نص كلمة:الموت عبرة وموعظة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ﴾
بعض الامور المساعدة لكبح جماح الانسان
يتمتع الإنسان في حياته بمجموعة من القدرات التي أنعم الله بها عليه، وحيث الأمر كذلك ربما جمحت بالإنسان نفسه واتجه في اتجاهات بعيدة، لذلك تدخلت السماء من اجل حفظ حالة التوازن عند الإنسان من خلال عرض بعض الأمور التي اذا ما التفت إليها الإنسان استطاع ان يحافظ على تلك الحالة من التوازن في تصرفاته الفعلية ومنطلقاته القولية
الخوف من الله سبحانه وتعالى
الأمر الأول هو الخوف من الله سبحانه وتعالى، ومن النعم على الانسان ان يعيش حالة الخوف من ربه، فإذا لم تشغل حالة الخوف من الله سبحانه وتعالى مساحتها من قلب الانسان هان كل شيء امامه، فلا يرى فيه حالة ايقاظ وردع وثبات واستقرار، الله سبحانه وتعالى معنا في قيامنا، في قعودنا، فيما نعيشه في حالات السر والعلن، في مواطن القوة الضعف، الغنى الفقر، الصحة والسقم، بل في كل حالاتنا نحن لا نخرج من دائرة الله سبحانه وتعالى، هو رغبنا وخوفنا، حذرنا وحببنا، حببنا لجنة ﴿عَرضُهَا السَّمـٰوٰتُ و الاَرضُ اُعِدَّت لِلمُتَّقين﴾[2] مفاتيحها بأيدينا، وخوفنا من نار سجرها جبار السموات و الارض لغضبه، وبين النشأتين أو المرحلتين قنطرة هي عبارة عن مكان ضيق لا تتجاوز مساحته متران طولا ونصف المتر عرضا اسمه القبر! ولا يوجد شيء سوى هذا! لكن هذه القنطرة على صغرها في بعدها المساحي الا أنها تعني الشيء الكثير:
فلو أنّا إذا متنا تُركنا *** لكان الموت راحة كلّ حيّ
ولكنا إذا متنا بعثنا *** ويسأل ربّنا عن كلِّ شيء
لا تقول هذا العمل صغيراً أو كبيراً: ﴿فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَه* ومَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾[3] نحن في حياتنا نقوم بأشياء كثيرة، البعض منها ننساها أو نتناساها أو نغض الطرف عنها أو حتى نعرض عنها ولكنها مدونة ومحفوظة: ﴿وكُلَّ اِنسـٰنٍ اَلزَمنـٰهُ طـٰئِرَهُ فى عُنُقِهِ و نُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيـٰمَةِ كِتـٰبًا يَلقـٰهُ مَنشورا﴾[4].
التفكير بالموت والقبر
هذا القبر إما ان يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار والعياذ بالله، واذا ما رجع الشخص الى الوراء سيرى بان الموت شبح مخيف، عندما تسمع بان فلان قد مات ترى ان حال المجلس الذي انت فيه ينقلب راسا على عقب، اقرباء الميت يتحركون في اتجاهات كثيرة من اجل تصحيح بعض الامور فيما يتعلق بهم، أو تدارك بعض الامور فيما يتعلق بذلك المرحوم أو تلك المرحومة وبصورة عامة تحس بان عائلة الميت اكثر رقة وعاطفة مما كانوا عليه، في السابق كانت هذه الحالة تصاحبهم لفترة من الزمن، هذه الفترة تقلصت على نفسها شيئا فشيئا الى ان انحصرت في اقامة مجلس الفاتحة لمدة ثلاثة ايام في الحسينية، ووصلنا اليوم الى مرحلة بحيث يبدأ الصراع من داخل الحسينية في مجلس الفاتحة! يعني حتى هذه الأيام الثلاثة أيضا لم تمر على الميت! لم يهدأ بعد من الحساب هو في الايام الثلاثة الاولى، في هذه الأيام الناس تقرأ القرآن وتترحم عليه، والميت في هذه الايام مرتاح نوعا ما، لكن بعد الايام الثلاثة يحس الميت بان الوضع قد اختلف تماما، يعني كانما نام وانتبه من نومته، حينها تبدأ الوحشة معه، نحن عندما نصلي ركعتين صلاة الوحشة للميت، فان اثر هذه الصلاة في القبر هو ان تضيء القبر، لكن لأي فترة؟ أعمالنا الصالحة من صلاة وصيام، طاعاتنا، ابتعادنا عن المحرمات كلها هي بمثابة وقود تضيء لنا الطريق في الدنيا وتسرج لنا في القبر، في عالم البرزخ، في عالم الآخرة، في حياتنا اليوم نحن نجلس في هذا المكان المقدس مثلا هو مسجد ومكان مقدس ومحترم إضاءته تملأ جميع الجوانب، فالإنسان يعيش في حالة من الارتياح، لكن فجأة يخرج الى مكان آخر اظلم ماذا سيحدث، حينها يبدأ يحس بالوحشة وكلما تقدم معه الليل تزداد الوحشة عليه، فحال الميت نفس الشيء، ومع الاسف صار الموت ينسحب من حياتنا ولم نعد كما كنا عليه، بالأمس كان هناك رادع، اما اليوم لم يعد كما كان، بدليل وكما قلت قبل قليل يبدأ الصراع في الحسينية واحيانا في القبر، خاصة اذا كان الميت سيئ الخلق مع أولاده أو مع زوجته أو سيئ التعامل مع الناس، فستسمع الناس يقولون بانه مات وارتاح واراح الآخرين، او الناس افتكوا منه! هذا الشيء موجود، واذا ما ضيق الانسان على أهله النتيجة ستكون امامه.
قصة قصيرة هادفة
أنا أنقل لكم قصة واقعية حقيقية وليس حلم ليلي ولا هي خيال استسقيه من خلال قصص عالمية أو ... بل هي واقع مر، ينقل لي أحد الاشخاص أنه كان هناك شخصاً ثرياً منّ الله عليه بزينة الحياة الدنيا وبنعمتي الدنيا أي المال والبنون، كان عنده أولاد محترمين وثروة طائلة، لكن يعيشون البؤس والفقر والفاقة يتعطف عليهم الناس.. بعد فترة مات الأب، أولاده السبعة أخذوه للمقبرة غسلوه وكفنوه وقدموا شخصا حتى يصلي عليه ويقرأ هذه العبارات: اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا ... ووضعوه في القبر وبدأوا يلقنوه بانه اذا جاءك الملكان الكريمان و سألاك من ربك... الى آخره وبعد ان دفنوه التفتوا الاولاد للحاضرين وقالوا لهم نشكركم كثيرا ونرجوا منكم ان تغادروا هذه المكان لان لدينا خطاب خاص مع والدنا المرحوم، بطبيعة الحال الحاضرين تصوروا بان هؤلاء أناس متدينين وقد تكون هناك وصية خاصة بهم فخرجوا جميعاً من المقبرة، جاؤوا الأولاد وبدأ كل واحد يلتفت الى الثاني ويقول من يبدأ، طبعاً من مستحبات بعد الدفن هو اعادة التلقين من قبل رحمه وهذا الاستحباب موجود، وهذا التلقين يختلف عن التلقين داخل القبر، هذا بعد الدفن يلقنه احد افراد عائلته، المشاورات بدأت، لا ينصرف في ذهن احد وفي تلك اجواء التدين الا ان هناك تلقين من جديد! لكن المفارقة كانت عندما تبين بان التفاوض كان على من يبول على قبر أبيه أولا أجلكم الله والمكان!! راوي هذه القصة يقول لي يا سيدنا: بالوا الابناء جميعا على قبر أبيهم واحد تلو الآخر!! طبعاً شطر من هذا الامر المؤلم يتحمله الأب، والشطر الآخر يتحمله الابناء، ان ما نغرسه في الدنيا فسوف نرى نتيجته في الآخرة هذا شيء طبيعي، لنرى كم الموت يشكل رادعا لنا اليوم وهل هو يخيفنا أم لا؟ وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.