نص كلمة:القيم الإنسانية بين التفعيل والتعطيل
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف كما هو المروي عن النبي (ص) انه قال: «من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة»[2]
لابد للإنسان أن يألف ويؤلف
الحياة بين الناس أيها الاحبة هي تدور مدار الأخذ والعطاء وتبادل المصالح فيما بين الناس، وإنما الناس للناس والناس بالناس ولا يستطيع الانسان ان يعيش وحيدا منطويا على نفسه، لأنه اجتماعيٌ بطبعه، الطبيعة المستقيمة للإنسان ان يألف ويؤلف، الانسان الذي ينفر من الناس عليه ان يراجع الحسابات، لأنه قد يكون ثمة داء مرض نفسي قد استقر واستوطن في داخله، بالأمس كانت الامراض النفسية محدودة، لان الحياة كانت بسيطة ولان الناس كانوا يعيشون الطيبة، اليوم أصبحت الحياة معقدة وكذلك الناس يعيشون الكثير من الارباك فيما بينهم، بالأمس قل ما تقع مشكلة عائلية، اليوم قد لا يخلو بيت من مشكلة، تارة بين الزوجين وتارة بين الابناء وتارة بين الابناء وأحد الابوين وتارة بين كليهما، وان لم يحصل ذلك ففي خارج دائرة المنزل مثل دائرة العمل، في مدرسة التعليم، في السوق وهلم جرا.. كل هذه الأمور تشكل ضغوطاً وتولّد الكثير من غدد الشحن السلبي، ما لم تفرغ ايها الاحبة قد تجعل الانسان في حالة من العزلة وفي حالة من الانكماش والانطواء، وقد ابتلي بها البعض فكانت النتائج جدُ وخيمة عليهم كأفراد وعلى اسرهم، إذ خسرهم الناس وخسرهم المجتمع.
تفعيل الجانب الإنساني وإشراك الآخرين بالنعم الموجودة
كل انسان ايها الاحبة في هذا الوجود يمثل قيمة انسانية ولابد وان يحترم الانسان بقدر ما يحافظ على تلك القيمة الانسانية المودعة فيه؛ ايمانه، تدينه، اخلاقه، قدراته المادية، جاهه.. كلها تمثّل منظومة من القيم، قد يكون البعض من الناس يستحوذ على كمية كبيرة منها ويكون البعض دون ذلك فيحتاج الذي لا يمتلك الى الذي يمتلك، كما ان من حق من لا يمتلك ان يطلب العون ويجب على ذلك المقتدر ان يمد يد العون، الواجب الانساني، الفطر الجبلي، روح الاجتماع الواحد يحتم على الانسان ان يسير في هذا المسار، سواء كانت قيم دينية أو قيم دنيوية، الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[3]، فإذا تحصل الانسان المؤمن على هذه القيمة الدينية العالية القيمة، وكان بإمكانه ان يحل بعض المشاكل، عليه ان لا يبخل، فإذا كان على مستوى من العلم والمعرفة عليه ان لا يؤصد بابها أمام المريدين للعلم والمعرفة ومن يرغبون في إنارة الطريق في مسيرتهم الحياتية، عليه أيضاً ان يمد يد العون لهم، يقرب لهم البعيد، يصحح لهم المسار، يبين لهم نقاط الخلل إذا ما وجدت، هذه من مسؤولياته وإلا لماذا تعلّم؟!
عدم تعطيل الجانب الإنساني في التعاطي مع الآخرين
كذلك في المسار الدنيوي ايضا الكلام عين الكلام الانسان الذي فتح الله عليه أبواب الرزق من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب قد يكون ذلك المقتدر هو الأب فعليه ان يفيض مما يملك على اهل بيته، ثم على الأقرب فالأقرب، بل إن بعض الناس يذهبون الى البعيد ولا يقفون عند القريب، لكن ربما البعض يغدق في الخارج، في استراحاته، في اجتماعاته، في اسفاره، في اموره ومع شلته ومع خلانه لكن في بيته على العكس تماماً، يده مقبوضة مغلولة إلى عنقه، زوجته تنفر من بخله، أبناؤه يتبرؤون من فعله، أو عنده جاه، أو قيمة عند المسؤولين وعند اصحاب القرار وعند اصحاب الجاه يستطيع ان يتقدم خطوة في المجتمع لكن هو لا يعطي من نفسه ولا يكلف نفسه، يقولون له نحن ثقتنا فيك عالية نطلب منك ان تتدخل فيما بيننا وتحل المشكلة! يقول: هذا لا يعنيني اطلبوا احدا غيري، يقولون له نحن لا نريد احد سواك لأنك صاحب جاه ومقام يقول اعذروني..! لذلك بعض اسرار العوائل تراها خارج البيوت فبدل ان ترمم تدمر، هذا الحديث الذي قرأناه في بداية الكلام اقرأه مرة ثانيا حتى نتأمل فيه لأن مثل هذا الحديث يكفينا كي يكون منهجا في حياتنا، لانه احيانا قد آية في القرآن تضيء لك معالم الدنيا جميعها، واحيانا رواية عن محمد وآل محمد تكفيك ذلك:
من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته؛ لا داعي لمجالسة مثل هذا الشخص ولا يوجد سبب كي تقضي ليلة كاملة معه في استراحة، انا دائما اكرر وأقول ان اصحاب المكاشرة يقربون لك البعيد، تسير في اتجاه امامك سراب، انت انظر الى دينه ودنياه، جربه وامتحنه، قبل ان تتخذه صديقا وخليلا وصاحبا في الحياة امتحنه، حتى لا يكون معك فقط عندما يكون عندك الاموال، ويكون صديقك مادام انك تسير معه وتسايره وتطيعه..
ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة؛ والذي تطلب منه حاجة فلا يستجيب لك فلا تستجيب له أنت كذلك، لأنه هو الذي بدأ، اذا تأتي له فيما لا يستحق يمتنع كيف إذا جئته بما يستحق، يعني صاحب القيمة الرفيعة، لذلك نحن النور الذي نهتدي به اولا وبالذات هو من القرآن الكريم وثانيا على نحو المتمم والمبين هي السنة المطهرة المروية عنهم عليهم الصلاة والسلام وثالثاً رشفات واقلام مراجعنا وعلماءنا ومجتهدينا ومفكرينا، هؤلاء أيضا يضيئون لنا الطريق، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.