نص كلمة:الصدقات المعنوية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
روي عن المولى امير المؤمنين علي (ع) انه قال: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء»[2].
أنواع الشكر ومصاديقه
ليس كل الناس يمتلكون مالاً وثروةً طائلة، بل أن أكثر الناس يعيشون حالةً قد لا ترتقي إلى ما ينبغي أن ترتقي إليه عيشة الانسان، في عموم الارض، في جميع الاقطار، في كافة الأزمنة حالة الفقر والحاجة هي سيدة الموقف، ثم تأتي الطبقة الوسطى الذين يعيشون الكفاف وهم السواد الأعظم الذين يغطون مساحةً ليست بالهينة بين المساحتين، ثم تأتي الطائفة التي فتح الله عليهم وأغناهم وهم الأكثر والأشد بلاءً وابتلاءً، لان هذه النعمة تستدعي شكرا. والشكر على ضربين: شكرٌ قولي وشكرٌ عملي، الشكر القولي لا يكلف كثيراً سوى تحريك هذا اللسان والنطق بـ «الحمد لله على النعمة» أو «الشكر لله على ما أعطى» الى آخره..، لكن الحمد الفعلي هو الذي يحتاج إلى الكثير عندما تجسد هذا الشكر اللفظي والقولي إلى مصداق خارجي، إلى حالة من الانعكاس على المشهد في الخارج، إذا وجدت أخاً معوزا وأخاً ثرياً فأعلم أن الشكر لم يفعّل وإن كان الغني يردده على لسانه ليلاً ونهاراً، لأن هذا الشكر لا يقدم ولا يؤخر، ربما يؤمّن له حفظ النعمة التي في يده كأن لا تستعجل إليه حالة الابتلاء والنكسة، لكن آثار ما يؤمّن الزيادة وهي المكفولة والموقوفة على الانفاق قد لا تتحقق له، بالنتيجة الغني لابد وان يشكر شكراً فعلياً، بمعنى ان كان له من اهله من الخاصة القريبة ما هو في حالة عوز عليه ان يفتش عن الامور، يتلمس الاوضاع يسأل ويتتبع .. فان كانت الامور في السليم فهو في واقعه وحاله لم يتغير شيء عليه، واما اذا كان الوضع كما نبأ الى سمعه أو ما لاحظه هو جراء بعض الامور التي يقوم به الأخ والعم أو ذي رحم فعليه ان يتجه في سبيل تقصير ما يوصله الى حقيقة الامر.
الدقة في تجسيد الشكر
وهنا أنبه على شيء وهو أنه ليس كل من جاء وطلب مال يقترض أن يكون محتاج وإنما قد يكون يستغفلك! وهذه حالة اليوم هي سيدة الموقف وربما اصطدم بها الكثير، يعني يأتي شخص ويقترب من شخص آخر ولكن سرعان ما تنقلب الطاولة على صاحبها، يقاطعه حتى في السلام! حال أنه يفترض هو الذي يجب أن يقاطع، لأنه لم يوفي بعهد ولم يؤدي امانة ولم يسدد دين، حال ان الامور في زمننا صارت تسير في الاتجاه العكسي! يأتيك يتمسكن، يتذلل، يتخضع يطلب القرض منك، فتحسن اليه وتدفع له، يقول لك بعد شهر سوف أسدده لك، واذا الشهر يتحول الى سنة والسنة الى سنوات! وحتى عندما تطلب منه حقك فلا يلبيك! ثم مرة ثانية، ثم تخجل انت الدائن! تخجل من المدين! أي انتكاسة هذه! ثم ايام وإذا به يعرض عنك، بعدها يقطع السلام معك، ثم يتهمك بما ليس فيك، يفتعل الاكاذيب ويلفق عليك، ويقول: أردت ان اقترض منه وانا في عوز وردني!! يا سبحان الله!!
مصاديق الانفاق المعنوي:
1. طلاقة الوجه
إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه؛ قد نكون لا نملك مالاً كي نتصدق به ونرغب في أداء هذا المطلوب (أي الانفاق) ماذا نفعل؟ الإمام علي (ع) يدلنا على الطريق فيقول إن لم يكن شخص من هذه الطبقة المقتدرة مالياً فعلى الاقل يتصدق بالكلمة الطيبة وطلاقة الوجه، نحن نعيش في مجتمعات جافة، قاحلة كقحولة الارض وجفافها، تميت النبتة، لا نتبادل الكلمات الطيبة الرقيقة السهلة، فمثلا شخص انقطع عن شخص آخر فترة طويلة فعندما يراه يخاطبه بقساوة ويقول له: اين كنت في هذه المدة؟ اين ذهبت؟! يا سبحان الله! هل ان هذا هو الاستقبال الحسن؟ هل ان هذا هو التلطف والتودد؟! أليس المفروض ان تقول له: خير ان شاء الله ابو فلان منذ فترة لم نراك ان شاء الله خير! كلمة طيبة وهدوء لا أن تأخذه من اول الشارع وكأنما لديك بضاعة تريد ان تسوقها!
2. الابتسامة الصادقة
الامر الثاني الابتسامة الصادقة؛ لأنه توجد هناك ابتسامات كاذبة نسوقها على بعضنا لا توجد عندنا قناعة فيها، لكن ماذا نفعل يجب ان نسوقها! طبعا هذا الوضع هو وضع مريض وليس سليماً، لأنه عندنا في الروايات ان النبي (ص) كان تسبقه ابتسامته اذا اقبل على اصحابه! لكن ابتسامة النبي (ص) وابتسامة علي (ع) ليست ابتسامة صفراء وليست ابتسامة فخ وصيد! لان البعض يقول: اليوم ابتسمت في وجه فلان، وعندما يقال له نعم هذا عمل جيد الابتسامة في وجه الآخرين، يقول لا هذه الابتسامة كانت رسالة مني إليه ان شاء الله يفهمها.
3. حسن اللقاء
قد يكون شخص حتى هذه الابتسامة ثقيلة عليه على الاقل عليه ان يلقي الناس بوجه بشر وخلق حسن وطيب، علينا ان نعرف جميعا اذ ما اردنا ان تتعامل الناس معنا بحسن الخلق وطيب المعاملة، علينا ان نعاملهم نحن كذلك، اذا تصورنا ان فلان من الناس لا قيمة له ولا يهمني أمره وليذهب الى جهنم! فهو ايضا سيقول نفس الكلام! فلان لا يهمني وليذهب الى جهنم أيضا! هل ان جهنم هو طريق الله ام طريق الشيطان؟ فاذا كان طريق الشيطان فلماذا الناس منقادة الى الشيطان؟ النبي الاعظم (ص) يقول: «إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه»[3] فتنظر يوم القيامة الى هذا الانسان المتصف بهذه الصفة فتراه يتبختر، لماذا؟ لأنه كان يقدم نصيحة للآخرين، لكن هنا سؤال يطرح نفسه وهو هل ان نصيحة الآخرين فقط مختصة بالأنبياء والرسل؟ هل ان هذا العمل هو فقط وظيفة وعمل رجال الدين والخطباء؟ الجواب طبعا لا، وانما هذه مسؤوليتك أنت في بيتك، ومسؤولية ذاك في يته و... حتى تصلح الامور وصدقوني إذا كان الاب في بيته قدوة حينها لا توجد حاجة له إلى خطيب ولا لرجل الدين، فقط ينبغي على الاب ان يحسن التعاطي مع الآخرين وكذلك بالنسبة الى الاخ الكبير وأيضا الأم، اذا اتصفت الاسرة بهذه الصفة حينها سيصلح المجتمع، لان الاسرة اذا صلحت صلح المجتمع، لأني انا من اين جئت وانت من اين جئت وذاك من اين جاء؟ كلها من بيوتات، فبقدر ما يكون البيت متزن بقدر ما يكون الانتاج جميل، فعلى اقل التقادير لابد ان ينقلب كل واحد منا الى مبلغ في بيته، لأن القادم يحمل في طياته الكثير من المخاطر على كافة الأصعدة، فيجب ان نلتفت إلى انفسنا والى بيتنا والى مجتمعنا والى وطننا والى ديننا، بل لابد ان نلتفت الى الجهة التي لو التفتنا إليها ستغنينا عن الالتفات الى عدة جهات، وهي الالتفات الى جهة الخلف الباقي الامام الحجة (ع)، لأنه هو الإمام المفترض الطاعة والموجود معنا، يتحرك معنا في كل حركة وفي كل مكان، اذا كان هذا الشعور ينتابنا حينها ستنتظم امورنا، لان كل الامور التي تحدث وكل المشاكل والمصائب التي تحدث هي نتيجة نسياننا لإمام زماننا، صحيح أننا دائما نقرأ ونردد هذا الدعاء كثيرا: «اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن ...» لكن لابد ان يترجم وينعكس هذا الدعاء في واقعنا العملي. وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.