نص كلمة: المكانة الرفيعة لحامل العلم بنوعيه الديني والدنيوي
شرف العلم ومراتبه
العلم له قيمة ولو لم يكن الا انه يمثّل الشرف لمن تسمى به لكفاه، الانسان عندما يقال عنه عالم، او يقال عنه مصلح، او يقال عنه اديب او مخترع، له نصيبه من هذه الصفات الاسماء الحاملة للصفات في مضامينها، البعض يتصور ان العالم هو في خصوص دائرة الانسان الذي يحمل علما دينيا وان من لا يحمل العلم الديني ليس له من الاجر الا ما اقتضاه على علمه وما ترتب عليه! العلم بقدر ما هو شرف، هو وظيفة أي يحتم على الانسان القيام بوظيفته جراء ما اكتسبه من العلم، الانبياء علماء، الرسل علماء، الائمة علماء، الاولياء علماء، هذه القضية هي نسبية اولئك علمهم مرتبطٌ بالسماء، ثم يأتي الاشرف ثم دونه ما يكون اقل شرفا وهكذا الامور، للإنسان العالم خارج دائرة العلوم الدينية والعلوم الالهية كما يعبر عنها ايضا اجرٌ وثواب، لان اصل التحصيل أي اصل الدراسة امر مقدس، انا لماذا ادرس؟ بعبارة اخرى هل لي الحق في ان اتقرب في دراستي الابتدائية الى الله سبحانه وتعالى؟ ان اتقرب بهذه الدراسة في المرحلة المتوسطة الى الله سبحانه وتعالى؟ نعم لي الحق ولابد من ذلك، وهكذا الامور في سلمها التصاعدي، هذا الشرف، وهذا الامر الذي نتقرب به الى الله سبحانه وتعالى مغيا ووسيلة، اما مغياه ما هو؟ غايته ما هي؟ الغاية من وراء تحصيله هو تأمين الحيات السعيدة للإنسان في هذه الدنيا، هذه غاية طيبة شريفة نبيلة ممضاة من قبل الانبياء والرسل ومن جاء بعدهم من الاولياء، آخر يرتقي في دراسته من اجل تحسين وضع الناس من حوله في كل الابعاد الصحية والنفسية والاقتصادية والفكرية والادبية والفنية ايضا هذا ضربٌ ونوعٌ من الانواع التي تتصف بالغاية الشريفة، ان يسعى الانسان للارتقاء بأسرته، بقبيلته، بمجتمعه، ثم بأمته ثم بالإنسان بما هو الانسان الف لام الاستغراق ايضا هذا فيه شرف وهو عملٌ مطلوبٌ محبوبٌ هذا الامر يستطيع الانسان من خلاله ان يتقرب به الى الله سبحانه وتعالى.
العلم النافع والعلم الضار
متى العلم لا يتقرب به الى الله سبحانه وتعالى؟ اذا ما اتخذه الانسان وسيلة لهدم الذات وتدمير الحيات، مثلا الانسان منذ البداية نصب او صب نظره وسلطه على تحصيل العلم ارتقاءًً ليصل الى اختراع اذا ما استخدم يأتي للبشرية بالدمار، كالإنسان الذي تسبب في انتاج مجموعة من الاسلحة المدمرة مغياه وهدفه هو تدمير الانسان، هي مخزنة، مكدسة تنتظر الساعة التي يعتلي فيها انسان، لا يعرف للانسانية قيمة بالمطلق وهذا ما نشاهده اليوم، قد يوجد في الوقت الحاضر قيمة للانسان محفوظة في ادنى مراتبها هذه النسبة قد تكون موجودة، اما قد يأتي يوم من الايام تقع هذه الامور في ايدي اناس لا تدرك هذا الشيء بالنتيجة بعض الجزئيات والصور الصغيرة المقربة اتصور انها موجودة في هذه الايام.
ارجع الى العلم لا اشكال ان سيل من الروايات يقسم الى طوائف كثيرة يعني فيما يعنيه بان العلم الديني له من الخصوصية بين العلوم، لكن هذا لا يلغي ما في بقية العلوم من الخصوصيات، افترض انا في قرية او في مدينة او في دولة لا تتقوم الا من خلال الثروة البشرية الموجودة فيها، ليست فيها القدرة للاستفادة من الاطراف الاخرى للبشرية بمعنى انها لا تستطيع ان تتقاعد مع الاطباء من خارج البلد او العلماء من خارج البلد لقلة الموارد المالية، مثلا هنا لنفترض قرية معدودة او محدودة العدد هذه القرية تحتاج الى من ينهض بها فهي تحتاج لرجل الدين ولكن وجد في القرية عشرة يقومون بهذا، حينئذ ينتهي الامر لان هذا الجانب قد تأمن، تصوروا لو ان الجميع ترك ما بيده من اجل ان يتشرف بشرف العلم المنسوب لدائرة التشريع ما عسي ان تكون الامور؟ هذا يعني انه لا يوجد هناك لا سباك، لا كهربائي، لا عامل النظافة، لا خباز، لا صيدلي، لا... فما معنى هذا؟ معناه هو شلل الحيات، اصلا اذا علم الانسان ان المجتمع في حاجة له في جانب من جوانبه ويعلم ان هذا الامر منوط به ولا يمكن ان ينهض به غيره يتوجب عليه التكليف ان يسد تلك الفجوة الموجودة في داخل المجتمع، لذلك اليوم الابناء الذين يضربون الارض شرقا وغربا في سبيل الارتقاء في مستوياتهم العلمية التي يترتب عليها الارتقاء بالمجتمعات من حولهم وبث روح الحماس والرغبة في تحصيل العلوم وان كانت في صفتها الدنيوية عمل شريف يمكن ان يتقرب به الى الله سبحانه وتعالى، لان الغاية شريفة عالية سامية. نأتي الى رجال الدين، لا اشكال ان في العلوم؛ علوم التوحيد مقدمة، علوم القرآن مقدمة، علوم العبادات والفرائض مقدمة، علوم الاخلاق مقدمة ،لا اشكال ان فيها شرف وايضا بينها نسب، العلم بأصول المعتقد له اهميته الكبرى لذلك قيل: بان اشرف العلوم ما بحث فيه عن الذات المطلقة، لكن هناك كلام ونقاش فالبعض يقول لا ان علوم القرآن هي الاشرف ومسألة التوحيد فرعٌ مندك يمكن ان يتم التعرض له من خلال مواقف، قسمٌ آخر قال لا علم الفرائض هو اشرف العلوم، وقال آخر لا علم تقويم النفس أي الاخلاق والسلوك هذا هو المهم، لماذا؟ قال: لانه القاعدة والاصل، لانه اصلا لا علم من غير تزكية للنفس وقد قال الله في القرآن الكريم {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[2] ولم يقول تعلموا كي تتقوا، بل جعل التقوى مقدمة على تحصيل العلم نفسه، لذلك نجد العلماء يجهدون انفسهم في سبيل الوصول الى اعلى المراتب المناسبة.
الامام الصادق عليه السلام سيد العلماء
قد يقول قائل ما هي المناسبة من طرح هذا الكلام؟ المناسبة ان ما هي سوى ايام قلائل تفصلنا عن شهادة سيد العلماء ومربي العلماء وامام العلماء امام مذهبنا الامام الصادق عليه السلام الذي تخرج من تحت كرسيه الكثير الكثير ممن لهم الاسماء والبصمة الواضحة على مسيرة الحراك العلمي والفكري والادبي وما الى ذلك... الامام الصادق (عليه السلام) افتقر اليه كل من عايشه او جاء بعده من طلبة العلم الكل احتاج له، في حين انه سلام الله عليه لم يحتاج لاحد من الناس، لان جهة العلم واحدة ألا وهي مواريث النبوة والامامة عند الوفاة من امام الى امام لا يستطيع احد ان يدعي ويقول لنا في يوم من الايام بان الامام الصادق عليه السلام درس عند فلان، او ان الامام الباقر عليه السلام درس عند فلان او ان له مشيخة يروي عنهم هذا الشيء اصلا غير موجود وهذا لا ينحصر عند امام واحد حتى يقول احد بان هناك نبوغ او شيء من هذا القبيل ظهر في هذا فقط، بل الكوكبة كلها هكذا: وعلمنا منطق الطير لدينا علم البلايا والمنايا لدينا علم ما يكون الى يوم القيامة[3]؛ يعني علمٌ لدني خارج عن دائرة القدرة البشرية في حدودها الطبيعية يعني مهما اعطي هذا الانسان من قدرات يبقى لا يستطيع ان يصل الى هذه الخوارق.
دفع شبهة
قد يقول قائل انتم تقولون ان الائمة بهذه المثابة، اذن لماذا هم كانوا يعانون في الصيف من الحر ولماذا لم يخترع واحد منهم الكهرباء كي يرتاحوا ويرتاح الناس من حرارة الشمس ولهيبها مثلما ارتحنا نحن اليوم؟ وهذا سؤال قد يطرح ولا ينبغي علينا ان نواجه السائل بصدور ضيقة ونكيل عليه التهم ونصفه بصفات بل ندعه يسأل ويتحرك، الجواب: ان القاعدة الموجودة هي: مخاطبة الناس على قدر عقولهم[4] ربما نترقى ونقول المقتضي موجود وهو دفع الحر لكن ايضا المانع موجود، كيف: هناك جو شديد البرودة، اريد ان أدفئ، السير الطبيعي ما هو مقتضاه؟ اريد ان أدفئ، الشيء الموجب لإيجاد حركة الدفء هو عبارة عن نار تقدح فيما فيه قابلية الاشتعال كالحطب اليابس مثلا، هل تتم الامور او ما تتم؟ المقتضي للاحتراق موجود نار وخشب قابل للاشتعال، لكن اذا وجدت النار ولم يوجد الحطب ماذا يكون؟ المقتضى موجود لكن ايضا المانع موجود، الحطب الموجود فيه رطوبة موجودة تجعله غير قابل للاشتعال هذا مثال مقرب مادي معنوي. فالإمام علي عليه السلام ابتلي بأمة فيها المانع تسير والمانع معها كيف؟ الامام عليه السلام كان يقول: سلوني قبل ان تفقدوني[5] لكن لا يوجد من يتحرك، يعطي اشارات، المولى عليه السلام يقول: لو شئت لجعلت لكم من الماء نورا ونارا [6] لكن لا يوجد احد يحرك عقله ويقول ما هذا الامر؟ ما هي النسبة الموجودة بين هذين المتضادين؟ هذه حرارة نار محرقة وهذا ماء عذب زلال بارد، الامام علي عليه السلام اكثر من مرة بل حتى عند ليلة الشهادة كرر عليهم هذا المطلب سلوني قبل ان تفقدوني نعم يقوم الرجل ويقول له: اخبرني كم شعرة في لحيتي؟[7] فمثل هذا اذا اخرجت له الكهرباء ماذا سيصيبه؟ وعلى هذه فقس ما سواها طبعا هؤلاء لم يحسدوا الامام بقدر ما قاموا به من الحسد لانفسهم اولا وبالذات والا عندما يقول الامام علي عليه السلام في مسجد الكوفة ومن على منبرها: سلوني عن طرق السماء، لانه يريد ان يرتقي بهم ويرفعهم، اني اعلم بها من طرق الارض، وهذا لا ينفي عدم العلم بالارض لكن يريد ان يعطيهم دفعة للامام لكن ماذا يفعل المانع موجود، ما هو المانع؟ المانع هو الجهل، المانع هو الحسد الذي كان متربع في نفوس الكثير منهم، كيف هذا؟ يقول ذاك القائل: قاتله الله (يعني الامام علي والعياذ بالله) ما افقهه[8] فهؤلاء من خلال حسدهم للأمير المؤمنين علي عليه السلام حسدوا انفسهم وحرموا الكثير الكثير الكثير من النعم.
نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم ممن يعيش المعصومين عليهم السلام لان هذا شيء مهم جدا، كيف نعيشهم؟ علينا ان نقرأ ما ورد عنهم لا يمكن ان نتعامل معهم بعدم الوفاء ولا نقرء حتى ورقة او ورقتين عنهم سلام الله عليهم وفقنا الله واياكم لهذا الامر، وكلنا نقول وندعي باننا جعفرية لكن عندما نسأل واحد منا ما هو معنى كونك جعفري وماذا تعرف عن الامام الصادق الذي هو امام المذهب؟ لا يستطيع ان يقول شيئا وهذه كارثة كبيرة جدا، الحمد لله جيل اليوم طيب طاهر، الدورات التي يقوم بها المؤمنون طيبة وكثيرة ولها نتاج طيب ومبارك، لان بعض الاباء ومع الاسف الشديد لا يهتم بأولاده بل هو منغمس في اموره الدنيوية وحساباته المادية لذلك انتم ترون في بعض الاحيان وحتى بعض المحطات التلفزيونية تقدمه ولا تستقطع هذا الأمر المحزن بان يطلب من ولد ان يعد الائمة لكنه لا يستطيع ان يعدهم بالشكل الصحيح هذا موجود، كذلك الامور التي تحصل في بعض المراقد المقدسة، فمثلا عندما نزور الامام او نزور النبي الصورة لا تحكي الواقع، صورة سيئة ووضع مرير، لماذا لاننا لا نعرف الى اين نسير قرأت لكم حديث مرة من المرات: لماذا ندعوا ولا يستجاب لنا؟ ما الذي اجاب به المعصوم عليه السلام؟ قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه[9]. لاننا عندما نذهب ونزور لا نتأثر لماذا؟ لاننا غير عارفين لو كنا عارفين لم نخرج بثوب النوم، لو نحن كنا عارفين ما كنا قد اذينا الناس ولو... وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.