نص كلمة:الفتوى في زمن الغيبة الكبرى

نص كلمة:الفتوى في زمن الغيبة الكبرى

عدد الزوار: 941

2018-04-21

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/6/24هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

العلم والعلماء

نعيش هذه الأيام على مقربة من ذكرى رحيل علمين كبيرين من مراجع الطائفة واعلامها؛ المرجع الاول هو آية الله العظمى السيد الگلبايگاني رحمة الله تعالى عليه والمرجع الثاني هو آية الله العظمى الشيخ محمد علي الاراكي قدس سرهما.

للعلماء دورهم الكبير في الحفاظ على المعتقد ولهم الدور الكبير في الحفاظ على تأمين الفتاوى للمكلفين، ولهم دورٌ كبير في حفظ حالة التوازن بين أبناء المجتمعات، ولهم دورٌ كبير في الربط بين ما هو المتعارف عليه وبين ما هو الذي ينبغي ان يكون، وقد جاء في الحديث الشريف المرويٌ عن النبي الأعظم محمد (ص) انه قال: «إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»[2]؛ أي علم من العلوم سواءً كان تجريبي او كان نظري بالنتيجة له قواعده وله اصوله وعناصره التي متى ما تم التشكيل بينها خلصت تلك النتائج فعنونت بعلم، العلوم اليوم في توسّع واضح وملحوظ سواء ما كان منها المرتبط بالأمور الدينية أو ما كان مرتبط بالأمور الدنيوية، في الثاني التجربيات سيدة الموقف، وفي الاول الموروث سيد الموقف.

نبذة عن حياة بعض علماء الطائفة

العلماء في زمن المعصومين سلام الله عليهم لهم دور، هذا الدور هو عبارة عن حفظ ما يقوله المعصوم، أي أنهم يدوّنون اقوال المعصومين عليهم السلام، يستثيرون السؤال في محضر المعصوم (ع) فيجيب، ثم تأتي التفريعات، المعصوم (ع) لديه القدرة في ان يؤمّن بيان تلك المسائل، مرحلة ما بعد الغيبة التي دخل فيها علماؤنا هي عبارة عن غياب المعصوم المؤمن للجواب بكل جزئيته من مكوّن المسائل، الطبقة الاولى من علماء الامامية تتمثل في أقطاب خمسة؛ هم من أصّلوا وأسسوا وفرّعوا في حدود دائرة ما كانوا فيه زماناً ومكاناً.

الشيخ المفيد (قدس سره)

الشيخ المفيد رضوان الله تعالى الذي رثاه الامام الحجة (ع) حيث وجد مكتوبا على قبره:

لا صوت الناعي بفقدك أنه *** يوم على آل الرسول عظيم[3]

الشيخ المفيد سلطان في المعقول والمنقول لا يشق له غبار، تتلمذ وتخرج على يديه اقطاب من المدرستين ـ أي العامة والخاصة ـ حساسية الفترة التي يعبّر عنها بفترة الانتقال من الحضور الى الغيبة كانت تضغط على ذهنية العالم يعني الفقيه، الاصولي، الكلامي...

ابن عقيل العماني (قدس سره)

الى جانبه كان ابن عقيل العماني رحمة الله تعالى عليه صاحب مدرسة لها امتيازاتها الى اليوم، آراؤه والمباني التي أصّلها وأسسها تفرض وجودها بدوائر البحث في مستوى السطوح العليا كما يقال.

ابن الجنيد الاسكافي (قدس سره)

هذا الرجل العظيم الذي له آراء تدل على الخضرمة في المدرستين، كانت له سلطنة لا يشق لها غبار في جانب المدرسة العامة وفي مدرسة الخاصة ايضا، له آراء متقدمة ومباني انفرد بها عن مشهور الطائفة، بل ربما عما هو ختم عليه عند علماء الطائفة ثقة في النفس عالية، ايمان راسخ وقوي، حفظ للعلم والمعرفة والتأصيل، البعض قد يمتلك علم لكن لا يملك جرأة وليس لديه قدرة على التخطي ورسم معالم المستقبل، هو فقيه، اصولي، محدث، كلامي لكن يبقى في حدود تلك الدائرة المعينة.

السيد الشريف المرتضى علم الهدى رضوان الله تعالى عليه

هذا ايضا اثرى الحوزة العلمية وآراءه ايضا لا زالت حاضرة يعني هي كانت قبل الف سنة لكن كأنه يتحدث اليوم وكانه يكتب اليوم ويقدم نتاجاً.

الشيخ الطوسي (قدس سره)

الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه خاتمة الاعلام الخمسة في تلك المرحلة التي هي مرحلة الانتقال من حال الى حال، من مرحلة الحضور الى مرحلة الغيبة، الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه مجموعة من العوامل وقفت لصالحه حتى وصل الى مقام «شيخ الطائفة» وهو عنوان فيه من التفرد والرمزية الشيء الكثير، هذا الشيخ الجليل لم يكن محصورا في فن من فنون العلم والمعرفة وانما كان صاحب مدرسة في كل باب دخل او من كل باب دخل، آراءه في الاصول، آراءه في التفسير، آراءه في الفقه، آراءه في الحديث، آراءه في الكلام خير مدلل على ذلك، والاصول الاربعة الموجودة في وسط المدرسة الامامية اثنان منها لهذا الشيخ الجليل.

عبدالكريم الحائري (قدس سره)

مرت القرون حتى وصلنا الى العهد الذي نعيش ايامه، ايضا طبقة من الاعلام سادوا المشهد وأسسوا وأصّلوا وخرّجوا أجيال طويلة عريضة من الاعلام، الى قبل اربعين سنة ما كان الناس يعرفون حوزة قم، قبل خمسين سنة لم يعلق في الذاكرة وفي الذهن ولم يسجل حضور في المجالس والمنتديات سوى حوزة النجف ـ حرسها الله ـ حال ان حوزة قم كانت ثابتة ومستقرة ومشرّعة الابواب ونتاجها العلمي لا يقل غزارة وعمقا عما هو موجود في جارتها (النجف)، لكن لم تسلط عليها الاضواء، الذي أسس الحوزة او لنقل الذي جددها هو الشيخ عبدالكريم الحائري صاحب كتاب «درر الاصول»، هذا الرجل العظيم يعتبر من حسنات قم وكربلاء، جاء الى قم وبعث فيها الروح من جديد، تخرج على يديه اعلام كثر.

السيد الگلبايگاني (قدس سره)

 من هؤلاء الأعلام من تشرفنا بذكر اسميهما؛ السيد الگلبايگاني والشيخ الاراكي ـ طيب الله ثراهم ـ السيد الگلبايگاني الى اليوم رغم غيابه عن عالمنا ـ عالم الشهود ـ له حضوره في وسط المجتمع من خلال ما خلف وراءه من حسنات دائمة وهي تأسيس المستشفيات في اكثر من منطقة ومنطقة، وكان كل هذا من الحق الشرعي وهي حالة غير مسبوقة.

الشيخ الاراكي (قدس سره)

الشيخ الاراكي رضوان الله تعالى عليه هو الآخر له بصماته وخصوصاً في الجوانب المعنوية وهي الى اليوم لم يسلط عليها الضوء بالقدر الكافي، الحديث الذي استهللنا به كلامنا يقول اذا غاب أمثال هؤلاء العلماء الذين هم كبار علماء الطائفة بطبيعة الحال يحصل خلل، يحتاج الى فترة حتى يرمم، لا يمكن ان نقول غياب السيد الخوئي كحضوره ابداً، غيابه احدث نقصاً، أو غياب السيد الامام رضوان الله تعالى عليه ليس كحضوره بالتأكيد احدث نقصاً، كذلك بالنسبة لهذين العلمين، اذا غاب الاقطاب واحدة من اثنتين اما ان يكون البديل جاهز او يحتاج الى اعداد واستقرار في ذهنية ابناء الامة، ليس في الضرورة ان يتحقق الاول حالة الانس عند الناس تحتاج الى فترة حتى مع امام الجماعة، بمثال بسيط عندما يتغير امام الجماعة تحتاج الى فترة حتى تأنس بالإمام الجديد، حتى في عقود الزواج مثلا التي هي مجرد قراءة النص الوارد وينتهى الأمر، لكن نرى الشخص الذي عقد للناس مرات عديدة عنده حالة سكون واستقرار وفي بعض الاحيان الروحانية الخاصة والبركة.

الفراغ الذي يتركه العلماء حال غيابهم واثره

البديل الذي لم يكن جاهزا ستكون مشكلة، والمقصود من كونه غير جاهز أي انه غير قادر على استنباط الحكم، نعم هو مجتهد وهو جاهز لكن من حيث القدرة على التماشي مع الوضع من حوله هذا الذي يحتاج الى تأمل طويل. هذه الأيام مرت علينا ذكرى رحيل العم الشيخ حسين الخليفة رحمة الله تعالى عليه بعد ستة وعشرين عاما من غياب هذا الرجل لكن الى الآن الخلل واضح، النقص بيّن، الغياب مؤثر، لحد الآن لم نجد انسان كبير يملأ فراغه، لا نستطيع ان نؤمن شخص بهذا المستوى أي وكيل عام أو وكيل مطلق، فما بالك بما هو ارقى! لا تستغرب المرحلة تحتاج الى شيء كثير، انا كلامي عام انا عندما اتكلم، اتكلم من مستوى التنظير لا في مستوى اسقاط المفهوم على مصداق موجود في الخارج هذا لا يعنيني سواء كان زيد او عمر او... هذا لا يقدم ولا يؤخر، الذي اسعى اليه ان ترتقي ذهنية المجتمع للتعاطي مع المفاهيم، الشخص الذي همه ان يهرول وراء المصاديق هذا انسان لا شغل له ولا غرض عنده ولا هدفية يسير باتجاهها، فاذا غاب هؤلاء من يقوم بالدور؟ عند الخاصة نحن الحمد لله الى الآن امورنا لنقل مرتبة الى حد مقبول، لكن عندما لا يمكن للفقيه ان يشغل مساحته حينها انظر الى الامور الى اين ستسير؟ الى مسافات بعيد جداً، يعني انت هل سمعت في يوم من الايام ان انساناً يتآمر على تصفية انسان مؤمن! وبمسوغ شرعي وبمظلة فتوائية!! عند العامة عندما غاب كبار العلماء في اوساطهم ولم يبقى الا النزر اليسير صار يفتي أمثال البغدادي والزرقاوي و... فسالت الدماء. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يحفظ هذه الطائفة، ان يحفظ هذا الدين، ان يحفظ الاسلام والمسلمين، ان يجعلنا في بلادنا آمنين مستقرين، ان يدفع غائلة السوء من أي كان وان يجعلها في نحر من يريد السوء في عموم المسلمين، حفظ الله العلماء الاعلام والمراجع العظام والعلماء المشتغلين في وسط الامة ورحم الله من مضى منهم سيما من ذكرناه، رحم الله من قرأ الفاتحة مع الصلوات.