (ص) أماط الكثير من اللثام عن منطوقها وعن دلالتها أيضاً لكن تبقى العوامل الدخيلة والعوامل الطارئة لها أثرها ولا يمكن للإنسان ان يغفل ما للحاكم من اثر في حرف البوصلة عن اتجاه بسوق مؤدى ودلالة النص إلى اتجاه آخر غير المرغوب فيه من المشرّع وتلمس هذا الأمر واضحاً جلياً في آية الولاية لعلي (ع) كيف عبثت أقلام العابثين جراء من يحرك تلك الأقلام منذ ذلك الزمن والى زماننا فتوضيح معطيات القرآن موكولٌ لهم أي محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام فمن الحري بنا ان نكثر من قراءة الروايات الصادرة عنهم حتى نستعين على فهم القرآن الكل يقرأ القرآن من المسلمين لكن المستفيد من قراءته كم نسبتهم؟ هنا السؤال المهم وعلامة الاستفهام الخطيرة.
معرفة الأصول الأصيلة لعلوم أهل البيت عليهم السلام
الأمر الثاني تزودنا روايات اهل البيت عليهم السلام بالكثير من أصول العلوم الدينية وهذا شيء مهم لذلك بعض العلماء عنى بهذا الجانب وافرد أبواباً بل وألّف مصنفات في بيان الأصول الأصيلة في العلوم الدينية الشرعية الواردة على لسان أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، فالإنسان البعيد عن منظومة أحاديث مدرسة أهل البيت بطبيعة الحال يكون بعيد عن هذه الأصول لذلك تضعف آراءه وتتعثر أيضاً عمليات الاستنباط التي يحاول ان يقوم بها.
الوقوف على هدي النبي (ص)
الأمر الآخر الوقوف على هدي النبي (ص) وكم نحن اليوم في مسيس الحاجة ان نستعين بمصباح النبي (ص) كي نستضيء به الطريق في هذه الدنيا، اليوم نحن امام فتن كقطع الليل المظلم ما لم نستعين فيها عن تجاوزها وتخطيها واماطة الظلمة الحادثة عنها بنور محمد وآل محمد سوف لن نصل إلى النهاية والى الهدف والى الغاية هم فقط وفقط محمد وآل محمد الذين بمقدورهم ان يضيئوا لنا الطريق وهو عبارة عما ورد ووصل إلينا بفضل جهود علماءنا (رحم الله الماضين منهم وحفظ الله الموجودين منهم) وإلا لما وصل إلينا هذا التراث الضخم وهذا العطاء الكبير.
سكون النفس واطمئنان السريرة
أمر آخر مهم وهو سكون النفس واطمئنان السريرة أيضاً هذا يتولد من خلال التردد على روايات أهل البيت عليهم السلام مثلا قد لا يتلفت أحد ما لليتيم من أهمية في حياته وما يحتاجه من العطف الرواية النبوية الشريفة تقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»[2] الإنسان في مسيس الحاجة لمن يقف إلى جانبه ويأخذ بيده يوم القيامة، كثيرٌ من الناس لا تدخلهم صلاتهم ولا صيامهم الجنة وإنما يدخلهم العطف على اليتيم، كفالة اليتيم، الأخذ باليتيم، واليتيم له مصداقان المصداق الأول اليتيم بالمعنى الخاص وهو ذلك الذي فقد اباه، أما اليتيم في عنوانه العام وهو ما عبّر عنه أهل البيت عليهم السلام ان الشيعة هم أيتام آل محمد (ص)، كثيرةٌ هي الأعمال التي تقوم بها تدرج تحت طائلة المعروف لكن المعروف أحيانا نمن به على الآخر حينها سيفقد قيمته وصلاحيته وقوته على الدفع، أما إذا تركنا المعروف الذي صنعناه بيننا وبين الله حينها ستكون الأيام كفيلة في بيان حدودها وآثارها: إذا اسديت معروفاً لا تنتظر شكراً مباشراً سيأتيك الشكر ولو بعد حين. ناهيك عما سينتظرك يوم القيامة هذا شيء مهم.
استحضار أهل البيت عليهم السلام وتطويع النفس بالارتباط بهم
لذلك نحن مثلا عندما يتصدق شخص بمقدار من المال كرامة للإمام علي (ع) أو كرامةً للزهراء سلام الله عليها أو كرامةً للخلف الباقي (ع) ففي هذا الجانب أثر معنوي وفي يوم القيامة سترى أثر ذلك العمل اضافة الى ذلك الأثر الدنيوي وهو تطويع النفس على الربط مع أهل البيت عليهم السلام وتستحضرهم بكل تصرفاتك الحسنة والخيّرة، والعكس بالعكس أي لو اخذت الامور مقلوبة سوف تكون النتائج سلبية جدا، وعليك ان لا تستصغر المعروف ولا تقل هذا صغير ولا قيمة له، فهو قد يكون عند الله كبيرا، مشكلتنا نحن هي أن نقيس الأمور وفق حساباتنا، أنا قد أخجل في أن أعطي صدقة بسيطة أو أخجل أن اشارك في مشروع خيري بمبلغ بسيط أو أساعد شخص بمبلغ جزئي لأنني أتصور بأن هذا الانسان الذي أتعامل معه والجالس بجانبي هو بسيط وصغير في عيني، حال ان من تضع في يده هو الله سبحانه وتعالى (أي يد القدرة) فهذه الصدقة تقع في يد الله قبل ان تقع في يد المستحق، الله كبير، الله اكبر من كل كبير، لنرى أحاديث أهل البيت عليهم السلام ماذا تقول في هذا الجانب، لأننا ندعي أننا نهتدي بهداهم ونستفيد منهم: «لا تحقرن من المعروف شيئا ... ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه»[3] كل مؤمن يولد ونور الإيمان في وجهه أصلاً قد تنظر الى شخص فتنجذب له هذه الجاذبية ما هي؟ نور الإيمان يجذبك، نور محمد وآل محمد يشدك له، فأي شيء يحول دون ان يكون الانسان هكذا وجهه بشرا وطلقاً، ماذا تكلفك هذه الابتسامة؟ أنا دائماً أقول التقطيب في وجه أخيك المؤمن يكلفك الكثير، عكس الابتسامة، وحتى علم النفس اليوم يسير في هذا الاتجاه ويوضح الكثير من معطياتها، لنتنزل ونقول اذا لم تبتسم في وجه أخيك المؤمن ولم تبتدأه بالسلام على الأقل لا تذهب الى الأسوأ، انظروا الى هذا الحديث الثاني والذي أختم به حديثي قال رسول الله (ص): «لا تظهر الشماتة لأخيك، فيعافه الله ويبتليك» إذا رأيت شخصاً يعاني ضيقا في حياته المعيشية لا تشمّت به لأنه قد يصبح في يوم من الأيام من اغنى الناس وأنت تبتلى، أو إذا رأيت شخصاً مريضا لا تقول هذا جزاءه لأنه لم يحسن التصرف مثلا! لأنه قد يتعافى هو وأنت تبتلى، أو أن هذا الشخص ليس لديه ذرية أو ليس لديه جاه أو مقبولية أو ... لأن الأيام تتقلب:
دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها *** ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها *** يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ
وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.