نص كلمة:العشق العلوي الزينبي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبينا الأمين محمد وآله الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
الإمام علي (ع) الأعجوبة الالهية
بين المولد الشريف للمولى علي (ع) وذكرى ارتحال سيدة الطف الحوراء زينب، مسيرةٌ من العشق ومسيرةٌ من العلم والعطاء والعمل في اوسع ميادينه، الإمام علي (ع) إلى يومنا هذا لا زال يمثل العقدة عند البعض، كما وانه يمثل الاشراقة عند الآخرين، تقول أم المؤمنين عائشة سمعت رسول الله (ص) يقول «ذكر علي عبادة»[2]، الإمام علي (ع) اعجوبةٌ في جميع جوانب حياته منذ تكونه في عالم العوالم الأولى إلى ان باشر الوجود بإشراقته النوراء وأمه تحمله على ذراعيها من داخل الكعبة، نورٌ من وجه علي (ع)، يقابله نورٌ من وجه الحبيب المصطفى محمد (ص)، أخذه النبي الاعظم، ضمّه إلى صدره، قبّل ما بين عينيه، أجرى عليه المراسم الخاصة، عليٌ (ع) إذن سجّل اعجوبته ومعجزته الأولى ان ولد في مكان لم يحفل به احدٌ من العالمين من الأولين والآخرين، عليٌ (ع) حضي بالرعاية والكفالة من النبي وهذه الرعاية والكفالة ايضاً أعطته بعداً اعجازياً لما ترتب عليها من الآثار، عليٌ (ع) جوهرةٌ سماوية أبدع إحداثها رب الارباب وتصرف في تشكيلها سيد البشر محمد (ص)، عليٌ (ع) باب مدينة رسول الله الذي من أتاه قد أتاها الف الف باب من العلم والمعرفة والوقوف على الاسرار تلقاها الإمام علي بواسطة النبي ومن خلال النبي فهي من السماء بواسطة الأمين على لسان سيد الأمناء إلى علي (ع) وفيه، عليٌ (ع) اعجوبةٌ في علمه، اعجوبةٌ في جهاده، اعجوبةٌ في صبره وتحمله للبلايا والمصائب والمحن، واذا ما اردت ان تمتحن شخصا ما فما عليك إل ان تمتحنه عند نزول النازلة ووقوع المصيبة وإلا في الرخاء، في الرفاهية، في السعادة، في السرور، في الغنى، في الصحة، في الامن والامان الامتحان لا يكشف عن حقيقة الحال، لذلك اكثر من هذا الرواية الشريفة تقول: «لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة»[3] يعني الأمر ليس في كثرة الصلاة وتلاوة القرآن وحبس النفس عن الأكل والشرب والتردد على المقامات وكثرة الصدقات هذه طقوسٌ تعارف عليها الناس، ربما كانت للقربة خالصة وان شاء الله تكون كذلك لكن قد يداخلها شيء يحرف بوصلتها عما اريد لها.
علي (ع) في جهاده وعبادته وعلمه
عليٌ (ع) اعجوبةٌ في جهاده، كلٌ إذا ما طلب لنزال فر وأمن لنفسه الأعذار من هنا وهناك الا علي (ع) وفي الخندق درسٌ وفي خيبر درسٌ وقبل هذه وتلك بدر الكبرى، في بدر الكبرى قضايا ونوازل لو لم يكن علي (ع) موجوداً لتلقى المسلمون الضربة الأولى وربما كانت كافية تلك الضربة ان تأتي على الاسلام من اصوله وجذوره، لكنه علي (ع)، عليٌ (ع) في عبادته له خصوصية، كلٌ يتنقل في موارد العبادات يعيشها أنساً وقرباً وتعلقاً وسيراً وارتقاءً بالتالي «الصلاة معراج المؤمن»[4] لكن ان يذوب الانسان في المطلق فلا يعود هو ذلك الانساني الصرف وانما ذلكم الانسان الذي ينصهر في مقامات العلوم بحيث ينسلخ عن عوالم المادة من حوله بالمطلق، هذا علي، عليٌ (ع) ما سئل عن مسألة وأحجم وكم هم أولئك الذين يحجمون عن اصغر المسائل فلا يجدون طريقا لحلحلتها والإجابة عليها، اما عليٌ فهو الذي قالها ولو قالها غيره لربما لم يؤدي مؤداها «سلوني قبل أن تفقدوني، فلانا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض»[5]، هذا عليٌ (ع).
الامام علي (ع)، أكثر أصحاب رسول الله (ص) حديثا
مما استوجب ان يستغرب الصحابة الأوائل الذين عاشوا مع الرسول ردحاً من الزمن وسمعوا منه الكثير وحضروا الكثير من المعارك الفاصلة لكن البصمات تبقى تلكم التي دونها التاريخ او أعرض عنها. «قيل لعلي: ما لك أكثر أصحاب رسول الله حديثا؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني»[6]؛ يعني أي شيء نقول لك تقول: حدثني رسول لله، سمعت رسول الله ... هذا حال علي (ع)، يتقلب في مساحات النبوة علماً ومعرفة لا يفرغ إلا عن النبي حتى شكلت ظاهرة ملفتة للانتباه صار كل واحد يسأل من الصحابة ما لعلي اكثر اصحاب رسول الله حديثاً!؟ فكان يقول الامام (ع) إني كنت اذا سألته أنبأني وإذا سكت ابتدأني، يعني في محضر القول والسماع، اما ان يسأل مبتدئا فيجيبه النبي (ص)، أو أن النبي (ص) عندما يجد عند الإمام علي (ع) حالة من التوجه الخاص يبتدئه بالكلام، لذلك الانسان الباحث يجد ضالته وافيةً مستوفاة من حيث الاحاديث في كتب الخاصة والعامة التي تشير إلى علو كعب علي (ع) ورفعة مقامه، وهناك الكثير ـ في كتب الفريقين ـ من هذه العبائر التي يذكرها الامام علي (ع): قال لي رسول الله (ص)، قلت لرسول لله (ص)، حدثني حبيبي رسول الله (ص) و...
زينب عليها السلام؛ جذوة الايمان
إذ انتهينا إلى هنا سيطرح هذا السؤال؟ من هذا حاله هل نستغرب بعد ذلك ما تكون عليه ربيبته وابنته فلذة كبده البضعة منه الحوراء زينب؟ في ان تكون عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة، ناسكة في محراب ليلها، حاملة لواء الجهاد بعد ما سقط من يد أخيها، هذه زينب، راية الإمام الحسين (ع) سقطت وتسلمتها وصحبتها معها من كربلاء إلى الكوفة وفي ذلك رمزية خاصة ومن الكوفة إلى الشام وفي ذلك رمزيةٌ خاصة ومنها إلى كربلاء ونصبتها على القبر علماً، ماذا تريد ان تقول زينب؟ تريد ان تقول ان الامانة والحركة والنهضة والثورة والتغيير وطلب الاصلاح قد حصل، عريناهم في الكوفة وكشفنا سوأتهم في الشام، فيا حسين انت المنتصر وغيرك المنكسر، تصور الطف من غير زينب صدقوني لو لم تكن زينب في الطف لكانت النتيجة واحدة كما لو لم يكن عليٌ (ع) إلى جانب النبي (ص) في بدر والخندق و... من المعارك الفاصلة، انها زينب جذوة الايمان، الصابرة المحتسبة اللبؤة في موطن ما يحتاج لذلك، هي زينب، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يوصلنا إلى تلك العتبة الطاهرة كي نبصر تلك القبة النوراء بأنوار زينب سلام الله عليها وان يجعلنا واياكم من الثابتين والمستقرين على ولاية امير المؤمنين (ع)، ان يوفقنا كي نكون من الزائرين له في القريب العاجل...
وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.