نص كلمة المراجع واحدة من فيوضات الإمام الحجة (ع) في زمن الغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على اعدائهم اعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
صعوبة الفترة التي نعيشها وأهمية اللوذ بحصن حصين
جاء في الحديث الشريف عن الامام العسكري (ع) الذي عشنا ذكرى مولده في الاسبوع الماضي عن ابيه الامام علي الهادي (ع) انه قال: «لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل»[2]
مما لا شك فيه ان هذه الفترة من الزمن التي تمر بها الامة هي من اصعب الفترات واكثرها قسوةً ومرارةً على ابناء الامة، ومما لا شك فيه ان الصراع كان موجودا منذ الايام الأولى وأخذ امتداداته وتفرع على اساس منها، لم يتوقف او لم تتوقف أنهر الدم طيلة القرون المتصرمة كذلك هو الحال بالنسبة للسجون والطوامير التي اودع فيها اشرف البشر وهم الائمة عليهم السلام وزجّ فيها المسلمون في طواحين كثيرة، احيانا كان على سبب عقدي، احيانا كان على خلاف فكري واحيانا كان على عدم وحدة منهجية، لكن بالنتيجة ان ما نعيشه في هذا الزمن ربما يكون هو الاكثر بشاعة والاشد خطورة على الامة لذلك ينبغي للامة ان تلوذ بحصنها وان تعود الى منطلقها الاول.
الرسول وأهل بيته عليهم السلام الحصن الحصين الذي يلجأ اليه العباد
رافدان لا ثالث لهما الكتاب المنزل على قلب النبي (ص) والرسالة المنبثقة من لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم السنة المطهرة بيان وتوضيح لما جاء في القرآن اصولا، لا نستطيع ان نستنطق القرآن من خلال منتجات عقولنا التي تبنى مرتكزاتها في الكثير من الاحايين على مكتسبات علمية وفكرية قام بها اصحاب عقول، لكنها لا تحظى بعصمة لذلك عقولنا تتبلور وتصقل بناءا على هذا الاتجاه، لكن ما كان الاجدى بها ان تصقل على اساس منه العقول فهو ما ورد عن محمد وآل محمد، لانهم الذين يحملون العقول الكاملة الراشدة المعصومة في نفس الوقت. بعد غيبة الخلف الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه فتح على الامة باب وهو غياب العقل الكامل من اوساطها لكن غياب هذا العقل لا يعني الانقطاء وانما هو الاشراف عن بعد في ساعة العسرة وفي ساعة الحرج، عندما تضيق بالامة مواردها ومصادرها تشرق شمسه الكبرى وتعطي عطاءها، تتسلل انوارها الى العقول فترشد والى النفسيات فتطهر في هذه الفترة التي نحن بين وبين يعني بعد غيبة وقبل اذن بظهوره واشراقته المباركة ايضا لطفه في اوساطنا يحيطنا في كل ما نحتاج اليه من اشعاع من اشعاعاته واشراقاته.
كيفية الانتفاع بالامام الحجة (ع) في زمن الغيبة
يقول الخال المقدس السيد ناصر رضوان الله تعالى عليه في بيان او في ثبت هذا المعطى في بيت من الشعر محكم من حيث الدلالة ومحكم من حيث تقريب المعنى لذهن الانسان وهو يخاطب الامام الحجة (ع) يقول: يا غائبا لم تغب عنا عنايته، صحيح نحن لا نراه ولا نلتقي به ولا نتعرف عليه في عالم الشهود وفي عالم الخارج، الا ان فيضه، لطفه، احاطته، مدده محسوس وملموس، كثيرة هي الاشياء الغيبية التي لا نحسها ولا نلمسها ولا نتعرف عليها كنه معرفة الا من خلال الآثار الظاهرة البينة، كم منعطف عسير عصف بالامة كان للامام المهدي (ع) الفضل فيه في تجاوز الامة لمنحدرات ذلك المنعطف، الشواهد كثيرة لكن نطوي عنها كشحا خشية الاطالة، يقول الخال قدس سره: يا غائبا لم تغب عنا عنايته كالشمس كللها داج من السحب، ما من احد يمكنه ان يدعي بان في الساعة التاسعة صبحا لا توجد شمس في السماء، أو في الساعة الثانية عشر ظهرا ليس هناك شمس، أو في الساعة الثالثة عصرا ليس هناك شمس، الشمس موجودة حتى مع وجود طبقات السحاب، مددها موجود، الغيم موجود لكن المطر غير موجود ولا يمكن ان تعصر القطع السحاب فيما بينها الا بفعل الشمس، ما نعيشه من حالة اللطف، ما نعيشه من حالة الارتياح، ما نعيشه من حالة المحبة والتعاون منشؤه ومصدره هو عناية ولطف الامام الحجة سلام الله عليه، كأشعة الشمس.
العلماء العاملين هم وسائط فيض المعصوم (ع)
الامام (ع) الهادي (ع) يقول في هذه الفترة وسائط الفيض واللطف للخلف الحجة هم هذه الكوكبة من العلماء الذين امتحن الله قلوبهم للايمان، هذبوا نفوسهم، شذبوا نفوسهم، ادخلوها بالكثير من الدورات العلاجية للنقص واخذوها الى مساحات الكمال، لذلك اشرق نور الخلف الباقي في قلوبهم، اصبحت الاسرار مكشفة، وسددونا من عالم غيب نحن لا يخشى علينا مادامت هذه الطبقة، وهذه النخبة من المراجع الذين خرجوا من رحم الحوزات الطبيعية لا المراجع المصنعة التي يراد لها ان تكون مراجعا على الامة من غير حق واستحقاق، وانما هم اولئك الذين مخضتهم الحوزات العلمية، صقلهم الاعلام الكبار في الحوزات العلمية حتى امسكوا باسباب استنباط الاحكام الشرعية من مضانها، اخذوا دورتهم الكاملة في احاديث اهل البيت عليهم السلام، تقلبوا في مدرسة الجرح والتعديل في رجالات الاحاديث، اكملوا دورتهم في علم الاصول ليجعلوا منها سلاحا يفكك الكثير من معضلات التصادم، اخذوا باسباب اللغة من معادنها الاصيلة، لا الملح الاجاج نحن في زمن غيبة صدقوني مهما تلاطمت الامواج ومهما تبدلت الاحوال فان ثقتنا لن تتزلزل قيد انملة في ان اللطف حاضر وان ما يحصل هو بعين المهدي من آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشيرف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.