نص كلمة:المسارات الموصلة لمدرسة أهل البيت (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
ورد عن أهل البيت عليهم السلام انهم قالوا: «من تمسك بنا لحق»[2]
المسارات الموصلة لأهل البيت عليهم السلام
اهل البيت عليهم السلام مدرسةٌ متكاملة في جميع جوانبها، ويوجد هناك مساران يوصل اليها: المسار الاول الخطاب القرآني، المسار الثاني السنة المطهرة.
المسار الاول: الخطاب القرآني
أما الخطاب القرآني فواضحٌ وبين في كثير من آياته أشار إلى هذا المعنى، بل سورةٌ كاملة نزلت تعنى بشأن محمد و آل محمد (ص) ألا وهي سورة الدهر أو الانسان: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾، فالقرآن في كثير من المواطن يضرب الشواهد ويثبت الحقائق على ما لأهل البيت عليهم السلام من المقام والامتياز والخصوصية والتقدم على غيرهم من بني البشر، قد يقول قائل ليس الأمر من الوضوح بحيث يسلّم الانسان تسليما وانما يجب ان يبحث عن دليل، مثلا سورة عم: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ أو سورة الكوثر: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾.. صحيح اختلفت كلمة العلماء حول تلك المطالب، لكن احاديث اهل البيت عليهم السلام وكذلك الصحابة المنتجبين من الكثرة بمكان تثبت هذه الأمور.
المسار الثاني: السنة المطهرة
بطبيعة الحال هناك الكثير من الروايات قد وردت ولكن هنا حقيقة لابد وان نلتفت اليها؛ صحيح وصل الينا الكثير من احاديث النبي (ص) والكثير من احاديث علي وآل علي عليهم الصلاة والسلام، لكن ما خفي منها كان اعظم، باعتبار ان مدرسة الحديث عند اتباع اهل البيت عليهم السلام، عمرها طويل، يناهز قرون من الزمن، فقول النبي الاعظم (ص) أو قول علي أو قول الزهراء أو قول الحسن أو قول الحسين ... حتى الخلف الباقي من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تشكل منظومة مدرسة الحديث التي نعتمد عليها في استنباطات الاحكام الشرعية، او تثبيت الاصول العقدية هذا امر لا يمكن ان يدفع، بل هو الامر المستقر عندنا ولا يختلف عليه من يسير على نفس النهج ويرتبط بنفس المدرسة، أي مدرسة اهل البيت عليهم السلام، الصحابة المنتجبون منهم ايضا سمعوا من النبي (ص) وكذلك سمعوا من الامام علي وسمعوا من الامام الحسن والحسين ومن الامام الباقر والصادق وقبلهم السجاد عليهم السلام وهكذا الى سائر الائمة ولكن في الزمن السابق لم تكن الحساسية بين طالب العلم والاستاذ كما هي عليه اليوم، وانما كانت الامور تسير فقط في مسار العلم والادب والثقافة، حيث كانت الابواب مفتحة والنفوس قريبة، نعم وقتها كانت هناك مسافة بعيدة بين الحاكم والمحكوم لا يمكن ان يقلل الانسان من آثارها، بدليل تناثر قبور مدرسة اهل البيت وابناء الائمة عليهم السلام في اكثر من موقع وموقع على وجه الارض، وهذا مؤشر على ان الفجوة كانت كبيرة بين الحاكم والمحكوم، لكن بالتالي في مساحات العلم، يعني المساجد والجوامع وكذلك المدارس التي فتحت ابوابها في تلك الفترات والحقب والقرون الماضية كانت حالة الحساسية ضعيفة جدا، بدليل ان كثير من علماء الامامية هم تلامذة عند علماء المذاهب الاخرى الشقيقة، والعكس صحيح.
مدرسة أهل البيت عليهم السلام تفرض نفسها على الساحة العلمية
بل اكثر من ذلك فان ائمة المذاهب الاربعة الاساسية الرئيسية عند ابناء العامة والجماعة كانوا تلامذة عندم ائمة أهل البيت عليهم السلام، اما بالمباشرة او بالواسطة، وهذا الحديث المعروف: «لولا السنتان لهلك النعمان»[3] خير دليلٌ على ذلك، بالنتيجة مدرسة اهل البيت واحاديث اهل البيت عليهم السلام، كانت مسيطرة ولكن قسم كبير منها غاب أو غيب وهذه حالة طبيعية، يعني مثلا الخليفة الاول روى عن النبي (ص) مجموعة من الاحاديث، لكن ما كان يحفظه الخليفة الاول عن النبي (ص) كان اكثر من ذلك بكثير رغم حساسية الوضع في هذا الاتجاه يقال ان اكثر من خمسمائة حديث عمد اليها واحرقها ونهى من سمعها منه ان يرويها! ماذا يعني هذا؟ وما هي ملابسات الامر؟ هذا كله يحتاج الى تأمل طويل، لكن ليس تأمل على نحو العصبية، وانما تأمل على نحو الانفتاح على تحصيل المعلومة من جميع الجوانب والمشارب، يعني اليوم لو انفتح هذا الطرف على الطرف الآخر من أجل الوصول الى الهدف المنشود والعكس صحيح، فان الامور لم تصل الى هذا الحال، فالسبب هو غياب الطبقة الاولى من علماء الامة من شيعة وسنة عن التصدي هو الذي اوجد حالة برز من خلالها بعض الرؤوس التي هي دون ذلك بكثير ويضفى عليها لون من التقديم فتصبح هي المتحدثة باسم هذا الفريق وذلك الفريق، حال انه من غير الصحيح هذا الامر وتكاليفه خطيرة، فنحن من خلال القرآن نصل الى اهل البيت وهو طريق سهلٌ معبد، اصلا القرآن انزل كي يفهمه البدوي في الصحراء والمتحضر في أكثر البلدان تحضرا وتقدما، هذه خاصية من خاصيات القرآن، غير القرآن لا توجد فيه هذه الحالة، فمثلا لو تكتب بلغة معقدة لا يفهمها احد الا صاحب الاختصاص حينها غير صاحب الاختصاص لا يفهم تلك اللغة، ولو هبط مستوى الكتابة حينها صاحب الاختصاص لا ينزل بهذا المستوى، لكن القرآن حالة استثنائية يقرأه الكبير والصغير، يقرأه الحضري والبدوي، والعالم والجاهل يأخذ زاده منه، هذه هي خاصية القرآن.
وصف حال الزمان في كلام امير المؤمنين (ع)
السنة المطهرة الصحيحة الواصلة عنهم عليهم الصلاة والسلام من النبي الاعظم (ص) ومرورا بالمعصوم حتى خاتم الائمة الخلف الباقي من آل محمد ايضا الامر كذلك، نعم توجد روايات غير مقبولة والعقل لا ينسجم معها وهي موجودة عند الكل وهي كفيلة في ان تدفع نفسها عن المشهد. ننقل رواية عن المولى علي (ع) لنرى وضعنا اليوم كيف هو، والامام علي (ع) يشخص ومنذ ذلك اليوم وهو يصف حال الزمان مع امتداداته، لان بعض الناس دائما يقولون بان زماننا هذا لا خير فيه والزمان السابق كان أحسن من زماننا هذا! وهذا القول لا يختص بهذا الزمان، وانما كل واحد مر في زمانه قال بان زماننا سيئ والماضي كان أحسن، بل وحتى الذين سيأتون بعدنا سيقولون الله يرحم الطيبين الذين سبقونا وزماننا سيئ! فأمير المؤمنين وقبل الف واربعة مائة سنة يقول: «... ان كنت عالما عابوك، وإن كنت جاهلا لم يرشدوك، وإن طلبت العلم قالوا: متكلف متعمق، وإن تركت طلب العلم قالوا: عاجز غبي وإن تحققت لعبادة ربك قالوا: متصنع مراء، وإن لزمت الصمت قالوا: ألكن، وإن نطقت قالوا: مهذار، وإن أنفقت قالوا: مسرف، وإن اقتصدت قالوا: بخيل، وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك وذموك، وإن لم تعتد بهم كفروك، فهذه صفة أهل زمانك»[4].
ان كنت عالما عابوك؛ كيف نعيش نحن اليوم؟ هل سلم احد؟ لم يسلم لا مرجع ولا عالم ولا امام جماعة ولا طالب علم ابدا ...
وان كنت جاهلا لم يرشدوك؛ البعض عندما يرى احد يجهل شيء لا يكلف نفسه كي يرشد ويعلم هذا الجاهل، بل قد يقول: دعه في جهله مالي وشأنه! وكأن الله لم يرسل الانبياء ولم يكلف الائمة ولم ينصب علماء لهداية الناس.
وإن طلبت العلم قالوا: متكلف متعمق؛ حتى الشخص الذي يريد ان يتبصر في دينه مثلا يريد ان يسأل من عالم الدين في مجلس فيجلس عنده ويسأله مثلا عن الطهارة او عن الصلاة أو ... فان الناس سيعيبونه ويقولون انظروا الى هذا المتملق!! فهذا موجود وكأنما لم نسمع بوصية لقمان لابنه حيث يقول له: «يا بنى، جالس العلماء، وزاحمهم بركبتك»[5].
وإن تحققت لعبادة ربك قالوا: متصنع مراء؛ يعني اذا رأوا شخص يركع ويسجد في اطمئنان قالوا متصنع مرائي.
وإن لزمت الصمت قالوا: ألكن؛ يعني حتى الشخص الذي يريد ان لا يتكلم كي يريح قلبه ونفسه ويستريح الناس منه أيضا لا يتركوه! سيقولون عنه ان هذا الكن لو كان عنده علم لتكلم! ولو كان يفهم شيئا لتكلم، فهو لزم الصمت كي يغطي على نفسه، ولا يقولون انه مشغول بذكر الله والناس والملائكة منه في راحة بسبب هذا الصمت وانما يقولون هذا الكن! ليس لديه شيء..!
وإن نطقت قالوا: مهذار؛ يعني حتى اذا تكلم سيقولون عنه ما أكثر كلام هذا السيد أو هذا الشخص عندما يجلس في مجلس يأخذ المجلس طولا وعرضا بالكلام! هذا موجود، حتى في البيت مع أهله عندما يشاهد شخص من العائلة ذكي يسأل ويناقش في الأمور يعترض عليه ويقول له دعنا من هذيك وهذرتك ويحطم روحه وابداعاته ويقتلها! هذا أيضا موجود.
وإن أنفقت قالوا: مسرف؛ يعني اذا دعا شخص اخوانه واصدقائه على مائدة أكل مثلا، قالوا ان هذا مسرف مبذر! أو اذا بدل سيارته، قالوا هذا مسرف ومبذر.
وإن اقتصدت قالوا: بخيل؛ يعني حتى الذي يريد ان بنظم حياته يقولون عنه انه بخيل، في حين نحن اليوم جميعا وخاصة شبابنا وأبنائي واحبائي اذا لم يكن هناك اقتصاد في أمر المعيشة ستكون هناك معاناة والمقصود من الاقتصاد ليس هو البخل وانما الاقتصاد المدروس المقنن، يعني لابد ان يكون هناك برمجة في المعيشة بحيث مثلا يعزل قسم من راتبه للفواتير، قسم للسفر، قسم للنزهة، قسم للعلاج، وهكذا.. فلابد أن يكون عندي وعي بالتعامل هذا ليس بخلا وانما هذا منتهى الوعي والادراك والشعور بالمسؤولية، لا انني وبعد مضي اسبوع من الشهر ينتهي الراتب عندي وأبدأ افكر أن اتسلف من زيد وعمر! بل ان البعض يعقد النية على عدم الوفاء والتسديد.
وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك وذموك؛ يعني قد تحتاج الى مساعدة من شخص، مثلا حدث لك شيء ليس بالحسبان، تذهب الى شخص وتعرف انه رجل متمكن والله متفضل عليه ووضعه المادي جيد وتحتمل احتمال قوي انه سيساعدك واذا به يتهرب وحتى قد يتهمك بانك انسان تريد ان تخدعه!
وإن لم تعتد بهم كفروك؛ مثلا يقال لك تعال واجلس معنا فترفض لأسباب تخصك، حينها سينسل عليك الف سيف.. وستنهال عليك التهم ويقولون بان فلان لا ينسجم معنا و...، بل اكثر من هذا سوف يكفروك ويسحقوك.. هذه الأمور لا أقولها أنا وانما قالها أمير المؤمنين علي (ع).. وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.