نص كلمة:المحافظة على معطيات شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
تقبل الله أعمالنا وأعمالكم وبارك الله علينا وعليكم هذا العيد السعيد وأعاده الله علينا وعليكم وعلى عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها باليُمن والمسرات.
أهمية الحفاظ على معطيات وانعكاسات شهر رمضان المبارك
وطويت صفحة رمضان من حيث الظرف الزمني واستقر في حسابات الآخرة الكثير من الحسنات، استقطع القرآن مكاناً له في ذلك الميزان وللدعوات نصيب وللزيارات نصيب ولصلة الارحام نصيب وللعطف على الفقراء والمساكين نصيب ولإطعام الصائمين نصيب ولما ثوب لأرواح الموتى نصيب وما تم فيه من تبادل للزيارات فيما بين المؤمنين طوال الشهر الفضيل نصيبٌ وافر، ونحن ودعنا اليوم الرابع من أيام شهر شوال هناك سؤالٌ ربما يطرح نفسه علينا: هل ما زالت تلك الصفحات من القرآن نقلبها بأيدينا، أم أننا اكتفينا بما قدمناه من خلال أيام هذا الشهر الفضيل؟ اقل واحد منا كان قد مر عليه اليوم الرابع من شهر رمضان وكان قد أنهى اربعة أجزاء من قراءة القرآن، فهل انهينا اربعة اجزاء من القرآن ونحن نودّع يومنا الرابع من شهر شوال؟ سؤالٌ مهم، هل تعاهدنا زيارة الامام الحسين (ع) كما الفناها عقيب كل صلاة؟ ام هي الأخرى ايضا ودعناها وطوينا صفحتها؟ صلاة الفجر التي كان يتسارع اليها المؤمنون هل ما زالت تحظى بنصيبها ام تم تغطيتها على أسرّتنا؟ هل ما زلنا نعيش الرقة والعطف والحنان والمحبة في قلوبنا للآخرين والتي ترجمناها عملاً في الزيارات والتواصل والاتصالات؟ ام هذه ايضا قطعنا صلة الرحم فيما بيننا وبينها؟ كانت الأيدي تمتد جوداً لتصل الأبعد ناهيك عن الأقرب، فهل ستبقى هذه الروح ترفرف بجناحيها متنقلة بصاحبها من موطن إلى موطن ومن محل الى محل، ام هذا ايضا قصصنا اجنحتها وطويناها؟ وأسئلةٌ كثيرةٌ تطرح نفسها علينا تبحث عن جواب كي يكون الانسان فعلا ممن استفاد، ممن روّض نفسه، ممن ارتقى، ممن تقرب، ممن انصهر في عوالم المعنويات والسلوكيات والروحانيات والعرفانيات، بالنتيجة شهر رمضان استقبلناه بخير وودعناه بخير، لكن السؤال الأهم ما هو الانعكاس فعلا على سلوكنا في المستقبل، على مسيرتنا طوال عام أمامنا هذا بيت القصيد.
ضرورة وضع خطة عمل وتوزيع الجهد لما بعد شهر رمضان المبارك
اجتمعنا في العيد، تبادلنا القبلات وضعنا الايدي في الايدي، تصافحنا، تعانقنا، تبادلنا الكلمات الطيبة والرسل الجميلة فيما بيننا، لكن السؤال وماذا بعد ذلك؟ مما لا شك فيه الكثير ان لم يكن الجميع قد استفاد من شهر رمضان، صفت روحه وارتقت معنوياته ولكن السؤال المهم بعد ان تحصل على هذه القيمة والسمة الرفيعة جدا جداً ما هو المشروع المستقبلي، هل وضع له خطة عمل، هل يستطيع ان يوزع الجهد والطاقة التي اكتنزها في داخله جراء ما قدم كي تكون قادرةً على التزويد في المحطات القادمة عبر عام، نحن نبدأ في طي صفحاته يوم بعد يوم في أسرع من لمح البصر كما تشاهدون وكما تعيشون، بالنتيجة ايها الاحبة خرجنا من شهر رمضان لكن من الطبيعي ان لا نكون جميعاً على حد سواء وانما المكاسب تتفاوت فيما بيننا من شخص لشخص آخر، من اجهد نفسه في الطاعة والعبادة ولزوم الجماعة والتواصل مع الاهل والارحام يختلف تماماً عن الذي لم يحصل على كل ذلك وانما حصل على جزء منه او مساحات قد تكون طيبة منه.
مراتب الايمان والتعاطي معها
اهل بيت عليهم السلام قبل اربعة عشر قرن من الزمن اعطوا سلما رتبت فيها المراتب، الغاية من وراء ذلك السلّم هو شيءٌ واحد ان يلتفت من هو في الدرجة الأولى من العليا ويسعى من اجل الوصول اليها وان ينحني الذي في العليا كي يأخذ الذي في الدنيا كي يرتقي اليه، فهل سنحقق هذه الثمرة لنكون ممن استجاب للنداء المحمدي العلوي الفاطمي والسلالة الطيبة النيرة منهم عليهم الصلاة والسلام من جهة، ومن جهة أخرى كي نترجم ما قضيناه مع شهر الفضيل من امور والا ان لم يكن كذلك فعلينا ان نراجع الحسابات. روي عن الامام الصادق (ع) انه التفت الى احد اصحابه وقال له:
«يا عبد العزيز إن الايمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست علي شيء حتى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره»[2]
يا عبد العزيز إن الايمان عشر درجات؛ سلمان الفارسي في الدرجة العاشرة من الايمان، فلان في الدرجة العاشرة من الايمان، فلان في الدرجة العاشرة من الايمان...، وردت في هذا الجانب نصوص طويلة عريضة ونحن لسنا بعيدين عنها، الامر شرعٌ فيما بين ان يكون سلمان او بعض اصحاب النبي (ص) من الخاصة المخلصة والخالصة او من اصحاب الامام علي (ع) كذلك ان يصلوا الى هذه المراتب العالية، هذا ليس امراً توقيفياً حتى لا يتجاوز منهم الى غيرهم، بل هو أمرٌ شرع مفتوح أمام جميع الناس اذا ما قيدوا هذه النفس ووجههوها في الاتجاه الصحيح حينها سيرتقي الواحد منهم حتى يصل، مقام العاشرة من الايمان عند اصحاب اهل البيت الذين خصصوا بها من سلمان وبعض اصحاب النبي (ص) هي موجودة فيما بيننا لا يمكن لاحد ان يقول ان العباس (ع) لم يكون في الدرجة العاشرة من الايمان، أو حبيب بن مظاهر صاحب العلم اليقين، أو ميثم التمار، أو مقداد أو ابو ذر أو عمار أو فلان ... هؤلاء نالوا تلك مقامات السامية، لكن اليوم ايضا من السهل ان يتحصل ذلك اذا الانسان التفت إلى نفسه والاسماء طويلة وعريضة من علمائنا البررة، من أناس زهاد وعباد، لأن لله اخفى أوليائه كما تقول الرواية المروية عن أمير المؤمنين (ع): «إن الله أخفى وليه في عباده، فلا تستصغروا شيئا من عباده فربما كان وليه وأنت لا تعلم»[3]، الولي القريب من الله لا يضع على رأسه ما يدلل على ذلك ولا يكتب على صدره ما يرشد اليه وانما اقواله وافعاله هي التي ترشد على ما في مكنون ذاته.
يا عبد العزيز إن الايمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة؛ درجة بعد درجة كما يحصل صعود يحصل نزول، الايمان توقيفية لا تتعدد، لكن المراتب ليست توقيفية يصعد مرقاة بعد مرقاة عندما ينتهي الشخص من المرقاة الاولى عليه أن يؤسس القواعد والاسس المحكمة كي يرتقي للثانية، ثم منها الى الثالثة حتى يصل الى القمة.
فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست علي شيء حتى ينتهي إلى العاشر؛ يعني أقول انا وفقت لأحياء ليالي القدر أكثر من فلان الذي لم يوفق لإحياء تللك الليالي الشريفة، فأرى نفسي ارفع منه، لا يا حبيبي هذا المنهج غير صحيح، هذا المنطق غير تام، فيقول عليه الصلاة والسلام: فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست علي شيء حتى ينتهي إلى العاشر، ويستقر المقام معه، يعني ما دمت انا في التاسعة يحتمل بضربة واحدة ان اسقط فلا ينبغي ان انخدع.
فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك؛ لأنك بالتاسعة تنظر للثامن بانه اقل منك، أو انت بالخامسة تنظر للرابع بانه اقل منك، فيسقط من هو فوقك، عندما يسقط الذي من هو دونك حينها سيسقط الذي فوقك وبعدها ستسقط انت ايضا، لأنك حلقة الوصل بين الاثنين.
واذا رأيت من هو اسفل منك بدرجة فارفعه اليك؛ لكن برفق؛ يعني الشخص الذي بدأ للتو مشواره الديني وخطى الخطوة الاولى على الايمان والتدين والالتزام في اول شهر رمضان، تأخذه مثلا من حسينية الى حسينية، من مجلس قرآن الى مجلس قرآن، من جلسة فلان شخص الى جلسة فلان شخص وتسبيحات الى نصف الليل وبالنهار، من المكان الفلاني الى المكان الفلاني... لا يا حبيبي الدين وكما تقول الرواية المروية عن الرسول الاعظم (ص): «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق»[4] عندما ترى شخص جاء الى طريق الرشاد والهدى والصلاح ارفق به لا تعنف، لا تنفر، فالإمام الصادق (ع) يقول: واذا رأيت من هو اسفل منك بدرجة فارفعه اليك، لكن برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، لا ينبغي ان تشق عليه من اول ليلة بصلاة الليل وقراءة ثلاث اجزاء من القرآن ودعاء الافتتاح ودعاء كميل ودعاء جوشن وجلسات الى آخر الليل ... لا يا حبيبي انت تتمكن من ذلك لكن هو قد لا يتمكن، بعدها يقول الامام (ع):
فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره؛ اذا خرج من شهر رمضان وقال لا رجعة لرمضان ولا باهله بعدما كان قد دخل في بداية شهر رمضان بشوق، ودخل من الباب الذي دخل فيه شهر رمضان وانت أخرجته من الباب الذي خرج منه شهر رمضان، فالرفق ما دخل في شيء الا زانه كما روي عن النبي الاعظم (ص): «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان الخرق في شيء إلا شانه»[5]، حتى في بيان الاحكام لابد ان يكون هناك رفق، عندما يكون لدي رسالة وتدريس أو ما شابه ذلك لابد ان يكون الرفق موجوداً، اخرج الى الحج مع الناس لابد ان يكون الرفق في الأمام والعبادة وراء، ارفق بالعباد دعهم يتلذذون بالعبادة ويانسون بها، هذا شيء مهم، كذلك في البيت اذا غابت لغة الرفق مع الزوجة، مع الابوين على فرض الوجود، مع الابناء على فرض وجود الذرية، واستبدلت بلغة التعنيف والتحقير حينها سوف لا تصل الى نتيجة، بالعكس اذا كان في كل شيء رفق، في العمل رفق، في الشارع رفق، حتى عند اصحاب الاندية الرياضية أو في الجمعيات والملتقيات حينها ستؤتي ثمارها في غير ذلك اذا استحكمت لغة الشدة والغلبة فهذه ليس وراءها شيء تماما، بل هي تتلف جميع ما يعد من الامور مادية ومعنوية، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم ممن غنم من شهر رمضان واخذ حصته وان ينعكس ذلك على سلوكه قولاً وعملا، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يعيد الشهر علينا وعليكم وعلى عموم المسلمين في مشارق الارض ومغاربها في أمن وسرور وهدوء وسكينة، وان يحقن دماء المسلمين، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يسهل لنا قصد ائمتنا عليهم الصلاة في أمن وسرور ان شاء الله، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجمع قلوب المسلمين على بعضهم ويدفع شرور اليهود الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يعجل الفرج لصاحب الامر ونسال من الله سبحانه وتعالى ان يرحم الموتى الذين فقدناهم طوال ما مضى، وفقنا الله واياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والفاتحة مع الصلوات.